الاثنين، 18 فبراير 2008


الصليبيون الجدد ... الحمله الثامنه
البعد الديني لحملة بوش الصليبية على العالم الاسلامى وعلاقته بمخطط اسرائيل الكبرى
(هر مجيدون .. المحرقة الكبرى … يوم الرب) في العقل الأمريكي (الانجلو سكسوني البروتستانتي)

بقلم / يوسف العاصى الطويل

فى عام 1993 قمت بنشر دراسة بعنوان "الصليبيون الجدد ... الحملة الثامنه" فى جريدة القدس، تم قمت بنشر هذه الدراسة مع بعض الاضافات فى كتاب يحمل نفس العنوان فى كل من فلسطين ومصر، حيث ركزت هذه الدراسة على ابراز الابعاد الدينية للتحييز الامريكى البريطانى لاسرائيل ..
وفى حينها استغرب كثير من الاصدقاء هذه التسمية اعتقاداً منهم ان العصر الذى نعيش فيه لم يعد به مجال للحروب الصليبية والعداوات الدينية، ولكنهم بعد قراءة الكتاب والامثلة العديده التى وردت فيه لتأكيد هذا البعد، هالهم ضخامة الدور الذى يلعبه الدين فى رسم سياسة وتوجهات اكبر دولة فى العالم تجاه المنطقة العربية والعالم الاسلامى .
فبالرغم من ادراكى، ان الحديث عن حروب صليبية فى هذا العصر ... عصر العلم ... عصر الحرية والديمقراطية ... عصر العلمانية، يعتبر أمراً مستهجناً لدى البعض، الذين يعتقدون أن الدين أو الصراعات الدينية لم يعد لها وجود فى هذا العصر، الذى تحرر على المستوى الاوروبى من قيود الكنيسة، وعلى المستوى الاسلامى من الخلافة الاسلامية التى حلت محلها أنظمة علمانية. الا اننا سنحاول ابراز هذا الدور، انطلاقاً من ايماننا أن الدين كان ولايزال هو الملهم والمحرك الاساسى لكافة الافعال البشرية . فكما يقول المؤرخ الاغريقى بلوكارل: قد وجدت فى التاريخ مدن بلا حصون، ومدن بلا قصور... ومدن بلا مدارس ... ولكن لم توجد أبداً مدن بلا معابد .
ولتوضيح الصورة اكثر سأقتبس مقاطع من خطاب القاه الزعيم الصهيونى إسرائيل زانغويل فى 2 ديسمبر 1917 ، أى بعد صدور وعد بلفور بشهر واحد، وصف فيه المحاولات البريطانية والأمريكية ، الرامية إلى إعادة اليهود إلى أرض فلسطين بقوله :
" سبع حملات صليبية إلى الأرض المقدسة ، عادت على اليهود بالمذابح ، فهل ستؤدى الصليبية الثامنة إلى إسترجاع اليهود لفلسطين ؟ وإذا كانت صليبية حقة ، فإن تلك الحقيقة بالذات تأتى بمثابة البرهان على النظام الجديد لعالم تسوده المحبة والعدالة "
ولم ينسى زانغويل فى هذا الخطاب ، أن يكمل صورة النظام الجديد الذى توقع ميلاده فى ظل الحملة الصليبية الثامنة ، حيث أشار إلى ضرورة طرد العرب من أرض فلسطين ليتسنى إحلال اليهود مكانهم ، لإقامة الوطن القومى اليهودى . كما تمنى فى هذا الخطاب أن يكتمل هذا العمل عن طريق جعل مدينة القدس مقراً لعصبة الأمم ، بدلاً من لاهاى المفلسة ، ليتسنى جمع الحلمين العبرانيين، الأكبر والأصغر، ودمجهما فى حلم واحد، ولتصبح العاصمة العبرانية - ملتقى الديانات العالمية الثلاث - مركزاً ورمزاً للعصر الجديد فى الحال "
هذا ما قاله زعيم صهيونى قبل تسعة عقود، وهو ما كرره الرئيس الامريكى بوش عندما وصف الحرب الذى ينوى خوضها ضد افغانستان وكثير من الدول الاسلامية بدعوى محاربة الارهاب، بانها حرب صليبية، حيث كرر هذه المقوله كثير من اقطاب حكومته، ووصفوا هذه الحرب باوصاف مختلفة، مره بانها حرب بين قوى الخير وقوى الشر، ومره بانها صراع الحضارات، الى غيرها من الاوصاف، التى مرت هى وغيرها من التلميحات والتصريحات للمسئولين الامريكيين ولوسائل الاعلام الامريكية مرور الكرام، ولم يتناولها محللونا بالدراسه والتحليل، بل اكتفوا باقناع انفسهم والرأى العام المسلم بانها مجرد زلة لسان، بدون ادنى محاولة لمعرفة الابعاد الحقيقية لهذا الكلام . فما يصدر عن رئيس اكبر دوله فى العالم لا يمكن ان يكون زلة لسان، بل انه يعنى ما يقول حرفياً وبالذات فى ظل التوجهات الامريكية منذ عقدين من الزمان، والتى اتخذت الاسلام كعدو بديل، فى استراتيجيتها الكونية، وسعت جاهدة لخلق وتضخيم الخطر الاسلامى لاقناع العالم بتوجهاتها العدائية تجاه الاسلام . واى مراجع ومدقق للحركات الاسلامية او الاصولية كما تسميها امريكيا سيكتشف انها فى غالبيتها نشأت وترعرعت بمباركه امريكية . فافغانستان عدوة اليوم، كانت قبل فتره حليف يتلقى الدعم من امريكيا بكل الوسائل، والافغان العرب الذين تطاردهم امريكيا والحكومات العربية اليوم هم حلفاء امريكا بالامس القريب ...الخ.
اذن ما قامت به امريكيا فى السابق ما هو الا عملية تجهيز للمسرح وللمعركة الفاصلة بين قوى النور وقوى الظلام كما يسمونها، حيث تم اعداد المسرح بالكامل منذ فتره وتم توزيع الادوار، ولم يتبقى الا اشعال فتيل الحرب والذى تمثل فى تفجير نيويورك وواشنطن، والذى نؤكد ان الذين قاموا بهذا العمل الجبان هم من داخل امريكيا ومن الجماعات المسيحية الاصولية – وما اكثرها فى امريكيا – التى تسعى الى استعجال العودة لثانية للمسيح والتى لابد ان يسبقها حسب اعتقادهم معركة فاصلة تسمى هرمجيدون بين قوى الخير ممثلة بامريكيا واسرائيل وبين قوى الشر ممثلة بالعالم الاسلامى وروسيا ودول آخرى .
وبالرغم من ادراكنا لخطوره الحروب الدينية وانها ليس فى مصلحة اى طرف، الا اننا لن ندس رؤوسنا فى التراب وكأن الامر لا يعنينا، بل يجب توضيح هذا الامر للرأى العام وفضح المخطط الامريكى الرهيب الذى يسعى الى زج العالم الاسلامى بل العالم اجمع فى صراع دينى رهيب لتنفيذ نبوءات وخرافات توراتية مزيفه .
فديننا الاسلامى يحثنا على الوقوف فى وجه الظلم، وعلينا واجب يجب ان نقوم به من اجل افشال هذا المخطط الرهيب ليس فقط لحماية الاسلام والمسلمين، بل وايضا لتجنيب العالم باسره وامريكيا بالذات ويلات هذه الحرب التى يريدها الساسة الامريكان حرب عالمية ثالثة، او ما يسمونها هرمجدون او المحرقة الكبرى التى يباد فيها ثلثى الجنس البشري ليتحقق ما يسمونه العصر الالفى السعيد ويعود المسيح الى الارض ويحكم العالم من مقره فى القدس . انها خرافات ونبوءات رهيبه، ولكنها للاسف هى التى تحكم امريكا الآن، وترسم سياستها الخارجيه تجاه المنطقة والعالم، والمصيبة الكبرى ان الاعتقاد بهذه الامور ليس قاصراً على جماعات دينية متطرفه بل، يشمل غالبية صناع القرار فى امريكيا من وزراء ورؤساء امريكيون وقادة وجنرالات فى وزارة الدفاع، ويكفى ان نذكر ان الرئيس الامريكى السابق رولاند ريجان كان من اشد المؤمنين بهذه الخرافات، اما الاارة الحالية فكلها من اليمين المتشدد، حتى وزير الدفاع رامسفيلد، كان سبب اختياره لهذا المنصب – كما اشار د. برهان غليوم فىمقابله مع قناة الجزيره - هو اطروحه قدمها لوزارة الدفاع الامريكية، رسم فيها سيناريو الحرب بين قوى الخير والشر والتى ستؤدى الى معركة هرمجيدون، حيث لم يكن مصادفه ان يدعى ان جماعات اسلامية بقيادة اسامه بن لادن ستقوم بالهجوم على نيويورك بواسطة الاقمار الصناعية وتتسبب فى احداث دمار فى المدينة، مما يتطلب رد امريكى كبير على ذلك !!؟؟ فالسناريو جاهز ومعد مسبقاً ولم يبقى الا التنفيذ، حيث نجزم ان الهجوم على نيويوك وواشطن قامت به مجموعه من الانتحاريين المهووسون من اليمين المتطرف لتعجيل العودة الثانية المسيح، لانه بدون هرمجيدون لا توجد عودة للمسيح حسب اعتقادهم .
وبالرغم من ادانتنا الشديده للتفجيرات التى هزت امريكيا والعالم، وقناعتنا بضرورة معاقبة المسئولين عنها، الا اننا يجب ان لا ننساق وراء الرغبه الامريكية الجامحه فى تجيير الحادث الاليم لجر العالم الى حرب مدمره لا يعلم مداها الا الله . فلم يعد خافياً على أحد ان الولايات المتحدة الامريكية حكومة وشعباً تنتابها حالة سعار وهوس غير مسبوقه لحشد التأييد الدولي لضرب افغانستان وعدد من الدول العربية والاسلامية، بالرغم من عدم وجود المبررات والادلة الكافية لهذه الضربة الجنونية التي وإن حدتث فإن تداعياتها ستؤدى الى عواقب وخيمة ليس على افغانستان وحدها ولكن على امتنا العربية والإسلامية بالذات، وليس مستبعداً ان تكون بداية لحرب عالمية ثالثة .
والغريب في الأمر ان حالة السعار هذه ليست مقتصرة على الإدارة الأمريكية وحدها بل ان الشعب الأمريكي أبدى نفس الشعور من خلال استطلاعات الرأي التي أشارت الى تأييد قطاع كبير من الشعب الأمريكي لهذه الضربة . ولو كان هناك مبرر منطقي معقول لهذه الضربة، لكن الأمر مقبولاً، أما ان تحشد هذه الأساطيل والجيوش، ويتم التهديد باستخدام الأسلحة النووية وكل ذلك بدون اي دليل على تورط افغانستان او اسامه بن لادن او العرب والمسلمين بالتفجيرات التى ضربت امريكيا، فهذا ما لا يقبله عاقل . فقد اصبح واضحاً للجميع ان امريكا تتخبط فى اتهاماتها للعرب والمسلمين، حيث تبين ان عدد كبير مما وردت اسمائهم كمنفذين للعمليه احياء يرزقون، كما ان السرعه التى تم بها تحميل العرب والمسلمين مسئولية ما جرى كشفت عن وجود نيه مبيته منذ فتره كبيره لهذا الامر، ولكن الله اراد ان يكشف مخططهم الرهيب فوقوعوا فى هذه الاخطاء . فالتفجيرات كما اجمع الخبراء لا يمكن ان يخطط لها من الخارج، بل ان المخططين والمنفذين من داخل امريكيا ولديهم معلومات بالغة الدقه فى كافة المجالات . وهنا لا بد من التساؤل لماذا لم يتم توجيه الاتهام للجماعات المسيحية المتطرفة التى تعد بالمئات والتى تمتلك اسلحة ومليشيات، ولديها سوابق فى هذا المجال مثل ما حدث فى اوكلاهوما، كما ان هذا الجماعات تؤمن بافكار ونبوءات متطرفه وجنونية تقول بقرب نهاية العالم وقيام معركة فاصله بين قوى الخير وقوى الشر، ولهذا فلا يستبعد ان تكون احدى هذه الجماعات هى التى نفذت الهجموم لاستعجال نهاية العالم وعودة المسيح الى الارض، وقد سبق لمكتب التحقيق الفدرالى ان نبه الى هذا الخطر فى تقرير نشر فى 20/10/1999 .
فقد ذكرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية نقلا عن تقرير صادر عن المكتب الفيدرالي الأمريكي في 20 أكتوبر 1999 أن المتطرفين المسيحيين الأمريكيين يستعدون للقيام بأعمال عنف كبيرة في بداية القرن العشرين داخل الولايات المتحدة. وأضافت الصحيفة تقول: إن هذا العنف المتوقع سيكون راجعًا لاعتقاد الذين يؤمنون بالإنجيل بأن نهاية العالم ستكون في الألفية الثالثة. وذكرت أن التقرير الأمريكي يشير إلى أن هناك توترات يمكن أن تحدث بين المسلمين واليهود في القدس استنادًا للأسطورة -التي يؤمن بها مسيحيون ويهود- والقائلة بأن منطقة "هرمجيدون" التي تقع جنوب فلسطين ستشهد حربا بين الخير (اليهود) والشر (المسلمين) وسينتصر فيها الخير، كما سيتم استخدام الأسلحة النووية في هذه الحرب وسيباد كل المسلمين وسيعود العالم مرة أخرى إلى حالته البدائية، ويضيف التقرير أن الآلاف من السياح الأمريكيين بدأوا يتوافدون على إسرائيل للاشتراك في هذه المعركة وأن الإيمان الراسخ بهذه الأسطورة دفع أشخاصًا عديدين لاقتناء حاجاتهم من الغذاء والمال والسلاح والملابس انتظارًا لنهاية العالم.
وفى الاطار نفسه وفي كانون الثاني/يناير سنة1999 اعتقلت الشرطة الإسرائيلية وأبعدت إلى الولايات المتحدة ثمانية أعضاء في طائفة أميركية "المسيحيون القلقون" اتهمتها بالسعي إلى الانتحار بشكل جماعي بمناسبة حلول الألفية الثالثة.وأفادت الصحافة الأميركية أن زعيم هذه الطائفة مونتي كيم ميلر تنبأ بأنه سيقتل في شوارع القدس في ديسمبر 1999 ، وأن هذا الحدث سيطبع نهاية الألفية الثانية. ويعتقد المسيحيون من أصحاب هذه النظرية أن تدمير مسجدي القدس (الأقصى وقبة الصخرة) وإعادة بناء المعبد اليهودي مكانها يشكل مقدمة لعودة المسيح وللدينونة الأخيرة.
ويضيف التقرير : أن عددًا من المنظمات الدينية التي تنتظر يوم الدينونة في 2000، خزنت أسلحة في مخابئ سرية بغية تنفيذ اعتداءات تستهدف قواعد للجيش الأميركي ومكاتب الأمم المتحدة والمؤسسات اليهودية والسكان السود في الولايات المتحدة والأقليات العرقية فيها. ولذلك طلب مكتب التحقيقات الفيدرالي (F. P.I) من أجهزة الشرطة المحلية مراقبة الميليشيات المتطرفة والطوائف التي يمكن أن تستغل حلول عام ألفين للقيام بأعمال إرهابية أو عمليات انتحار جماعي. وفي تقرير من أربعين صفحة وُزِّع عبر العالم، أوضح مكتب التحقيقات الفيدرالي أنواع التهديدات، وفصّل المراجع التوراتية التي تستعملها هذه المجموعات.
وجاء في هذا التقرير ايضاً : أن هذه الحركات قد تستغل اقتراب عام ألفين من أجل التعجيل بـ "نهاية العالم"، وهي تعتقد أنها باتت قريبة. ويطلب التقرير من أجهزة الشرطة المحلية أن تكون بالمرصاد، وأن تبلغ عن أي تغيير في تصرفات هذه المجموعات مثل استعدادات مشبوهة أو تخزين متفجرات… وما إلى ذلك. ويخشى (F.P.I) أيضا من حصول أعمال فردية يقوم بها أعضاء في هذه المجموعات.وأوضح مكتب التحقيقات الفيدرالي في بيان له أن "مشروع مجدو" يقدم "رؤية شاملة لأيديولوجيات متطرفة مختلفة، وخصوصا تلك التي تدعم أو تدعو إلى القيام بأعمال عنف في عام 2000".
ومن بين هذه المجموعات المستهدفة، يعدد البيان خصوصًا "مناصرين أشداء لتفوق العنصر الأبيض" الذين يسعون إلى شن حرب عنصرية، ويؤمنون ببدع تنتظر معركة كبرى نهائية عنيفة، وكذلك أعضاء متطرفون في ميليشيات يخشون أن تقوم الأمم المتحدة باجتياح الولايات المتحدة وإقامة نظام عالمي جديد.
هذا تقرير لمكتب التحقيق الفدرالى اعد منذ سنوات، ربما يفيد فى تحديد المسئول عن التفجيرات، ولكن يبدو ان الادارة الامريكية الجديدة لا تروق لها هذه الادله، ولهذا لم تفتش عن السبب الحقيقى، بل لجأت الى عدو وهمى وجاهز لالصاق التهمه به وهو العرب والمسلمين، من اجعل اشعال هرجيدون وتحقيق النبوءات التوراتية .
فالأمر اصبح بالنسبة لأمريكا وكأن ضرب افغانستان وإشعال الحرب في المنطقة أمرا حتمياً لابد منه وغاية لابد من إيجاد المبررات لتسويغها مهما كان الثمن، حتى ولو سلمت افغانستان اسامه بن لادن ، بحيث أصبحنا وكأننا أمام قدر مكتوب أو وصية مقدسة لابد من تنفيذها بحذافيرها مهما كان الثمن، بالرغم من معارضة غالبية دول العالم لمثل هذا العمل الأخرق، باستثناء الدول الانجلوسكسونية البروتستانتيةوعلى رأسها بريطانيا، التي شكلت فيما بينها حلفاً دينياً انجلوسكسونياً من طراز جديد يتسم بالعنصرية والبربرية والهمجية، محاولاً تنصيب نفسه لقيادة العالم أعتقاداً منه بأنه ينفذ إرادة الله على الأرض،وان الله اختار العنصر الانجلوسكسونى لقيادة العالم وتنفيذ أرادته انطلاقاً من أيمانه بخرافات ونبوءات توراتية مزيفه، أعطت اليهود ودولة إسرائيل دوراً مركزياً في تشكيل توجهات هذا الدول حيال العالم .
وقبل ان اختم هذه المقدمة اود الاشارة الى امر مهم، وهو ان هذه الدراسة لا نهدف الى القول بأن كل مسيحيى العالم يؤمنون بهذه الخرافات، او يدعمون اسرائيل ويؤيدون ما تقوم به فى فلسطين، بل ان هذا الامر مقصور فقط على اتباع المذهب البروتستانتى الذين ينتشرون فى امريكيا وبريطانيا وبعض الدول الاوربية، اما الطوائف المسيحية الاخرى – كاثوليك وارتوذكس – فلا يؤمنون بالتفسيرات والنبوءات التوراتية الخاصة باسرائيل كما وردت فى الانجيل، ولهم موقفهم الخاص من اليهود واسرائيل، والذى يصل الى حد العداء، وليس ادل على ذلك من ان البابا بولس السادس بابا الفاتيكان راعى الكنيسة الكاثوليكية – اكبر الكنائس المسيحية فى العالم – يرفض كثير من المواقف الاسرائيلية . كما ان الكنيسة الارتوذكسية لها موقف اكثر حدة من اليهود، حيث يرفض اتباعها الذين ينتشرون فى روسيا واليونان والدول العربية مواقف اسرائيل المختلفة فيما يتعلق بالصراع العربى الاسرائيلى .
وفى الازمه الحالية دعت الكنيستان الكاتوليكه والارتوذكسية الى تجنب نزاع بين المسيحة والاسلام حيث جاء هذا على لسان البابا يوحنا بولس الثانى، والبطريرك اليكسى الثانى رأس الكنيسه الارتوذكسية .
فالصليبيون الجدد الذين نتحدث عنهم هنا هم اتباع المذهب البروتستانتى الذى ظهر مع ما سمى بحركة الاصلاح الدينى فى القرن السادس عشر، حيث يأخذ اتباع هذا المذهب بالتفسير الحرفى للانجيل، وقاموا بالسعى من اجل تحقيق كافة النبوءات الواردة فيه والخاصة باليهود ودولة اسرائيل، ولا يزالون حتى هذه اللحظة يعدون العدة لتنفيذ باقى النبوءات والخرافات التوراتية وبالذات فيما يتعلق بمدينة القدس والمسجد الاقصى، ومعركة هرمجيدون .

اما بالنسبة لموقف المسيحين العرب ، فلا مجال هنا للمس بهم وبمواقفهم المشرفة عبر التاريخ وبنضالهم في سبيل نصرة قضايا امتهم العربية وعلى رأسها قضية فلسطين ، حيث شاركوا بكل قواهم في التصدي للخطر الصهيوني سواء بدمائهم او بأقلامهم التي كانت لها صولات وجولات في فضح الخطر الصهيوني والتصدي له من خلال كتابات ومواقف كثيرة ، ونخص بالذكر هنا موقف الكنيسه القبطية المصرية وعلى رأسها قداسة البابا شنوذة الذي اصدر اوامره الى اتباعه بعدم زيارة مدينة القدس ما دامت تخضع للاحتلال الاسرائيلي هذا بالرغم من وجود اتفاقية سلام بين مصر واسرائيل، كما ان البطريرك المارونى نصر الله صفير قال تعليقاً على الحرب التى تنوى امريكيا شنها على افغانستان وبعض دول المنطقه : ان المسيحيين فى لبنان جزء من الشرق وان الاعتداء على هذا الشرق اعتداء على المسيحية .
ان هذه الاشارة وهذا التوضيح كان ضرورياً حتى لا يعتقد البعض اننا نهدف الى تصعيد الصراع بين المسيحية والاسلام فى وقت حقق الحوار بين الاسلام وممثلى الكنائس المسيحية الارثودكسية والكاثوليكية تفاهم واتفاق حول كثير من الامور ، والذي نتمنى ان يستمر للوصول الى تعايش وتعاون مثمر بين اتباع الديانتين ، بعيداً عن محاولات التهويد المنظم التي تخضع لها الفرق المسيحية البروتستانية . كما ان هذا التوضيح كان ضروريا حتى لا يوضع المسيحيون العرب موضع الاتهام عن جهل او سوء نية ، فالتعايش المسيحي الاسلامي في عالمنا العربي سيظل شاهداً على التسامح والتعاون المثمر بين الاديان بالرغم من كل المحاولات التي يقوم بها اعداء امتنا العربية من اجل تعكير صفو هذا التعايش الذي جعل اللورد كرومر يقول : انه لم يلحظ في مصر أي فرق بين مسلم ومسيحي سوى ان الاول يصلي لله فى مسجد والثاني يصلي لله في كنيسة .
ان الصليبيون الجدد الذين نتحدث عنهم هم اتباع الكنيسه البروتستانتية اليمينية المتطرفه وبالذات فى امريكيا وبريطانيا،الذين حولوا المسيحية من دين محبه وسلام الى دين بطش وارهاب وقتل، ولهذا فان من واجب دول العالم اقامة تحالف مشترك ضد هذه الهلوسه والخرافات، التى قادت العالم الى حروب مدمره خلال هذا القرن، وهذا التحالف يجب ان يكون اسلامى مسيحى بوذى هندوسى وعلمانى ...الخ لوضع حد لهذه الخرافات التى تحكم تفكير اكبر دوله فى العالم . ان هذا التحالف عليه مهمه شاقه وطويله من اجل ترويض هذا التفكير العدمى، ليس فقط من اجل حماية العالم، بل وايضاً لحماية امريكيا من نفسها .
فى هذه الدراسة سنحاول القاء الضوء على الدافع الحقيقى للاصرار الامريكى علىتوجيه ضربة عسكرية لافغانستان، بعيداً عن كل المزاعم التى تحاول امريكيا واعوانها ترويجها مثل القول بان الهدف هو محاربة الارهاب ، او غيرها من الاقوال والمبررات التى اصبح القاصى والدانى يدرك بطلانها وعدم كفايتها لتبرير كل هذا الحقد والكراهية التى لا تتذخر امريكا جهداً فى صبها على امتنا العربية والاسلامية، ممثلة فى العراق وليبيا والسودان وايران وافغانستان .. الخ . حيث سنركز فى هذه الدراسة على بعد آخر هو البعد الدينى الذى يلعب دورا مركزيا فى صياغة السياسة الامريكية تجاه المنطقة ، انطلاقاً من ايمان اتباع هذا التيار - الذى يبلغ عدد اتباعه فى امريكيا 100 مليون - بنبوءات توراتية مزيفة يعملون على تطبيقها حرفياً على ارض الواقع اعتقاداً منهم بأنهم ينفذون أمرا ألهيا، للتعجيل بالعودة الثانية للمسيح، والتي لن تتم حسب اعتقادهم إلا من خلال وجود بعض المقدمات الضرورية التي تسبقها أهمها :
· إقامة دولة إسرائيل المنصوص عليها في التوراة (من النيل الى الفرات) وتجميع يهود العالم فيها
· وقوع معركة كبرى بين قوى الخير (البروتستانت واليهود) والشر (المسلمين واصدقاهم) تسمى (هر مجدون) يباد فيها ملايين البشر .
· هدم أو تدمير المسجد الأقصى ليتسنى بناء الهيكل اليهودي مكانه .
كل هذا الأمور لابد من حدوثها حسب الاعتقاد البروتستانتي كمقدمة للعودة الثانية للمسيح .
ولتوضيح الصورة اكثر سنعرض في البداية ملخصاً لدراسة سابقة قمنا بنشرها في عام 1993 في جريدة القدس بعنوان “ الصليبيون الجدد …الحملة الثامنة “ بينا خلالها الدور الكبير الذي لعبه ولازال يلعبه العامل الديني في رسم السياسة الأمريكية والبريطانية المتحيزه تجاه الصراع العربي الإسرائيلي والعالم العربى والاسلامى . وقد وضحنا من خلال تلك الدراسة أن هذا التحيز لا يعود كما يعتقد الكثيرون الى نفوذ اللوبي الصهيوني والصوت الانتخابي اليهود أو المصالح الاقتصادية وظروف الحرب الباردة وغيرها من الأمور التي لا يكف عن استخدامها المحللون السياسيون لتفسير هذا التحيز . بل حاولنا توضيح أن هذا التحيز يعود الى أسباب دينية أصولية برزت بشكل سافر مع ظهور المذهب البروتستانتي الذي أحدث تغييراً جوهريً في تفكير اتباعه حيال اليهود، مستقبلهم وماضيهم وحاضرهم ، والذي ساعد كثيراً على تعاطف اتباعه مع اليهود وسعيهم في تحقيق آمالهم في العودة الى ارض فلسطين حتى قبل ظهور الحركة الصهيونية بثلاث قرون، مما جعلهم لا يدخرون جهداً لتحقيق هذا الحلم من خلال تهيئة المنطقة العربية والاسلامية لتقبل هذا الجسم الدخيل مستخدمين كافة الوسائل والطرق لاضعاف المنطقة وتفكيكها، بحيث يمكن القول ان غالبية مشاكل العالمين العربى والاسلامى كان يقف ورائها اتباع هذا التيار ، واعتقد ان اى مراجعه تاريخية بسيطه تؤكد هذه الحقيقة .
سبب التغيير :
أحدتث حركة الإصلاح الديني التي قادها لوثر وغيره من المصلحين، تغييراً جوهرياً - بالمقارنة مع موقف الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأخرى - في موقفها من اليهود، بحيث تولدت عن هذا الموقف نظرة جديدة للماضي والحاضر والمستقبل اليهودي .حيث كانت المبادئ التي جاءت بها حركة الإصلاح الديني مغايرة تماماً للمبادئ الكاثوليكية في موقفها من اليهود، ولذلك يصف البعض هذه الحركة بأنها ساهمت في بعث اليهود من جديد.
موقف الكنيسة الكاثوليكية من اليهود :
كان موقف الكنيسة الكاثوليكية من اليهود - ولازال مع حدوث بعض التغيرات لصالح اليهود- موقفاً متشدداً، حيث كان ينظر إلى اليهود نظرة عدائية بسبب رفضهم الإيمان بدعوة السيد المسيح وكفرهم بها، ولذلك وصفهم السيد المسيح أكثر من مرة (بخراف بنى إسرائيل الضالة ) وبغيرها من الأوصاف، كما أن اليهود كانوا يعتبرون مارقين وكفرة واتهموا بأنهم قتلة المسيح . لذلك لم يكن هناك في العقيدة الكاثوليكية التي تلتزم بالتفسير المجازى للإنجيل أدنى فكرة أو احتمال لعودة اليهود إلى فلسطين أو بعث الأمة اليهودية من جديد، لأن هذه الأمة حسب رأيهم انتهى وجودها بظهور دعوة السيد المسيح . فرجال الدين الكاثوليك كانوا يعتقدون أن الفقرات الواردة في العهد القديم والتي تتنبأ بعودة اليهود إلى فلسطين وبمستقبل مشرق لإسرائيل لا تنطبق على اليهود، بل على الكنيسة الكاثوليكية مجازاً، لأن اليهود طبقاً للعقيدة الكاثوليكية اقترفوا إثماً، فطردهم الله من فلسطين إلى منفاهم في بابل، وعندما رفضوا دعوة السيد المسيح نفاهم الله ثانية، وبذلك انتهت علاقة اليهود بأرض فلسطين إلى الأبد .
وقد وضح هذه النقطة بطرك الروم الكاثوليك في دمشق في كتاب له مؤرخ في 17-11-1977 حيث قال :
“ إنه يفوت بنى قومي أن السيد المسيح نسخ أحكام العهد القديم القومية، فبعد أن لعن سبع لعنات فقهاء العهد القديم (متى 23) ختم بهذا الحكم المبرم قائلاً : هوذا بيتكم يترك خراباً (متى 23-38) وقد تحققت نبوءة السيد المسيح الذي رفضوه ولم يبق لهم وعد الله التوراتي بالأرض المقدسة “
كما أن البعض يرى أن هذه النبوءات تحققت فعلاً عندما أعادهم الملك الفارسي قورش من منفاهم في بابل في القرن السادس قبل الميلاد. ولذلك فليس هناك آي نبوءة أخري في العهد القديم تنص على عودتهم ثانية إلى فلسطين بعد عودتهم من الأسر البابلي .
كما أن الكنيسة الكاثوليكية وغيرها من الكنائس الأخرى لم تكن تعترف بأن اليهود هم شعب الله المختار، لأن السيد المسيح حارب بشدة هذه النزعة العنصرية فيهم ودعا اليهود وغيرهم إلى الدخول في ملكوت الله المفتوح أمام جميع الصالحين “ لأن الله لا يخص أحداً بالرعاية لأسباب ذاتية، فالشمس تسطع على الجميع سواءٍ بسواء “
وبالنسبة للعهد القديم (التوراة) فقد كان مهملاً قبل حركة الإصلاح الديني حيث كان الاعتماد الأساسي على العهد الجديد ورسائل الرسل والإلهامات الغير مكتوبة للباباوات، وكانت اللغة العبرية لغة ميتة، حيث كانت الأساطير الكاثوليكية ترى أن دراسة اللغة العبرية تسلية الهراطقة، وأن تعلمها بدعة يهودية .
في ظل هذا الموقف من الكنيسة الكاثوليكية لم يكن هناك أي أمل في إعادة بعث اليهود أو عودتهم وتملكهم لأرض فلسطين من جديد ، وربما هذا ما يفسر مواقف الدول الكاثوليكية المعتدلة تجاه الصراع العربي الإسرائيلي مثل فرنسا وإيطاليا وأسبانيا .. الخ ، كما انه يمكن ان يفسر لنا موقف الاقلية الكاثوليكة فى امريكا الرافض لسياسات امريكيا فى المنطقه .
موقف البروتستانت من اليهود :
عندما ظهر المذهب البروتستانتي على يد مارتن لوثر في القرن السادس عشر، قلب هذه الأمور رأساً على عقب، من خلال التغيرات اللاهوتية التي جاء بها والتي روجت لفكرة أن اليهود أمة مفضلة وأكدت على ضرورة عودتهم إلى أرض فلسطين كمقدمة لعودة المسيح المنتظر وبزوع فجر العصر الألفي السعيد .
وكان من أهم الأسباب التي أدت إلى حدوث هذه التغيرات اللاهوتية، هو ما دعا إليه لوثر من وجوب أقامة الحقيقة الدينية على أساس الفهم الشخصي دون الخضوع لفهم رجال الدين لها. فأصبح كل بروتستانتي حر في دراسة الكتاب المقدس وتفسيره واستنتاج معنى النصوص بشكل فردى مع عدم الاعتراف بأن فهم الكتاب المقدس وفقاً على رجال الكنيسة وحدهم . وهذا الوضع أدى إلى فتح الباب على مصراعيه أمام أصحاب البدع والأضاليل، مما أدى إلى تعدد الفرق البروتستانتية نفسها حتى وصل عددها الآن إلى أكثر من 200 فرقة في مذهب لم يتعدى وجوده أكثر من أربعة قرون!
كما أنه في ظل هذا المذهب أزداد الاهتمام بالعهد القديم (التوراة) تحت شعار العودة إلى الكتاب المقدس باعتباره مصدر العقيدة النقية، مع عدم الاعتراف بالإلهامات والتعاليم غير المكتوبة التي يتناقلها الباباوات الواحد عن الآخر والتي تعتبر مصدراً مهماً من مصادر العقيدة المسيحية .
وهكذا أصبح العهد القديم يشكل جزءاً مهماً من مصادر العقيدة البروتستانتية، فأصبح هو المرجع الأعلى للسلوك والاعتقاد ومصدراً للتعاليم الخلقية والمعلومات التاريخية أيضاً .
وإذا كان العهد القديم يتكون من 39 سفراً يذهب أغلب الباحثين إلى أنه لايمكن نسبة إلا خمسة أسفار- تجاوزاً- إلى سيدنا موسى، أما الباقية فهي عبارة عن سجل لتاريخ بنى إسرائيل في فلسطين، بالإضافة إلى بعض الأسفار والنبوءات التي كتبها حاخامات اليهود على فترات متفاوته من الزمن .
في ظل هذا الوضع أصبح العهد القديم مصدراً مهماً للمعلومات التاريخية عند العامة، حيث أقتصر تاريخ فلسطين على القصص المتعلقة بالوجود اليهودي فيها دون غيرها، وبالتالي أصبح البروتستانت مهيئين للاعتقاد بأنه لم يكن في فلسطين إلا الأساطير والقصص التاريخية الواردة في العهد القديم، حيث كان يبدو وكأنه لا وجود للشعوب الأخرى التي عاشت في فلسطين. وهكذا رسخت في أذهان البروتستانت فكرة الرابطة الأبدية بين اليهود وفلسطين باعتبارها وطنهم القومي الذي أخرجوا منه والذي يجب أن يعودوا إليه طبقاً للنبوءات الواردة في العهد القديم .
كما أن حركة الإصلاح الديني أعطت وزناً كبيراً للغة العبرية باعتبارها اللغة الأصلية للكتاب المقدس. فلكي يفهم المؤمنون كلمة الله بشكل صحيح لا بد لهم من معرفة اللغة الأصلية التي كتب بها، وبالتالي أصبح العلماء والمصلحون وحتى العامة منكبين على دراسة اللغة العبرية وتعلمها .
وهكذا يمكننا تقدير الخدمة التي قدمها لوثر لليهود من خلال دعوته الأصولية، حيث أعاد بعثهم من جديد وأكد على وجوب عودتهم إلى أرض فلسطين كمقدمة لعودة المسيح المنتظر وبزوغ فجر العصر الألفي السعيد، حيث تلقف البروتستانت هذا الافكار وبدأوا فى العمل على تنفيذها على ارض الواقع .
الأصولية المسيحية وفكرة عودة المسيح :
تحتل فكرة عودة المسيح الى الأرض، مكاناً رئيسياً في الفكر الأصولي المسيحي . وتقوم هذه الفكرة على أساس الاعتقاد بأن السيد المسيح سيعود الى الأرض ثانية (قبل بداية الالفية الثالثة للميلاد) ليقيم مملكة الله على الأرض والتي ستدوم ألف عام (العصر الألفي السعيد) حيث سيحكم العالم من مقره في مدينة القدس . ويعتقد المسيحيون الأصوليون أنه لابد من حدوث بعض الأمور كمقدمة لهذه العودة، وهى كما أسلفنا :
إقامة دولة إسرائيل بحدودها التوراتية من النيل الى الفرات وعودة اليهود اليها
إقامة الهيكل اليهودي
وقوع معركة فاصلة بين قوى الخير وقوى الشر تسمى هر مجيدون .
لهذا فإن الأصولية المسيحية منذ نشأتها عملت بكل طاقاتها من أجل استعجال هذه العودة والتمهيد لها . وقد بينا في دراستنا الصليبيون الجدد، كيف أن الأصولية المسيحية واتباعها، في كلاً من بريطانيا وأمريكيا، كانوا أول من دعا الى إعادة اليهود الى فلسطين وإقامة دولة إسرائيل فيها . وقد قرن هؤلاء الأصوليون القول بالعمل، فسعوا الى تحقيق ذلك بشتى الوسائل سواء بإرسال الرسائل للملوك والحكام لحدثهم على إنجاز هذا العمل أو عن طريق إنشاء الجمعيات والمنظمات التي قامت بالدراسات وجمع التبرعات لتوطين اليهود في فلسطين . كما أن بعض اتباع الحركة الأصولية المسيحية كانوا أول من أنشأ مستعمرات في فلسطين لتكون نواة أولى لتوطين اليهود فيها . وقد قام الأصوليون المسيحيون بهذه الأعمال في وقت لم يكن اليهود يفكرون أصلاً في العودة الى فلسطين، لأنهم كانوا يعتقدون أن عودتهم يجب أن تتم بمعجزة إلهية وليس بفعل بشرى . ولكن بظهور التيار المسيحي الأصولي أمكن تعديل هذه الفكرة بحيث أصبح للقوى البشرية دور في إعادة اليهود الى فلسطين، وهذا ما حدث عندما ظهرت الحركة الصهيونية على يد هرتزل، حيث أنه وجد الأرض أمامه ممهدة لإنشاء الدولة اليهودية، ووجد المساعدة والعون والتشجيع من الحركات الأصولية المسيحية واتباعها . وتمكنت الحركة الصهيونية من الحصول على وعد بلفور وتسهيل الهجرة الى فلسطين في ظل الانتداب، وأخيراً تم الإعلان عن قيام دولة إسرائيل في عام 1948 .
وقد بينا فى هذه الدراسة كيف ان هذه الأحداث لم تكن لتحدث لولا مساعدة التيار الديني المسيحي الأصولي واتباعه . فبلفور ولويد جورج وترومان وكافة الزعماء الغربيين الذين لعبوا دوراً رئيسياً في قيام دولة إسرائيل لم يفعلوا ذلك إلا انطلاقاً من إيمانهم بطروحات التيار الديني الأصولي . وفى العصر الحاضر تدفق المهاجرون الى إسرائيل واستمر الدعم البريطاني والأمريكي اللامحدود لإسرائيل في كافة المجالات، حيث لعب التيار الديني الأصولي دوراً رئيسياً في ذلك. وقد بينا كيف أن كافة الرؤساء الأمريكيين كانوا من المؤمنين والمتحمسين للأفكار الاصولية، وانهم كانوا جميعاً من البروتستانت باستثناء جون كنيدى الكاثوليكى الوحيد الذى اغتيل، واتهم شخص عربى فلسطينى ظلماً باغتياله .!!
التيار الديني الأصولي المعاصر :
في ثمانينات هذا القرن صعد وتنامى التيار الأصولي البروتستانتى وصار يشكل اكبر قوة متنامية مؤيدة لإسرائيل على المسرح السياسي الأمريكي ، وخاصة بعد أن امتد نفوذه الى عقول وجيوب الملايين وامتلك شبكة تلفزيونية وإذاعية هائلة وبتقنية متقدمة للغاية، واستخدم الأساليب الاستعراضية الدينية في التلفزيون أو ما تسمى الآن (الكنيسة التلفزيونية) أو الديانة في الأوقات المناسبة . وقد ساهمت عدة أمور في نمو هذا التيار أهمها على الإطلاق قيام دولة إسرائيل .
فكما ان الأصولية المسيحية ساعدت كثيراً في قيام دولة إسرائيل، فإن قيام إسرائيل في حد ذاته وباعتباره حدثاً تاريخياً من وجهة نظر الحركة الأصولية المسيحية، ساهم هو الآخر في نمو التيار الديني الأصولي المعاصر بشكل كبير وذلك من خلال :
1- اعتقاد اتباع هذا التيار أن قيام إسرائيل دليل على صدق معتقداتهم الدينية . فهم لا يرجعون قيام إسرائيل الى حالة الضعف العربي والتآمر الدولي، البريطاني منه والأمريكي بالذات، بل يفسرونه على أساس أنه جاء تحقيقاً لنبوءات التوارة . كما أنهم يفسرون كافة الأحداث التي شهدها المنطقة وكأنها جاءت تصديقاً لما ورد في التوراة . وخير مثال على ذلك هو إحدى المنشورات الأصولية التي وزعت بعد حرب 1976 والتي حاولت تفسير ما حدث في الشرق الاوسط على أنه بمثابة تحقيق لما هو مكتوب فى النبوءات التوراتية . فقد زعم هذا المنشور أن الكتاب المقدس لم يتنبأ بالانتصارات الاسرائيلية على العرب واحتلال القدس فحسب، بل تنبأ ايضاً بتوقيت هذه الاحداث . كما ان المنشور مهد الطريق لمزيد من التوسع الاسرائيليى عندما ادعى ان الكتاب المقدس تنبأ بمساحة اكبر من المساحة الواقعة فى ايدى الاسرائيلين الآن . وقد انهى كاتبوا المنشور كلامهم بالقول : ان النصوص المقدسة برهنت على صحتها فيما يتعلق بالاحداث حتى الآن، مما يقوى الحجة فيما يتعلق بالاحداث المستقبلية ايضاً .
2- تركيز وسائل الاعلام الغربية وزعماء التيار الاصولى المسيحى وحتى الزعماء الاسرائيليين على استخدام التتعبيرات التوراتية لوصف الاحداث التى صاحبت واعقبت قيام اسرائيل .
فمثلاً تصدرت وسائل الاعلام الغربية عناوين مثل - وانتصروا فى اليوم السابع ، اضربى يا صهيون، حرب اسرائيل المقدسة، عملية السيف البتار، داوود وجوليات) صفحات كثير من الصحف والمجلات الغربية التى كتبت عن الانتصار الاسرائيلى فى عام 1967 . كما أن كثير من الزعماء الاسرائيلين وبالذات مناحيم بيغن، كانوا يحرصون خلال مقابلاتهم بوسائل الاعلام الغربية، على استخدام التعبيرات والمصطلحات التوراتية لعرض وجهة نظرهم، وكل ذلك ساهم فى تغذية ونمو التيار الدينى الاصولى المسيحى المعاصر .
3- سعى كثير من زعماء التيار الدينى الاصولى وبالذات فى امريكيا، الى ربط مصير أمريكيا بمصير اسرائيل . فهذا جيرى فالويل زعيم منظمة “الاغلبية الاخلاقية” والذى يبلغ عدد اتباعها ما يقارب الاربعين مليون يقول : “لا اعتقد ان فى وسع امريكيا أن تدير ظهرها لشعب اسرائيل وتبقى فى عالم الوجود. والرب يتعامل مع الشعوب بقدر ما تتعامل هذه الشعوب مع اليهودى .
وهذا ايضاً مايك ايفانس، قسيس بدفور يذيع برنامجاً تلفزيونياً ولمدة ساعة كاملة بعنوان “اسرائيل مفتاح امريكيا للبقاء” حيث ادعى فيه بأن تخلى امريكيا عن الضفة الغربية وغيرها من الاراضى المحتلة بعد حرب 1967 سوف يجر الى دمار اسرائيل ومن بعدها الولايات المتحدة .
4-تركيز زعماء هذا التيار من خلال منظماتهم ومؤسساتهم الدينية والاعلامية على أظهار قيام اسرائيل بمظهر البينة أو العلامة على قرب مجئ المسيح ليبسط حكمه وسلطانه على العالم أجمع من مقره فى القدس . مما ادى الى تنامى وازدياد اتباع هذ1ا التيار بشكل كبير حيث سعوا جميعاً الى استعجال هذه العودة من خلال العمل على تحقيق النبوءات الواردة فى العهد القديم . فمثلاً تدفق المهاجرون الجدد الى اسرائيل والذى لعبت فيه الادارة الامريكية دوراً رئيسياً لم يأتى نتيجة لرغبة امريكيا فى الدفاع عن حقوق الانسان كما كانت تدعى، بل جاء تلبية لمعتقدات اصولية تعتقد أنه لابد من تجميع اليهود فى فلسطين تمهيداً لعودة المسيح .
والاصرار الامريكى الحالى على استبعاد موضوع القدس من مفاوضات السلام الحالية بحجة بحثها فى المرحلة النهائية لا يمكن فهمه الا انطلاقاً من رؤية التيار الاصولى المسيحى المعاصر للوضع النهائى لمدينة القدس والتى يجب ان تكون كما يعتقد اتباع هذا التيار مدينة موحدة وعاصمة ابدية لاسرائيل والمدينة التى سيعود اليها المسيح ليبسط من خلال مقره فيها حكمه على العالم بأسره والذى سيدوم الف عام ! ولتحقيق ذلك يرى اتباع هذا التيار انه لابد من تدمير الاقصى وبناء الهيكل اليهودى مكانه، حيث شاهدنا اولى تلك المحاولات بقيام شخص مسيحى بروتستانتى من استراليا بمحاولة لاحراق المسجد الاقصى فى عام 1968، ثم تكررت المحاولات الفردية، حتى تدخلت الحكومة الاسرائيلية فى الامر بصورة رسمية من خلال حفر نفق تحت المسجد الاقصى تمهيداً لتدميره، حيث لاقت هذه الخطوة الدعم والتأييد الامريكى على المستويين الشعبى والرسمى، فبينما كانت بيانات الشجب والاستنكار تصدر من جميع دول العالم رافضه هذه الخطوة كانت الادارة الامريكية تعمل كل ما بوسعها لامتصاص هذا الغضب وتمرير هذه الخطوة بدون مشاكل، هذا من جهه، ومن جهة اخرى كان زعماء التيار الدينى الاصولى يعقدون اجتماعاً فى القدس المحتلة لدعم الموقف الاسرائيلى حيث حضر بنيامين نتنياهو هذا الاجتماع وحصل على مباركة ودعم الحاضرين الذين اثلجت صدورهم تلك الشاشة التلفزيونية المعروضة داخل النفق والتى يرى من خلالها شريط فيديو عن القدس الحالية يضم قبة الصخرة والمسجد الاقصى وشريطاً آخر عن القدس المستقبلية بدون صخرة ولا اقصى ويرى من خلاله شكلاً من اشكال الهيكل الذى بدأ اتباع التيار المسيحى الاصولى فى جمع الاموال لبناءه، حيث نشرت الصحافة المحلية فى حينه خبر عن تبرع مسيحى بروتستانتى من استراليا بمبلغ كبير من المال من اجل تنفيذ هذه المهمة .
وحتى الهجمة الشرسة التى يتعرض لها العراق الشقيق منذ عشر سنوات، والاعداد الان لضربه، لا يمكن تفسيرها على اساس أنها تطبيق لقرارات الشرعية الدولية، بل يمكن فهمها فقط على اساس انها تطبيق حرفى للنصوص التوراتية ونبوءات وردت فى العهد القديم توعدت مضطهدى اسرائيل بالدمار والخراب . فبابل العراق هى التى سبت اليهود ودمرت هيكلهم . ولذلك يرى اتباع هذا التيار الدينى الاصولى أنه لا بد من الانتقام من كل مضطهدى اسرائيل تنفيذاً لما ورد فى التوراة !
وهذا هو ما يحدث الآن فى ظل غياب الوعى العربى لكل ما يحدث، والذى جعلنا للاسف نقبل، ليس فقط بتدمير العراق، بل بقتل اطفاله وتجويع شعبه بحجة تطبيق قرارات الشرعية الدولية، التى لا تطبق الا على العرب فقط ؟! والذى جعلنا نقبل ايضاً بفرض حصار جائر على ليبيا لمجرد ان سيادة الرئيس ريجان واتباع التيار الدينى الاصولى يعتقدون ان ليبيا هى من قوى الشر التى ستهاجم اسرائيل فى معركة هرمجيدون الذى بدأ العد التنازلى لاشعالها فى المنطقة تنفيذاَ لنبوءات التوراة !!
وبطبيعة الحال ، قد يقع أي استشهاد بنصوص التوراة في سياق معاصر كهذا كضرب من الاغراب او كإصرار على (( إضاعة الوقت في هذه التواريخ القديمة)) . إلا أنه قد يحسن بشعوبنا وحكامنا ومفكرينا إن لم يكن لشيء فلغلبة التقوى الدينية العارمة على أدمغة الأميركيين المتعجلين للمجيء الثاني وابتداء العصر الألفي السعيد - أن يضيعوا قليلاً من الوقت في التأمل في نوعية (( النبوءات )) التي يعجل الأميركيون منذ بضعة عقود بالإعداد العملي لتحققيها ، لا فيما يخص فلسطين والبلاد العربية ، بل فيما يخص كافة دول العالم . فتلك ( التواريخ القديمة ) فاعلة فعلها في هذه الأيام ، من خلال وحش اليهو - مسيحية ذي الأنياب القادرة على التمزيق ، محققة الشهوات القديمة إلى الأرض ، كل الأرض ، لا أرض (( أولئك الفلسطينيين )) فقط ومشبعة سعار العداوات القديمة الراقدة في الروح، كخراريج الجحيم وشهوة الانتقام التي جعلت من صلوات شعب الله المختار وصلوات اليهو - مسحيين الأتقياء في سفر المزامير الذي لم يكف ولا يكف رؤساء أميركا عن الاستشهاد به ،صلاة تقول :
كيف نرنم ترنيمة للرب في أرض غربية ؟ ان نسيتك يا أورشليم تنسى يميني ليلتصق لساني بحنكي أن لم أذكرك أن لم أفضل أورشليم على اعظم فرحى .اذكر يا رب لاعدائنا يوم اورشليم القائلين هدوا هدوا حتى أساسها . يا بابل المخربة طوبى لمن يجازيك جزاءك الذي جازيتنا طوبى لمن يمسك أطفالك ويهشم على الصخرة رؤوسهم )) ؟!!
عقيدة الهرمجدون أو معركة مجدو
يؤمن غالبية اتباع التيار المسيحى الاصولى فى امريكيا بقرب حدوث هذه المعركة، ويترقبون ساعة وقوعها، بإعتبارها الحدث الذى سيظهر من خلاله المسيح، ليقضى على قوى الشر - كما يزعمون - التى تحارب اليهود، حيث بعدها يدخل اليهود الذين تبقوا على قيد الحياة فى الديانة المسيحية، ويبدأ العصر الألفى السعيد، حيث يحكم المسيح العالم من مقره فى القدس؟!
والمسيحيون البروتستانت لا يؤمنون فقط بقرب وقوع هذه المعركة، بل انهم على استعداد للمبادرة بإخراج احداثها وصنعها، لتأكيد مزاعمهم . وأخطر ما فى الامر هو ان هذا الايمان لا يقتصر على طبقة الناس البسطاء، بل وصل الى اعلى مستويات صناع القرار فى امريكيا، كما حدث مع الرئيس رولاند ريجان الذى كان يعتقد عندما رشح نفسه للانتخابات الامريكية بأن المسيح يأخذ بيده ليقود معركة "هرمجدون"، وهذا يعنى أنه كان على استعداد فى اى لحظه لخوض غمار حرب عالمية نووية، معتقداً أنه بذلك ينفذ تخطيطاً الهياً مقدر سلفاً .
فالإعتقاد بمجئ يوم يحدث فيه صدام بين قوى الخير وقوى الشر، هو من العقائد المشتركة ين اليهود والبروتستانت، الذين يعتقدون بأن حديث الإنجيل عن تدمير الأرض بالنار يعنى أن الأرض ستدمر فى حرب نووية فاصلة لا مفر منها . ومن العجيب أن رجال الدين البروتستانت من المبشرين وغيرهم يذكون فى اتباعهم هذا الإعتقاد ويحيونه ، متبعين فى ذلك اليهود أحياناً ، ومستقلين بالإعتقاد أحياناً آخرى، حيث جنى هؤلاء المبشرون الكثير من الفوائد والمغانم من وراء زرع الشعور بدنو يوم القيامة فى الناس ، ولا شك أن الحديث عن غيبيات ستحدث وربطها بغيبيات حدثت يجذب الإنتباه بقوة ، ويجلب بإلحاح وشدة نظر من يوجه إليه الحديث ، فالخوف من المجهول وترقب المنتظر أمر طبيعى فى مكنون النفس البشرية .
ولم يقتصر رجالهم فى إستغلال تلك المشاعر، وراحوا يؤججون نيران الحماسة فى الناس للمساهمة فى صنع الأحداث الجسام التى ستسبق مجئ اليوم الآخر . ومن تلك الأحداث طبعاً عودة اليهود إلى فلسطين واستيلاؤهم على القدس ، وهدمهم للأقصى وابتناؤهم للهيكل ومن ثم انتظارهم لمجئ المسيح وحدوث المعركة الفاصلة بين قوى الخير وقوى الشر، أو ما يعرف بمعركة (مجدو) أو (الهرمجدون) .
مجدو :
بتشديد الدال. بمعنى موضع الجيوش ومخيمها فى اللغة الكنعانية وهو تل المستلم، على بعد30 ميلا شرقى ساحل البحر المتوسط . والطريق من مصر الى آسية يمر فى الاراضى السهلية الفلسطينية موازيا الشاطئ وفى سيره نحو الشمال يعترضه جبل الكرمل . وعند الساحل بالقرب من قيسارية ممرات طبيعية تصل الساحل بمرج ابن عامر، واجودها ممر مجدو وبالقرب من منتهاه توجد تلة ترتفع 82 قدما تعرف “تل المستلم ” تشرف على سهل مرج ابن عامر وبذلك يكون ممر مجدو مفتاح الطريق الى مصر والجنوب والى سوريا والشمال ولذلك مرت بها الغزوات السابقة كلها، وهى اليوم خراب .
وقد جاء في قاموس الكتاب المقدس الصادر عن مجمع الكنائس في الشرق الأدنى أن (هر مجدون) اسم عبري، معناه جبل مجدو وهو موقع تنبأ كتاب الرؤيا انه سيتحول إلى ساحة للحرب يجتمع فيه كافة ملوك الأرض في يوم قتال الرب .
وترتبط مجدو فى الإعتقاد القديم بأنها الأرض التى كان الفاتحون القدامى يعتقدون أن أى قائد يسيطر عليها يمكنه أن يصمد أمام الغزاة ، ويعتقد اليهود ومن تبعهم فى ذلك من البروتستانت.. أن جيشاً من مائتى مليون جندى يأتون إلى (مجدو) لخوض حرب نهائية
وفى الحقيقة أن هذا الإعتقاد أصله فى التوراة التى عند اليهود وقد تبعهم فى ذلك المسيحيون البروتستانت الذين يأخذون بالتفسيرالحرفى للتوراة، وقد وضحنا فى السابق دور ذلك فى جعل البروتستانت يؤمنون بحرفية كل ما جاء فى التوارة من قصص تاريخية ونبوءات، وقد جاءت الإشارة إلي ذلك اليوم فى التوراة فى سفر حزقيال . فعن قدوم قوى الخير تقول التوراة :
" بعد أيام كثيرة تفتقد فى السنين الأخيرة تأتى إلى الأرض المسترة من السيف المجموعة من شعوب كثيرة على جبال إسرائيل التى كانت خربة للذين أخرجوا من الشعوب آمنين كلهم، وتصعد وتأتى كزوبعة، وتكون كسحابة تغشى الأرض، أنت وكل جيوشك وشعوب كثيرون معك ".
وتتحدث التوراة عن أوصاف ذلك اليوم :
"ويكون فى ذلك اليوم يوم مجئ جوج على أرض إسرائيل يقول الرب إن غضبى يصعد وغيرتى فى نار سخطى ، تكلمت أنه فى ذلك اليوم يكون رعش عظيم فى إسرائيل، فترعش أمامى سمك البحر وطيور السماء ووحوش الحقل ، والدبابات التى تدب على الأرض، وكل الناس الذين على وجه الأرض، وتندك الجبال ، وتسقط المعاقل ، وتسقط كل الأسوار إلى الأرض، وأستدعى السيف عليه فى كل جبالى . يقول السيد الرب : فيكون سيف كل واحد على أخيه ، وأعاقبه بالوباء وبالدم وأمطر عليه وعلى جيشه وعلى الشعوب الكثيرة الذين معه مطراً جارفاً وحجارة برد عظيم وناراً وكبريتاً .."
وفى سفر حزقيال أيضاً الأمر لحزقيال بأن يوجه الكلام إلى قوم يأجوج ومأجوج : " وأنت يابن آدم تنبأ على يأجوج وقل : هكذا قال السيد الرب : هأنذا عليك يأجوج رئيس روش ماشاك وتوبال، وأردك وأقودك وأصعدك من أقاصى الشمال، وآتى بك على جبال إسرائيل، وأضرب قوسك من يدك اليسرى وأسقط سهامك من يدك اليمنى، فتسقط على جبال إسرائيل أنت وكل جيشك والشعوب الذين معك، أبدلك مأكلاً للطيور الكاسرة من كل نوع ولوحوش الحقل، على وجه الحقل تسقط لأنى تكلمت . يقول السيد الرب : وأرسل ناراً على مأجوج وعلى الساكنين فى الجزائر آمنين ، فيعلمون أنى أنا الرب "
وتحدث التلمود أيضاً عن معركة الهر مجيدون وجاء فيه :
" قبل أن يحكم اليهود نهائياً لابد من قيام حرب بين الأمم، يهلك خلالها ثلثا العالم، ويبقى اليهود سبع سنوات يحرقون الأسلحة التى اكتسبوها بعد النصر، وحينئذ تنبت أسنان أعداء بنى إسرائيل بمقدار اثنين وعشرون ذراعاً خارج أفواههم .. !! "
وحتى بروتوكلات حكماء صهيون تحدثت عن هذه المعركة :
" إننا نقرأ فى شريعة الأنبياء أننا مختارون من الله لنحكم الأرض، وقد منحنا الله العبقرية كى نكون قادرين على القيام بهذا العمل، إن كان فى معسكر أعدائنا عبقرى فقد يحاربنا ولكن القادم الجديد لن يكون كفؤاً إلا لأيد عريقة كأيدينا .. إن القتال المتأخر بيننا سيكون ذا طبيعة مقهورة لم ير العالم مثيلاً لها من قبل والوقت متأخر بالنسبة إلى عباقرتهم "

ابناء النور وابناء الظلام
كل هذه النبوءات السابقة التى وردت فى التوراة يفسرها البروتستانت بتطبيقها على وقائع ومسميات ، فيعتقدون أن هناك قوة شريرة يسمونها (ابناء الظلام) ستقدم يوماً على حرب ضد قوى الخير ممثلة فى إسرائيل وأشياعها من دول العالم البروتستانتى (ابناء النور) ، وهم يضمون المسلمون ودول اخرى إلى جانب قوى الشر . وفكرة تقسيم الشعوب الى خيره وشريره نبعت اصلاً من التراث اليهودى، الذى استقرت فيه فكره عن شعب بدائي من شعوب الأناضول عرف في النقوش الأشورية باسم (السيميراي ) بوصفه شعباً محارباً شيطانياً يسكن الغيم والظلمة ، وأنه تحالف مع الحية / الشيطان ضد يهوه . ومن ذلك التصور ، نبعت فكرتان في فولكلور العهد القديم :-
1 فكرة الشر الرابض هناك بأقصى الشمال ، متربصاً بالأخيار ( شعب يهوه ) .
2 فكرة ( أبناء الظلام ) بوصف التسمية مظلة شاملة يندرج تحتها - جنباً إلى جنب مع شعب جومر / السيميري ذاك - حشد من شعوب أخرى شريرة ومعادية لـ ( الشعب ) الذي بات – تعريفاً له بالنقيض – ( أبناء النور ) .
ولقد كان من الطبيعي أن يلاقي ذلك التصنيف تقبلاً فورياً واسعاً لدى الأصوليين المسيحيين في أمريكا إذ اتسق مع تصنيف العقل الأميركي التبسيطي للبشر إلى أخيار Goodies وأشرار Baddies ! ، إلا أن التصنيف قبل أن يصل إلى العقل الأميركي المعبرن ، كان قد ظل يفعل فعله المدمر بكفاءة عالية في إبداع سيناريو ( يوم يهوه ) الذي ستكون فيه نهاية الذبيحة الكبرى ، على كل الأمم ، أي ( أبناء الظلام ) أعداء ( أبناء النور ) ( الأمة المقدسة ) بني إسرائيل : ( لقد قضى يهوه إلــه إسرائيل بحرب على كل الأمم ( الجوييم ، الأغيار ) ، وبقديسي شعبه سوف يضرب بجناح قوي ).
ومن الطريف أن زعماء التيار الدينى البروتستانتى الاصولى مثل (فالويل وروبنسون وغيرهم، يسمون دولاً بعينها ويجعلونها فى مصاف القوى الشريرة التى ستشهد معركة مجدو- منها ليبيا وأثيوبيا !!
فمثلاً يقول القس فالويل زعيم الاغلبية الاخلاقية :( أن النبي العبراني حزقيال تنبأ قبل 2600 سنة بقيام أمة شريرة إلى الشمال من فلسطين قبيل موعد المجيء الثاني للمسيح ، وقال ( إننا نقرأ في الاصحاحين 38 و 39 من سفر حزقيال أن تلك الأمة سيكون اسمها ((روش)) مكتوب هكذا في الآية 2 من الاصحاح 38 من سفر حزقيال من الكتاب المقدس بالحرف (( روش )) ( Rosh, R-O-S-H) ،بل وأن حزقيال يحدد بالاسم مدينتين من مدن (روش) هما ماشك وتوبال . وكل هذا في الآية 2 من الاصحاح 38 ايضاً والاسمان قريبان للغاية من اسمي موسكو وتبلسك :ماشك - موسكو ، وتوبال - تبلسك ، وكلا المدينتين من المدن العاصمية الرئيسية في روسيا اليوم . وقد ذكر حزقيال أيضاً ، في الآية 3 ، أن تلك الأمة ستكون معادية لله ولذا فأن الله سيعاديها . وقال حزقيال أيضاً إن روسيا, روش ستغزو إسرائيل في أخر الأيام ، وذلك فى الاية 8، تم قال ان ذلك الغزو سيكون بمساعدة حلفاء روش، وذلك في الآيتين 5،6 ، وحدد أولئك الحلفاء بالاسم : إيران ( التي كنا نسميها فيما مضى فارس ) ، وجنوب أفريقيا أو الحبشة ، وشمال أفريقيا أو ليبيا ، وأوروبا الشرقية ( المدعوة بجومر هنا في حزقيال 38 ) وقوزاق جنوب روسيا واسمهم في ذلك الاصحاح توجرمه ) .
فالقس فالويل له منطق على هواه لا يعوقه شيء حتى الكتاب الذي سيتشهد بـ ((الآيات )) منه . لأن (روش) لا تعني روسيا ، بل تعني ( رأس ) أو (رئيس ) ، وماشك وتوبال لا تعنيان موسكو وتبلسك ، بل هما اسمان وردا في سفر التكوين ، لاثنين من أبناء يافث ، وكذلك (( جومر )) لا تعني أوربا الشرقية ، فماشك وتوبال وجومر ومأجوج من أسماء بني يافث تكوين (10 : 2 ) ، وأسماء أقوام سكنت أسيا الصغرى ، لكن القس ( الطيب ) جيري فالويل قرر أنها كلها أسماء أماكن معاصرة ، روسيا ، وموسكو، وتبلسك ، وأوروبا الشرقية ، تنبأ حزقيال بأنها ستهاجم إسرائيل مع حفائها الأشرار إيران ، وليبيا والحبشة أو جنوب أفريقيا . وأخذ ذلك الاعتقاد عنه – مع استبعاد جنوب أفريقيا – الرئيس الأميركي المولود ثانية رونالد ريغان . غير أنه وقع ارتباك هنا فيما يخص الأسماء . ففي حين أكد جيري فالول أن ( روش ) هي روسيا ، رأى بات روبرتسون ، والمؤشر في يده ، والخريطة على الحائط أمام المؤمنين ، أن ( روش ) هي الحبشة ، أما روسيا فهي جوج وماجوج ، وفي حين أكد جيري فالول أن (( جومر )) هي أوروبا الشرقية ، أكد روبرتسون للمؤمنين أن ( جومر ) هي اليمن الجنوبية ، وفي حين أعلن فالول أن ( توجرمه ) هم القوقاز أكد روبرتسون أنهم الأرمن وأن اسمهم التوراتي ( بث توجرمه ) ، توخياً للدقة العلمية ، أما ليبيا فأطلق عليها القس روبرتسون ، من ذاكرة مشوشة فيما يبدو ، اسم ( بوت ) وربما تلبث ذلك الاسم بتلك الصورة مما كان المصريون القدماء يدعونه ببلاد بونت ( التي يرجح أنها ما يعرف الآن باسم اريتريا ، او ما يعرف باسم الصومال ، فهي منطقة شبه أسطورية ورد ذكرها باستمرار في النصوص الفرعونية من المملكة القديمة ) . وبكل تأكيد ، لم تعرف ليبيا في أي وقت باسم (( بوت )) أو بونت ، بل عرفت باسم (( لهابيم )) . فالخلاف على أشده جغرافيا بين المبجل فالول والمبجل روبرتسون ، والبلد الوحيد من فريق (( أبناء الظلام )) الذي اتفقا على تسميته ، هو إيران - فارس القديمة .
ونتيجة لتأكيد روبرتسون أن الحبشة لا جنوب أفريقيا هي التي ستنضم إلى جيش أبناء الظلام ، وبصرف النظر عن تسميته لها بـ (( روش )) رحب الرئيس الأميركي ريغان بذلك التباين اللاهوتي ، نظراً لإخراج جنوب أفريقيا من الحلف في رواية روبرتسون . إلا أن فالول لم يتقبل الأمر مستسلماً ، بل تمسك بأن (( روش )) هي روسيا ، وبأن توجرمه هم القوزاق لا الأرمن ، ودلل على ذلك بتركيز شديد .
هرمجيدون فى العقل البروتستانتى
لا يتسع المجال هنان لتغطية كل ما قيل عن هرمجيدون،ولكننا سنعرض فى البداية لاقول بعض المسيحيين البروتستانت الذين سعوا الى تحقيق الحلم الصهيونى منذ اكثر من قرن ونصف، من خلال عملهم فى صندوق استكشاف فلسطين الذى اسسس فى انجلترا عام 1839 لاعداد فلسطين لتكون وطناً لليهود . لنبيّن أي روح كانت تغدي نشاطات هؤلاء، والى اى مدى ذهب تفكيرهم من اجل تحقيق النبوءات التوراتية للتعجيل بالعودة الثانية للمسيح، وكل ذلك حدث قبل تأسيس الحركة الصهيونية . ففي صيف 1892 عقدت لجنة “صندوق استكشاف فلسطين ” سلسلة محاضرات أبرزها محاضرتان عن انطباعات اثنين من زعماء الصندوق، حول عمليات الاستكشاف خلال السنوات الممتدة من 1865 - 1892. وقد جاء في المحاضرة الأولى التي ألقاها وولتر بيسانت (الأمين الفخري للصندوق، وقبل ذلك الأمين الفعلي له مدة 25 عاماً) قوله: “كنا نقوم بثورة كاملة في فهم ودراسة التوراة. كنا نحيي العظام وهي رميم. كنا نستعيد مجد فلسطين في عهد هيرودوس. كنا نستعيد بلاد داوود. كنا نرد إلى الخارطة أسماء المدن التي دمرها القائد العظيم يهوشع. لقد أعدنا للقدس مجدها وفخامتها. لقد أعدنا البلاد (فلسطين) إلى العالم بالخارطة وبالأسماء والأماكن المذكورة في التوراة، واسمحوا لي أن أفاخر بذلك إذا علمتم أن شخصاً واحداً (يقصد كوندر) قد استعاد من الأسماء القديمة أكثر مما فعله جميع الباحثين والرحالة حتى الآن”.. وفي المحاضرة الثانية تحدث كلود كوندر عن دوره في أعمال “الصندوق” فأشار إلى الهجرة اليهودية التي شهدتها البلاد وخاصة مدينة القدس، وقال “أن عدد اليهود في مدينة القدس عام 1837 لم يكن يتجاوز بضع مئات، أما الآن (1892) فقد بلغ عددهم أربعين ألفاً، وأصبحوا يسيطرون على التجارة في المدينة، ولم يعد اليهود أقلية مضطهدة وجبانة، وإنما يبدون سادة المدينة”، وأضاف كوندر “أستطيع القول دون تبجح أنه كان لي ولآخرين غيري دور ما في هذه الحركة”. وعن المستقبل الذي يتصوره لفلسطين بيّن كوندر “أن الذي نتوقع أن نراه في فلسطين، إذا كان مستقبلها سلمياً، هو زيادة تدريجية في عدد السكان المزارعين (يقصد المستوطنين اليهود) وانتشار المستعمرات المزدهرة. أما الفلاحون المسلمون الذين أخذ تطرفهم يخبو تدريجياً، فإنهم بتعرضهم لهذا النفوذ سيزدادون ذكاء ونشاطاًٍ ولكنهم لن يعودا سادة البلاد، وأي محاولة عنيفة للتدخل في تطور بلد يستطيع إعالة شعب كبير مزدهر تطوراً سلمياً، سيؤدي حتما إلى حدوث مشكلة فلسطينية هائلة ينبغي حلها في كركميش ومجدو”.
فبالإضافة إلى ما جاء من اعتراف صريح حول إسهام “صندوق استكشاف فلسطين ” في إيجاد مرتكزات مادية للمشروع الصهيوني، توضح روح ونبرات هاتين الشهادتين، كما لو أن بيسانت وكوندر، يتحدثان بلسان شخصية صهيونية معاصرة، الأمر الذي يشير إلى حالة من التوحد في الرؤية مع الصهيونية في مرحلتها الجنينية آنذاك.. فمن نفي الهوية القومية الواحدة لعرب فلسطين، إلى الثناء على “القدرات اليهودية”، إلى مقولة “الصفة اليهودية للبلاد”، ثم إلى “الرسالة التمدينية والتطويرية للاستعمار اليهودي وانعكاسها على الفلاحين العرب ”، هي إشارات قليلة، لكنها توحي بالكثير من النزعات الصهيونية التي كانت تعتمل في نفوس العاملين ضمن “الصندوق”، ولا تختلف بشيء عما دأبت الصهيونية على ترويجه.. تظل نقطة أخيرة، تفوح منها رائحة القتل والإبادة التي تنتظر الشعب الفلسطيني، في ظل الصراع على الأرض، هي الإشارة إلى ضرورة “حل المشكلة الفلسطينية” التي ستنشأ على طريقة الحروب التي حُسمت في التاريخ الغابر، أو لنقل في الرواية التوراتية، في منطقة كركميش ومجدو.
إن مجرد التذكير بكركميش ومجدو بالنسبة لقاري “الكتاب المقدس ” ينبيء عن فهم حرفي للرواية، ومحاولة إسقاطية على العصر الحديث. ومن المقدر أن يكون الصهيونيون، فيما بعد، قد استلهموا من هذه الفكرة ما يعزز طبيعة كيانهم الإحلالي التوسعى في فلسطين، وتقرير كيفية التعامل العُنفي مع سكان البلاد الأصليين منتقلين من المحرضات الذهنية، إلى الوقائع المادية، ليربطوا خرافات الماضى بمآسى الحاضر وكأنها ليست الا تحقيقا لنبوءات توراتية .
المبشرون البروتستانت والنية القاتلة:
اصبح للجماعات المسيحية البروتستانتية المنظمة صوت مسموع بشأن الصراع العربى الاسرائيلى فى امريكا، حتى انها باتت قوة سياسية قادرة على الوصول الى الرأى العام عبر مختلف وسائل الاعلام، كما انها اصبحت قادرة على توجيه الاصوات الانتخابية التى لا يستطيع الحزبان الديمقراطى والجمهورى ضبطهما فى حملتهما الرئاسيتين، حتى ان اكثر المرشحين لرئاسة الجمهورية الامريكية اصبحوا مضطرين لحضور اجتماعات هذه الجماعات التى تبلغ 800 الف هيئة، منها1500 هيئة بارزة واتباعها يقدمون سنوياً ما يزيد عن 370 مليون دولار امريكى على شكل هبات وتبرعات. وتبلغ اعفاءات البريد التى اقرها الكونغرس للجمعيات الدينية 600 مليون دولار سنوياً . وتشير الاستفتاءات والمسوح الاحصائية فيما يتعلق بمعركة هرمجيدون الى، ان 39% من الشعب الامريكى يعتقد بتدمير الارض بهرمجدون نووية . وان 61 مليون امريكى يستمعون بانتظام الى الوعاظ الذين يؤكدون انهم لن يستطيعوا عمل شئ لمنع الحرب النووية فى حياتنا، بل ان احدى محطات التلفزيون الامريكية التابعة لشركة شبكة الاذاعة المسيحية (سى. بى. ان) والعاملة فى جنوب لبنان تقدم اخبارها التلفزيونية من المنظور الهرمجدونى السابق .
ومن بين الآلاف الاربعة من الاصوليين الانجيليين الذين يحضرون سنوياً مؤتمرات الاذاعيين الدينية الوطنية هناك ما يقارب ثلاثة آلاف يؤمنون ان المحرقة النووية هى القادرة فحسب على اعادة المسيح المنتظر الى الارض .
وتبث هذه القناعة الف واربعمائة محطة دينية فى امريكيا . وأن غالبية الآلاف الثمانين من القسيسين الذين يذيعون من اكثر من اربعمائة محطة اذاعية هم من المؤمنين بهذه القناعة. كما ان معظم مدارس الانجيل فى الولايات المتحدة الامريكية تعلم لاهوت هرمجدون حسب رؤية (ديل كرولى) الابن، وهو قسيس فى العاصمة واشنطن . وهناك مائة الف طالب يدرسون فى هذه المدارس الانجيلية، يؤمنون بهرمجدون، وسيخرجون الى العالم ويصبحون قساوسه مبشرين بهذه العقيدة .
يقول المذيع الدينى ديل كروالي : توجد حركة دينية جديدة في أمريكا . لا تتشكل هذه الحركة مما يسمى بالمعتوهين ولكن من الناس العاديين من الطبقة الوسطى والعليا من الأمريكيين . وانهم يقدمون ملايين الدولارات ويستمعون الى الانجليين التلفزيونيين الذين يطرحون المفاهيم الأصولية للحركة . انهم يقرؤن هول ليندسي وتيم لاهاي . ان لهم هدفاً واحداً : وهو الأخذ بيد الله ليرفعهم الى السماء محررين من كل المتاعب من حيث يراقبون هر مجيدون ودمار الكرة الأرضية . ان هذه العقيدة تطغى على كنائس بارزة مثل اسمبلي اوف جاد ( الملتقى الالهي ) وبنتوكوستال ( كنيسة العنصرة ) وكذلك على الكنيسة المعمدانية الجنوبية وعلى الكنيسة المعمدانية المستقلة ، وعلى مالا يحصى من الكنائس الأخرى التي تحمل صفة المعمدانية . ومن بين كل عشرة امريكيون يوجد أمريكي يتفانى في التزامه بتعاليم هذه الحركة الدينية . إنها أسرع نمواً من سائر الحركات الدينية المسيحية اليوم .
اما هول لندسى مؤلف كتاب- آخر اعظم كره ارضية – الذى بيع منه هذا 25 مليون نسخه فيقول : فكروا في الأمر ‍200 مليون جندي على الأقل من الشرق مع ملايين أخرى من قوات الغرب . من الإمبراطورية الرومانية المتجددة ( أوربا الغربية ) سيظرب المسيح أولئك الذين اجتاحوا مدينته القدس ثم سيضرب الجيوش المتكدسة في وادي مجيدو اوهرمجيدون . لا عجب إن يسيل الدم ليصل الجمة الخيل على طول مسافة 200 ميل من القدس، ان هذا الوادي سوف يملأ بالآلات الحديثة وبالحيوانات وبأجساد الرجال والدم .
يبدو الأمر غير معقول إن العقل البشري لا يستطيع ان يتصور هذا القدر من لا إنسانية الإنسان تجاه الإنسان مع ذلك فان الله سوف يمكن طبيعة الإنسان من ان تكشف عن نفسها في ذلك اليوم ان كل مدينة في العالم سوف تدمر لندن ، باريس ، طوكيو ، نيويورك ،لوس انجلوس ،شيكاغو ، وسوف تمحق تماماً .
وهذا جاك فاناميب وهو تلفزيوني انجيلي يقول : وهكذا فان الكتاب المقدس يعلمنا انه ستكون هناك حرب نووية خلال المحنة الكبرى ( ؟ ) بالتأكيد وسوف يقتل ثلث الإنسانية بالنار والدخان والكبريت ، . . . وسوف تبتلع النار قبلهم ( من ؟ ) الجيش الشمالي - الجيش الروسي - الذي يتحرك باتجاه إسرائيل . ان نار غضبه سوف تبتلع الأرض كلها ( زكريا 18/1 ) ثم حذار ، سيأتي اليوم الذي يكون فيه الحريق كالفرن ( مالاخى1/4 ) . لذلك فان العهد القديم والعهد الجديد على توافق بشأن الهولوكوست النووية .
اما التلفزيونى الانجيلى جيرى فولويل فيعلن ان "هرمجيدون حقيقية " وهى حقيقه مرعبه. واننا جزء من جيل النهاية، من الجيل الاخير. فالتاريخ سيصل الى ذروته . ويقول فالويل ايضا : فى خلال هرمجيدون ستكون هناك مناوشه واحده واخيره، تم ان الله سوف يتخلص من هذا الكون، سوف يدمر هذه الارض .. هذه السماوات والارض. وينتهى قائلا : ان المليارات من البشر سوف يموتون فى محرقة هرمجيدون .

وتشير غريس هالسل فى كتابها "المبشرون البروتستانت والنية القاتلة" الى ان الذين يعتقدون بهرمجدون يضمون بين صفوفهم الاغنياء والفقراء والمشهورين والمغمورين، ومنهم بعض اباطرة النفط والغاز وتجار الاسلحة وبارونات صناعة البوظة، وقد ارسل هؤلاء مئات الآلاف من الدولارات لمساعدة الحركات السرية الارهابية الصهيونية .
وتذكر هالسل ان الكثيرين من اتباع عقيدة هرمجدون يؤمنون ان (دولة اسرائيل الحديثة وارض صهيون التوراتية متطابقتان) . وأنه ينبغى تخليص كل (اراضى اسرائيل المقدسة) من النيل الى الفرات وتمليكها لليهود . وتضيف هالسل أنها لا ترغب بانتقاد بعض الاصوليين المؤمنين بالانجيل الذين اسسوا العديد من الجماعات والمشافى الكبيرة والكنائس العديدة، ولكنها تتساءل ان كان فى ذهن هؤلاء القوم وهم يقومون بمثل هذه الانشاءات الحضارية اية فكرة عن تدمير هذا العالم وتسليمه لليهود بعد ذلك .

تدمير الاقصى
يقول المبشر (أوين) : " إن إرهابيين يهوداً سينسفون المكان الإسلامى مما يرغم المسيح المنتظر على التدخل ، إن اليهود يعتقدون أن قدومه سيكون الأول ، ونحن المسيحيين نعلم بأن هذه ستكون الثانية ؟، نعم لابد بالتأكيد من أن يكون هيكل يهودى ثالث " وعندما سئل (القس ديلتش) : " إذا نجح اليهود الذين تؤيدهم ودمروا قبة الصخرة والمسجد الأقصى فأدى ذلك إلى اشتعال نيران الحرب العالمية الثالثة ، فهل تعتبر نفسك من المسئولين عن ذلك ؟ أجاب قائلاً : كلا .. لأن ما سيفعله أولئك اليهود هو إرادة الله "
ولما كان لاهوت (هرمجدون) فى صلب اهتمامات بعض المتهودين البروتستانت وعلىرأسهم القس (جيرى فالويل) الذى يقوم بتسيير رحلات منظمة الى الاراضى العربية الفلسطينية ، فإن غريس هاليسل صاحبة كتاب (المبشرون البروتسانت والنية القاتلة ) اطلعت اثناء احدى رحلاتها مع جماعة فالويل على نمط تفكير اتباعه، ومنهم (اوين) الذى شرح لها ضرورة تدمير احد أكثر الاماكن الاسلامية قداسة فى مدينة القدس، الا وهى قبة الصخرة المشرفة التى يجلها اكثر من بليون مسلم فى جميع انحاء العالم . واضاف (اوين) ان النبوءة تتطلب تدمير اليهود لقبة الصخرة لبناء الهيكل اليهودى على انقاضها، وان الارهابين اليهود الذين قصفوا المسجد الاقصى بهدف تدميره ومحوه من الوجود كانوا ابطالا، وان المشرفين على (مؤسسة هيكل القدس) ارسلوا خمسين الف دولار للدفاع القضائى عن الارهابيين الذين ادينوا بالتآمر على تدمير قبة الصخرة .
انتحاريون من اجل هرمجيدون :
تنتشر فى امريكيا العديد من الجماعات اليمينية المتطرفه، التى تعتقد بهرمجيدون، حيث اقدم اتباع العديد من هذه الجماعات على الانتحار اعتقاداً منهم بان نهاية العالم اقتربت، وعليهم ان يسبقوا الجميع ليكونوا من الناجين من المحرقة الكبرى، وقد لعبت افكار سكوفيلد دوراً رئيسياً لانتشار هذه المفاهيم حيث وضع النبوءه فى المركز الرئيسى لمفهومه عن المسيحية وجعل منها قلب نظامه الدينى . حيث زرع آراءه الشخصية فى الانجيل ولم يعد العامه قادرين على التفريق بين كلمات سكوفيلد وكلمات الانجيل .
وكان يرى سكوفيلد بانه لا امل فى هذا العالم واننا لا نستطيع العيش بسلام فيه .. وكان يردد بان عالمنا سوف يصل الى نهايته بكارثه وبدمار وبمأساه عالمية نهائية . ولكنه كان يقول ايضا : ان المسيحيين المخلصين يجب ان يرحبوا بهذه الحادثة لانه بمجرد ما تبدأ المعركة النهائية فإن المسيح سوف يرفعهم الى السحاب وانهم ينقذون، وانهم لن يواجهوا شيئاً من المعاناة التى تجرى تحتهم . هذا المفهوم هو الذى شجع كثير من الجماعات المتطرفه عى الانتحار الجماعى، لتنجوا من المحرقة الكبرى، وقد تناقلت الاخبار العديد من هذه الحوادث نذكر منها :
· الانتحار الجماعى لجماعة جيم جو نز الذي قال لاتباعه حين كان يقودهم إلى الموت : إن النهاية ستصل بسرعة، لذلك دعونا نرافقها . دعونا نستبق الحشود.
· تنظيم مذبح الشمس ، وهي جماعة ألفية ( تؤمن بعودة المسيح وبسيادته لمدة ألف سنة على العالم ) وقد نظمت هذه الحركة في عام 1994 عملية قتل وانتحار جماعي في كل من سويسرا وكندا قتل من جراؤها خمسون شخصاً كان بعضهم يزين صدره بميداليات ترمز الى الخيالة الأربعة التي تشير إليهم نبوءة سفر الرؤيا وهم يمثلون بصورة عامة المسيح والحرب والجماعة والموت .
· الداودية نسبة الى رئيسها دافيد كورش وهي حركة كان أفرادها يعيشون خارج مدينة واكو - تكساس وفي ابريل 1993 اقتحمت العناصر الفدرالية مجمعهم فاقدموا على الانتحار، فكانت الحصيلة مقتل 80 عضوا من هذه الحركة .
· جماعة بوابة السماء انتحر 39 عضواً من أعضاء هذه الحركة في عام 1997 في ضاحية مدينة سانتا جو وتركو ا وراءهم وثائق تقول ان العالم كان شريراً وانه محكوم عليه بالدمار الحتمي .
· صوت في البراري وهي حركة ألفية في ميلفورد ( نيوهامشير ) تدعو اتباعها الى عدم زرع الأشجار او التخطيط للمستقبل وذلك على أساس إن العالم لن يبقى بما فيه الكفاية حتى يكون لمثل هذه الأعمال ما يبررها .
· مدينة الوهيم وهي مدينة اشبة بالحصن تقع بالقرب من مدينة ليتل روك ( اركنساس ) حيث يعمل ويصلي ويقوم بأعمال ميليشياوية حوالي مائة من السكان المدججين بالسلاح وذلك بانتظار وقوع عدد من الكوارث التي يعتقدون بأنها سوف تضع نهاية للتاريخ الإنساني . وكان تيموني ماك فاي الذي أدين بحادث التفجير في مدينة اوكلاموها قد اتصل هاتفيا بأصدقاء له في مدينة الوهيم في عام 1995 قبل تفجير المبنى الاتحادي في اوكلاهوما .
غزو لبنان مستمد من التوراة
فى عام 1983 نظم المبشر (جيرى فالويل) رحلة إلى فلسطين لإطلاع المسيحيين على الأماكن المقدسة هناك وخصوصاً الأماكن اليهودية التى تتعلق بالعقائد التوراتية، وهناك نظم لقاءات مع قادة سياسيين ودينيين فى إسرائيل، ونظم لهم لقاء مع موشى أرينز وزير الدفاع الإسرائيلى آنذاك، (الذى كان فى السابق سفيراً لإسرائيل فى أمريكيا، وولد فى أمريكيا)، وحدثهم أرينز فى ذلك اللقاء فقال : " إن غزو لبنان 1982 كانت بإرادة إلهية ، فهى حرب مقدسة، مستمدة من العهد القديم، وهذا يؤكد النبوءة إذ أن هذا الغزو يمكن أن يعنى أن معركة مجدو قد اقتربت ".
وفى حزيران / يونيه 1982 وبعد ثلاثة ايام من بدء الغزو الصهيونى العنصرى لاراضى لبنان العربية شرح بات روبرتسون –مرشح الرئاسه لعام 1998- الذى يستضيف عرضاً كلامياً يومياً لمدة تسعين دقيقة من خلال برنامجه التلفزيونى بنادى السبعمائة والذى يصل الى اكثر من 16 مليون عائلة، اى الى 19% من مجموع المشاهدين الامريكيين شرح اهوال معركة هرمجدون الوشيكة، حتى أنه اعاد النبوءة االتى اعلنها فى كانون الثانى/ يناير 1982 والتى اكد فيها أن حساب العالم سيحل فى خريف 1982، وأن القضاء النهائى سيحل بالاتحاد السوفيتى . لانهم سيقومون بمغامرات عسكرية ستجلب نهايتهم !!.
وليوضح (بات روبرتسون) نبوءته ذهب الى السبورة تتبعه آلة التصوير التلفزيونية ليحدد موضع (دول الشرق الاوسط) على الخريطة، معيداً صياغة نبوءة حزقيال بقوله (فى العصور القادمة عندما تتم اعادة تجميع اسرائيل من الامم، سأتسبب فى حدوث شئ ما، هذا الشئ اننى سأضع الكلابات فى افواه التحالف الذى سيقوده شخص شيطانى والدول التى ستكون معه هى بيت توغارما (يقصد ارمينيا) وبوت (يقصد ليبيا) وروش (يقصد الحبشة) ونحوم (يقصد اليمن الجنوبية) وفارس (يقصد ايران) وتابع روبرتسون قائلاً كل شئ جاهز ويمكن حدوثه فى اى وقت . ومن المؤكد أن شيئاً كهذا سيحدث بحلول خريف 1982 وبهذا تتحقق نبوءة حزيقيال .
ويضيف روبرتسون ان الولايات المتحدة الامريكية موجودة فى نص حزقيال . واننا نتظر المعركة النهائية المحتومة . ولقد حذا حذو روبرتسون العديد من الاذاعيين الذين يبشرون بلاهوت هرمجدون فى الاذاعة والتلفزيون ومن على المنابر، وهذا التبشير يتضمن أن الرب كان يعلم منذ البداية، اننا الاحياء اليوم ، سندمر كوكب الارض
علامات معركة هرمجدون العظمى ؟!
يرى البروتستانت ان الله عين زمان حرب هرمجدون القريبة والتى ستسبق اسعد أيام الجنس البشرى على مدى تاريخه، وان جموعا كثيره يزداد عددها باستمرار تنتظر هذه الحرب الكونية.. عندما يصل العالم الي منتهاه .. والبروتستانت يخمنون أن وقت نهاية النهاية بات قريباً استناداً للمؤشرات التوراتية والواقعية ، حيث أن الوقت الباقي للشيطان منذ تم طرحه إلى الأرض هو زمان قليل
ومع أن البروتستانت يعلمون بان اكثر الناس سيسخرون من انذاراتهم عن هرمجدون ولكنهم مع ذلك يؤكدون انها ستأتى بغته على شعوب العالم، وان رئيس المهاجمين يدعى (جوج) وهو اسم للشيطان ابليس بعد ما تم طرحه الى الارض. وجوج يهاجم مجتمع العالم الجديد لانه غير راض عن نمو هذا المجتمع .
ولكي يربط البروتستانت خرافات الماضي بمآسي الحاضر التي جلبته حركة الاستيطان الصهيوني العنصري على ارض فلسطين العربية يقولون : وعملا باسمه، يبين يهوه الآن لشعبه معنى النبوة المتعلقة بالفلسطينيين، وفى هذه الساعة العصيبة التي يضطهد بها العدو (الفلسطينيين) شعب يهوه بقساوة، تنشأ لهم تعزية من عملهم بأن يهوه يطلعهم عن السبب الذي لاجله يسمح بمثل هذا الاضطهاد وعلى ما ستؤول أليه النتيجة النهائية .
فهم يعتبرون اعمال المقاومة التى يقوم بها الفلسطينيون والمسلمين لتحرير بلادهم، اعمال اضطهاد لليهود ، وبانها ترمز إلى أمور معينة عظيمة الحدوث عند نهاية العالم ؟ ويميل البروتستانت إلى تصديق ذلك، لان الفلسطينيون – كما يعتقدون- كانوا شعبا نبويا ومخبرين مسبقاً عن نوع خصوصى من أعداء يهوه، أي أن الفلسطينيين قد أنبئوا سلفاً عن طريق التنبؤ عن أعداء يقوم يهوه بعمل حازم قوى ضدهم عند نهاية العالم . ويرى بعضهم كجماعة (شهود يهوه) في عرب فلسطين هيئة الشيطان التي تحارب يهوه مره، ويرون في الكنيسة الكاثوليكية هيئة الشيطان التي تحارب يهوه مرة أخرى . فالفلسطينيون الذين يبرزون كالعنصر الديني لهيئة الشيطان هم طليعة مضطهدي شعب يهوه المختار … ولكي يزيد أحبار شهود يهوه من أوار الضغينة والحقد على الفلسطينيين يذهبون إلى أن الفلسطينيون (عائقون) أي انهم عبدة إبليس وانهم يدينون بديانته . وهم أولاد حام من مصرايم وكانت آلهتهم داجون السمكي الشكل وبعل زبوب .
والمبشرون والقسس من أمثال (جيرى فالويل) و(هال لندزى) و(بات روبنرتسون) والمسيحيون اليمينيون الآخرون ، يعتقدون بأن الإنجيل فيه نبوءة تدل على العودة الوشيكة للمسيح بعد فترة حرب نووية وكوارث طبيعية ، وإنهيار إقتصادى وفوضى إجتماعية ، وإنهم يعتقدون بأن هذه الأشياء لا بد أن تحدث قبل المجئ الثانى للمسيح ويعتقدون بأن هذه الأشياء بينة بوضوح فى الإنجيل .
وهناك قس آخر وهو (بيلى جريهام – الصديق الحميم للرئيس نيكسون) يركز فى دعوته على أن يوم مجدو على المشارف، وقد حذر عام 1970 من أن العالم يتحرك بسرعة نحو معركة مجدو، وأن الجيل الحالى قد يكون آخر جيل فى التاريخ، وقال أن أكبر معركة فى التاريخ ستقع فى هذا الجزء من العالم (الشرق الأوسط) .

رونالد ريجان والحكايات الخرافية عن هرمجدون :
كما أسلفا، فإن الإعتقاد فى معركة مجدو وأنها وشيكة الوقوع قد سيطر على قطاع عريض من البروتستانت ومنهم أشخاص اعتلوا أعلى كراسى المسئولية فى العالم، ومن هؤلاء الرئيس الأمريكى (رونالد ريجان)، يقول الأمريكى (اندرولانج) مدير الأبحاث فى معهد الدراسات المسيحية ومقيم بواشنطن " لقد أجريت دراسة عميقة عن ريجان والإعتقاد بمجدو ، ووجدت أن ريجان قد نشأ على ذات نظام المعتقدات التى نشأ عليها كل من (كلايد، وجيرى فالويل، وجيمى سواجارت) ومبشرين آخرين، وإن لدى ريجان اعتقاد بهذا اليوم على الأقل إلى وقت قريب من توليه الرئاسة "
وقد عقد لانج مؤتمراً صحفياً نظمه معهد الدراسات المسيحية، وقال فى المؤتمر : " إننى وآخرين من المعهد أردنا التحقق فى أمر ريجان وأيدلوجية مجدو بالنظر إلى إمكانية أن يعتقد رئيس ما - شخصياً - بأن الله قد قدر سلفاً حرباً نووية، هى إمكانية تثير عدداً من الأسئلة المخيفة، فهل سيؤمن رئيس معتقد بهذه الإمكانية بجدوى التفاوض على نزع السلاح حقاً ؟ وهل سيكون إذا وقعت أزمة نووية واعياً ومتعقلاً ؟ أم أنه سيكون تواقاً للضغط على زر ما شاعراً بذلك أنه يحقق تخطيط الله المقدر سلفاً لنهاية الزمن ؟ !! "
كما نشرت صحيفة (الغارديان) البريطانية نقلاً عن صحيفة (الواشنطن بوست) الامريكية دراسة جاء فيها : انه يجب أن نشعر جميعاً بالقلق عندما يتحدث الرئيس الامريكى رونالد ريجان عن ارادة الله والمعركة الفاصلة بين الخير والشر على أرض الشرق الاوسط فى حياة هذا الجيل . وكرر ريغان اعتقاداته حول نهاية العالم من خلال معركة هرمجدون التى ستنشب فى الشرق الاوسط خمس مرات فى اربع سنوات . وقد رفض البيت الأبيض الاستجابة لطلبات اجراء مقابلات صحفية مع الرئيس الامريكى ريغن حول معركة هرمجدون الفاصلة الكبرى . كما رفض تقديم أسئلة مكتوبة الى ريغن حول معركة هرمجدون . ومع ان ريغن لم يقدم تعريفه الخاص لتعبير هرمجدون فإن القواميس تفسر التعبير باعتباره المكان الذى ستدور فيه المعركة الفاصلة النهائية بين قوى الخير والشر، والتى سينتصر فيها المسيح المنتظر القادم من السماء على الديكتاتور الفوضوى الشيطانى وجماعته الاشرار، وليعلن بعدها العصر الالفى السعيد، حيث يمر الف عام من السلام والسعادة يكون الشيطان خلالها مقيداً بالسلاسل، ثم يبدأ زمن الخلود .
وخلال حملة الترشيح لانتخابات الرئاسة الامريكية عام 1980 ذكر ريغن للواعظ التلفزيونى (جيم باكر) وهو ثالث اكثر المبشرين الانجيليين التلفزيونيين شعبية فى امريكا، اذ يصل حديثه الى ما يقارب ستة ملايين عائلة يومياً اى 6,8% من مجموع المشاهدين الحاجة الى صحوة روحية، وقال فجأة قد نكون الجيل الذى سيشهد (هرمجدون) . وفى خطاب لريغن أمام مجموعة من زعماء اتباع العقيدة اليهودية فى نيويورك، كشف عن الارتباط بين هرمجدون والشرق الاوسط، وذلك من خلال قوله أن (اسرائيل) هى الديمقراطية التابته الوحيدة التى يمكن الاعتماد عليها فى المنطقة التى ستقع فيها المعركة الفاصلة الكبرى. وبعد ستة اسابيع من تنصيب ريغن ذكر (جيرى فالويل) المؤيد الرئيس لحملة ريغن الانتخابية وصاحب برنامج (ساعة فى ازمنة الانجيل القديم) الاسبوعى ، والذى يصل الى 5,6 مليون عائلة اى ما يعادل 6,6% من مجموع المشاهدين فى امريكيا - ان ريغن متفق معه حول نبوءة التوراة حول هرمجدون وان المحرقة النووية ستقع خلال اقل من ستين عاماً، وأنه سيتم فى هذه الحرب تدمير روسيا بالاسلحة النووية، وان المسيحيين فى الاتحاد السوفيتى سيبتهجون وسيصعدون الى السماء فى غمضة عين، وبهذه الطريقة سينجون من المحرقة، ويعتقد فالويل ان دمار الاتحاد السوفيتى سيتم عندما يتحرك نحو الشرق الاوسط وخاصة الى (اسرائيل)
وفى أكتوبر (تشرين) 1983م كشف ريجان النقاب عن أن معركة مجدو ليست فقط عقيدة لا تزال تسكن قلبه، بل إنها لا تزال تشغل باله. فقد اتصل هاتفياً مع (توم داين) من اللجنة المركزية الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة، التى هى أقوى مجموعة ضغط قوية لإسرائيل ،ليوجه له الشكر على جهوده لاقناع الكونغرس باعطاء ريغن تفويضاً بالاحتفاظ بمشاة البحرية الامريكية فى لبنان لمدة ثمانية عشر شهراً، وقال داين إن ريجان قال له "أتدرى .. ؟ إننى أعود إلى أنبيائكم القدامى فى العهد القديم ، وإلى الدلائل التى تنبئ بمجدو وأجدنى أتساءل عما إذا كنا الجيل الذى سيشهد ذلك .. لا أدرى إن كنت لاحظت أياً من هذه التنبؤات فى الأزمنة الأخيرة .. ولكن صدقنى إنها تصف بالتأكيد الزمن الذى نعيشه "
ولما نشرت صحيفة (الجيروزيلم بوست الصهيونية) اقوال ريغن الآنفة، اجرى صحفيان من مجلة (بيبول) حديثاً مع ريغن جاء فيه : قالت صحيفة جيروزليم بوست انك ذكرت ان هذا الجيل سيشهد هرمجدون، وان الكثير من تنبوءات التوارة تقع حالياً، فهل تعتقد ذلك حقاً ؟
ريغن : لم اقل ذلك علناً من قبل، ولكن تحدثت مع المحيطين بى الآن من رجال الدين، وقد قالوا انه لم يكن هناك زمن وقعت فيه تنبوءات متعددة معاً مثل الآن، وكانت هناك اوقات اعتقدنا فيها باقتراب نهاية العالم، لكن ليس فى مثل هذه الاوقات . واعتقد انه عندما يأتى ذلك الوقت فإن الجيل الموجود سوف يفعل ما يعتقد انه الحق، وريغن يعنى بعبارة (عندما ياتى ذلك الوقت) اما وقت نهاية العالم، او وقت حدوث هرمجدون .
كما ان المقربون من ريجان يؤكدون بأن اعتقاده بقرب مجدو أكيد وقوى . تقول الكاتبة (جريس هالسيل) :هناك قرائن تدل على أن ريجان ظل متحفظاً باعتقاده فى معركة مجدو حتى ركب سدة الحكم فى أكبر دولة فى العالم وأقواها .فعندما رشح نفسه للرئاسة عام 1980م أدلى رونالد ريجان بتعليق عن نهاية العالم أثار انتباه المعلقين السياسيين حتى قال أحد المعلقين فى صحيفة (نيويوك تايمز) (وليام سافير) إن ريجان كان يخاطب حينئذ مجموعة من زعماء اليهود وقال لهم :" إن إسرائيل هى الدولة الوحيدة التى نستطيع الأعتماد عليها كبقعة ستحدث فيها معركة مجدو " وقال ريجان فى مناسبة أخرى للمبشر جيرى فالويل "جيرى .. إننى أعتقد أحياناً بأننا نتجه الآن بسرعة عالية جداً نحو معركة مجدو .."
ريجان والتزامه الدينى
يشير ريجان نفسه إلى عواطفه الدينية المبكرة، إذ قال فى مقابلة تلفزيونية مع المبشر جيم بيكر عام 1980 : "كنت محظوظاً لأن أمى غرست فى إيماناً عظيماً أكثر بكثير مما أدرك فى ذلك الحين " وقال فى تصريح علنى آخر : "إن الكتاب المقدس يضم كل الإجابات على قضايا العصر، وعلى كل الأسئلة الحائرة إذا ما قرأنا وآمنا، إن الأموال التى ننفقها فى محاربة المخدرات والمسكرات والأمراض الإجتماعية يمكن توفيرها لو حاولنا جميعاً أن نعيش وفق الوصايا العشر .. لقد أخبرونى أنه منذ بداية الحضارة سنت ملايين القوانين، ولكنها جميعاً لم تصل إلى مستوى قانون الله فى الوصايا العشر ... ".
ويعارض ريجان بباعث من معتقده الدينى مسألة الفصل بين الدين والسياسة التى يتبجح كثير من حكام المسلمين بالتغنى بها .. يقول " لا يوجد شئ اسمه الفصل بين الدين والسياسة، وإن القائلين بهذا الفصل لا يفهمون القيم التى قام عليها المجتمع الأمريكى " والرئيس الأمريكى لم يكن يخفى توجهاته الدينية الدفينة قبل وبعد تولى الرئاسة، وهو بعد أن نجح فى انتخابات الرئاسة التى جاءت به لمقعد الحكم لبس القبعة اليهودية المعروفة، وألقى خطاباً فى مؤتمر يهودى، كدليل التزامه بالصهيونية وولائه المطلق لليهود .
وقد اكد (جيمس ملز) فى مقال نشرتها مجلة (سان ييجو ماجازين) فى أغسطس (آب) 1985 .هذه الحقائق بقوله. "إن ريجان كرئيس ، أظهر التزاماً بالاضطلاع بواجباته وفقاً لإرادة الله، كما يجب أن يفعل كل مؤمن فى منصب رفيع، وأن ريجان شعر بذلك الالتزام خصوصاً فى سعيه إلى بناء الجبروت العسكرى للولايات المتحدة وحلفائها "
وهذا الكلام لا ينطبق على ريجان وحده، بل ان كل الرؤساء لامريكين يفكرون بنفس الطريقه ولا مجال هنا لسر الادله، حيث وضحنا ذلك فى متابنا الصليبيون الجدد .
هجرة اليهود الى فلسطين
يبدو أن ريجان قد ذهب بعيداً فى إيقانه من أن المسألة أصبحت مسألة وقت بالنسبة لمجئ اليوم الموعود، فهو يعتقد أن لا عقبات هناك تحول بين ذلك اليوم وبين حدوثه ، قال ريجان لملز " إن كل النبوءات الأخرى التى تعين تحقيقها قبل معركة مجدو قد حدثت والفصل 38 من حزقيال يقول: إن الله سيأخذ بنى إسرائيل من وسط الكفار حيث سيكونون مشتتين ، ثم سيلم شملهم مرة آخرى فى أرض الميعاد . وقد حدث هذا بعد قرابة ألفى سنة، ولأول مرة فى التاريخ فإن كل شئ مهيأ لمعركة مجدو، والمجئ الثانى للمسيح " وقد نسى ريجان انه شخصياً كان له الدور الاساسى فى فتح باب الهجرة امام يهود الاتحاد السوفيتى بحجة احترام حقوق الانسان .
ريجان وليبيا
يروى (جيمس ملز) الذى كان رئيساً لمجلس شيوخ ولاية كاليفورنيا- ضمن مقالة نشرتها له مجلة (سان رييجو ماجازين) فى أغسطس 1985م أن ريجان سأله أثناء مأدبة حضرها، عما إذا كان قد قرأ الفصلين (38 ، 39) من (حزقيال)، فأكد ملز لريجان أنه قد قرأ بالفعل وناقش فقرات حزقيال التى تتحدث عن يأجوج ومأجوج، وعندئذ تحدث ريجان بحرارة عن تحول ليبيا إلى الشيوعية!! وأصر على أن هذا علامة تدل على أن يوم معركة مجدو ليس ببعيد (لأن تحول هذه الدولة إلى الشيوعية يجعلها من القوى الشريرة التى ستنضم مع الجيش الشرقى الكبير ضد إسرائيل) .ثم قام (ملز) بتذكير ريجان بأن حزقيال قال أيضاً إن الحبشة ستكون بين القوى الشريرة، فقال ريجان : "إننى أوافق أن كل شئ لم يأخذ مكانه بعد، ولكن لم يبقى إلا حدوث هذا الشئ فقط، إذ يجب أن يسيطر الحمر على أثيوبيا! "وعندما قال ملز إنه لا يعتقد أن هذا أمر مرجح ، قال ريجان : " اعتقد بأن هذا أمر لا مفر منه ، إنه ضرورى لتحقيق النبوءة القائلة بأن أثيوبيا ستكون من الأمم الكافرة التى ستقف ضد إسرائيل "
وبالطبع فإنه من المستحيل اثبات العلاقة بين المعتقدات المعلنة من هذ النوع وبين عمل قد يقدم عليه الرئيس باعتباره القائد الاعلى للقوات المسلحة . فالكثير من الناس لديهم معتقدات دينية ليس لها تأثير واضح على اعمالهم الرسمية .
ويبدو ان هذا لا ينطبق على الرئيس الممثل رونالد ريغان، فمنذ عام 1986 والجماهيرية الليبية تعتبر العدو الدولى الاول بالنسبة لريغن . ولكن هل كان لذلك التصور علاقة بتفسير ريغن لنبوءات التوراة؟ حسب رواية (جيمس ميلز)، فان ريغن كان يكره الجماهيرية الليبية باعتبارها احد اعداء (اسرائيل) الذين تذكرهم النبوءة، وبالتالى فإنها عدوة يهوه. ويذكر جيمس ميلز فى عدد آب 1985 من مجلة (سان رييجو) أنه فى حفل عشاء اقيم عام 1971 فى ساكرامنتو – كاليفورنيا على شرف ريغن حاكم الولاية آنذاك . بدأ ريغن فجأة بالتحدث مع جيمس ميلز الجالس بجانبه حول نبوءة الكتاب المقدس وحتمية الحرب ضد الاتحاد السوفيتى (الذى يمثل يأجوج ومأجوج فى الكتاب) فى حرب عظيمة مدمرة نسبة الى هرمجدون .
ويذكر جيمس ملز ان ريغن قال له بحدة : ان الاصحاح الثامن والثلاثين من سفر حزقيال ينص على ان ارض اسرائيل ستتعرض للهجوم على يد جيوش الامم الكافرة، وعلى ان ليبيا ستكون بين هذه الدول، وتابع ريغن هل تفهم ذلك ؟ ان ليبيا الآن شيوعية، وهذا دليل على أن يوم هرمجدون ليس ببعيد . ويبدو أن ريغن بقى متمسكاً بمثل هذه القناعة حتى عام 1986 .
وتدلل حالة الرئيس العصبية الحرجة ايام رئاسته للولايات المتحدة الامريكية، وما أمر به من قصف للاحياء فى الجماهيرية الليبية، وما استخدمه من اسلحة امريكية متطورة فى لبنان عن طريق قوات الغزو الصهيونى العنصرى على همجية محاولات الاختبار (الهرمجدونية) التى كان يعتقد بها ريغن . وكيف ان هذه المحاولات المدمرة قد باءت بالفشل، وانتهت بالبوار والخسران
وعموماً فإن الحديث عن مجدو فى الأوساط المسيحية البروتستانتية واليهودية لا يفوت هؤلاء وأولئك عندما يحدث أى حدث غير عادى على أرض الواقع حيث يربطون ما حدث بما سيحدث ويرجعون هذا وذاك إلى ما حدث بالأمس .......
وبعد
هذه امثله بسيطه لطبيعه النبوءات المسيطره على تفكير صناع القرار فى امريكا وعلى جزء كبير من الشعب الامريكى، وهنا لابد من التساؤل، هل ستنتهى المشكلة التى افتعلتها امريكيا بالقبض على اسامه بن لاذن، او بضرب افغانستان ..؟ وهل سيتخلص الشعب الفلسطين من ارهاب الدولة الصهيونية، وينعم بالسلام وبدولته المستقله كباقى شعوب الارض ... وهل سيتخلص الشعب العراقى من الحصار الجائر المفروض عليه منذ عشر سنوات... وهل ستكف امريكيا عن ملاحقة الدول العربية والاسلامية وفرض الحصار والعقوبات عليها ولو حتى بتهمة التسبب بثقب الاوزون !! بالتأكيد لا وسنرى جميعاً فى الايام القادمة مشكلة جديدة ستفتعلها امريكا لتنفيذ ما تريد سواء مع العراق او مع ايران او سوريا او السودان .. الخ ، فقائمة المطلوبين كبيره- 60 دوله – والقاسم المشترك فى القائمه هو لاسلام والعروبه، والاهداف المعلنه التى رشحت من تصريحات المسئولين الامريكيين مخيفه، وما خفى كان اعظم .
يقول الاستاذ شفيق مقار فى كتابه (قراءة سياسية للثوراة) :في ضوء تعلق المسيحين الغربيون المؤمنون ، وبخاصة في أميركا ، بكل ما يمليه الإيمان عليهم من خطوات عملية ، هل قام هؤلاء بكل ما هو مطلوب منهم، أم أنه ما زال عليهم أن يضطلعوا ، تحقيقاً للحلم الصهيوني ، بما هو أكثر مما اضطلعوا به حتى الآن ؟
ويجيب على ذلك بقوله :ما لم نتخل عن الإيمان بحرفية كل كلمة في العهد القديم وسفر الرؤيا ، يجب أن ندرك أنه ما زال على المؤمنين التقاة الذين جعلوا (( الحلم الصهيوني )) حقيقة واقعة أن يقوموا بالكثير مما دعاه قادة أميركا الزمنيون بـ (( عمل الله على الأرض )) وما يدعوه قادتها الروحيون بالخطوات اللازمة للتعجيل بمجيء المسيح .
وما لم نخل عن الواقعية ، يجب أن نسلم بأن الشيء الوحيد الذي يقف في وجه التحقق المكتمل للخطوة الأولى اللازمة لخلق الظروف المطلوبة لمجيء المسيح يتمثل في وجود كل تلك الملايين الضالة من الجوييم التي يمثل (( المحمديون )) أغلبيتها ، على الأرض ((المملوكة لليهود )) الممتدة من النيل إلى الفرات .
وما لم نتناس الأمر الإلهي ببناء الهيكل الثالث وإخلاء الأرض من كل ما هو ومن هو ليس يهودياً ، يجب أن نتوقع حتمية السير قدماً في مشروع إزالة مسجد عمر وقبة الصخرة من القدس وبناء الهيكل الثالث على الموقع بكل تلك الأموال التي تجمع في أميركا تعجيلاً باستكمال تلك الخطوة الأخرى الضرورية للمجيء .
ثم يضيف الاستاذ شفيق مقارفيقول :يقودنا كل هذا، على ضوء ما هو متوافر من معطيات ، إلى محاولة الاستبصار ، عن طريق القياس ، بما يمكن أن يفضي إليه فعل هذا العامل الديني بالنسبة للبشر في منطقة الشرق الأوسط ، الساحة الراهنة لانطلاقة المشروع الصهيوني ، وما سوف يلي تلك المنطقة من ساحات أوسع للمشروع الكوكبي .
فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط ، شهدت المنطقة وستظل تشهد فيما هو مرجح:
أولاً : التصميم الأميركي الذي لا يحيد على تأمين التفرق التقني والعسكري الاسرائيلي ابتداءً من المجال التقليدي ووصولاً إلى مجال القدرة النووية وقدرات الدمار الشامل .
والذي ينبغي ألا يغيب عن الذهن هنا أن موقعة هرمجدون اتخذت في الوعي الأمريكي باستمرار منذ بدأ التبشير الأصولي بها بعد 1945 صورة القصف النووي المكثف الذي ستباد فيه كل تلك الجيوش الشريرة (( الصاعدة )) من صفحات سفرحزقيال وسفر دانيال وسفر يوحنا اللاهوتي على (( المدينة المحبوبة )) يروشلايم ، و(( الامة المقدسة )) ، إسرائيل .
وإلى وقت قريب ، كان الاتحاد السوفياتي المرشح الأول لدور مأجوج الشرير قائد كل تلك الجيوش المكونة لزحف (( أبناء الظلام )) على (( أبناء النور )) إسرائيل وأنصارها من الأصوليين المسيحيين . لكن الاتحاد السوفياتي انسحب الآن من الساحة ، وبانسحابه سوف يتعين على (( أبناء الظلام )) ليكونوا هدفاً لما سوف يوجهه (( أبناء النور )) من ضربات وقائية بغية تأمين استمرار وضع إسرائيل كقوة عظمى بالمنطقة .
في ظل هذا التصميم الأميركي على تأمين التفوق الإسرائيلي يرجح أن تشهد منطقة الشرق الأوسط تكثيفاً متصاعداً للدعم التقني والتسليحي الأميركي لإسرائيل التي يترنم الأميركيون كل صباح معلنين ( أنهم يحبونها لأن الله يحبها )) وبالمقابل لذلك التصعيد في قدرات إسرائيل العسكرية والنووية تصعيد للتصدي الأميركي لكل ما يمكن الاشتباه في أنه قد يشكل تحدياً للتفوق الاسرائيلي أو حتى مجرد (( إخلالا بالتوازن )) المفروض لصالح التفوق الإسرائيلي تحت رايات التوجه صوب تحديد الأسلحة ونزع السلاح .
اللهم هل بلغت … اللهم فاشهد
يوسف العاصى الطويل
ابوطبى
23/9/2001

ليست هناك تعليقات: