الاثنين، 18 فبراير 2008


مؤامرة وفخ جديد لحماس ... والقضية في مهب الريح

بقلم/ يوسف العاصي الطويل
نشرت في 18-6-2007

في غمار فرحة اتباع حركة حماس بالانتصار والقضاء على ما تسميه بالتيار الانقلابي في حركة فتح من ناحية، وفي غمار الحزن والاحباط لاتباع حركة فتح من السقوط المذهل لقطاع غزة وللاجهزة الامنية الجراره من ناحية اخرى، غابت الحقيقة وانطلت خيوط اللعبه والمؤامره على حماس وفتح معاً بل والاخطر على قضيتنا الفلسطينية.
فقد حاول كل طرف ان يبرر موقفه مما حدث ويضع اللوم على الطرف الآخر معتقدين ان ذلك كاف بحل المشكلة وتبرئتهم امام شعبهم وامتهم من المخاطر الجمة التى سيتعرض لها الشعب الفلسطينى.
فمع احترامى لوجهة النظر الحمساوية من ان هناك تياراً انقلابيا في حركة فتح سعى الى افشال حركة حماس بكل الوسائل ووضع العراقيل امامها تنفيذا لاجندة امريكية اسرائيلية الا ان ذلك لم يكن مبررا لما حدث من مواجهة واستيلاء وتدمير ونهب للاجهزة الامنية والمؤسسات، حيث كان يجب على حماس ان لا تنساق الى هذا الفخ المنصوب لها باحكام من قبل دول اقليمية ودولية وسازيد الامر ايضاحاً:

الجميع يعلم يوم فازت حماس في الانتخابات كيف استقبل هذا الفوز من قبل الدول الاقليمية والدولية الفاعلة في المنطقة ومن السلطة الفلسطينية، حيث اجمعت هذه القوى الفاعلة (امريكيا واوروبا و دول الجوار العربية واسرائيل والسلطة) على قبولها بهذه النتيجه ولكن بشروط: ان تعترف حماس باسرائيل وان تنبد الارهاب.
واذكر اننى وضحت رأيي في هذا الفوز على موقع لحماس على الانترنت ووصفته ايضا بالفخ الذي يريد ان يجر حماس للاعتراف باسرائيل وبالتالى سيكون سهلا امام امريكا اجبار الدول العربية والاسلامية على الاعتراف باسرائيل استنادا الى اعتراف حماس بها، واذا لم يحصل ذلك فان هذه القوى ستعمل على افشال حماس في الشارع وممارسة كافة الضغوط على الشعب الفلسطينى من حصار وتجويع وترهيب ..الخ. وطالبت يومها قادة حماس للانتباه الى هذا الفخ وعدم الخضوع للضغوطات مهما كانت حتى لو وصل الامر الى التنازل عن الحكومة والانسحاب من العملية السياسية والعودة كسابق عهدهم حركة للمقامة.
وعندما كتبت هذا الكلام وقتها قوبل بالاستهجان والرفض من اتباع حماس المنتشين بالنصر الكبير ولكن جاءت الاحداث لثبتت صدق هذا التحليل وان جر حماس الى المشاركة في الانتخابات كان مطلباً امريكيا واسرائيليا بالاساس لانه بهذه الطريقة وحدها يمكن ممارسة الضغوط على الحركة واجبارها على القبول بالشروط الاسرائيلية والامريكية. ولكن والحمد لله لم تتنازل حماس ولم تعترف باسرائيل ولكن الشعب الفلسطينى عانى معاناة شديدة بسبب ذلك، و كان من تبعات ذلك ان نسي الجميع القضية الاساسية للشعب الفلسطينى واصبح كل همنا هو كيف تأمين لقمة العيش والرواتب وحل المشاكل اليومية والفوضى الامنية والمعابر ..الخ.
وقد ادركت حركة حماس بعد فوات الاوان حجم المأزق الذى دخلت فيه فهى تريد السلطة والوزارة والمناصب ولكنها لا تريد ان تعترف بالاتفاقات الموقعه مع الجانب الاسرائيلي وتبعاتها ولهذا لجأت الى المناداة بحكومة وحدة وطنية ليس لان حماس تريد الوحدة وتؤمن بها والا لماذا ترفض الانضمام الى مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، ولكن حماس طالبت بحكومة الوحدة لحل اشكاليات الاتفاقات الموقعة والاتصال بالجانب الاسرائيلى والمجتمع الدولى لتأمين المساعدات للشعب الفلسطينى . اى ان حماس طالبت بحكومة الوحدة الوطنية لانها تريد من الاخرين القيام بالاعمال القذرة .
وبعد معاناة شديدة للشعب الفلسطينى واقتتال داخلى وفوضى عارمه تم تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي لم تصمد طويلا بسبب الصراع على النفوذ وعدم رغبة الاطراف الدولية والاقليمية الفاعله في نجاح هذه التجربة وتمكين حماس من التملص من الاستحقاقات الاسرائيلية والامريكية. لهذا بدأت الخلافات والصراعات التى ولا شك كانت تقف ورائها هذه القوى والتى كان هدفها جر حماس الى الصراع المسلح والوصول بها وبالشعب الفلسطينى الى المأزق الذي نعيشه الآن، وهنا فاننى لا اعفى حماس من المسئولية عن هذا الفشل ايضا لان قادة حماس لم يعوا الدرس جيداً وتشبتوا بمطالبهم وصدقوا كذبة امكانية قيام ديمقراطية في ظل الاحتلال والحصار وانعدام الامكانيات.
والآن تتكرر اللعبه مره اخرى ويلذغ المؤمن -الذي لم يعد مؤمناً- من نفس الجحر مرتين وينساق من خلال نظره ضيقة وحسابات شخصية واحقاد ورغبه في الكرسي الى الفخ المنصوب باتقان ويخرج في الشارع فرحا بالنصر المزعوم ولكنه يفوق من سكرته مره اخرى ولكن بعد فوات الاوان ويطالب بالعودة الى الحوار وحكومة الوحدة الوطنية لانه يعلم ان تداعيات ما حصل لا تهدد حركة حماس وحدها بل تهدد القضية الفلسطينية ومستقبلها وامكانية دخولها الى المجهول .
فقد كانت السلطة وحركة فتح بكل سيئاتها تقوم بالدور الذي ترفض او لا تسطيع ان تقوم به حماس من اتصالات مع اسرائيل والمجتمع الدولى لتسير امور الشعب الفلسطينى وجلب المساعدات والحصول على الدعم السياسي والاقتصادي من دول العالم، ولهذ كان لابد من قطع هذا الشريان ووضع حماس امام الحقيقة وتركها تتحمل كامل المسئولية عن تأمين المتطلبات الاساسية للشعب الفلسطينى وهذا يفرض عليها القبول بالشروط الاسرائيلية والدولية بصوره كامله. فنحن لسنا دوله مستقله ولا سيطرة لنا على الحدود والمعابر ولا نمتلك اى مقومات اقتصاديه تمكننا من الاعتماد على انفسنا بل نعيش عاله على المساعدت العربية والدولية وحتى منافذنا البرية مع الدول العربية (مصر والاردن) لا يمكن التعويل عليها لان هذه الدول لها اجنده خاصه مناقضه لاجندة حماس ومرتبطة باتفاقيات سلام مع اسرائيل ولها موقف واضح رافض من التيارات الاسلامية .
اذا كان لابد من وضع حماس في هذا المأزق وجرها الى ما قامت به من انقلاب عسكرى على السلطة ومؤسساتها لاتاحة الفرصة للرئيس عباس اعلان حالة الطوارئ وحل الحكومة وتشكيل حكومة طوارئ بدون حماس المتمردة . وبالطبع سترفض حماس القرار وتتمسك بشرعيتها وحكومتها ولكن بدون اعتراف او دعم عربي او دولى وبدون وجود من يدير مؤسسات السلطة السابقة وبالذات المؤسسات الحيوية لقطاع غزة التى تتطلب اتصال مع الجانب الاسرائيلى مثل المعابر، فتصبح لدينا سلطتين واحدة في الضفة والاخرى في غزه احداهما تحوز على الشرعية الدولية والاخرى معزولة ومحاصرة مما يؤدي الى الفصل بين محافظات الوطن التي عمل الاحتلال على تحقيقها ولكنها تحققت بايد فلسطينية.
هكذا ادخلت حماس الشعب الفلسطينى والقضية الفلسطينية في نفق مظلم وادخلت نفسها في زاوية ضيقة وقلصت من خياراتها المقلصة اصلا بسبب ظروف الاحتلال والعزلة المفروضه عليها ولم يعد امامها الا خيارين اثنين اما ان تقبل بالشروط الاسرائيلية والامريكية واما ان تنتظر مزيدا من الحصار والاجتياحات والفوضى ومخاطر الحرب الاهلية والتي ستؤدي في النهاية الى اثار مدمره على الشعب الفلسطيني.
وهنا فاننى لا اشك ان ما حدث في قطاع غزه هو مؤامره متفق عليها بين بعض رموز السلطة وقوى اقليمية ودولية لتحقيق الاهداف السابقة لوضع حماس في دائرة ضيقة ومكشوفة ولا خيار امامها الا :
- التفاوض مع اسرائيل والاعتراف بها وما سيتبعه من اعترافات عربية واسلامية بالجملة .
- احضار قوات دولية الى غزة وما يتبع ذلك من مخاطر التدويل واحياء مشاريع قديمه.
- تكريس وجود سلطتين ضعيفتين الاولى في غزه والثانية في الضفه مما سيحيي مشاريع مثل اعادة الارتباط بين الضفة الغربية والاردن من ناحية وقطاع غزة ومصر من ناحية اخرى ليتم انهاء القضية الفلسطينية بالكامل.

ان المؤامرة واضحه جلية وكان يجب على قادة حماس ان يكونوا اذكى من ذلك وان لا ينجروا الى هذا الفخ الذي نصب لهم بذكاء فالمؤمن كيس فطن والا فهل يمكنهم الاجابه على هذه الاسئلة:
- لماذا لم تستطع اجهزة السلطة الامنية التصدى لحماس وتركت الساحة والمقرات شبه خالية ليتم احتلالها وتدميرها من قبل اتباع حماس، هذا بالرغم من ان الجميع يعلم الاعداد الكبيرة لهذه القوات المدربة والمسلحه بطريقه افضل من حماس والتى تزيد على 40000 الف مقاتل هذا غير اتباع حركة فتح.
- لماذا تركت هذه القوات بدون قيادة وبدون تعليمات واضحة للتصدى لهذا الهجوم
- لماذا غادر معظم قادة الاجهزة الامنية والتنظيمية القطاع قبل الاحداث بفترة وتركت الساحة خالية
- لماذا لم يعلن الرئيس عباس حالة الطوارئ منذ بداية الاحداث بل انتظر حتى سقوط كافة المقرات وبعد ان تأكد من سيطرت حماس على كافة الاجهزة الامنية تماما.
- لماذا صدرت التعليمات لاتباع الاجهزة بمغادرة اجهزتهم وابقاء اعداد قليله من الغلابا والمساكين الذين لا حول لهم ولا قوة ليواجهوا الموت.
- لماذا لم يتم تشكيل لجنة تحقيق فيما حدث من قبل الرئيس عباس ولم يتم اقالة قادة الاجهزة الامنية بل اننا لازلنا نشاهدهم على الشاشات يتبجحون بدون خجل ويصدرون الاوامر وكأن شئ لم يحدث .
- لماذا لم تتدخل اسرائيل لمساعدة السلطة في افشال هذا الهجوم وهي لديها القدرة على ذلك.
اسئلة كثيره تحتاج الى اجابه .. ولكننى اعتقد ان كل ذلك حدث لان هناك مؤامره اقليمية ودولية شارك بها اعضاء فى السلطة الفلسطينية لجر حماس الى هذا الفخ لاجبارها على الرضوخ للشروط الامريكية ووضع القضية الفلسطينية في هذا المأزق. فالامر ليس كما يفسره جنرالات حماس بقوة عقيدة عناصرهم وتدريبهم العالى او كما يفسرها مشايخهم بانها نصر من الله وفتح عظيم جعلت احدهم يتنبأ ويجزم بانه سيصلى في المنتى (مقر الرئيس) قبل يومين من سقوطه واتمنى ان يتنبأ لنا متى سيصلى بالقدس السليب الذى نسيه الجميع.
وهنا فانني لا اسعى الى التقليل من شجاعة وتضحية الجناح العسكرى لحماس، ولكننى لا اقبل ان يهان عشرات الآلاف من قوات الامن الوطنى ويتهموا بالجبن والهروب وقله الخبره واكثرهم خاض عشرات المعارك ضد الاحتلال وسطر بطولات يشهد لها القاصي والذاني. ولكنها المؤامرة التي قلبت الصوره وخلطت الاوراق واحدثث هذا الشرخ الكبير بين ابناء الشعب الواحد ووضعت مصيره في مهب الريح.

و بالبرغم من ان ما قامت به حماس جريمه كبرى بكل المقاييس وما كان يجب على قادتها وجنرالاتها ان ينساقوا الى هذا الفخ المحكم تحت اي مبرر وكان اجدر بهم ان ينفضوا ايديهم من كل الصراعات على المناصب والكراسي ويوهبوا انفسهم الى الاهداف الاساسية التى وجدت من اجلها حماس وهى تحرير فلسطين من خلال المقاومة وليس من خلال سلطه منقوصه تعيش عاله على دول العالم وتنظر الحصول على موافقة اسرائيلية لكل شاردة وواردة. بالرغم من كل ذلك فإن ما قامت به حركة فتح منذ استلامها للسلطة وحتى الان لا يقل جرماً عن ذلك بعد ان قتلت الامل في نفوس ابناء الشعب الفلسطيني بسبب الاخطاء القاتلة التى ارتكبتها ليس في فترة ابو مازن فحسب بل كان اساس البلاء منذ ابو عمار الذي فتح الباب على مصراعية اما الفاسدين والمفسدين بدون رقيب او حسيب ولم يؤسس لبناء دوله بل اسس بعلم او بغير علم لهذه الفوضى والضياع الذى نعيشه الآن.
ان هذه المؤامرة وهذا الفخ الذى نصب لحماس بل وللشعب الفلسطينى برمته لا مجال للخروج منه الا بجراحه عسيره تصتأصل الاورام الخبيثة من الجسد الفلسطينى المثقل بالجراح. فرغم جسامدة ما حدث وخطورته فاننى اجد فيه بعض الايجابيات التى كان اولها انها ستكون بدايه لاعادة تريب البيت الفلسطينى بعد ان اتضح للشارع حقيقة التنظيمات الفلسطينية المختلفة وبعض قياداتها التى لا يعنيها من القضية سوى مصالهحا الضيقة .
فقادة حماس الحاليين الذين تخلوا عن اهداف الحركة الرئيسية وتخلوا عن الحنكة وبعد النظر واصابهم الغرور فغرر بهم وسيقوا وساقوا حركتهم واهدافها النبيله وقضيتنا العادلة الى مجاهيل ومخاطر جمه، اتمنى منهم ان يفيقوا من سباتهم ولا يكونوا ادوات من حيث لا يعلمون في يد اعداء قضيتنا العادلة، ويجب عليهم ان يحللوا بموضيعية الاحداث وتداعياتها الكارثية على الشعب والقضية عسى ان يتمكنوا من الخروج من هذا المأزق باقل الاضرار، ومن وجهة نظري المتواضعه افضل سبيل لذلك هو العودة الى قلعتهم الاصيله كحركة مقاومة.
و حركة فتح صاحبة الارث النضالى الطويل والتضحيات العظيمه لابنائها فلا يجب ان تبقى اسيره لبعض القيادات العفنه التى لا تجيد الا الشعارات والمؤامرات ويجب ان يكون هذا السقوط المدوي للحركة في الانتخابات وفي الاحداث الاخيرة بداية للنهوض بالحركة بفكر جديد ودماء جديده.
اما بعض اصحاب الدكاكين والبازارات الاخرى والارزقية الذين لديهم استعداد للتلون بالف لون للحفاظ على مصالحهم الخاصة فيجب ان يختفوا الى الابد من حياتنا ليحيا الشعب الفلسطينى في كرامه وعزه ويواصل النضال لتحقيق اهدافه الشرعية بالحرية والاستقلال.
ولا تكرهوا شيئاً لعله خيراً لكم"

ليست هناك تعليقات: