بقلم /يوسف العاصي الطويل
بقلم / عضو بالاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
على جسامه تداعيات العمل العسكري لحماس في غزه على القضية الفلسطينية، فاننى اعتقد ان التداعيات الاخطر ستكون على الاسلام السياسي في المنطقة العربية برمتها، حيث اوقعته هذه الاحداث وتداعياتها في مأزق خطير للغايه وكشفت عنه قناع العفه والطهاره، وفقد عباءة الضحية التى ظل يحتمى بها لزمن طويل، وتحول في غزه من ضحيه الى جلاد اناني تسلطي لا يرحم، واساء للدين الاسلام اساءه ما بعدها اساءه من خلال التوظيف المشين للشعارات الدينية، مظهرا الفرق الشاسع ما بين القول والممارسه، وما بين نصرة الدين وطلب الدنيا.
وهنا فاننى لا اريد ان ادخل في تفاصيل التجربه سيئة السمعه لحماس في غزه لان احداثها وصورها اصبحت معروفه للقاصي والداني وان كان من يعيش الواقع غير من يرى ويسمع عن بعد . المهم ان هذه التجربه كشفت القناع عن غوليه وغوغائيه الحركات الاسلامية وضيق افقها الذي يصل الى حد الجهل بابسط ابجديات العمل السياسي والوطنى، والذي ساقها وساق القضية الفلسطينية الى هذا المأزق الرهيب الذي حذرها منه كثير من المفكرين منذ زمن، ولكن لا حياة لمن تنادي .
وبالرغم من انني احسب نفسي من المؤمنين بمقدرة الاسلام على الاخذ بيد الامه لطريق النهضه والعزه واحاول من خلال بعض مشاريعي البحثيه ان اساهم بهذ المجال قدر استطاعتي، الا انني وصلت الى قناعه بأن الوقت لم يحن بعد لهذا المشروع ليأخذ مكانه ويزاحم الآخرين للظفر بالسلطه وقيادة الامه في ظل القيادات وطريقة التفكير الحالية، لان التيارات الفكرية الاسلامية او على الاقل ما تمخض عنها من حركات واحزاب اسلامية لاتزال تعيش في عالم غير عالمنا ولم تستطع حتى اللحظه ان تدرك ليس فقط المعاني العظيمه للاسلام بل والاخطر انها لا تعرف شئ عن حقيقه العالم الذي نعيش فيه والمتغيرات التى تحكمه واكتفت برفع شعارات براقه كالاسلام هو الحل والاسلام هو البديل .. الخ، بدون ان تقدم ايه حل او بديل مقنع للجماهير على اي مستوى من المستويات، ولهذا تجد نفسها في مأزق بمجرد امتلاكها للسلطه او جزء منها فتفشل.
وبالطبع فان مبرراتها جاهزه لسبب الفشل وهو مؤامرة الكفار والعلمانيون الذين لا يريدون للاسلام ان يحكم، كما ان تهمها بالخيانه والعماله والرده والخروج عن الصف جاهزه لمن لا يوافقونها الرأى . وهنا فاننى لا انكر ان هناك مؤامره على الاسلام، ولكن ليس هذا هو المهم بل الاهم من ذلك هو استعدادنا لنكون ضحيه للمؤامرة والتى ما فتئت الحركات الاسلامية تقع فيها من اول تجربه سلطويه تمر بها سواء كانت في الحكم او في المعارضه، والمؤمن لا يلذغ من جحر مرتين.
وبالرغم من اننى لا انكر اصاله النشأة والتكوين لاغلب الحركات الاسلامية، وصدق نواياها الا ان مشكلتها الرئيسية كانت في عدم نضوجها ووعيها السطحى بالوضع الدولى وتعقيدات الحكم على المستوى الوطنى، فوقعت في صدامات غير مبرره مع السلطه على المستوى المحلي، ودخلت في صراعات غير محسوبه مع الدول العظمى على المستوى الدولى، وتم كل ذلك باسم الجهاد في سبيل الله تعالى من أجل رفعة شأن الإسلام، فانتشرت الصدامات في مختلف البلدان من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وخالطتها كثير من المخالفات الشرعية، التى اتخذت من الإسلام درعا لطرح فكر متعصب لا يقبل التسامح ولا العقل ولا الاعتراف بالاخر بدلا من زرع بذور الخير والمحبة والقذوة الحسنة والكلمة الطيبة التي توحد الناس وتأخذ بيد الامه الى التغيير المطلوب.
ولو حاولنا مراجعة تجارب حركات الاسلام السياسي في منطقتنا منذ الاستقلال وحتى اللحظه فاننا سنجد انها تنقسم الى قسمين، الاولى ونتيجه لفكرها المغلق التكفيرى وعدم نضوجها السياسي، وضعت نفسها كخصم عنيد لكافه الانظمه الوطنية واخذت تزاحم على السلطه بدعوى انها تريد تطبيق الاسلام بالرغم من ان مشروعها الاسلامي لم يكن جاهزا وقتها وحتى اللحظه، واخذت تستغل بعض التصرفات هنا وهناك لتكفير النظام ومحاولة الانقلاب عليه بدلا من المساعده في مواجهة التحديات والاخذ بيد النظام الوليد، وهذا ما حدث في مصر والعراق وسوريا في ذروة المد الثوري والقومي حيث وضعت حركة الاخوان المسلمين وغيرها من الحركات نفسها في مواجهه مباشره مع الاحزاب القوميه، وكأن الاسلام يعارض القومية والوحدة العربية، بل اننى اذكر كيف انهم كانوا يصورن فكر القوميين العرب والبعثيين وكأنه فكر شيوعي الحادي كافر، ونسى القوم ان فكرة بعث الامة العربية هي في النهايه بعث للاسلام واحياء له لانه لا عروبه بدون اسلام.
ثم جاءت تجربه هذه الحركات لتتكرر وتقوم بنفس الدور في العراق ابان الغزو الامريكي للعراق حيث فضلت ان تقف في صف المحتل المعتدي ضد نظام صدام متناسيه ومتغافله عن احكام صريحه في القرآن تحرم ذلك وكانت النتيجه ما نراه ونسمعه في العراق من دمار لكل شئ وحرب طائفيه بين من يدعون الاسلام (شيعه وسنه) بدل الحرب على الاجنبي المحتل. وفي سوريا كاد يتكرر نفس المشهد عندما ابدت حركة الاخوان المسلمون السورية استعدادها للتعاون مع امريكا للاطاحه بالنظام السوري.
اما النوع الثاني من الحركات الاسلامية والتي ظهرت في نهاية السبعينيات، فقد مثل ظهورها تطور نوعي في عمل الحركات الاسلامية نتيجه لما فرخته التجربه الافغانية من حركات ولدت في احضان المخابرات الامريكية والانظمه المتعاونه معها، حيث دخل معها الاسلام السياسي مرحله جديده وخطيره، بعد ان تم تصنيعه ثم استغلاله من قبل المخابرات الامريكية والعربية، فحصل على مشروعيه مؤقته لدحر الغزو السوفيثي لافغانستان، ولكن بعد انتهاء دوره مع السوفيث، بدأ اضطهاده ومطاردته لدفعه للقيام بدور جديد من خلال نشره في كل مكان، فظهرت هذه الحركات بدون تحديد اوليات واسس لعملها الجهادي واستخدمت من حيث لا تدري كاداه، فكانت ثاره تعمل كوكيل لامريكا في اثارة القلاقل فى الدول العربية وروسيا ومناطق اخرى، وثاره كاداه في يد المحافظين الجدد في امريكا في سعيهم لتصوير الاسلام كعدو بديل للشيوعية وانه الخطر الذي يتهدد العالم والذي استخدمته امريكا ودول اوروبا الغربيه كمبرر لاعلان حربها على ما يسمى بالارهاب والتضييق على المسلمين في كل مكان، وتجلى ذلك في احداث 11 سبتمر التى ابتهج لها كثير من المسلمين ولكن بعد حين اكتشفوا عمق المأزق الذى وضع المسلمون به نتيجه هذه الاحداث، وبدأ البعض بعد فوات الاوان ينتقد هذه العمليات ويشكك في من يقف وراءها وجدواها بعد ان لمسوا انعكاساتها الخطيره على الامه، وان المستفيد الوحيد من هذه الاحداث كانت ادارة بوش المتطرفه واسرائيل، بل لا ابالغ لو قلت بان امريكا هى التى قامت بهذه الاحداث واستخدمت الحركات الاسلامية ليس كاداه تنفيذية -لانهم لايصلحون لذلك- بل فقط كمتبني يقف من بعيد ليخرج علينا من حين لاخر ببيانات واشرطه مصوره استخدمتها ادارة بوش افضل استخدام لضرب الاسلام في كل مكان.
وهكذا لم تكتفي كثير من حركات الاسلام السياسي بتخريب واعاقه حركات التحرر الوطنى في بلدانها بل انها عملت على الاساءه الى الاسلام والعروبه في العالم وابراز المسلمين بشكل بشع امام العالم من خلال عمليات وتصريحات وافعال الحقت اضرار فظيعة بالاسلام والمسلمين وشوهت صورته. وهنا فانني لا انكر كيد الغرب وامريكا للاسلام واهله، ولكن هذا لا يعنى الدخول في مواجهه مفتوحه معهم بدون حساب التداعيات الخطيره على الاسلام. كما انني لا احاول تبرئه الانظمه الحاكمه من كثير من الاخطاء والخطايا والتجاوزات، ولكن هذا لا يبرر ان تضع هذه الحركات نفسها على طرف نقيض من هذه الانظمة وتحاول بكل الطرق الانقضاض عليها بدل توحيد الجهود والتدرج واعداد العده للتغيير المطلوب.
فبالرغم من ان كثير من الحركات الاسلامية لم يكن لها ميزه زائده عن الحركات الوطنية الاخرى في حروب الاستقلال وتضحياتها، بل ان ظهورها كان متأخر جداً في بعض المناطق، الا انها وبمجرد زوال الاستعمار بدأت تنشط ووضعت نفسها مباشره في صدام مع النظام بدون تطبيق ابسط ابجديات العمل الاسلامي من تحديد الاوليات والوعى بالتحديات والتدرج في حلها. بل انها اكتفت بالتركيز على شكليات الاسلام دون الجوهر فكانت النتيجه رؤيه ساذجه ومبسطه للاسلام جعلت الواحد منهم يعتقد ان تطويل اللحى وتقصير الجلباب يكفي لاستحقاقه النصر من الله والدعوه الى اقامة دولة الخلافه، ونسى او تناسى القوم ان للنصر والاستخلاف شروط وقوانين غير اللحى الطويله والاسماء الجميله التى تستحضر عظمة الماضي بشكله لا بجوهره، فليس كل من تسمى بابي حفص ملك عداله عمر، وليس كل من كنى نفسه بابو الوليد او ابو مصعب والقعقاع وغيرهم من الصحابة العظام رضى الله عنهم جميعاً اصبح من المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه من ترك الدنيا والتفاني في خدمة الاسلام بالعلم والعمل، فدانت لهم الدنيا بما رحبت.
ان للاستخلاف والنصر سنن وقوانين بعيده كل البعد عن الشعارات البراقه والشكليات الجوفاء والخطب الرنانه التى اصبحت منهجاً لكثير من الحركات الاسلامية. فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد من الله بالنصر لم يغفل ولو للحظه واحده عن الاخذ بالاسباب واعداد العده بالرغم من يقينه بنصر الله للدين الجديد. ولكن الله سبحانه وتعالى اراد وضع منهج للنصر والتمكين للمسلمين في كل زمان ومكان ليأخذوا به. ففي احد هزم المسلمون لان بعض الصحابة لم يتبع اوامر الرسول الكريم وانساق وراء عرض الدنيا. وكادوا ان يهزموا في حنين عندما اعجبتهم كثرتهم. وفي الخندق اعد المسلمون العده واخذوا بالاسباب وحفروا الخندق وبعدها جاء النصر من الله وتفرقت الاحزاب. وفي مؤته انسحب خالد بذكاء من المعركه حقناً لدماء المسلمين، فقال عنهم عامة المسلمين الذين لا يدركون السنن الالهيه انهم الفرار ورد عليهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بانهم الكرار، وفي الشام تنازل خالد عن القيادة لابي عبيده انصياعاً لامر خليفة المسلمين وهو في اوج انتصاراته وعظمته من اجل مصلحة المسلمين، وهناك مئات بل آلاف العبر والدروس الشبيهه والتي نتغنى بها ليل مساء، ولكننا كالحمار يحمل اسفاراً.
ان الاسلام شريعه ومنهج حياه اذا اتبعناه قولا وعملا كنا خير امة اخرجت للناس، وصلح حالنا في الدارين، اما اذا اكتفينا برفع شعاراته والتغنى بفضائله وعظمة رجاله، من غير ان نستوعب ونطبق الدروس والعبر فلن يغير الله من حالنا، ولن تشفع لنا عندها ابتهالاتنا ودعواتنا بتدمير الكفر والكافرين ونصرة الاسلام والمسلمين، لان الله ينصر من ينصر دينه قولا وعملا، ونصرة الدين لا تكون بالدعاء والبكاء ولكن بامتلاك القوة واسبابها، واعداد العدة بمختلف طرقها ومجالاتها،"واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" اما اذا توقعنا النصر بغير ذلك يصبح يقيننا بالنصر يقيناً منقوصاً وهو اقرب الى القاء انفسنا الى التهلكه، لان المؤمن القوى احب الى الله من المؤمن الضعيف، والسيرة النبوية والتاريخ الاسلامي اكبر شاهد على ذلك، ولهذا تقدم المسلمون وفتحوا مشارق الارض ومغاربها من خلال اعداد العدة والاخذ بالاسباب ووضع خطط الحروب فبرزت عبقريات فذه وبطولات عظيمه ومواقف ايمانية جعلت اليقين بالنصر من الله حقيقة واقعه، لان "اعقلها" سبقت وتوكل، ولان الايمان صدقه العمل.
والسؤال الذي يبرز بقوه في واقعنا المعاصر اين نحن من كل ما تقدم ؟ بالطبع الفارق كبير كالفرق بين الثرا والثريا كما يقولون، وواقعنا المزري خير شاهد على ذلك حيث تتصدر دولنا العربية والاسلامية القائمة السوداء في كل شئ من التخلف العلمي والامية والجهل والفقر والفساد والرشوه والتطرف .. الخ . فاين الحركات الاسلامية من كل ذلك وما هي مساهماتها ومبادراتها؟ بالرغم من علمي ان هذا يقع ضمن مسئوليات الدوله، ولكن ذلك لا يعفيها من المسئولية لانها تمتلك اكبر قوه للتأثير على الناس بسبب الميل الفطري لدى الناس لاتباع رأى علماء الدين اذا صدقوا وتوحدوا، كما ان المجال مفتوح امامها للعمل في كثير من المجالات البعيده عن الصدام بالسلطه لتقديم القدوة الحسنة في كل شئ واعداد العدة للتغيير بدل السعي الى السلطه وهي خاوية اليدين، فتصتدم بالواقع المر الذى تسعى لتغييره، لان المطالبه بالتغيير شئ والقدره على التغيير وامتلاك ادواته شئ آخر مختلف، لما يتطلبه ذلك من وعي وقدره وخبره وتوحيد للجهود الوطنيه بكافه اشكالها ومشاربها، بالاضافة الى تحديد الاهداف المطلوب تحقيقها بوضوح في ظل الامكانيات المتاحه، بدون الزج بالاسلام في ساحات للصراع غير متكافئة.
لقد اكتسبت حركة حماس شعبية كبيره لنفسها عندما كانت حركة مقاومة، وشهد لها القاصي والداني بسمو الهدف ونبل النيه وعظمة التضحيات، ولكنها بدأت تتراجع وتحاصر نفسها عندما بدأت تتطلع الى الكرسي والسلطه، فوقعت في خطأ كبير عندما شاركت في الانتخابات رغم فوزها بأغلبية كبيره، ثم وقعت في خطأ آخر عندما قامت بانقلابها في غزه، لانها في الحالتين اعتقدت خاطئه بانها يمكنها الجمع بين السلطه والمقاومة متغافله عن امور كثيره ما كان يجب ان تغيب عنها. فمن ناحيه هناك تحديات الوضع الداخلي بكل تعقيداته، وحقائق الاحتلال الصهيوني بكل جرائمه وقدراته، وحقيقة الضعف العربي والاسلامي بكل مرارته وسلبياته، واخيراً الوضع الدولي بازدواجيته ولامبالاته. وبالرغم من كل ذلك قررت حماس الدخول في الصراع على السلطه فكانت النتيجه فشل مريع لبرنامجها في التغيير والاصلاح، بل والاخطر من ذلك سقوط برنامجها المقاوم واصبحت تستجدي الحوار مع عباس والهدنة مع اولمرت .
وبالطبع فإن حماس لم تكلف نفسها البحث عن مكمن الخطأ وعلى من تقع مسئولية هذا المأزق، فوجدت الطريق السهل لتعليق الاخطاء على زمرة رام الله والاحتلال الاسرائيلي والسكوت والتآمر العربي والدولى، وهذا صحيح ومتوقع، ولكن الاصح هو ان المسئولية الاولى والوحيده تقع على حماس لانها هي التى سلمت نفسها وبكامل ارادتها للذئاب لتنهش لحمها وتمثل بها، فظلمت الاسلام قبل ان تظلم نفسها. ولا اعرف ما هي المبررات التى جعلت حماس ومشايخها ومستشاريها يتوقعون غير ذلك ويحلمون بإن تمد سلطة رام الله واسرائيل وامريكا او الدول العربية السائرة في فلكها، يد العون لها ليخرجوها من مأزقها ويفتحوا لها المعابر ويزودوها بالمال الكافى لتدعيم موقفها والاستمرار في نهج المقاومه؟! بالتأكيد انها السذاجه وضيق الافق وعدم الوعي السياسي والاكتفاء بالشعارات والخطب الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
لقد كنت منذ البداية من الناصحين والمحذرين لحماس من خطورة الانزلاق الى فخ السلطه والمشاركة في الانتخابات، وطالبتها كغيرى ان تبتعد عن هذا الفخ الذي سيضعها في مأزق رهيب، وفعلت ذلك ايضا بعد انقلابها في غزه بالرغم من ادراكي ومعرفتى بفساد وظلم السلطة السابقة وضرورة تغييرها، حيث كان من الممكن ان تقوم حماس بتحييد رموز الفساد او بدعم بعض المستقلين وحركات اخرى تلتقى معها في بعض الامور بهدف القضاء على الفساد والتفريط في الحقوق، بدون وضع نفسها في مكان تعلم انه ليس مكانها في ظل الظروف الحالية التي يسعى الجميع الى توريطها وافشالها او اجبارها على التنازل عن مبادئها . وربما كان يمكن ان يكون اصرارها على الدخول في السلطه ثم انقلابها العسكري له ما يبرره لو انها تمتلك مفتاح واحد من مفاتيح السجن الكبير الذي يعيش به الفلسطينيون، او انها تمتلك ايه ورقه لتغييره او حتى تحسينه، او ان لديها مصدر واحد يؤمن ابسط انواع الحياة للشعب الفلسطيني. ولكن يبدو ان الحركة اعتقدت خاطئه نتيجه عدم وعيها السياسي بانه يمكنها الجمع بين المقاومة والسلطة فوقعت واوقعت معها الشعب الفلسطيني في مأزق وحصار خانق وظالم لا امل للفكاك منه الا على حساب مبادئها وبرنامجها المقاوم. وهذا لا يعني اننى ارفض وصول الحركات الاسلامية الى الحكم وتولى السلطه، بالعكس فانني اؤمن بان ذلك يجب ان يكون الهدف النهائي ولكن بشرط ان تكون هناك قراءة واعية لكافة الظروف المحلية والعربية والدولية، بالاضافة الى امتلاك ادوات التغيير.
لقد دخلت حماس السلطه بهدف التغيير والاصلاح وهذا شئ جميل لو كنا دوله لها استقلال وسياده واقتصاد .. الخ، اما تدخل حماس السلطه وهي تعرف انه مطلوب منها مد يدها للامريكيين والاسرائيلين والاوربيين للحصول على الرواتب والمعونات واستجداء فتح المعابر ثم تكابر وترفض وتطالب الناس بالصبر والرباط، فهذا اسمه تدمير وافساد، وكان يجب على حماس ان تنفض يدها من السلطه وما فيها وتتفرغ للمقاومه بدل هذا العناد والمكابره القاتله التى عطلت مصالح البلاد والعباد، لان الاسلام يوجب عزل الخليفه اذا إذا جار وظلم وظهر غشمه او عجز عن القيام بأعباء الخـلافة، لأيّ سبب من الأسباب، وذلك لأن عقد الخـلافة إنما كان على القيام بأعبائها، فإذا عجز عن القيام بما جرى العقد عليه وجب عزله، لأنه صار كالمعدوم، كما انه بعجزه عن القيام بالعمل الذي نُصّب له خليفة تتعطل أمور الدين، ومصالح المسلمين.
وبالرغم من ادراكى باننا لسنا في عصر الخلافه لعزل الخليفه وابداله بخليفه آخر يحرص على اقامة امور الدين والدنيا، الا ان هذا لا يعفي حماس من المبادره بنفسها والتخلى عن السلطه والتركيز على المقاومه انقاذا لنفسها ولمصالح البلاد والعباد، هذا بالرغم مما يحمله هذا الخيار من مخاطر باستهدافها من قبل السلطه واسرائيل، ناهيك عن الحقد الكبير الذى تولد لدى فئات من المجتمع الفلسطينى والذين تضرروا من تصرفات حماس وما سيتبعه من عمليات انتقام واقصاء لحماس وعناصرها، واعتقد ان هذا هو السبب الرئيس الذي يخيف حماس من عملية التخلى عن سيطرتها على غزه والذي ربما يدفع قادتها الحاليين تحت الضغوط المستمره والخوف من سيناريو عودة فتح الى غزه الى التنازل والدخول في العملية السلمية. ولكن في كل الاحول فان مصلحة الامه اولى بالتقديم على مصالح فئه معينه اساءت لنفسها وللدين في نفس الوقت، ومن يختار طريق المقاومه لابد ان يعاني ويطارد ويلاحق ويسجن ويستشهد، ولكنه دائما مصر على مبدئه ويبتكر طرق جديده لايذاء العدو وهذا هو عين الجهاد.
وهنا فاننى اعتقد ان الحل الامثل يكون بان تبادر بعض الشخصيات المعتدله في حماس نفسها بالامساك بزمام الامور والبدء في اصلاح ما افسدته تجربة حماس في السلطه باعادة الاعتبار للمقاومه من ناحيه، ومن الناحية الاخرى ايجاد طريقه للخروج من السلطه والتحول لقوة معارضه قويه بالتحالف مع قوى اخرى، ثم البدء في حوار جاد مع حركة فتح، لضمان اصلاح النظام السياسي الفلسطيني ومؤسساته بما يضمن الاستمرارية للمشروع الوطنى على قاعدة المشاركه السياسية لكافة القوى، وعلى الطرف الآخر يجب ان تقوم حركة فتح والسلطة باصلاحات جذرية في مؤسساتها وكوادرها الذين اساءوا استخدام السلطه ونهبوا مقدراتها، فلا يعقل ان تستمر حركة كحركة فتح تحضنن هذا الكم الهائل من الفاسدين والمفسدين والوصوليين الذين لولا اخطائهم وخطاياهم لما وصل حالنا الى ما هو عليه من ضياع وانقسام وتفتت، ولا يغرنهم مأزف حماس الحالي، لان الشعب سيلفظهم مره اخرى وبدون رجعه اذا لم يغيروا ويبدلوا ويحاسبوا كل من تجاوز واساء وسرق قوت الشعب المقهور، هذا بالرغم من اعتقادى ان ما يخطط له ابعد ما يكون عن عيون مشايخ حماس وجيوب ارزقية فتح، بل المراد ضرب الظالمين بالظالمين عسى الله ان يخرجنا من بينهم سالمين.
في احدى مقالتى السابقة "بعنوان مرحلة ما بعد حماس" بدأته بالقول ليست امنية او رجاء "مرحلة ما بعد حماس"، وكنت وقتها اريد ان يكون العنوان "ما بعد حماس" ولكننى حاولت تلطيف العنوان، هذا بالرغم من ان يقيني كان ولازال ان حماس كحركة مقاومه انتهت بعد ان اختطفها السياسيون من احضان ابطال القسام وادخلوها في متاهات السلطه والكراسي كما حدث مع حركة فتح، وتحول ابطال المقاومه والجهاد في الحالتين للاسف الشديد الى جلادين وسجانين لشعبهم المقهور. واذا كانت اسرائيل وامريكا تطيل من عمر حركة حماس وتحجم عن تدمير مقراتها واغتيال قادتها، بعد ان اصبحت حماس وعناصرها وقادتها مكشوفين تماماً لاسرائيل وآلتها العسكرية، فان ذلك ليس نتيجة خوف او عدم مقدره، بل إن ذلك بهدف تعميق مأزقها، لتجد نفسها اما مجبره على الدخول في العملية السلمية وهو ما يعني حصول تطبيع كامل وشامل بين الدول العربية والاسلامية واسرائيل، او تفشل فشل ذريع لتكون عبره لمن لم يعتبر في مشارق الارض ومغاربها، وقد بدأنا نشهد السقوط المدوى لحركات الاسلام السياسي في الاردن والمغرب وغيرها من المناطق، بسبب الرعب الذي اثارته تجربه حماس في غزه من كافة حركات الاسلام السياسي .
إن المطلوب من كافة الحركات الاسلامية ان تراجع نهجها وطرق عملها وتستوعب العبر والدروس الحقيقية لسنن العلو والتمكين، وتكف عن الزج بالاسلام في صراعات وتجارب خاسره وفاشله نتيجة عيب فيها وليس في الاسلام الذي بدأ يدفع ثمناً باهضاً نتيجة جهل ابناءه وخبث اعدائه. ان الإسلام شريعة الله في أرضه ودينه القويم وسبيل الهداية والصلاح والفلاح لنا في الدارين، الا أن الجهل وانحراف الرؤى والأفكار ومناهج العمل لبعض الجماعات الإسلامية المتشبعة بثقافة العنف ورفض الآخر تقف من حيث لا تدري حجر عثره في سبيل نهوضه وتمكينه وتعزله عن العالم وتقيم حواجز من التخلف والعداء حوله، حيث تتستر هذه الجماعات على أعمالها المتطرفة بالدين وشريعته الإسلامية للوصول إلى السلطة، وشتان بين منهج سياسي يتحصن بدرع الدين ويسعى باسمه للوصول الى السلطة، وبين قيم رسالة ايمانية غايتها إسعاد البشرية ورخائها ونشر المحبة والسلام بين الناس وتحقيق صلاحهم في الدنيا والآخره. وفي كل الأحوال فإن المشروع الإسلامي أوسع من أن يختزله حزب أو برنامج للحكم، فالحكم مجرد جزء من مشروعه، وليس هو الجزء الأعظم والأهم، ولذلك سقطت للإسلام دول لا تحصى بينما استمر فعله في الأمة والتاريخ...مصداقاً لقوله تعالى " إنّا نحن نزلنا الذكر و إنّا له لحافظون" ... واذا كان عبد المطلب قال لابرهه الحبشي : اما البعير فهي لى، وللبيت رب يحميه" فانني اقول لحماس وكافة الحركات الاسلامية الاخرى ارفعوا ايديكم عن الاسلام .. وكفاكم اساءه للدين باسم الدين، وتعلموا من الاعاجم كيف يكون الوصول الى الحكم والسلطه ... والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم.
بقلم / عضو بالاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
على جسامه تداعيات العمل العسكري لحماس في غزه على القضية الفلسطينية، فاننى اعتقد ان التداعيات الاخطر ستكون على الاسلام السياسي في المنطقة العربية برمتها، حيث اوقعته هذه الاحداث وتداعياتها في مأزق خطير للغايه وكشفت عنه قناع العفه والطهاره، وفقد عباءة الضحية التى ظل يحتمى بها لزمن طويل، وتحول في غزه من ضحيه الى جلاد اناني تسلطي لا يرحم، واساء للدين الاسلام اساءه ما بعدها اساءه من خلال التوظيف المشين للشعارات الدينية، مظهرا الفرق الشاسع ما بين القول والممارسه، وما بين نصرة الدين وطلب الدنيا.
وهنا فاننى لا اريد ان ادخل في تفاصيل التجربه سيئة السمعه لحماس في غزه لان احداثها وصورها اصبحت معروفه للقاصي والداني وان كان من يعيش الواقع غير من يرى ويسمع عن بعد . المهم ان هذه التجربه كشفت القناع عن غوليه وغوغائيه الحركات الاسلامية وضيق افقها الذي يصل الى حد الجهل بابسط ابجديات العمل السياسي والوطنى، والذي ساقها وساق القضية الفلسطينية الى هذا المأزق الرهيب الذي حذرها منه كثير من المفكرين منذ زمن، ولكن لا حياة لمن تنادي .
وبالرغم من انني احسب نفسي من المؤمنين بمقدرة الاسلام على الاخذ بيد الامه لطريق النهضه والعزه واحاول من خلال بعض مشاريعي البحثيه ان اساهم بهذ المجال قدر استطاعتي، الا انني وصلت الى قناعه بأن الوقت لم يحن بعد لهذا المشروع ليأخذ مكانه ويزاحم الآخرين للظفر بالسلطه وقيادة الامه في ظل القيادات وطريقة التفكير الحالية، لان التيارات الفكرية الاسلامية او على الاقل ما تمخض عنها من حركات واحزاب اسلامية لاتزال تعيش في عالم غير عالمنا ولم تستطع حتى اللحظه ان تدرك ليس فقط المعاني العظيمه للاسلام بل والاخطر انها لا تعرف شئ عن حقيقه العالم الذي نعيش فيه والمتغيرات التى تحكمه واكتفت برفع شعارات براقه كالاسلام هو الحل والاسلام هو البديل .. الخ، بدون ان تقدم ايه حل او بديل مقنع للجماهير على اي مستوى من المستويات، ولهذا تجد نفسها في مأزق بمجرد امتلاكها للسلطه او جزء منها فتفشل.
وبالطبع فان مبرراتها جاهزه لسبب الفشل وهو مؤامرة الكفار والعلمانيون الذين لا يريدون للاسلام ان يحكم، كما ان تهمها بالخيانه والعماله والرده والخروج عن الصف جاهزه لمن لا يوافقونها الرأى . وهنا فاننى لا انكر ان هناك مؤامره على الاسلام، ولكن ليس هذا هو المهم بل الاهم من ذلك هو استعدادنا لنكون ضحيه للمؤامرة والتى ما فتئت الحركات الاسلامية تقع فيها من اول تجربه سلطويه تمر بها سواء كانت في الحكم او في المعارضه، والمؤمن لا يلذغ من جحر مرتين.
وبالرغم من اننى لا انكر اصاله النشأة والتكوين لاغلب الحركات الاسلامية، وصدق نواياها الا ان مشكلتها الرئيسية كانت في عدم نضوجها ووعيها السطحى بالوضع الدولى وتعقيدات الحكم على المستوى الوطنى، فوقعت في صدامات غير مبرره مع السلطه على المستوى المحلي، ودخلت في صراعات غير محسوبه مع الدول العظمى على المستوى الدولى، وتم كل ذلك باسم الجهاد في سبيل الله تعالى من أجل رفعة شأن الإسلام، فانتشرت الصدامات في مختلف البلدان من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، وخالطتها كثير من المخالفات الشرعية، التى اتخذت من الإسلام درعا لطرح فكر متعصب لا يقبل التسامح ولا العقل ولا الاعتراف بالاخر بدلا من زرع بذور الخير والمحبة والقذوة الحسنة والكلمة الطيبة التي توحد الناس وتأخذ بيد الامه الى التغيير المطلوب.
ولو حاولنا مراجعة تجارب حركات الاسلام السياسي في منطقتنا منذ الاستقلال وحتى اللحظه فاننا سنجد انها تنقسم الى قسمين، الاولى ونتيجه لفكرها المغلق التكفيرى وعدم نضوجها السياسي، وضعت نفسها كخصم عنيد لكافه الانظمه الوطنية واخذت تزاحم على السلطه بدعوى انها تريد تطبيق الاسلام بالرغم من ان مشروعها الاسلامي لم يكن جاهزا وقتها وحتى اللحظه، واخذت تستغل بعض التصرفات هنا وهناك لتكفير النظام ومحاولة الانقلاب عليه بدلا من المساعده في مواجهة التحديات والاخذ بيد النظام الوليد، وهذا ما حدث في مصر والعراق وسوريا في ذروة المد الثوري والقومي حيث وضعت حركة الاخوان المسلمين وغيرها من الحركات نفسها في مواجهه مباشره مع الاحزاب القوميه، وكأن الاسلام يعارض القومية والوحدة العربية، بل اننى اذكر كيف انهم كانوا يصورن فكر القوميين العرب والبعثيين وكأنه فكر شيوعي الحادي كافر، ونسى القوم ان فكرة بعث الامة العربية هي في النهايه بعث للاسلام واحياء له لانه لا عروبه بدون اسلام.
ثم جاءت تجربه هذه الحركات لتتكرر وتقوم بنفس الدور في العراق ابان الغزو الامريكي للعراق حيث فضلت ان تقف في صف المحتل المعتدي ضد نظام صدام متناسيه ومتغافله عن احكام صريحه في القرآن تحرم ذلك وكانت النتيجه ما نراه ونسمعه في العراق من دمار لكل شئ وحرب طائفيه بين من يدعون الاسلام (شيعه وسنه) بدل الحرب على الاجنبي المحتل. وفي سوريا كاد يتكرر نفس المشهد عندما ابدت حركة الاخوان المسلمون السورية استعدادها للتعاون مع امريكا للاطاحه بالنظام السوري.
اما النوع الثاني من الحركات الاسلامية والتي ظهرت في نهاية السبعينيات، فقد مثل ظهورها تطور نوعي في عمل الحركات الاسلامية نتيجه لما فرخته التجربه الافغانية من حركات ولدت في احضان المخابرات الامريكية والانظمه المتعاونه معها، حيث دخل معها الاسلام السياسي مرحله جديده وخطيره، بعد ان تم تصنيعه ثم استغلاله من قبل المخابرات الامريكية والعربية، فحصل على مشروعيه مؤقته لدحر الغزو السوفيثي لافغانستان، ولكن بعد انتهاء دوره مع السوفيث، بدأ اضطهاده ومطاردته لدفعه للقيام بدور جديد من خلال نشره في كل مكان، فظهرت هذه الحركات بدون تحديد اوليات واسس لعملها الجهادي واستخدمت من حيث لا تدري كاداه، فكانت ثاره تعمل كوكيل لامريكا في اثارة القلاقل فى الدول العربية وروسيا ومناطق اخرى، وثاره كاداه في يد المحافظين الجدد في امريكا في سعيهم لتصوير الاسلام كعدو بديل للشيوعية وانه الخطر الذي يتهدد العالم والذي استخدمته امريكا ودول اوروبا الغربيه كمبرر لاعلان حربها على ما يسمى بالارهاب والتضييق على المسلمين في كل مكان، وتجلى ذلك في احداث 11 سبتمر التى ابتهج لها كثير من المسلمين ولكن بعد حين اكتشفوا عمق المأزق الذى وضع المسلمون به نتيجه هذه الاحداث، وبدأ البعض بعد فوات الاوان ينتقد هذه العمليات ويشكك في من يقف وراءها وجدواها بعد ان لمسوا انعكاساتها الخطيره على الامه، وان المستفيد الوحيد من هذه الاحداث كانت ادارة بوش المتطرفه واسرائيل، بل لا ابالغ لو قلت بان امريكا هى التى قامت بهذه الاحداث واستخدمت الحركات الاسلامية ليس كاداه تنفيذية -لانهم لايصلحون لذلك- بل فقط كمتبني يقف من بعيد ليخرج علينا من حين لاخر ببيانات واشرطه مصوره استخدمتها ادارة بوش افضل استخدام لضرب الاسلام في كل مكان.
وهكذا لم تكتفي كثير من حركات الاسلام السياسي بتخريب واعاقه حركات التحرر الوطنى في بلدانها بل انها عملت على الاساءه الى الاسلام والعروبه في العالم وابراز المسلمين بشكل بشع امام العالم من خلال عمليات وتصريحات وافعال الحقت اضرار فظيعة بالاسلام والمسلمين وشوهت صورته. وهنا فانني لا انكر كيد الغرب وامريكا للاسلام واهله، ولكن هذا لا يعنى الدخول في مواجهه مفتوحه معهم بدون حساب التداعيات الخطيره على الاسلام. كما انني لا احاول تبرئه الانظمه الحاكمه من كثير من الاخطاء والخطايا والتجاوزات، ولكن هذا لا يبرر ان تضع هذه الحركات نفسها على طرف نقيض من هذه الانظمة وتحاول بكل الطرق الانقضاض عليها بدل توحيد الجهود والتدرج واعداد العده للتغيير المطلوب.
فبالرغم من ان كثير من الحركات الاسلامية لم يكن لها ميزه زائده عن الحركات الوطنية الاخرى في حروب الاستقلال وتضحياتها، بل ان ظهورها كان متأخر جداً في بعض المناطق، الا انها وبمجرد زوال الاستعمار بدأت تنشط ووضعت نفسها مباشره في صدام مع النظام بدون تطبيق ابسط ابجديات العمل الاسلامي من تحديد الاوليات والوعى بالتحديات والتدرج في حلها. بل انها اكتفت بالتركيز على شكليات الاسلام دون الجوهر فكانت النتيجه رؤيه ساذجه ومبسطه للاسلام جعلت الواحد منهم يعتقد ان تطويل اللحى وتقصير الجلباب يكفي لاستحقاقه النصر من الله والدعوه الى اقامة دولة الخلافه، ونسى او تناسى القوم ان للنصر والاستخلاف شروط وقوانين غير اللحى الطويله والاسماء الجميله التى تستحضر عظمة الماضي بشكله لا بجوهره، فليس كل من تسمى بابي حفص ملك عداله عمر، وليس كل من كنى نفسه بابو الوليد او ابو مصعب والقعقاع وغيرهم من الصحابة العظام رضى الله عنهم جميعاً اصبح من المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه من ترك الدنيا والتفاني في خدمة الاسلام بالعلم والعمل، فدانت لهم الدنيا بما رحبت.
ان للاستخلاف والنصر سنن وقوانين بعيده كل البعد عن الشعارات البراقه والشكليات الجوفاء والخطب الرنانه التى اصبحت منهجاً لكثير من الحركات الاسلامية. فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو المؤيد من الله بالنصر لم يغفل ولو للحظه واحده عن الاخذ بالاسباب واعداد العده بالرغم من يقينه بنصر الله للدين الجديد. ولكن الله سبحانه وتعالى اراد وضع منهج للنصر والتمكين للمسلمين في كل زمان ومكان ليأخذوا به. ففي احد هزم المسلمون لان بعض الصحابة لم يتبع اوامر الرسول الكريم وانساق وراء عرض الدنيا. وكادوا ان يهزموا في حنين عندما اعجبتهم كثرتهم. وفي الخندق اعد المسلمون العده واخذوا بالاسباب وحفروا الخندق وبعدها جاء النصر من الله وتفرقت الاحزاب. وفي مؤته انسحب خالد بذكاء من المعركه حقناً لدماء المسلمين، فقال عنهم عامة المسلمين الذين لا يدركون السنن الالهيه انهم الفرار ورد عليهم المصطفى صلى الله عليه وسلم بانهم الكرار، وفي الشام تنازل خالد عن القيادة لابي عبيده انصياعاً لامر خليفة المسلمين وهو في اوج انتصاراته وعظمته من اجل مصلحة المسلمين، وهناك مئات بل آلاف العبر والدروس الشبيهه والتي نتغنى بها ليل مساء، ولكننا كالحمار يحمل اسفاراً.
ان الاسلام شريعه ومنهج حياه اذا اتبعناه قولا وعملا كنا خير امة اخرجت للناس، وصلح حالنا في الدارين، اما اذا اكتفينا برفع شعاراته والتغنى بفضائله وعظمة رجاله، من غير ان نستوعب ونطبق الدروس والعبر فلن يغير الله من حالنا، ولن تشفع لنا عندها ابتهالاتنا ودعواتنا بتدمير الكفر والكافرين ونصرة الاسلام والمسلمين، لان الله ينصر من ينصر دينه قولا وعملا، ونصرة الدين لا تكون بالدعاء والبكاء ولكن بامتلاك القوة واسبابها، واعداد العدة بمختلف طرقها ومجالاتها،"واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل" اما اذا توقعنا النصر بغير ذلك يصبح يقيننا بالنصر يقيناً منقوصاً وهو اقرب الى القاء انفسنا الى التهلكه، لان المؤمن القوى احب الى الله من المؤمن الضعيف، والسيرة النبوية والتاريخ الاسلامي اكبر شاهد على ذلك، ولهذا تقدم المسلمون وفتحوا مشارق الارض ومغاربها من خلال اعداد العدة والاخذ بالاسباب ووضع خطط الحروب فبرزت عبقريات فذه وبطولات عظيمه ومواقف ايمانية جعلت اليقين بالنصر من الله حقيقة واقعه، لان "اعقلها" سبقت وتوكل، ولان الايمان صدقه العمل.
والسؤال الذي يبرز بقوه في واقعنا المعاصر اين نحن من كل ما تقدم ؟ بالطبع الفارق كبير كالفرق بين الثرا والثريا كما يقولون، وواقعنا المزري خير شاهد على ذلك حيث تتصدر دولنا العربية والاسلامية القائمة السوداء في كل شئ من التخلف العلمي والامية والجهل والفقر والفساد والرشوه والتطرف .. الخ . فاين الحركات الاسلامية من كل ذلك وما هي مساهماتها ومبادراتها؟ بالرغم من علمي ان هذا يقع ضمن مسئوليات الدوله، ولكن ذلك لا يعفيها من المسئولية لانها تمتلك اكبر قوه للتأثير على الناس بسبب الميل الفطري لدى الناس لاتباع رأى علماء الدين اذا صدقوا وتوحدوا، كما ان المجال مفتوح امامها للعمل في كثير من المجالات البعيده عن الصدام بالسلطه لتقديم القدوة الحسنة في كل شئ واعداد العدة للتغيير بدل السعي الى السلطه وهي خاوية اليدين، فتصتدم بالواقع المر الذى تسعى لتغييره، لان المطالبه بالتغيير شئ والقدره على التغيير وامتلاك ادواته شئ آخر مختلف، لما يتطلبه ذلك من وعي وقدره وخبره وتوحيد للجهود الوطنيه بكافه اشكالها ومشاربها، بالاضافة الى تحديد الاهداف المطلوب تحقيقها بوضوح في ظل الامكانيات المتاحه، بدون الزج بالاسلام في ساحات للصراع غير متكافئة.
لقد اكتسبت حركة حماس شعبية كبيره لنفسها عندما كانت حركة مقاومة، وشهد لها القاصي والداني بسمو الهدف ونبل النيه وعظمة التضحيات، ولكنها بدأت تتراجع وتحاصر نفسها عندما بدأت تتطلع الى الكرسي والسلطه، فوقعت في خطأ كبير عندما شاركت في الانتخابات رغم فوزها بأغلبية كبيره، ثم وقعت في خطأ آخر عندما قامت بانقلابها في غزه، لانها في الحالتين اعتقدت خاطئه بانها يمكنها الجمع بين السلطه والمقاومة متغافله عن امور كثيره ما كان يجب ان تغيب عنها. فمن ناحيه هناك تحديات الوضع الداخلي بكل تعقيداته، وحقائق الاحتلال الصهيوني بكل جرائمه وقدراته، وحقيقة الضعف العربي والاسلامي بكل مرارته وسلبياته، واخيراً الوضع الدولي بازدواجيته ولامبالاته. وبالرغم من كل ذلك قررت حماس الدخول في الصراع على السلطه فكانت النتيجه فشل مريع لبرنامجها في التغيير والاصلاح، بل والاخطر من ذلك سقوط برنامجها المقاوم واصبحت تستجدي الحوار مع عباس والهدنة مع اولمرت .
وبالطبع فإن حماس لم تكلف نفسها البحث عن مكمن الخطأ وعلى من تقع مسئولية هذا المأزق، فوجدت الطريق السهل لتعليق الاخطاء على زمرة رام الله والاحتلال الاسرائيلي والسكوت والتآمر العربي والدولى، وهذا صحيح ومتوقع، ولكن الاصح هو ان المسئولية الاولى والوحيده تقع على حماس لانها هي التى سلمت نفسها وبكامل ارادتها للذئاب لتنهش لحمها وتمثل بها، فظلمت الاسلام قبل ان تظلم نفسها. ولا اعرف ما هي المبررات التى جعلت حماس ومشايخها ومستشاريها يتوقعون غير ذلك ويحلمون بإن تمد سلطة رام الله واسرائيل وامريكا او الدول العربية السائرة في فلكها، يد العون لها ليخرجوها من مأزقها ويفتحوا لها المعابر ويزودوها بالمال الكافى لتدعيم موقفها والاستمرار في نهج المقاومه؟! بالتأكيد انها السذاجه وضيق الافق وعدم الوعي السياسي والاكتفاء بالشعارات والخطب الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
لقد كنت منذ البداية من الناصحين والمحذرين لحماس من خطورة الانزلاق الى فخ السلطه والمشاركة في الانتخابات، وطالبتها كغيرى ان تبتعد عن هذا الفخ الذي سيضعها في مأزق رهيب، وفعلت ذلك ايضا بعد انقلابها في غزه بالرغم من ادراكي ومعرفتى بفساد وظلم السلطة السابقة وضرورة تغييرها، حيث كان من الممكن ان تقوم حماس بتحييد رموز الفساد او بدعم بعض المستقلين وحركات اخرى تلتقى معها في بعض الامور بهدف القضاء على الفساد والتفريط في الحقوق، بدون وضع نفسها في مكان تعلم انه ليس مكانها في ظل الظروف الحالية التي يسعى الجميع الى توريطها وافشالها او اجبارها على التنازل عن مبادئها . وربما كان يمكن ان يكون اصرارها على الدخول في السلطه ثم انقلابها العسكري له ما يبرره لو انها تمتلك مفتاح واحد من مفاتيح السجن الكبير الذي يعيش به الفلسطينيون، او انها تمتلك ايه ورقه لتغييره او حتى تحسينه، او ان لديها مصدر واحد يؤمن ابسط انواع الحياة للشعب الفلسطيني. ولكن يبدو ان الحركة اعتقدت خاطئه نتيجه عدم وعيها السياسي بانه يمكنها الجمع بين المقاومة والسلطة فوقعت واوقعت معها الشعب الفلسطيني في مأزق وحصار خانق وظالم لا امل للفكاك منه الا على حساب مبادئها وبرنامجها المقاوم. وهذا لا يعني اننى ارفض وصول الحركات الاسلامية الى الحكم وتولى السلطه، بالعكس فانني اؤمن بان ذلك يجب ان يكون الهدف النهائي ولكن بشرط ان تكون هناك قراءة واعية لكافة الظروف المحلية والعربية والدولية، بالاضافة الى امتلاك ادوات التغيير.
لقد دخلت حماس السلطه بهدف التغيير والاصلاح وهذا شئ جميل لو كنا دوله لها استقلال وسياده واقتصاد .. الخ، اما تدخل حماس السلطه وهي تعرف انه مطلوب منها مد يدها للامريكيين والاسرائيلين والاوربيين للحصول على الرواتب والمعونات واستجداء فتح المعابر ثم تكابر وترفض وتطالب الناس بالصبر والرباط، فهذا اسمه تدمير وافساد، وكان يجب على حماس ان تنفض يدها من السلطه وما فيها وتتفرغ للمقاومه بدل هذا العناد والمكابره القاتله التى عطلت مصالح البلاد والعباد، لان الاسلام يوجب عزل الخليفه اذا إذا جار وظلم وظهر غشمه او عجز عن القيام بأعباء الخـلافة، لأيّ سبب من الأسباب، وذلك لأن عقد الخـلافة إنما كان على القيام بأعبائها، فإذا عجز عن القيام بما جرى العقد عليه وجب عزله، لأنه صار كالمعدوم، كما انه بعجزه عن القيام بالعمل الذي نُصّب له خليفة تتعطل أمور الدين، ومصالح المسلمين.
وبالرغم من ادراكى باننا لسنا في عصر الخلافه لعزل الخليفه وابداله بخليفه آخر يحرص على اقامة امور الدين والدنيا، الا ان هذا لا يعفي حماس من المبادره بنفسها والتخلى عن السلطه والتركيز على المقاومه انقاذا لنفسها ولمصالح البلاد والعباد، هذا بالرغم مما يحمله هذا الخيار من مخاطر باستهدافها من قبل السلطه واسرائيل، ناهيك عن الحقد الكبير الذى تولد لدى فئات من المجتمع الفلسطينى والذين تضرروا من تصرفات حماس وما سيتبعه من عمليات انتقام واقصاء لحماس وعناصرها، واعتقد ان هذا هو السبب الرئيس الذي يخيف حماس من عملية التخلى عن سيطرتها على غزه والذي ربما يدفع قادتها الحاليين تحت الضغوط المستمره والخوف من سيناريو عودة فتح الى غزه الى التنازل والدخول في العملية السلمية. ولكن في كل الاحول فان مصلحة الامه اولى بالتقديم على مصالح فئه معينه اساءت لنفسها وللدين في نفس الوقت، ومن يختار طريق المقاومه لابد ان يعاني ويطارد ويلاحق ويسجن ويستشهد، ولكنه دائما مصر على مبدئه ويبتكر طرق جديده لايذاء العدو وهذا هو عين الجهاد.
وهنا فاننى اعتقد ان الحل الامثل يكون بان تبادر بعض الشخصيات المعتدله في حماس نفسها بالامساك بزمام الامور والبدء في اصلاح ما افسدته تجربة حماس في السلطه باعادة الاعتبار للمقاومه من ناحيه، ومن الناحية الاخرى ايجاد طريقه للخروج من السلطه والتحول لقوة معارضه قويه بالتحالف مع قوى اخرى، ثم البدء في حوار جاد مع حركة فتح، لضمان اصلاح النظام السياسي الفلسطيني ومؤسساته بما يضمن الاستمرارية للمشروع الوطنى على قاعدة المشاركه السياسية لكافة القوى، وعلى الطرف الآخر يجب ان تقوم حركة فتح والسلطة باصلاحات جذرية في مؤسساتها وكوادرها الذين اساءوا استخدام السلطه ونهبوا مقدراتها، فلا يعقل ان تستمر حركة كحركة فتح تحضنن هذا الكم الهائل من الفاسدين والمفسدين والوصوليين الذين لولا اخطائهم وخطاياهم لما وصل حالنا الى ما هو عليه من ضياع وانقسام وتفتت، ولا يغرنهم مأزف حماس الحالي، لان الشعب سيلفظهم مره اخرى وبدون رجعه اذا لم يغيروا ويبدلوا ويحاسبوا كل من تجاوز واساء وسرق قوت الشعب المقهور، هذا بالرغم من اعتقادى ان ما يخطط له ابعد ما يكون عن عيون مشايخ حماس وجيوب ارزقية فتح، بل المراد ضرب الظالمين بالظالمين عسى الله ان يخرجنا من بينهم سالمين.
في احدى مقالتى السابقة "بعنوان مرحلة ما بعد حماس" بدأته بالقول ليست امنية او رجاء "مرحلة ما بعد حماس"، وكنت وقتها اريد ان يكون العنوان "ما بعد حماس" ولكننى حاولت تلطيف العنوان، هذا بالرغم من ان يقيني كان ولازال ان حماس كحركة مقاومه انتهت بعد ان اختطفها السياسيون من احضان ابطال القسام وادخلوها في متاهات السلطه والكراسي كما حدث مع حركة فتح، وتحول ابطال المقاومه والجهاد في الحالتين للاسف الشديد الى جلادين وسجانين لشعبهم المقهور. واذا كانت اسرائيل وامريكا تطيل من عمر حركة حماس وتحجم عن تدمير مقراتها واغتيال قادتها، بعد ان اصبحت حماس وعناصرها وقادتها مكشوفين تماماً لاسرائيل وآلتها العسكرية، فان ذلك ليس نتيجة خوف او عدم مقدره، بل إن ذلك بهدف تعميق مأزقها، لتجد نفسها اما مجبره على الدخول في العملية السلمية وهو ما يعني حصول تطبيع كامل وشامل بين الدول العربية والاسلامية واسرائيل، او تفشل فشل ذريع لتكون عبره لمن لم يعتبر في مشارق الارض ومغاربها، وقد بدأنا نشهد السقوط المدوى لحركات الاسلام السياسي في الاردن والمغرب وغيرها من المناطق، بسبب الرعب الذي اثارته تجربه حماس في غزه من كافة حركات الاسلام السياسي .
إن المطلوب من كافة الحركات الاسلامية ان تراجع نهجها وطرق عملها وتستوعب العبر والدروس الحقيقية لسنن العلو والتمكين، وتكف عن الزج بالاسلام في صراعات وتجارب خاسره وفاشله نتيجة عيب فيها وليس في الاسلام الذي بدأ يدفع ثمناً باهضاً نتيجة جهل ابناءه وخبث اعدائه. ان الإسلام شريعة الله في أرضه ودينه القويم وسبيل الهداية والصلاح والفلاح لنا في الدارين، الا أن الجهل وانحراف الرؤى والأفكار ومناهج العمل لبعض الجماعات الإسلامية المتشبعة بثقافة العنف ورفض الآخر تقف من حيث لا تدري حجر عثره في سبيل نهوضه وتمكينه وتعزله عن العالم وتقيم حواجز من التخلف والعداء حوله، حيث تتستر هذه الجماعات على أعمالها المتطرفة بالدين وشريعته الإسلامية للوصول إلى السلطة، وشتان بين منهج سياسي يتحصن بدرع الدين ويسعى باسمه للوصول الى السلطة، وبين قيم رسالة ايمانية غايتها إسعاد البشرية ورخائها ونشر المحبة والسلام بين الناس وتحقيق صلاحهم في الدنيا والآخره. وفي كل الأحوال فإن المشروع الإسلامي أوسع من أن يختزله حزب أو برنامج للحكم، فالحكم مجرد جزء من مشروعه، وليس هو الجزء الأعظم والأهم، ولذلك سقطت للإسلام دول لا تحصى بينما استمر فعله في الأمة والتاريخ...مصداقاً لقوله تعالى " إنّا نحن نزلنا الذكر و إنّا له لحافظون" ... واذا كان عبد المطلب قال لابرهه الحبشي : اما البعير فهي لى، وللبيت رب يحميه" فانني اقول لحماس وكافة الحركات الاسلامية الاخرى ارفعوا ايديكم عن الاسلام .. وكفاكم اساءه للدين باسم الدين، وتعلموا من الاعاجم كيف يكون الوصول الى الحكم والسلطه ... والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق