الاثنين، 11 فبراير 2008

الصراع الحضاري مع الغرب وتداعياته على الامن القومي العربي
في ظل النظام الدولي الجديد "الاسلام عدو بديل"

يوسف العاصي الطويل

مقدمه
يقول الفيلسوف الفرنسي (مونتسكيو) :" إن الشعوب السعيدة، هي الشعوب التي لا تاريخ لها". وقياساً مع هذه النظرية الاجتماعية، فإن التاريخ الغني لشعوب هذه المنطقة الممتدة من أواسط آسيا حتى شواطئ الأطلسي، يعكس مدى افتقار شعوبها إلى السعادة، حيث لعب عاملان أساسيان الدور الأهم في اغناء تاريخ المنطقة. العامل الأول ديني، وهو هبوط وحي الرسالات السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام فيها والثاني حضاري، وهو قيام الحضارات الإنسانية الأولى فيها[1]، حيث كان من نتيجة ذلك تحول المنطقة لمنطقة جذب للطامعين والغزاة على كافة مشاربهم وأهدافهم، وكان على المنطقة دفع ضريبة تميزها وفرادتها، حيث تعرضت المنطقة عبر تاريخها لسلسلة طويلة من الحروب. ولكن إذا نظر أي دارس للحروب المستمرة ، التي تعرضت لها المنطقة، فسيلاحظ أنها جميعها فشلت فشلا ذريعاً في تحقيق أهدافها، حيث تمكنت شعوب هذه المنطقة من دحر الغزاة وردهم على أعقابهم .
وفى العصر الحديث تعرضت المنطقة العربية ـ ولازالت ـ لهجمة غربية شرسة، وبأساليب متعددة، بدءً من الغزو العسكري، وحتى الغزو الاقتصادي والفكري، واخيرا جاءت مقولات صدام الحضارات لتكون آخر صيحه في هذا المجال. فبعد زوال الاستعمار الغربي عن المنطقة العربية في منتصف القرن الماضي، لجأت الدول الغربية إلى إبقاء سيطرتها وفرض نفوذها على المنطقة بأساليب أخرى، اقتصادية وثقافية وعسكرية، من خلال بعض الأحلاف أو صيغ التعاون، مستخدمه كافة أساليب الضغط والتآمر للوصول إلى أهدافها. وقد نجحت هذه المخططات في تفتيت الأمة العربية، وإفشال أية مشاريع وحدوية، أو أي تعاون مثمر بين الدول العربية، حتى وصل حال الأمة إلى ما هو عليه الآن من ضياع وتشتت وغياب الهدف، وأصبح الحكام العرب ألعوبة في يد السياسات الغربية والأمريكية، وغذوا عاجزين عن اتخاذ أي موقف لا يروق للإدارة الأمريكية، التي كشفت عن أنيابها ومخططاتها تجاه المنطقة بعد انهيار المعسكر الشرقي، حيث بدأت في توجيه دفة العداء تجاه المنطقة، وبصوره فجه لم يسبق لها مثيل، وتحول أصدقاء الأمس إلى أعداء، وأخذت أمريكا في إخراج مخططاتها وأحقادها الدفينة من خزائن التاريخ، وبالتعاون مع الصهيونية العالمية، من أجل إظهار العرب والمسلمين بصوره بشعة وغير إنسانيه لتبرير العدوان عليهم واستباحة مقدراتهم، ورافق كل ذلك ازدهار لمقولات صراع وصدام الحضارات كمرحله اخيره من رغبة الغرب وامريكا بالذات للقضاء على هذه الامة ليس فقط من خلال الغزو العسكرى او الاقتصادي.. الخ بل من خلال صدام حضاري يهدف الى هزيمة الحضارة العربية بكل مكونتها المادية والمعنوية.
وفي معالجتنا لموضوع الامن القومي العربي والصراع الحضاري في ظل النظام الدولى الجديد سنركز على موضوع رئيس وهو اتخاذ الغرب وامريكا بالتحديد الاسلام والعرب كعدو بديل للشيوعية بعد انهيار المعسكر الشرقي، وكيف تم تصنيع هذا العداء بصوره منظمه على كافة الاصعده السياسية والاعلامية والاكاديمية، ووجد تطبيقاته العملية بالغزو العسكرى والاحتلال ومحاولة فرض النموذج الامريكى للعولمه على المنطقة من خلال المناداة بالديمقراطية وتطبيق حقوق الانسان وغيرها من الامور. وبناء على ذلك سنقسم الدراسه الى ثلاث فصول الاول سنتناول فيه الظاهره الصراعية ومعناها ومدلولها وجذورها في الفكر الغربي والفكر العربي الاسلامي كما سنتناول الامن القومي العربي والصراع الحضاري في ظل العولمة اما الفصل الثاني فسنركز الحديث عن الصراع الحضاري بين الغرب والحضارة العربية الاسلامية في ظل النظام الدولى الجديد واهم مظاهرة المثمثلة باتخاذ الاسلام والعروبه كعدو بديل للشيوعية بعد انهيار الاتحاد السوفغيتى وفي الفصل الثالث للبديل لفكرة الصراع الحضاري وهي فكرة التدافع الحضاري كمفهوم اسلامي، وايضا لفكرة الحوار بين الاديان والحضارات لمواجهة دعاة الصدام الحضاري.
الفصل الاول
الصراع الحضاري والامن القومي العربي

لعلَّ مصطلح (صراع الحضارات) من أكثر المصطلحات انتشاراً وشيوعاً خلال العقد الأخير من القرن العشرين، ومقابله : (حوار الحضارات)، سواء أكان ذلك على المستوى العام بالنشر في وسائل الاعلام المختلفة، أم على المستوى الخاص في مراكز البحوث والدراسات والمؤسسات الاكاديمية والفكرية بحيث اصبح مصطلح (صراع الحضارات) رمزا لهذه المرحلة، ولايزال يفرض نفسه في سياق البحث في القضايا الدولية، سواء أكانت فكرية وثقافية، أم سياسية واجتماعية، أم اقتصادية وتنموية.
وقبل البدء في محاولتنا دراسة الامن القومي العربي والصراع الحضاري لابد في البداية من تحديد المفاهيم الرئيسية التي ستتناولها الدراسة لان من مستلزمات الفهم والادراك السليم للمسائل والقضايا المطروحة، التحديدُ الدقيق للمصطلحات والمفاهيم وَفْقاً لمنهج التحليل اللغوي الذي يرصد السياق اللفظيَّ للمفردات، ويقف على الدلالات والمعاني التي تنطوي عليها أوترمز إليها، وبالذات ونحن هنا بإزاء مصطلحات، شاع رواجُهما في العقود الأخيرة، وفشا استخدامهما في سياقات عديدة، هما و (الصراع) و(الحضارة). وسعياً منا إلى الأخذ بالمنهج العلمي في المعالجة والبحث، يتعيّن علينا أن نضبط المفهوم اللغوي لهذه المصطلحات، ضبطاً دقيقاً، حتى يستقيم لنا الفهمُ الموضوعيُّ لطبيعة الموضوع الذى نناقشه، دونما لبس أو خلط أو غموض.
الظاهرة الصراعية ومدلوها وجذورها في الفكر الغربي
معنى الصراع ومدلوله
جاء في لسان العرب (الصرع : الطرح بالأرض، وخصَّه في التهذيب بالإنسان، صَارَعَهُ صَرْعاً وصِرْعاً، فهو مصروع وصريع، والجمع صرعى، والمصارعة والصراع معالجتهما أيهما يصرع صاحبَه. والصرع علةٌ معروفة، والصريع المجنون، ومصارع القوم حيث قُتلوا، وفي الحديث : الصُّرَعَة (بضم الصاد وفتح الراء مثل الهمزة)، الرجل الحليم عند الغضب، وهو المبالغ في الصراع الذي لا يُغلب) [2]. وورد في القرآن الكريم مرة واحدة، (صرعى)، يقول تعالى : { فترى القوم فيها صرعى}[3]. والمعنى هنا، الطرح بالأرض، وهو يخصّ الإنسان.
واكتسب المصطلح مفهوماً سياسياً واسع الانتشار واتخذ طابع النظرية في القرن التاسع عشر، حين ورد في (البيان الشيوعي) لماركس وانجلز. جاء في (الموسوعة السياسية) أن الفكرة العصرية عن صراع الطبقات تعود إلى عهد الثورة الفرنسية، ولكن النظرية مستمدة من أفكار ماركس وانجلز كما أورداها في البيان الشيوعي والذي جاء فيه : (إن تاريخ المجتمع كلَّه حتى اليوم هو تاريخ صراع الطبقات)[4]. ويُلاحظ هنا ورود لفظ (كلَّه) الذي يفيد الجمع وينفي الاستثناء، على وجه الجزم والقطع، وهي لازمةٌ من اللوازم المرتبطة بالفكر الشمولي في كل زمان ومكان، سواء أكان شيوعياً أم رأسمالياً. وهو التعبير نفسه الذي يرد عند المفكرين المروّجين اليوم للصراع أو الصدام بين الحضارات والثقافات.
جذور الصراع في الفكر الأوروبي
ينبغي أن نجلو ابتداءً، حقيقةً من الحقائق التي تنطوي عليها الحضارة الغربية الراهنة، وهي أنّ فكرة الصراع أصلٌ أصيلٌ في هذه الحضارة. حتى نفهم العلاقة مع الغرب لابد أن ننظر في موضوع الصراع بين الحضارات الذي هو موضوع غربي بامتياز[5] حيث قد طبع الصراعُ الفكرَ اليونانيَّ في مناحيه الدينية والفلسفية والأدبية والفنية، كما طبع الصراعُ الفكر الرومانيَّ في مظاهره التشريعية والقانونية والسياسية والمدنية، بحيث غلبت فكرة الصراع على الفكر اليوناني والروماني وهيمنت عليه هيمنة مطلقة وصبغت العقل اليوناني والروماني بصبغة الصراع باعتباره أصلاً ثابتاً للحياة الدنيوية والأخروية. فالصراع أسٌّ من الأسس الثابتة التي تقوم عليها الحضارة الغربية الحديثة، التي هي وريثة الحضارتين اليونانية والرومانية القديمتين، وهو جِذْرٌ ثابتٌ من جذور الفكر الأوروبي في أطواره التاريخية المتعاقبة.
وعلى مستوى المعتقد الديني، فإنَّ (العهد القديم) لا يخلو من روح الصراع، وتعكس التوراة التي يؤمن بها اليهود اليوم وطائفة من المسيحيين في الغرب، هذه الروحَ التي تسري في كتاب يعد وحيا من الله. وقد تغلغلت هذه الروح في المعتقدات الدينية، وفي العقائد الفلسفية، وفي الأعمال الأدبية والفنية، حتى صار الفكر الديني والفلسفي واقعاً تحت تأثير هذه الفكرة التي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الفكر الأوروبي، ومن الحضارة الغربية بصورة عامة.
فكرة الصراع في الفكر الاوروبي الحديث
تبلورت فكرة الصراع في الفكر الأوروبي الحديث بصورة واضحة في عصر التنوير الذي كان من أقوى مظاهره احتدامُ الصراع بين طبقة العلماء والمفكرين والفلاسفة والكتاب والأدباء والفلاحين من ناحية وبين الكنيسة والملكية من ناحية اخرى، بحيث غلبت فكرة الصراع على الفكر الأوروبي في جميع المراحل التي مرَّ بها، وأدت الشعوب الأوروبية ثمناً فادحاً لهذه الغلبة القسرية، حيث عانت أشدَّ المعاناة من الحروب الأهلية فيما بينها، كانت آخرها الحرب العالمية الثانية التي أضرمت شرارتَها عقيدةٌ عنصرية ونزعةٌ استبدادية. وعلى المستوى الفكري والمذهبي والسياسي، كانت الأفكار الكبرى التي أحدثت عميق التأثير في المجتمعات الأوروبية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، أفكاراً ذات منطلقات صراعية، مثل الشيوعية التي قامت على مبدإ الصراع الطبقي الذي هو درجةٌ عليا في سّلم الصراع. وينطبق هذا حتى على الرأسمالية التي قامت هي الأخرى، على مبدإ الصراع ضد العوائق والموانع والحواجز التي تمنع الرأسمال من الانطلاق من القيود، والتي تشنّ حرباً عواناً على الأوضاع التي لاتتقبّل المذهب الرأسمالي، حتى وإن أدّى تطبيق هذا المذهب والعمل به إلى الإضرار بمصالح الشعوب الفقيرة، فمن أجل الوصول إلى الرفاهية والوفرة والرخاء والازدهار الاقتصادي، لاشيء يمنع من استغلال الشعوب الأخرى والهيمنة على مُقدراتها. وهو الأمر الذي أدى، ولا يزال يؤدي، إلى زعزعة استقرار المجتمعات الحديثة، بما فيها المجتمعات الرأسمالية ذاتها.
لقد طرحت فكرة (الصراع للحياة) في القرن التاسع عشر في أوربا والتي حلَّت في نظرية داروين مكان النظريات السالفة عن التوافق الطبيعي، وساد في الأوساط العلمية والفكرية الاعتقاد في وجود كثير من الصراع حتى في الطبيعة، وأن هذا الصراع هو من سمات الطبيعة. والفكرة الأساس التي تمركز حولها الفكر الأوروبي هي أنه لا وجود لتشابه كامل بين الطبيعة والمجتمع، فهناك الكثير من الصراع في المجتمع، ولكن الصراع بين الناس ليس من أجل الوجود، ولكنه من أجل تحقيق فرص أفضل للاستمتاع والارتقاء[6].
وجاء المفكرون والعلماء الأوروبيون في أواخر القرن التاسع عشر وفي النصف الأول من القرن العشرين، فبلوروا فكرة الصراع، وأقاموا نظرياتهم سواء في مجال العلوم البحتة أوفي حقل العلوم الإنسانية، على قاعدة الصراع بين الإنسان والطبيعة، وبين الكائنات جميعاً، وكان حظ علوم الاجتماع والنفس والآداب والفنون من التأثر بفكرة الصراع في الحياة عظيماً[7].
الصراع في العلاقات الدولية
تنفرد ظاهرة الصراع الدولي عن غيرها من ظواهر العلاقات الدولية بأنها ظاهرة ديناميكية متناهية التعقيد ، ويرجع ذلك إلى تعدد أبعادها ، وتداخل مسبباتها ومصادرها، وتشابك تفاعلاتها وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة ، وتفاوت المستويات التي تحدث عندها وذلك من حيث المدى أو الكثافة والعنف . إضافة إلى ذلك الاختلاف الجذري أحيانا في طبيعة استراتيجيات إدارة الصراع الدولي التي تنتهجها الأطراف في هذ العمليات التصارعية المستمرة ، سواء ما تعلق من ذلك بالأهداف والأساليب والوسائل، وكل ذلك ادى الى صعوبة وضع نظرية عامة للصراع الدولي تستطيع أن تؤصل دوافعه وأسبابه وكذا سبل مجابهته واحتوائه في إطار من الشمول والتكامل المنطقي . بيد أن ذلك يجب ألا يقلل من المجهودات الأكاديمية الهائلة التي بذلت من أجل تهيئة الأساس العلمي لمثل هذه النظرية الصراعية المتكاملة والتي تبلورت في بعدين أساسيين:
1- المداخل والمنطلقات النظرية الرئيسة المستخدمة في تفسير الصراع الدولي وذلك من حيث تقرير أسبابها ودوافعها والقوى المحركة التي تكمن وراءها.
2- أهم نظريات المجابهة والاحتواء لهذه الظاهرة في كلياتها وذلك من حيث الكيفية التي يمكن للمجتمع الدولي معالجتها من الجذور في نطاق تدابير دولية عامة تستهدف في أساسها التمكين للسلم الدولي في صورة ومستقرة[8].
لما كان ان الصراع في صميمه هو تنازع الارادات الوطنية الناتجه عن الاختلاف في دوافع الدول في تصوراتها واهدافها وتطلعاتها ومواردها وامكانياتها .. الخ مما يؤدي الى اتخاذ سياسات خارجية تختلف اكثر مما تتفق، ولكن برغم ذلك يظل الصراع بكل توثراته وضغوطه دون نقطة الحرب المسلحة. وهذا يعنى ان الصراع يمكن ان تتنوع مظاهره واشكاله، فقد يكون صراعا سياسيا او اقتصاديا او مذهبيا او حضاريا، كما ان ادواته يمكن ان تتدرج من الضغط والحصار والاحتواء والتهديد والعقاب والتفاوض والمساومة والاغراء والتنازل والتحالف والتحريض والتخريب والتآمر .. الخ، اما الحرب فإنها لا يمكن ان تتم الا على صورة واحدة وباسلوب واحد هو التصادم الفعلى بوسيلة العنف المسلح حسما لتناقضات جذرية لم يعد يجدى معها الاساليب اللينه، ومن هنا فإن الحرب المسلحة تمثل نقطة النهاية في تطور بعض الصراعات الدولية.
واذا كانت المنطلقات الفكرية والمذهبية والتاريخية التى عرضنا لها سابقاً هي الاساس لفكرة الصراع، الذي قامت عليه العلاقات الدولية في فترة الحرب الباردة. واحتدم صراعٌ ظاهر وخفيّ ومحموم، بين القطبين الكبيرين امتدّت مضاعفاته وآثاره وانعكاساته إلى معظم أنحاء العالم. وكان كلّ قطب يعمل جهده من أجل تأجيج الصراع في الساحة الدولية، تطلعاً إلى اكتساب مواقع نفوذ جديدة تدعم مركزه الدولي. وكان ما يُصطلح عليه في العرف السياسي الدولي بـ (لعبة الأمم) قائماً على أساس إذكاء كل طرف من أطراف (اللعبة) لجذوة الصراع، من منطلق أنه كلما احتدم الصراع، انفتحت الآفاق أمامه إلى توسيع رقعة نفوذه السياسي والاقتصادي والفكري والثقافي. ولقد استنزف هذا الصراع المحتدم طاقات وإمكانات وجهوداً كثيرة، وتسبَّب في ضياع فرص عديدة كانت كفيلة بتصحيح مسار العلاقات الدولية والإسهام بجدّية في استقرار الأوضاع العالمية وفي استتباب الأمن والسلم الدوليين.
ولم تنطفئ جذوة الصراع في العلاقات الدولية بعد انهيار القطب المنافس، فقد انفردت الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة السياسة الدولية والتحكم والسيطرة على العلاقات الدولية، متجاوزةً بذلك مقتضيات ميثاق الأمم المتحدة، وهو الأمر الذي ترتَّب عليه تسمية عدو جديد للغرب، وإطلاق حملة دعائية جبارة للتخويف منه ومن الخطر الذي يمثله على مصالح الغرب ومستقبله.
وفي وسط هذه الأجواء العالمية غير المستقرة، وفي ظل هذه المتغيرات التي غيّرت موازين القوى في العالم، برزت في ثوب جديد، فكرة الصراع بين الحضارات، وتمّ تأصيلها في المختبرات الفكرية في الولايات المتحدة الأمريكية، مما يؤكد تأكيداً قوياً، ضلوع القطب الأوحد المتربع على قمة هرم السياسة الدولية، في ما يمكن أن نصفه بأنه خطة محكمة ومدبرة للزجّ بالعالم كلّه في معارك فكرية، ونزاعات دينية وأزمات سياسية وصراعات ثقافية وحضارية، لتتعزَّز قواعد النظام الدولي الجديد الذي صاغته القوة الأكثر نفوذاً في العالم، ولتتمهد السبل أمام نظام العولمة الذي تتحكم فيه لبسط نفوذه على العالم أجمع.
الامن القومي العربي والصراع الحضاري في ظل النظام الدولي الجديد
بدخول فكرة صراع الحضارات معترك الصراع السياسي على الصعيد الدولي، في صياغة جديدة اصطبغت بالصبغة الأكاديمية وظهرت بمظهر التنظير الفكري الذي لا صلة له بالقرار السياسي للدولة العظمى، تكون حرب الأفكار قد دخلت مرحلة جديدة، من أبرز ملامحها تصنيفُ الحضارة العربية الإسلامية ضمن الحضارات المعادية للحضارة الغربية والتي تدخل، أو ستدخل حتماً طبقاً لهذا التنظير، في صراع مع هذه الحضارة في المستقبل المنظور، مما يحملنا على التساؤل عن الدوافع وراء تفجير الصراع بين الحضارات واستهداف الحضارة العربية الإسلامية في هذه المرحلة بالذات؟.
وقبل الاجابه على هذا السؤال وغيره لا بد من توضيح علاقة الحضارةالعربية الاسلامية بالامن القومي العرب وابعاده وطبيعة الاخطار التى تتهدده وطرق مواجهتها، وبعدها سنوضح معنى الصراع الحضاري في الوقت الحاضر وارتباطه بالعولمة التى من اهم افرازات النظام الدولي الجديد.
الحضاره والامن القومي
مفهوم الأمن القومي من المفاهيم الغامضة والتى لم يتفق عليه المفكرون وعلماء السياسة ولكن الدكتور على الدين هلال يعرفه بقوله : "الأمن القومي يعني تأمين كيان الدولة ضد الأخطار التي تتهددها داخلياً وخارجياً وتأمين مصالحها، وتهيئة الظروف المناسبة لتحقيق أهدافها وغاياتها القومية". ويعني : "القدرة التي تتمكن بها الدولة من تأمين انطلاق مصادر قوتها الداخلية والخارجية، الاقتصادية والعسكرية، في شتَّي المجالات في مواجهة المصادر التي تتهدَّدُها في الداخل والخارج، في السلم وفي الحرب، مع استمرار الانطلاق المؤمَّن لتلك القوى في الحاضر والمستقبل تخطيطاً للأهداف المخططة"[9].
اما مفهوم الأمن "القومي العربي حسب ما الورقة التى اعدتها الجامعة العربية فيعنى."قدرة الأمة العربية على الدفاع عن أمنها وحقوقها وصياغة استقلالها وسيادتها على أراضيها، وتنمية القدرات والإمكانيات العربية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، مستندة إلى القدرة العسكرية والدبلوماسية، آخذة في الاعتبار الاحتياجات الأمنية الوطنية لكل دولة، و الإمكانات المتاحة، والمتغيرات الداخلية والإقليمية والدولية، والتي تؤثر على الأمن القومي العربي"
ومن هنا فإن شمولية الأمن تعني أن له أبعادًا متعددة..أولها: البُعْد السياسي.. ويتمثل في الحفاظ على الكيان السياسي للدولة.ثانيًا: البُعْد الاقتصادي.. الذي يرمي إلى توفير المناخ المناسب للوفاء باحتياجات الشعب وتوفير سبل التقدم والرفاهية له.ثالثًا: البُعد الاجتماعي.. الذي يرمي إلى توفير الأمن للمواطنين بالقدر الذي يزيد من تنمية الشعور بالانتماء والولاء.رابعًا: البُعْد المعنوي أو الأيديولوجي.. الذي يؤمِّن الفكر والمعتقدات ويحافظ على العادات والتقاليد والقيم.خامسًا: البُعْد البيئي.. الذي يوفِّر التأمين ضد أخطار البيئة.
مفهوم الحضارة
جاء في لسان العرب : الحضارة الإقامة في الحضر. وفي تاج العروس الحِضارة بالكسر الإقامة في الحضر. فالحضارة لغةً هي الإقامة في الحضر، حيث يأخذ ابن خلدون بهذا المعنى، فيعقد فصلاً في المقدمة بعنوان " الحضارة غاية العمران ونهاية لعمره"، يقول فيه إن الحضارة غاية البداوة. ويقول في موضع آخر : الحضارة تتفاوت بتفاوت العمران، فمتى كان العمران أكثر كانت الحضارة أكمل[10]. واصطلاحاً،الحضارة: هي الإبداعُ البشريُّ في مختلف حقول النشاط الإنساني الذي ينتج عنه التقدمُ في مسيرة الإنسان على هذه الأرض من النواحي كافة. فالحضارة هي نتاج عقل الإنسان وجهدُه في زمان معلوم ومكان محدَّد. والحضارةُ الإنسانية، إنما هي حضارات تداخلت وتكاملت وتلاقحت عبر الأزمنة والدهور، ساهمت فيهاالأمم والشعوب ؛ إذ أن لكل أمة حضارةٌ تسمو أوتسف، تزدهر أو تنهار، بحسب التزام أمة من الأمم بشروط الفعل الحضاري الذي ينشد دائماً العلوّ والسموَّ، ويرتقي إلى الكمال.
ومفهوم الحضارة عند المفكر المسلم مالك بن نبي، فعلٌ تركيبي قوامُه : (الإنسان + التراب + الزمن) : الإنسان باعتباره كائناً اجتماعياً، والتراب بخضوعه لضرورات فنية معينة، والزمن بإدماجه ضمن العمليات الاقتصادية والصناعية والاجتماعية. ومن هذه العناصر الثلاثة تتحقّق الحضارةُ عند مالك بن نبي[11]. اما الدكتور يوسف القرضاوي فيرى إن هناك معنىً عامّاً للحضارة يُفهم من مدلول الكلمة نفسها، وهو جملة مظاهر الرقي المادي والعلمي والفني والأدبي والاجتماعي، في مجتمع من المجتمعات، أو في مجتمعات متشابهة. ويحدّد الدكتور يوسف القرضاوي ثلاثة مستويات للمفهوم الإسلامي للحضارة، وهي : الفقه الحضاري، والسلوك الحضاري، والبناء الحضاري[12].
واذا كان ما سبق هو معنى الحضارة بشكل عام، فما هو المقصود بالحضارة العربية الاسلامية لان المصطلح يطرح عدة اشكالات بدءا من التسمية، هل هي حضارة عربية؟ ام اسلامية؟ ام الاثنان معا؟ وبالرغم من صعوبه الاجابه الا ان ما لا يختلف فيه ان الحضارة العربية الاسلامية كونت فضاء حضاريا امتدا من حدود الصين شرقا الى مشارف فرنسا غربا وجنوبا، وتركت بصمات لا تنكر على مسار تاريخ البشرية[13]. وبالتالى يمكن تعريف الحضارة العربية الإسلامية بانها : هي نتاج الأمة العربية الإسلامية عبر تاريخها الطويل في المجالات كافة السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والفنية والأخلاقية والعمرانية، بما يخدم تطور الإنسانية ورقيها ، وسميت بالحضارة العربية الإسلامية لكون لغتها عربية من جهة، ولأن الإسلام وقيمه كوّن أساس تراثها الفكري و وجه سائر مظاهرها في مسارات منسجمة مع أحكامه .
كيفية تحقيق الامن القومي العربي
لاحظنا من خلال تعريفنا للامن القومي بشكل عام وجود ابعاد عديده له تشمل كافة مناحي الحياه مادية ومعنوية، وهذا ما يعرف بشمولية مفهوم الامن القومي، وهذا ينطبق ايضا على الحضارة في تعريفها لانها تشمل ابعاد متعدده كما لاحظنا وهذا يعنى ان كافة التهديدات التى تهدد الامن القومي لاى دوله في مجموعها هي بمعنى ما تهديد لحضارة هذه الدولة او الامه، وهذا يعنى ان الصراع الحضاري يعنى انه صراع شامل يمس كافة مناحي الحياة وبالتالى فهو تهديد لكافة ابعاد ومستويات الامن القومي الذي عادة ما تتم صياغته على ضوء أربع ركائز أساسية:
أولاً: إدراك التهديدات سواء الخارجية منها أو الداخلية.
ثانيًا: رسم إستراتيجية لتنمية قوى الدولة والحاجة إلى الانطلاق المؤمَّن لها.
ثالثًا: توفير القدرة على مواجهة التهديدات الخارجية والداخلية.
رابعًا: إعداد سيناريوهات واتخاذ إجراءات لمواجهة التهديدات التي تتناسب معها.
وتختلف نظريات الامن القومي حول كيفية تحقيق أمن الدوله وتحقيق مصالحها القومية وتتراوح بين موقفين رئيسيين : الامن من خلال الصراع، والامن من خلال التعاون الدولي. أما النظرية الاولى فتنطلق من مفهوم القوة وضرورة العمل على ازدياد قوة الدولة باستمرار، لان مصالح وغايات الدول مختلفة ومتناقضة فيما بينها، ومن ثم فان حماية الامن القومي تكون من خلال القوة والصراع. اما النظرية الثانية فلا ترى حتمية تناقض الاهداف بين الدول، وتنبه الى الاخطار المترتبة على الاستمرار في عملية تراكم القوة وما قد ينشب من حروب وصراعات بسببها، وانه يمكن تحقيق الامن من خلال التعاون الدولى وهذا هو الاساس النظري لمفاهيم الامن الجماعي وضبط السلاح والحد من التسلح[14].
مفهوم الصراع الحضاري
ُيعد مفهوم الصراع، هو أحد أبرز المفاهيم المتداوله التي طفت على سطح النقاش المحتدم بعد انتهاء الحرب الباردة، وتفكك مفاصل الخصم التاريخي لليبرالية الديمقراطية، ومنذ تمادي حمى التبشير بنهاية ،التاريخ وفقاً لأطروحة فرانسيس فوكوياما، إثر "استبعاث" أطروحة الصدام الاستراتيجي بين الحضارات، وحروب المستقبل على يد صمويل هنتنجتون. الذى يرى أن الصدام بين "الحضارات" نتيجة حتمية[15]. فمع نهاية الحرب الباردة أخذ المفكرون الغربيون يثيرون الشكوك والمخاوف من أن المستقبل سوف يموج بعمليات حشد وتجميع حضاري للقوى الراكدة ليحل محل اعتبارات توازن القوى التقليدي والأيديولوجية السياسية كأساس للتعاون وبناء التحالف، ومن ثم فإن الدول والشعوب الإسلامية سوف تلتئم بفعل الجاذبية الحضارية للإسلام مع بعضها بعضاً لتكون قوة معادية ومناهضة للغرب·
وفي هذا الإطار لفتت الصحوة الإسلامية التي كانت قد انطلقت من الشرق الأوسط أنظار هؤلاء المفكرين إليها، وعنيت الدوائر السياسية والأكاديمية في الغرب وخصوصاً في الولايات المتحدة بتتبع هذه الأحداث وغيرها من التحديات التي أصبح يطلق عليها الأصولية الإسلامية تارة، أو الإسلام السياسي أو العسكري تارة أخرى، كما كان مصدر إلهام لبعض الكتاب والمفكرين للترويج لفكرة صراع الحضارات والزعم بأن النمط المقبل للنزاع في السياسة العالمية، بدأ يدخل أولى مراحله، وأن الإسلام كإحدى الحضارات القائمة هو العدو المرتقب للحضارة الغربية، وقد أتاحت نكبة الحادي عشر من سبتمبر العام 2001م في كل من واشنطن ونيويورك فرصة كبيرة للإعلام الغربي الأميركي لتأكيد صحة المزاعم بأن الصحوة الإسلامية في الشرق الأوسط قوة مناهضة للغرب أو سوف تعمل على تدميره والقضاء عليه· ومن هنا كتب >فوكوياما< المستشار الاستراتيجي والمخطط للسياسة الأميركية الخارجية، أن انهيار الاتحاد السوفييتي، وتفكيك المنظومة الشيوعية، لم يضعا حداً للصراع التقليدي فحسب، وإنما وضعا نهاية للتاريخ أيضاً، باعتباره إلى الآن تاريخ صراعات مريرة مدمرة، وبتلك النهاية يميل التاريخ إلى الاستقرار عند الرأسمالية العالمية، كنظام للديموقراطية الليبراية الغربية، وكنظام سياسي عالمي أمثل[16].
ثم حاول"صموئيل هنتنغتون"، تجاوز فلسفة النهايات التي اكتملت عند فوكوياما بحتمية الليبرالية كمصير للشعوب إلى حتمية صراع الحضارات التي هي آخر طور، أي الحلقة الأخيرة في سلسلة تطور الصراع· ويرى أن التاريخ لن ينهض، وأن الصراع الحقيقي لن يختفي، وإنما سيكتفي كل منهما بتغيير مصادره واتجاهاته، وتبديل أشكاله بالتحول من صراع دول ومجتمعات وطبقات إلى صراع ثقافات وحضارات·
العولمه والصراع الحضاري
إن مفهوم العولمة قديم قدم التاريخ، إذ لم يكن للعالم أية حدود إلاّ منذ فترة وجيزة فقط، فقد كان العالم يشرع أبوابه للجميع. لذا، فإن الكثير من الحضارات والاختراعات المعاصرة هي نتاج متراكم للتفاعل السلمي وغير السلمي علي حد سواء بين الحضارات السابقة. ولم تعرف كل من الحضارة الرومانية والإغريقية والإسلامية أية حدود علي الإطلاق. وكانت الحضارة الإسلامية، رغم انطلاقها من شبه الجزيرة العربية، عالمية بكل ما في الكلمة من معني. وقد أشارت آيات القرآن الكريم في أكثر من موضع إلي أن الإسلام يحمل رسالة عالمية شاملة تخاطب كافة الأجناس والأعراق بل الإنسانية جمعاء، فقد قال رسول الله محمد (صلي الله عليه وسلم): لا فضل لعربي علي أعجمي إلاّ بالتقوى فخير الناس هو أتقي الناس سواء أكان عربياً، فارسياً، حبشياً، أسود أو غير ذلك من الأجناس.
كما أن المجلس الذي أقامه النبي عليه الصلاة والسلام للشورى كان يتكون من سلمان الفارسي، وصهيب الرومي، وبلال الحبشي وصحابة من العرب أنفسهم، وبذلك يكون المجلس عالمياً ومتعدد الجنسيات. كما شكلت الحضارة العربية والإسلامية قوة عالمية عظمي ودولة امتد نفوذها ليصل من إسبانيا حتى الصين. وضمت الحضارة الإسلامية تحت لواء سيطرتها، مختلف العقائد والأعراق الذين وصل تعدادهم إلي مئات الملايين. وكما قالت كارلي فيورين، الرئيسة التنفيذية لشركة هيوليت باكارد، في خطاب ألقته عام 2001 ، فإن الإسلام كان الجسر الذي ربط بين شعوب أكثر من 100 دولة، وكانت جيوشه تتكون من جنود من مختلف الجنسيات وأفضت الحماية العسكرية التي وفـّرها إلي درجة لم يشهدها التاريخ من قبل من السلام والازدهار .
ولكن إذا تأملنا اليوم الوضع الدولي العام، وجدنا أن نظام العولمة الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وتسعى إلى فرضه على العالم عبر مجموعة من التدابير والأنظمة التي تستند إلى الشرعية الدولية من خلال عقد سلسلة من مؤتمرات القمة العالمية حول موضوعات وقضايا يُراد تطويعُها وصبّها في قالب دولي للدفع بنظام العولمة إلى اكتساح المواقع وفرض الوجود على العالم كلّه ــ وجدنا هذا النظام تعبيراً عن فكرة الصراع وانعكاساً لروحها، بل يمكن القول إن صراع الحضارات هو الغطاء السياسي للعولمة الذي يحاول الغرب فرضه علي العالم [17].
والغريب في الأمر أن الفكر السياسي الغربي الذي أفرز ذلك المفهوم الجديد للعولمة حتى رأى فيه البعض عودة للظاهرة الاستعمارية من الباب الخلفي هو الفكر السياسي الغربي نفسه الذي تحدث عن صراع الحضارات، ويكاد اليوم ينقله من إطاره الفكري إلى أن يصبح سياسة شبه معتمدة، وهو أمر يدعو إلى القلق الحقيقي على مستقبل السلام الدولي والاستقرار العالمي، وهنا يظهر التناقض الحقيقي بين فلسفة التيارين حيث يتبنى أحدهما درجة عالية من الانفتاح والتواصل بينما يتبنى الآخر درجة عليا من درجات المواجهة والصدام الذي يصل إلى حد التعميم الأحمق والتصنيف الذي لا يستند إلى خلفية مقبولة إنسانياً وأخلاقياً[18]·
ان ما أدي إلي تشويه عولمة اليوم ووصمها بالعار، هو ارتباطها الوثيق بالرأسمالية الأنكلو ـ سكسونية الداروينية المتسمة بالمغالاة والتطرف، واستخدامها لتكنولوجيا الاتصالات الحديثة وتقنيات الإدارة، لبسط وفرض ثقافتها المنفرة، وحروبها وماديتها البحتة المنحرفة عن الأخلاق والمثل. لقد تمكنت العولمة الأنكلو ـ سكسونية المعاصرة من إدخال ونشر برامجها الداروينية، كما أنها أفرزت نظاماً اقتصادياً طفيلياً جديداً، تحفّه المخاطر من كل جانب، علاوة علي عزمها فرض مفاهيمها ورؤاها أحادية الجانب، في الوقت نفسه الذي تتشدق فيه بالتعددية. أما أجندتها فهي محشوة بأعمال الإبادة الجماعية الوحشية، بينما هي تنادي بحقوق الإنسان. وتدّعي الديمقراطية وتوغل في الديكتاتورية. إنها تؤمن بالله، فقط إذا علمنا أن المال هو إلهها الوحيد[19].
لهذا يمكن النظر إلي العولمة باعتبارها أحدث التحولات التي يشهدها العالم و التي تطرح آثارها السياسية و الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية المختلفة و المتعددة ، والتي أدت إلي تداعي و انهيار العديد من المسلمات التي عرفها البشر لفترة زمنية طويلة، و يثير ذلك العديد من الأسئلة المتعلقة بالهوية والثقافة والاقتصاد والسيادة الوطنية وشكل النظام الدولي ومدى الاستقلال السياسي للدول ومن المستفيد أكثر من هذه التحولات العالمية ، و خصوصا في ظل المزاعم التي يروج لها بعض الباحثين الغربيين عن الصراع الحضاري و الذي حاولوا إضفاء الطابع العلمي والأكاديمي عليه لتبرير تفوق وانتصار حضارة الغرب وتغلبها علي غيرها من حضارات العالم.
ففي الوقت الحاضر ابتدع (صامويل هنتنغتون) إلي جانب كثيرين آخرين من شاكلته، معظمهم جاءوا من رحم قوي الظل العالمية، رسالة يشرح فيها التبرير الأخلاقي للحرب التي من أجلها أوصلوا (جورج دبليو بوش) إلي البيت الأبيض. وتروج الرسالة إلي وجوب اعتناق القيم الأمريكية والغربية واعتبارها قيما عالمية، حيث زعم الموقعون علي تلك الرسالة، أن من قاموا بهجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) إنما كانوا يهاجمون تلك القيم، وأعلنوا أن العالم أصبح قرية واحدة ، وأن عملية العولمة المستمرة لا بد وأن تحمل في ثناياها مجموعة واحدة من المبادئ العالمية، وقرروا نيابة عن العالم بأن هذه المفاهيم والقيم يجب أن تكون المبادئ الغربية([20]).
ويلاحظ إنه رغم أن أنصار العولمة لم يعلنوا بصراحة إنها أيديولوجية بديلة للأيديولوجيات المنهارة أو إنها تعبر عن نوع من الحتمية التاريخية إلا إنهم يؤكدون دائما علي فكرة أن العولمة هي المستقبل ولا مستقبل بغيرها مما يجعلها من الناحية الفعلية و الواقعية أقرب إلي الأيديولوجية البديلة[21] .
وينطوي مفهوم العولمة علي محاولة نشر نمط أو شكل معين من أشكال الحضارة بشقيها (المعنوي والمادي ) في مختلف أنحاء العالم ، فإذا صاد فت عملية النشر أو الانتشار الحضاري مقاومة من أصحاب أنماط حضارية أخرى ،أو من دول ومجتمعات و أمم لها خصوصيات حضارية أخرى، فإن ذلك يؤدي إلي ما يعرف بالصدام الحضاري أو صدام الحضارات وفقا لمفهوم هنتنجتون .
وقد ظهرت فكرة الصدام الحضاري حديثا بهذا المعني عقب انهيار الاتحاد السوفيتي في محاولة من الغرب لفرض نموذجه الحضاري في مختلف أنحاء العالم و القضاء علي أي مناوءة أو منافسة لها و خصوصا النموذج الإسلامي للحضارة ، و بطبيعة الحال فإن المصالح الاقتصادية و الرغبة في السيطرة علي العالم سياسياً واقتصادياً بل وعسكرياً كانت تكمن خلف هذه الفكرة من الصراع الحضاري.
وتأسيساً علي ذلك ، فإنه من الممكن تناول العلاقة بين ظاهرتي العولمة و الصراع الحضاري اعتماداً على العوامل المختلفة التي ساعدت علي ظهور العولمة سواء كانت عوامل اقتصادية أو تكنولوجية أو سياسية و نفسية وعسكرية و ثقافية، وتصبح هذه العوامل أشبه بالمدخلات بالنسبة للنظام الدولي و التي تفاعلت معه مما أدى إلى المخرجات المتمثلة في محاولة فرض نموذج حضاري معين علي العالم مما ساعد علي ظهور فكرة الصراع الحضاري التي روَّج لها الغرب في خلال عقد التسعينيات من القرن العشرين[22] .
وما يمكن ملاحظته هنا هو إن الدول الديمقراطية الغربية ( أو ما يمكن أن يطلق عليها الدول الرأسمالية المتقدمة أو دول المركز ) رغم قيمها الديمقراطية في الداخل و المعتمدة علي التعددية و قبول الآخر والاعتراف بالتفاوت والاختلافات،إلا إنها في علاقاتها الدولية في ظل العولمة تنحو منحي غير ديمقراطي أو استبدادي يتسم بعدم وجود بديل لحضارة و ثقافة الغرب و نمطه الاقتصادي و السياسي و محاولة امتصاص و دمج باقي العالم في إطار الحضارة الغربية .
ولهذا فإن أحد أسباب الصدام بين الحضارتين الغربية و الإسلامية بصفة خاصة أن كلاً منهما تسعي نحو العالمية ، فالحضارة الغربية تسعي إلي ذلك من خلال فكرة العولمة بينما الإسلام بسعي إلي ذلك بطبيعته حيث أنه لا يقتصر علي مجموعة بعينها من البشر بل هو موجه نحو الكافة[23]. فالبرغم من ضعف العالم الإسلامي والعربي في الجوانب العسكرية والاقتصادية والسياسية، فإنه يظل يمثل أمة لها فكر وعقيدة وثقافة متميزة ترفض الولاء لغير الله، وذلك ما ترفضه أميركا التي تريد أن تطبع العالم بنموذجها في الحياة، واعتماد العولمة واقتصاد السوق والديمقراطية الغربية. وهذا ما أدى بها إلى اتخاذ موقف معاد للمسلمين بسبب تمسكهم بعقيدتهم التي لم يتمكن الغرب من زحزحتهم عنها رغم قوته وضعفهم. ومن هنا احتدم الصراع بين هاتين الحضارتين الغربية والإسلامية على جبهات عدة، منها الجبهة السياسية ويتم ذلك عبر مختلف هيئات الأمم المتحدة خاصة مجلس الأمن، والجبهة الاقتصادية حيث تعمل الولايات المتحدة على استغلال اقتصاديات الدول الإسلامية والهيمنة على خيراتها، والجبهة الثقافية إذ يتم من خلالها فرض القيم الغربية والعولمة الفكرية وإشاعة حرية المعتقد والإباحية وحرية الإعلام وفق نموذج أميركي جاهز التنفيذ. وأخيرا الجبهة العسكرية وهي الجبهة المفتوحة على مصراعيها في فلسطين بدعمها التام لإسرائيل، وفي أفغانستان وسوريا وباكستان والعراق باعتماد سياسة "من ليس معنا فهو ضدنا"[24].
وهذا يعنى العوله بمفهومها الغربي تحارب على عدة جبهات مختلفة، مما يعنى إن الصراع في ظل العولمة قد لا يكون صراعاً عسكرياً بالضرورة بل يأخذ أكثر بفكرة الصراع الثقافي بين القيم المختلفة ، فالتطورات الثقافية و القيم الجديدة في ظل العولمة تعمل على تحييد الثقافات الوطنية وعلي أن تحل محلها ؛ولعل هذا هو التحدي الحقيقي الذي تواجهه الثقافات و الحضارات المختلفة[25]. كما انه في ظل العولمة بدأت تنهار العديد من المسلمات التي ظلت سائدة في مجال الاقتصاد و السياسة لفترة زمنية طويلة ومن ذلك علي سبيل المثال مفاهيم السيادة والدولة القومية و الاستقلال الوطني و التنمية النابعة من الداخل وغيرها (2).
وإذا كان العالم يعيش في الآونة الحاضرة في عصر العولمة بمنجزاتها في التقريب بين الشعوب ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً ومعرفياً، فإن الحديث عن حتمية الصراع بين الحضارات يبدو غير معقول وغير مقبول منطقياً لما ينطوي عليه من المغالطة والتناقض مع ما يحدث وما نشاهده في أرض الواقع، إذ إن العولمة وفقاً لتعريفها تشير إلى عمليات التقارب والاتصال والانفتاح التي اكتسبتها العلاقات الاجتماعية في العالم·والتي تمخضت عن تزايد الاعتماد المتبادل بين الناس في مختلف أرجاء المعمورة في تفاعلاتهم، ومعاملاتهم التي تبدو كما لو كانت تحدث في مكان واحد بلا حدود أو مسافات، وفي عالم يؤمن بالالتزام بها والتعامل وفقاً لها، ويؤكد ذلك أن عولمة المجتمع الدولي ما كان لها أن تتحقق إلا بزوال الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية السائرة في فلكه، وما ترتب على ذلك من القضاء على الاشتراكية المركزية كنمط للإدارة الاقتصادية وانتشار مبادئ الحرية الاقتصادية والاعتماد على قوى السوق وتحول معظم الدول إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي[26] .
الفصل الثاني
الصراع الحضاري مع الغرب واهم تجلياته
الإسلام والعرب عدو بديل (هدف ثابت وصياغات متغيرة)
بعد هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001م ، علي مركز التجارة العالمي في نيويورك ، والبنتاغون في واشنطن ، سيطر دعاة ومعتنقو عقيدة صراع الحضارات علي الساحة السياسية والإعلامية في أمريكا. فقبل الكشف عن أي دليل علي هوية المهاجمين، كانت الحملة المنظمة ضد العرب والمسلمين قد بدأت تبث سمومها عبر مختلف وسائل الإعلام، وذلك في غضون الدقائق العشر الأولي، التي أعقبت الهجمات. فقد وصف الكاهن (فرانكلين غراهام) الإسلام بأنه دين شرير. كما أن وسائل الإعلام والصحف الكبرى في أمريكا مثل نيويورك تايمز، والواشنطن بوست ، قد أصدرت أحكامها مسبقاً علي الإسلام، وذلك علي لسان كتاب الأعمدة ، الذين أجمعوا رأيهم علي أن المشكلة التي يعاني منها العالم هي الإسلام المتطرف، كما يدعي البعض، أو الإسلاميون كما يحلو للبعض الآخر تسميتهم. إلي جانب ذلك، فقد صور الإعلام الإسلام علي أنه دين عنف. وهذا ما دفع بالمواطن الأمريكي العادي الذي لا يشغله سوي قوت يومه إلي الاعتقاد بأن الإسلام والإرهاب هما وجهان لعملة واحدة. وبذلك أصبحت الحرب ضد الإرهاب، سواء شعوريا أو لاشعوريا، حربا ضد الإسلام؛ فأعلنت محطة (سي إن إن = CNN) هذه الحرب قبل أن يقرها الكونغرس الأمريكي نفسه([27]) . وهكذا يمكن ملاحظة أن هذا الهجوم المنظم على الإسلام بعد أحداث 11 سبتمبر لم يكن عفوياً، ولم يكن مبرراً، بل جاء نتيجة لتخطيط منظم سبقه بمراحل واستمر لسنوات طويلة، محاولاً إبراز الخطر الإسلامي وتضخيمه، لغاية في نفس يعقوب، حيث لم تكن أحداث 11 سبتمبر إلا نقطة التحول الحقيقية من الأقوال إلى الأفعال من اجل استهداف الإسلام وأهله.
يقول الفيلسوف الفرنسي (مونتسكيو) :" إن الشعوب السعيدة، هي الشعوب التي لا تاريخ لها". وقياساً مع هذه النظرية الاجتماعية، فإن التاريخ الغني لشعوب هذه المنطقة الممتدة من أواسط آسيا حتى شواطئ الأطلسي ، يعكس مدى افتقار شعوبها إلى السعادة، حيث لعب عاملان أساسيان الدور الأهم في اغناء تاريخ المنطقة. العامل الأول ديني، وهو هبوط وحي الرسالات السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام فيها والثاني حضاري، وهو قيام الحضارات الإنسانية الأولى فيها[28]، حيث كان من نتيجة ذلك تحول المنطقة لمنطقة جذب للطامعين والغزاة على كافة مشاربهم وأهدافهم، وكان على المنطقة دفع ضريبة تميزها وفرادتها، حيث تعرضت المنطقة عبر تاريخها لسلسلة طويلة من الحروب. ولكن إذا نظر أي دارس للحروب المستمرة ، التي تعرضت لها المنطقة، فسيلاحظ أنها جميعها فشلت فشلا ذريعاً في تحقيق أهدافها، حيث تمكنت شعوب هذه المنطقة من دحر الغزاة وردهم على أعقابهم .
وفى العصر الحديث تعرضت المنطقة العربية ـ ولازالت ـ لهجمة غربية شرسة، وبأساليب متعددة، بدءً من الغزو العسكري، وحتى الغزو الاقتصادي والفكري. فبعد زوال الاستعمار الغربي عن المنطقة العربية في منتصف القرن الماضي، لجأت الدول الغربية إلى إبقاء سيطرتها وفرض نفوذها على المنطقة بأساليب أخرى، اقتصادية وثقافية وعسكرية، من خلال بعض الأحلاف أو صيغ التعاون، مستخدمه كافة أساليب الضغط والتآمر للوصول إلى أهدافها. وقد نجحت هذه المخططات في تفتيت الأمة العربية، وإفشال أية مشاريع وحدوية، أو أي تعاون مثمر بين الدول العربية، حتى وصل حال الأمة إلى ما هو عليه الآن من ضياع وتشتت وغياب الهدف، وأصبح الحكام العرب ألعوبة في يد السياسات الغربية والأمريكية، وغذوا عاجزين عن اتخاذ أي موقف لا يروق للإدارة الأمريكية، التي كشفت عن أنيابها ومخططاتها القذرة تجاه المنطقة بعد انهيار المعسكر الشرقي، حيث بدأت في توجيه دفة العداء تجاه المنطقة، وبصوره فجه لم يسبق لها مثيل، وتحول أصدقاء الأمس إلى أعداء، وأخذت أمريكا في إخراج مخططاتها وأحقادها الدفينة من خزائن التاريخ العفنة، وبالتعاون مع الصهيونية العالمية، من أجل إظهار العرب والمسلمين بصوره بشعة وغير إنسانيه لتبرير العدوان عليهم واستباحة مقدراتهم، حيث ساهمت عدة عوامل في صياغته هذه الصورة المرعبة للإسلام في عقول الغربيين يمكن إيجازها بالآتي :
أولاً ـ القادة والسياسيون
“حرب صليبية”، “حرب ضد الفاشية الإسلامية”، “حرب تغيير القيم”، مصطلحات ترددت بقوة على لسان الرئيس الأمريكي جورج بوش، ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ ايلول ،2001 بما يؤكد أن الغرب وجد العدو البديل ممثلا في المسلمين، بعد زوال الخطر الشيوعي “الذي كان يهدد العالم الحر”، حيث أزاحت أحداث 11 سبتمبر الغطاء عن مكنون القلوب لدى زعماء غربيين تصرفوا بمنطق الحروب الصليبية، وأحيوا مقولات الداعين لتلك الحروب والمتمثلة في مواجهة خطر “المسلمين الكفار” [29].
فإستخدام التاريخ لأسباب سياسية يتضخم في الفترة المعاصرة . ويكفى مثال واحد لتبرير سباق التسلح أو السيطرة الاقتصادية، حيث يصطنع تاريخ الخصم على أنه شيطان. فقد كان الاتحاد السوفيتي هو "إمبراطورية الشر" وبعد انهياره، وجد جورج بوش في الإسلام بديلاً ليبرر السياسة نفسها، وعلى النقيض من ذلك، ظهر تاريخ مقدس، كان في البداية تاريخ العبرانيين، تم استولى عليه المسيحيون الذين ادعوا وراثتهم له ؛ ليبرروا حملاتهم الصليبية، تم استعمارهم ([30]).
فقد استجاب الرئيس الأمريكي جورج بوش لكارثة 11 سبتمبر بشكل شبيه بما فعله البابا أوربان الثاني الذي عبأ العالم المسيحي إلى “الحرب المقدسة”، وكان المسلمون بالنسبة له هم الشعب الكافر، حيث جعل بوش من الحرب الصليبية قرينة للجهاد وعزز من صورة القاعدة[31]. وترددت أصوات بوش عن الحرب ضد الشيطان في لندن حين أعلن رئيس الوزراء البريطاني (في 17 سبتمبر 2001) دعمه للتحالف الذي تشكله الولايات المتحدة لخوض الحرب في أفغانستان، مشيرا إلى أن “الحرب القادمة ستكون بين العالم المتحضر من ناحية والتعصب من ناحية أخرى”. وبعد خمس سنوات عاد بلير ليعلن (في 2 أغسطس/ آب 2006) أن الحملة العسكرية في أفغانستان والعراق استهدفت تغيير القيم وليس مجرد إزاحة نظامي طالبان وصدام. ثم اكتمل مثلث الهجوم على الإسلام بسيلفيو برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا (السابق) الذي أعلن بعد أيام من أحداث 11 سبتمبر أن “الإسلام دين لا يحترم حقوق الإنسان ومبادئ التعددية والتسامح والحرية الدينية، وأن الحضارة الغربية تعلو على حضارة الإسلام”[32].
وهكذا يبدو واضحاً ان قادة الغرب وساسته، هم المسئولون في الدرجة الأولى عن هذا الموقف الخاطئ والظالم تجاه الإسلام وحركته السياسية والفكرية، فهم دائماً يحاولون انتخاب عدو موهوم لهذه الشعوب الغربية، ويضخمون لها أخطاره، ثم يقدمون أنفسهم منقذين ومخلصين ومدافعين عن هذه الشعوب تجاه هذا الخطر الداهم الموهوم. التهديد السوفيتي، التهديد الإرهابي، الأعداء الجدد، تلك هي عقلية البنتاجون ووكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي وآخرين ، التي تجرى التنشئة عليها بصورة محمومة في الداخل والخارج، لتبرير مهامها الحاسمة المنقذة للحياة والمانعة للحوادث.
يقول الجنرال (دوجلاس ماك ارثر) ، وهو يتحدث عن ميزانيات البنتاجون الضخمة عام 1957م : لقد أبقت علينا حكومتنا في حالة خوف دائم، أبقت علينا في حالة فرار مذعور دائم مصحوباً بحماس وطني، يقترن بصرخة عن حالة طوارئ وطنية خطيرة. لقد كان هناك على الدوام شر ما رهيب يتحفظنا أن لم نحتشد خلفه بصورة عمياء بتقديم الأموال الباهظة المطلوبة. ومع ذلك فباسترجاع الماضي، يتضح أن هذه الكوارث لم تكن لتحدث أبداً، ويتضح أنها لم تكن حقيقية تماما مطلقاً. فالهدف الشامل للسياسات العملية هو الإبقاء على الناس مستنفرين (ومن تم يرحبون بقيادتهم لبر الأمان) بتهديدهم بسلسة لا تنتهي من الغيلان، معظمها خيالي، كما قال (هـ.ا.منكن) في عام 1920 م ([33]).
فالمجتمعات الغربية اعتادت الرفاهية الاقتصادية ، التي لا سند لها في الاقتصاد الغربي سوى استمرار نهب ثروات العالم المستضعف المغلوب، والحصول عليها بأبخس الأثمان، وهذه المجتمعات لا تتحمل أي نكسة أو تراجع في عالم الاقتصاد والرفاهية والاستهلاك، ولابد لهؤلاء القادة من الاستمرار في دعم وضمان قيام هذه المعادلة غير العادلة، ولا يتم ذلك إلا بالحفاظ على عالم الاستضعاف كما هو منبعاً للمواد الخام، وسوقاً لاستهلاك ما يفيض عن حاجة الغرب، وهذا يستدعي إستنفار الرأي العام الغربي ضد الإسلام ، الذي يحارب هذه المعادلة، وضد المسلمين الذين يجاهدونه لضربها وإحلال معادلة متوازنة سليمة محلها، تؤمن مصالح كل الشعوب على السواء.
ثانياً ـ الإعلام الغربي
ساهم الإعلام الغربي بدوره الأساسي الفاعل في معاضدة القادة والسياسيين، فتحالف معهم في تشويه صورة الإسلام وحركاته، ومبادئه وقيمه، بتقديمها إلى المجتمعات الغربية بأقبح صور الراديكالية والوحشية، والتخلف والعنف . فقد غذّى الإعلام الغربي الرأي العام في الغرب بصور وقصص وروايات عن الإسلام والمسلمين، أصبحت أشد من الكوابيس ضغطاً على عقل وقلب وفكر المواطن الغربي، وأوجد البون الشاسع، والمسافة الكبيرة، في الفكر والممارسة، بين المسلمين والغربيين، وخاصة على صعيد الجنس والحرية الشخصية، ومهد كل ذلك أمام السياسيين، مهمة التلاعب بالرأي العام الغربي وتوجيهه، وحشده خلف هذه السياسات الخاطئة في التعامل مع الإسلام والمسلمين.
يقول المستشرق الهولندي (رودلف بيترز) أن اللغة الإعلامية اليومية ـ للغرب ـ تكرس الصورة المشوهة، ويساهم في التشويه بعض الفئات المتعلمة والصحافيون. إن نقد صحافتنا أمر واجب، لأنها تمضي بعيداً في تسويق مفهوم خاطيء ، وهي تعيد ما قامت به أثناء الحرب الباردة من حماسة زائدة ضد العدو المفترض، وهي تتعاطى مع الأصولية باعتبارها خبراً جذاباً للقارئ، لأنها من ناحية تتبنى العنف والإرهاب، ومن ناحية أخرى تختلف عن الواقع الغربي وتتصارع معه، ويمكن أن تكون نيات بعض الصحفيين طيبة، ولكن يجب أن لا ننسى المقربين من المؤسسات السياسية الحزبية، التي لها مصلحة في التلاعب بالرأي العام وتوجيه. وحتى الصحافي الموضوعي يواجه عوائق مهنية في تغطية الموضوع الإسلامي، فرؤساء التحرير يبحثون عن خبر، والحديث عن الإسلام المعتدل أو المتنور لا يعد خبراً، ولا يجتذب القارئ .
ثالثاً ـ المستشرقون
رغم أن المفروض بالمستشرقين أن يكونوا أكثر إحاطة من الإعلاميين والسياسيين بحقيقة الإسلام، ومعرفة بمبادئه العادلة السامية، وأصوله السليمة القويمة، وإطلاعاً على حركته السياسية ومظلوميتها في الداخل والخارج، وعدم إتاحة الفرصة لها ـ محلياً وعالمياً ـ لطرح مبادئها وتوجهاتها بشكل هادئ وسليم، فان هؤلاء المستشرقين كانوا ـ إلا قليلاً منهم ـ أكثر الشرائح الغربية مسؤولية عن تشويه صورة الإسلام والشعوب الإسلامية لدى الغربيين ، شعوباً وحكومات وأحزاباً، ساسة وقادة وإعلاميين، وعلى عواتق هؤلاء المستشرقين تقع المسؤولية الكبرى في زرع العداء للإسلام لدى الغرب، وفي دفعه لإعلان الحرب عليه، باعتباره العدو الأول.
فهؤلاء بارتدائهم أثواب العلم والموضوعية، وحملهم لواء البحث والتحليل والتمحيص، كانوا أكثر نفوذاً وأبعد أثراً في الرأي العام الغربي، عدا عن أن دراساتهم وبحوثهم وأقوالهم كانت في الغالب هي المواد الرسمية الرئيسة للإعلاميين والسياسيين وسواهم . و قد أفصح المستشرق الأسباني (فرناندو دي أغريدا) رئيس قسم المطبوعات والنشر في معهد التعاون العربي التابع لوزارة الخارجية الأسبانية عن هذه الحقيقة، عندما أشار إلى أن دراسة الأوضاع العربية من قبل المستشرقين كانت تتم في الكثير من الأحيان بهدف تشويهها. ويقول وات في كتابه "ما هو الإسلام؟" معبراً عن مدى انحياز الدراسات الغربية لجذور أصحابها عبر قوله "إننا ورثة تحيز راسخ الجذور، يعود إلى الدعاية الحربية للقرون الوسطى، هذه الحقيقة يعترف بها الآن على نطاق واسع، فالدراسات الحديثة تشير إليها ضمن عوامل تكوين النظرة الغربية للإسلام. فعندما تقابل الفرسان الصليبيون مع العرب (البرابرة السارقين)، فوجئوا بحضارة تفوق حضارتهم. فرجع كثير من الفرسان منزعجين مما رأوا وعاينوا في الأرض المقدسة: مستوى معيشة لا تعرفه أوروبا ذلك الوقت، معرفة القراءة والكتابة، علوم طبية مزدهرة، فروسية حقيقية وتسامح، جسّدها صلاح الدين البطل الكردي. كانت حضارة تماثل تلك التي ازدهرت في الأندلس تجعل الخصوم المسيحيين يخجلون من أنفسهم، كاشفة لهم أنه إذا كان هناك برابرة، فذلك هم[34]. ولذلك فقد عمد هؤلاء الصليبيون على تشويه صوره المسلمين لكسب الدعم والتعاطف من شعوبهم وقد ساعدهم في ذلك كثير من رجال الدين وهذا ما يعترف به المستشرق الهولندي (فان كوننكز فيلد) ، الذي أصدر عدة كتب تشرح الإسلام عقائد وأحكاماً اقترب فيها من الموضوعية والنزاهة، تحدث في كتابيه (أسطورة الخطر الإسلامي في الغرب) ، و(حديث حول الإسلام في العصر الحديث) ، مبيناً الصورة المشوهة التي يحملها الغربيين تجاه الإسلام، وأن لها جذوراً في الفكر اللاهوتي المسيحي . وقبل ذلك أشار الفيلسوف المؤرخ الفرنسي (غوستاف لوبون) في كتابه "حضارة العرب" إلى هذه الظاهرة في التفكير الغربي الحديث الذي يزعم لنفسه التحرر والموضوعية والعلمية، ثم يقف بإزاء الإسلام وقضاياه موقفاً آخر تمليه عليه عصبية خفية[35].
كما أن المستشرقين أظهروا شبه إجماع على ضرورة التصدي للإسلام ومواجهة المد الإسلامي وقمع الظاهرة الأصولية، وإن كانوا قد اختلفوا في الأساليب التي طرحوها لهذه المواجهة، حيث كانت الحلول المقترحة لمواجهة المد الإسلامي كثيرة لا يمكن حصرها في هذا البحث، ولكنها جميعاً تؤكد على أن أصولية الإسلام تشكل خطراً كبيراً على الأمن والسلام، وعلى العلاقات بين الشرق والغرب. وأن المناهج الأصولية متزمتة وراديكالية لا ماضٍ ولا مستقبل لها. لهذا فإن قادة الغرب ـ استناداً إلى دراسات المستشرقين يراهنون على خيار واحد فقط، وهو سحق هذه التوجهات وتبديدها، ولو أدى الأمر إلى سحق الحريات، ووأد الديمقراطيات، التي يتشدق بها هؤلاء القادة الغربيين ليل نهار، ويجعلونها واجهة لعملهم السياسي في بلدانهم وأمام شعوبهم.
رابعاً: الصهيونية العالمية وإسرائيل
أخيراً هناك ما قام ويقوم به الصهاينة والإسرائيليون من تشويه مستمر لصورة العرب والمسلمين، لدى الرأي العام الغربي، ومن تضخيم متواصل لخطر الإسلام عموماً ، وخطر الإسلام الأصولي خصوصاً، على أساس أنه البديل الحالي عن الخطر الشيوعي السوفياتي ، الذي انحسر عن كاهل الغرب في الآونة الأخيرة . فقد كان التركيز الأصولي في مجال السياسة الخارجية الأمريكية منصباً على الخطر القادم من الشمال، كما في نبوءات حزقيال، أي خطر يأجوج ومأجوج والحلف الشرير بين "أبناء الظلام"، ضد أبناء النور، أي إسرائيل . إلا أن الاتحاد السوفيتي قد ضاع الآن من بين أيدي الأصوليين بوصفه الشيطان إبليس أو يأجوج ومأجوج، بل وسبب لأولئك الأتقياء خيبة أمل كبيرة لأنه ـ بانسحابه من حلبة الصراع مع قائدة حلف أبناء النور الولايات المتحدة، بل وانضواءه في الواقع تحت لوائه ـ قد جرد المسيحيين الأصوليين المؤمنين من الخصم الشرير، وحرمهم من فرصة إشعال حرب نووية مع ذلك الخصم الشرير، تعجيلاً، ـ من خلال تلك الحرب، هرمجيدون ـ بالمجيء الثاني للمسيح([36]) .
ولهذا كان على الأصوليين اختراع هذا العدو، فالغرب كما تقول المستشرقة الإيطالية) إيزابيلا كاميرا دافليتو): كان وما يزال بحاجة إلى اختراع عدو حتى يضمن لنفسه خطاً دفاعياً، ويظل مترفعاً ومتعالياً على ما تبقى من العالم لسنين طويلة ، أو حتى لعقود، كان هذا العدو متمثلاً بالشيوعية وبالمعسكر الشرقي، وعندما انهارت الشيوعية برز لدى الغرب التساؤل التالي: من سيكون عدونا المقبل؟!. وإذا به يسحب من خزانة تراكم عليها غبار الزمن صورة العدو التاريخي القديم المتمثل بالعالم الإسلامي، لكن الغرب كان أيضاً ـ بحاجة ـ إلى وسيلة لإقناع مواطنيه بمصداقية هذا الاكتشاف الجديد والقديم، لذا كان طبيعياً أن يحاول ترسيخ ملامح البعبع من خلال تقديم الأصولية الإسلامية، والإرهاب الإسلامي في صورة العدو العنيف([37]) .
ومعلوم أن الصهاينة والإسرائيليين يدركون أن الخطر الحقيقي ، الذي يتهدد كيانهم هو ظهور تيار إسلامي قوى في الدول العربية. ونجد مشاعر مماثلة تساور العديد من المسيحيين ـ الأصوليين في ـ أمريكيا، فهم يعتقدون أن بقاء إسرائيل قوية جزء من مخطط الله ، ويعتبرون المسلمين تهديداً لهذا المخطط، ولهذا يرى هؤلاء أن عليهم مواصلة معاداة المسلمين ؛ لأن إسرائيل لا تزال في حالة تأهب عسكري، لمواجهة الدول الإسلامية المجاورة في غالبيتها([38]) . ولهذا فإن الأصوليين المسيحيين أكثر عداوة للإسلام والمسلمين ، بل وأكثر جرأة في الطعن في الإسلام، وجرح مشاعر المسلمين، من حلفائهم اليهود. كما تدل عليه تصريحات (فرانك غراهام) و(بات روبرتسون) و(جيري فالويل) حول الإسلام خلال العام المنصرم. وقد لاحظت الكاتبة الأميركية (جريس هاسيل) أن الأصوليين المسيحيين في أميركا "مستعدون لتقبل نقد موجه لفرنسا أو إنجلترا، أو ألمانيا، أو إيطاليا، أو الولايات المتحدة، أو أي بلد آخر في العالم، لأن ذلك شأن سياسي، أما نقد إسرائيل فهو يساوي عندهم نقد الرب ذاته" حسب تعبيرها([39]) .
تبدُّل الصياغة وصناعة صورة العدو
عندما غزا (صدام حسين) الكويت في أب 1990م ، زود ـ من غير قصد ـ مخططي وزارة الدفاع بالشيء الذي كانوا يبحثون عنه ، منذ تولي (غورباتشوف) قيادة الاتحاد السوفيتي. إنه عدو جديد يمكن للولايات المتحدة أن تضع عليه الملامة، وخطر على الأمن يبرر المحافظة على إنفاق عسكري مماثل لفترة الحرب الباردة([40]) . وبعد أن تدخلت أمريكا ودمرت القوات العراقية وأخرجتها من الكويت، رأت أن توسع نظرتها للعدو الجديد باتخاذ الإسلام كعدو بديل، حيث كانت أول مره يرفع فيها شعار "الإسلام عدو بديل" على المستوى السياسي الغربي، في "منتدى الشؤون الأمنية الدولية" في ميونيخ عام 1991م، وكان الذي استخدم هذا التعبير، هو وزير الدفاع الأمريكي آنذاك ـ ونائب الرئيس الأمريكي حالياًـ ديك تشيني. وقد ـ لقي موقفه حينئذ ـ ردود فعل شديدة، في البلدان الإسلامية، وفي أوساط ثقافية ودينية غربية ، تخوّفت مما يعنيه الصدام الكامن وراء تلك الشعارات ، التي وصلت إلى مستويات مؤثرة في صناعة القرار السياسي الأمريكي ذو المنطلقات الصهيونية .
وقد سبق رفع شعار "الإسلام عدو بديل" ظهور العديد من الدراسات والأبحاث التي قامت بها كثير من مراكز البحث والجامعات الغربية، وبالتعاون مع دوائر استخبارية غربية، بهدف التعرف على أنجع الطرق لمواجهة الصحوة الإسلامية أو ما سموها بالأصولية الإسلامية، بحيث أضحى موضوع دراسات الشرق الأوسط في الغرب هو ابرز العناوين التي تتم تحتها عملية الرصد والدرس والتحليل للعالم الإسلامي عامة، والعربي خاصة ، من كافة الجوانب، من العقيدة إلى فن زراعة البساتين، والتي تطورت وتوسعت بشكل هائل منذ الحرب العالمية الثانية ، وخاصة في الولايات المتحدة الأميركية، ويكفي أن نعرف أن عدد المتفرغين للبحث في هذا المجال في جامعات أمريكا وكندا كان 363 في عام 1969م فأصبح 670 عام 1986م ، وان عدد أعضاء" رابطة دراسات الشرق الأوسط" في أمريكا عام 1977 م كان 823 عضواً ، موزعين على 39 مجالاً، أهمها مجالات التاريخ والسياسة، والأدب، والدين، والاقتصاد ، وعلوم الإنسان ، والاجتماع ، والتعليم ، والقانون([41]) . ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل حرصت دول الغرب، خاصة أمريكا، على أن تنشئ مؤخراً عشرات المراكز في داخل البلاد الإسلامية ـ تحت مسميات مختلفة ـ لتتولى مهمة الرصد والفحص ، وجمع المعلومات المباشرة ؛ لتصب هناك في مراكز التخطيط والقرار، هذا فضلاً عن المؤسسات التقليدية القديمة ، من جامعات ، ومدارس أجنبية ، تسهم كذلك في المهمة نفسها.
وعندما شهد العقد الأخير زيادة الوعي الإسلامي وعمقه في المجتمعات الإسلامية، في كل أنحاء العالم، كثفت الدوائر الغربية من نشاط الدراسات حول مناطق الصحوة الإسلامية في العالم، وهذا "دكمجيان" يكشف في مقدمة كتابه "الأصولية في العالم العربي"،عن أن دراسته تلك أعدت خصيصاً للحكومة الأميركية، وقد اعتمدت دراسته على كثير من المنشورات السرية، والرسائل ، والنشرات الخاصة بالحركات الإسلامية في العالم العربي ، وقدم خلالها تحليلاً لعمل وتحرك (91) حركة وجماعة إسلامية، وقد ساعده كما يذكر في جمع المادة العاملون في مركز هيئة البحث والتنمية في أميركا! وهذا يعني أن تلك الدراسات، بطريقة أو بأخرى سوف تكون مراجع أساسية ، تستند عليها المخابرات الدولية بما فيها الـ (C. I. A)الأميركية ، وغيرها من مراكز المخابرات والاستخبارات في العالم، حيث أن أجهزة المخابرات وعملائها سوف لا تتعب كثيراً في التشخيص والنزول باتجاه التفاصيل. فالدراسات التي أعدت قد سهلت كثيراً من مهامهم. وعلى أثر تلك الدراسات وما تبعها من نتاجات متلاحقة، فان دوائر المخابرات قد شرعت بالمزيد من عملياتها ومخططاتها، فكان للإسلاميين مساحة واسعة من اهتمامات تلك الدوائر المخابراتية ( ([42]
تصريحات ومواقف
هناك مقولة للكاتب الأمريكي (كال توماس) ـ وهو ينتمي إلى انتلاف اليمين المسيحي الذي يتخذ موقفاً صارخاً في تحيزه لإسرائيل وعدائه للعرب والمسلمين ، تقول : أن كلاً من اليمين واليسار في الولايات المتحدة يحتاج إلى أعداء ، لكي يستفز بهم ـ وبأسلوب الصدمة الكهربائية ـ حملات جمع التبرعات .. وان اليمين يتطلع منذ التسعينات إلى عدو يحل محل الشيوعية، وقد يكون ذلك الإسلام([43]). فبعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي وانحلال حلف وارسو، جرى تصعيد متعمد للعدوانية الغربية ضد الإسلام، فكتبت (كارين آرمسترونغ) ، قبل عشر سنوات من إعلان (جورج دبليو بوش) الحرب الصليبية الأخيرة ضد الإسلام، قائلة: يبدو الآن أن الحرب الباردة ضد الإسلام ستحل محل الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفييتي([44]) . أما مدير معهد بروكنغرز في واشنطن (هيلموت سوننفيل) فيقول: إن ملف شمالي الأطلسي سوف يعيش ، وأن الغرب سيبقى مجموعة دول لها قيم أساسية مشتركة. وستبقى هذه المجموعة متماسكة معاً من خلال الشعور بخطر خارجي: الموقف من الفوضى أو التطرف الإسلامي. وقال الرئيس الأمريكي الأسبق (ريتشارد نيكسون) في كتابه (أمريكيا والفرصة التاريخية) : "إنه يوجد في العالم الإسلامي عاملان اثنان مشتركان فقط : هما الدين الإسلامي ، والاضطراب السياسي"([45]) . ويضيف : "يحذر بعض المراقبين من أن الإسلام سوف يكون قوة جغرافية متعصبة ومتراصة، وأن نمو عدد أتباعه، ونمو قوته المالية سوف يفرضان تحدياً رئيساً. وأن الغرب سوف يضطر لتشكيل حلف جديد مع موسكو من أجل مواجهة عالم إسلامي معاد وعنيف . وقد عكس (نيكسون) في كتابه هذا ، صورة بشعة عن العالم الإسلامي عندما قال: "إن معظم الأمريكيين ينظرون نظرة موحدة إلى المسلمين على أنهم غير متحضرين، وسخين، برابرة، غير عقلانيين، لا يسترعون انتباهاً إلا لان الحظ حالف بعض قادتهم ، وأصبحوا حكاماً على مناطق تحتوي على ثاني الاحتياطي العالمي المعروف من النفط" ([46]) .
وفي ربيع 1990م ألقى (هنري كيسنجر) وزير الخارجية خطابا أمام المؤتمر السنوي لغرفة التجارة الدولية، قال فيه: "إن الجبهة التي على الغرب مواجهتها هي العالم العربي الإسلامي، باعتبار هذا العالم العدو الجديد للغرب، وأن حلف الأطلسي باق، رغم انخفاض حدة التوتر بين الشرق والغرب في أوروبا، ذلك أن أكثر الأخطار المهددة للغرب في السنوات القادمة آتية من خارج أوروبا. وفي نهاية التسعينات فإن أخطر التحديات للغرب ستأتي من ناحيتي الجنوب (المغرب العربي والشرق الأوسط) ، وهو ما أكده فيما بعد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي Willy Claes)) والذي وصف الأصولية الإسلامية في خطاب رسمي له بأنها أعظم خطر راهن يواجه الحلف. ولهذا ألح، "برنارد لويس" ـ أشهر مستشرقي العصر الحديث (([47] ـ على الحكومة الأمريكية بضرورة التعامل بقسوة مع المسلمين والعرب، وأعرب عن رغبته في أن تسقط الولايات المتحدة سلطتها عليهم . فوفقاً للويس، هناك غرب متقدم إنساني من ناحية، وهناك من ناحية ثانية "إسلام" ـ وهذا الأخير يشمل الدين والقانون والحضارة والجغرافيا والتاريخ . وفي ذهنه، لم يتغير المسلمون والإسلام عبر العصور، فهو يعتبر أن دراسة مخطوطه عربية تعود إلى القرن التاسع الميلادي تفيد منهجياً في تفسير السلوك السياسي للفلسطينيين عام 2002م. وفي كتابه "الإسلام والغرب" ينظر لويس إلى المسلمين بوصفهم مجموعة متجانسة واحدة، يتمتعون بمميزات وأنماط سلوك مماثلة، ويمكن أن تفسر كل أعمالهم البغيضة بالعودة إلى القرآن وكتب الفقه الكلاسيكية([48]) .
انطلاقاً من هذه التصريحات والمواقف بدأ الغرب وعلى رأسه أمريكيا يستهدفون الإسلام، كطريقة بديلة للحياة، وعلي نحو صريح ومكشوف منذ انهيار الاتحاد السوفييتي والنظام الشيوعي، وقبل أن تظهر علي المسرح حكاية أسامة بن لادن. وقد صرح السكرتير العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1995م أن الإسلام السياسي كان خطراً بمقدار خطورة الشيوعية علي الغرب علي الأقل([49]) . وقد بلغ التحامل على الإسلام إلى درجة أن مجلة الايكونوميست البريطانية المعروفة برصانتها، نشرت على الغلاف موضوعاً بعنوان: (الإسلام الأيديولوجية البربرية المعادية للغرب). وجاء في دراسة أخرى نشرتها مجلة ألمانية متخصصة في الدراسات الإستراتيجية : "الواقع أن الأحاسيس المعادية للعرب وللمسلمين ، تجعل من هذه الصورة الجديدة للعدو، المخطط لها أسرع نجاحا ، وأكثر قدرة في الحصول على الإجماع، يبدو ذلك واضحاً من إسراع مجموعات من الخضر بألمانيا ، عند حصول (أزمة الكويت) للحديث عن صراع بين الإسلام والغرب، بل بين الإسلام والتنوير أو التحرير، وطالب آخرون من الخضر الألمان ببوليس دولي لحماية البيئة من العرب([50]) .
نظرية صراع الحضارات
يقول المفكر د. محمد عابد الجابري : ان العقل الأوروبي لا يعرف الإثبات إلا من خلال النفي، وبالتالي لا يتعرف إلى (الأنا) إلا من خلال (الآخر). ومن هنا فهو لا يستطيع التفكير في المستقبل إلا من خلال (سيناريوهات) يرسم فيها لنفسه (الآخر).. العدو المنتظر[51]. فقد وجد الغرب نفسه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي ـ العدو المشترك ـ أمام فراغ كبير، أصبحت معه خلافاته وصراعاته الداخلية من دون سقف رادع . و وجدت الولايات المتحدة الأميركية نفسها فجأة دولة، بل معسكراً وترسانة من الأسلحة، بل تحالفاً دوليا بنى سياسته واقتصاده وإستراتيجيته ، وثقافته ، ورؤاه المستقبلية على أساس أنه يواجه عدوا يتربص به، فإذا بالعدو ينسحب بل يختفي(([52] ومن هنا جاءت نظرية وجوب اختراع عدو بديل، حيث وجد المنظرون الإستراتيجيون في الإسلام ضالتهم، وتم صياغة صورة العدو البديل على المستوى الفكري ، كما كان مع نظريتي "نهاية التاريخ" لفوكوياما، و"صدام الحضارات" لهنتينجتون، لان الولايات المتحدة تحتاج لعدو توجه ضده المدافع الاعلاميه والسياسية والعسكرية . فهذه الآلة الضخمة يجب أن تشتغل وتنتج وإلا أصابها التآكل، لا بد لها من عدو يجسد (الشر) ، فإذا لم يكن موجودا يفقد (الخير المفترض) مبرر وجوده . لذلك ولو لم يكن هذا العدو موجودا لوجب اختراعه، سقوط الاتحاد السوفيتي كاد يحرمها من هذه المعادلة ، لكنها سرعان ما أعادت إنتاج مقولة (إمبراطورية الشر) بتعديلها لتصبح (محور الشر). فقد تغيرت التركيبة العالمية ، وإن لم تستقر بعد إلا أنها استهدفت إيجاد عدو بديل . وكانت حرب الخليج التي خاضها بوش الأب بمثابة الإعلان عن ولادة قيام نظام عالمي جديد ، وموت النظام العالمي القديم ، وبالتالي موت كل التوازنات والاتفاقات ، التي كانت ترسم حدود العالم في ذلك الحين. سقط النظام القديم، وسقطت كل الضوابط والكوابح التي كان يقوم عليها .
فإذا صدقنا ما تحدث عنه (هنتنجتون) وأسماه صدام الحضارات ، نجد أنه لو اندلعت حرب عالمية ثالثه فستصبح حرباً من نوع جديد هكذا قال (هنتنجتون) ، فلن يكون سببها نزاعاً (أوروبياً – أوروبياً) ولكنها ستكون مواجهه بين الحضارات ، بين المركز (وهو الغرب) ، وبين الأطراف (أو المستعمرات القديمة) ، بل إن (هنتنجتون) يعطى أيضاً ـ كلاً ـ من المجموعتين صبغة دينيه : إذا سيكون الصدام بين حضارة (يهودية مسيحية) وأخرى (إسلامية كونفوشيوسيه) . فالولايات المتحدة في خطتها للسيطرة على العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، عينت (العدو البديل أو الشيطان) الذي يجب القضاء عليه ، وهو الإسلام وحلفاؤه المحتملون ، فيما يسمى بالعالم الثالث([53]) . ولهذا بدأ البحث في أوائل التسعينيات عن كلمة أخرى غير الإسلام، فبدأ التركيز على "الأصولية"([54]) مع "تصريحات" تقول بتبرئة الإسلام كدين سماوي منها، وتثبيت فكرة أن الأصولية هي "الإسلام السياسي". ويعدها بفترة بدأ التركيز على ربط الإسلام والمسلمين والعرب بـ (الإرهاب) ، حيث ترسخ هذا المفهوم في أذهان معظم الأميركيين بعد التفجير في مركز التجارة العالمي في شباط فبراير 1993م، وحينها صب الحاقدون وقود كراهيتهم على النار المستعرة ، وبدأ الحديث عن شبكة عالميه فائقة التنظيم ، ومكونه من مجموعات الإرهاب الإسلامي ، ومتربصة للانقضاض داخل الولايات المتحدة([55]) .
نظرية هنتنغتون الجديدة
إذا كان العرب والمسلمون قد استقبلوا كتاب المفكر والأكاديمي الأميركي المعروف (صموئيل هنتنغتون) قبل الأخير "صدام الحضارات" بالقلق والرفض الواسعين ، لترويجه فكرة أن الصراع العالمي القادم سوف يكون صراعا بين الحضارة الغربية من ناحية ، وحضارات الشرق ، وعلى رأسها الإسلام من ناحية أخرى، فإنه حري بهم الانتباه لنظرية أخطر يروجها (هنتنغتون) في كتابه الجديد "من نحن؟ تحديات الهوية الوطنية الأميركية" الصادر في مايو/أيار 2004م بالولايات المتحدة، نظرا للدور الذي ينادي (هنتنغتون) بأن يلعبه الإسلام كدين وحضارة في تشكيل الهوية الوطنية الأميركية خلال الفترة الراهنة ، وفي المستقبل المنظور .
فعلى الرغم من أن (هنتنغتون) لا يرى ـ في كتابه الجديد ـ أن الإسلام هو أحد التحديات الأساسية، التي أدت إلى تراجع شعور الأميركيين بهويتهم الوطنية خلال العقود الأخيرة، فإنه يرى أن العداء للإسلام والحضارة الإسلامية قد يساعد بشكل كبير في تحقيق التفاف الأميركيين المنشود ، حول هويتهم الوطنية في المستقبل المنظور، حيث يطرح (هنتنغتون) رؤية لإعادة بناء الهوية الأميركية، تقوم على استشراف بعض التغيرات الجذرية الإيجابية الطارئة على المجتمع الأميركي في الفترة الأخيرة، التي من شأن تأكيدها عودة الروح للهوية الوطنية الأميركية. ويعني (هنتنغتون) بهذه التغيرات تحولين أساسيين، أولهما عودة الأميركيين للدين المسيحي ، وزيادة دور المسيحية في الحياة العامة الأميركية، وثانيهما الدور الذي يمكن أن يلعبه الإسلام كعدو أساسي جديد لأميركا. ويبشر بأن العودة للمسيحية ـ التي تعد أحد الركائز الأساسية للهوية الأميركية ـ تمثل عاملا هاما في دعم الهوية الأميركية ونشرها خلال الفترة الراهنة. كما أن الصحوة الدينية ـ وفقا لتحليل هنتنغتون ـ تصب مباشرة في الدور المساعد الذي يمكن أن يلعبه الدين على الساحة الدولية وخاصة في تعريف عدو أميركا الجديد وهو الإسلام.
وهنا يرى أن عداء أسامة بن لادن لأميركا هو عداء ديني، وأن الأميركيين لا يرون الإسلام على أنه عدو لهم ، ولكن "الإسلاميين المسلحين، المتدينون منهم والعلمانيون، يرون أميركا وشعبها ودينها وحضارتها أعداء للإسلام"، ونتيجة لذلك يرى (هنتنغتون) أن "البديل الوحيد للأميركيين هو أن ينظروا لهؤلاء الإسلاميين المسلحين بأسلوب متشابه". ثم يبدأ في وصف نفوذ الإسلاميين المسلحين، ويقول : إنهم كونوا شبكة دولية لها خلايا عبر العالم ، هدفها الأساسي هو تدمير الغرب، وإن المسلمين دخلوا في العقود الأخيرة حروبا طالت البروتستانت ، والكاثوليك ، ومسلمين آخرين ، وهندوسا ، ويهودا، وبوذيين ، وصينيين، وحاربوا في كوسوفا ، والبوسنة ، والشيشان ، وكشمير ، وفلسطين، والفلبين، وإن مشاعرهم السلبية تجاه أميركا زادت في التسعينيات. ويضيف أن الشعوب الإسلامية لم تتعاطف مع الأميركيين بعد 11 سبتمبر/أيلول، وأن عداوتها لأميركا عميقة ، وليست بسبب إسرائيل، فهي مدفونة في الحقد على الثروة الأميركية ، والسيطرة الأميركية ، والعداء للثقافة الأميركية في شقيها العلماني والديني. وينهي (هنتنغتون) فكرته بتوقع دخول أميركا حروبا مع دول وجماعات مسلمة في السنوات القادمة، مما يرشح الإسلام بشكل واضح للعب دور العدو الأساسي والكبير، الذي يوحد الأميركيين ضده (([56].
الحملة على الإرهاب
منذ ظهر شعار "الإسلام عدوّ بديل" لم تتغير وجهة مسيرة الدول الغربية وسياساتها العدائية تجاه الإسلام والمسلمين، وجلّ ما هنالك أن بعض معالمها المرئية تبدّلت وفق متطلبات المرحلة الآنية. وهنا يأتي "توجيه دفة الأحداث" تحت عنوان تداعيات تفجيرات واشنطن ونيويورك، كمحطة جديدة على صعيد تلك السياسة الغربية. فلم تكن التفجيرات هي التي صنعت مسلسل التداعيات من بعدها، بل توفرت منطلقات مسبقة لتوظيف هذه التفجيرات ؛ لتكون بمثابة الذريعة للتحرك وفق صيغة قائمة من قبل. وهذا ما يعنيه أيضًا اصطناع ما سُمِّي "الحدّ التاريخي" الزمني الفاصل بين ما قبل الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر وما بعده؛ لتبرير كل ما يتم تنفيذه بعد ذلك التاريخ بتلك التفجيرات([57]) .
صحيح أن مقتل الألوف في الولايات المتحدة في يوم واحد، بهذه الصورة، حدث هائل، ولكن لم يتحدّث أحد عن نهاية حقبة تاريخية ، وبداية أخرى ، عند مقتل الألوف دفعة واحدة في "سربرينتسا" وأخواتها، ولا عند مقتل مئات الألوف خلال فترة وجيزة في حرب الإبادة في رواندا، التي رفضت واشنطن بالذات وصفها بحرب الإبادة. أما فيما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي فحدث ولا حرج ... فحين يقتل جندي من جيش إسرائيل ، أو من مرتزقته في جنوب لبنان ، الذي كانت تحتله إسرائيل بطريقة غير شرعيه ـ أي حين يقتل مقاوم محتلاًـ فإن ذلك يعد إرهاباً، وإذا قصفت القوات الإسرائيلية المدنيين ، وذبحتهم في قانا ، أو ضواحي بيروت ، أو في الأراضي المحتلة، ـ يسمى ذلك بالدفاع الشرعي . ومن اليسير تعداد مئات الأمثلة لاستخدام تلك الذرائع والافتراءات، مثل مكافحة الإرهاب ، أو التدخل الإنساني ، أو حماية حقوق الإنسان، لتبرير العدوان المباشر على الدول، أو فرض القيود على الاتفاقيات الاقتصادية معها ، إذ تثار أحداث "تيان إن من" بينما لا يذكر شيء مطلقاً عن مذبحة أبشع وأفظع ارتكبها أرييل شارون ، وراح ضحيتها عشرون ألف مدني في لبنان عام 1982م ([58]) .
وهناك حادثة تحمل دلالتها المؤثرة يرويها الشيخ ـ محمد الغزالي رحمه الله ، في كتابه المعروف (فقه السيرة) : جندي إنجليزي من المستعمرين القدماء العائدين من كينيا في أفريقيا ، يحكي لزميله في لندن ، كيف أنه وهو يحاول أن يفرغ رصاصتين في رأس أحد الثوار الكينيين من حركة (الماو ماو) ، حاول هذا أن يعضه من ذراعه دفاعا عن نفسه، تصور يا (جون) يقول الجندي الإنجليزي العائد ، كيف أنه أراد إلحاق الأذى بي باستخدام أنيابه كالكلاب الشرسة. يضحك (جون) حتى يستلقي على قفاه وهو يردد: أيها الإفريقي الدنس أيها الأسود المقرف!!([59]) . وهنا لا يقتصر الأمر على ازدواجية عنصرية في معايير النظرة الغربية والأمريكية، عمومًا إلى "الإنسان" وقيمته وحقوقه وحرياته، ولكنه مسألة "حسابات سياسية باردة"، ترتبط بمنظور السياسة الغربية التي تفخر "بواقعيتها" القائمة على موازين تلك الحسابات، وتغليبها على الأخلاق والقيم. فما يجرى حتى الآن في أفغانستان والعراق، وما يمكن أن يتبعه من أحداث، يرتبط أولاً وأخيرًا بمسيرة عولمة "الهيمنة الأمريكية" نفسها، وشمولها للجانب العسكري إلى جانب الميادين الاقتصادية، والمالية، والسياسية، والفكرية. وهنا لا تمثِّل التفجيرات في نيويورك وواشنطن ـ على ضخامتها ـ سوى عنصر من عناصر عديدة يجري توظيفها لخدمة الهدف الأوسع نطاقًا. فها هي ذي أمريكا تمضي قدما تحت اغراءات التفرد والقوة وضغوط الهياج الشعبي، بكل أبعاده الدينية والعنصرية لإنزال الويل والثبور بهذه الحلقة ، أو تلك من عالم الإسلام، ومحاولة احتواء ، وربما إرغام كل زعامات هذا العالم على الانخراط تحت ما تسميه (مقاومة الإرهاب) ، وهو يقينا لا يتحدد بهذه البقعة الضيقة أو تلك ، وإنما سيمضي بقوة المذهب والتاريخ والمصلحة ؛ لكي يطال عالم الإسلام كله([60]) .
فمع أواسط التسعينيات الميلادية، بدأت نقطة الثقل تتحوَّل في المواقف الكلامية العدائية من مصطلح "الأصولية" إلى كلمة "الإرهاب الدولي"، التي كانت ـ ولا تزال ـ مائعة فضفاضة، يمكن تفصيلها على مقاس الغرض السياسي المطلوب في كل حالة، وفي كل مرحلة بصورة قائمة بذاتها. فقد شهدت تلك الفترة قيام الرئيس (بل كلينتون) بصوره رسمية بتدشين ما يسمى الآن بالحملة على الإرهاب، حيث صرح عام 1996م أمام مؤتمر وزراء الخارجية والداخلية للدول السبع الصناعية ، بقوله: "سيكون الإرهاب أحد أخطر التهديدات المؤثرة الموجهة ضد امتنا في القرن الحادي والعشرون"([61]). وقد كتب (بول مارى) في (فبراير 1997م) مقال صحيفة لموند بعنوان "الحملة الصليبية الأخيرة للرئيس كلينتون ضد الإرهاب" قال فيه: في الخامس من أغسطس، وقع الرئيس كلينتون قانون "دماتوـ كيندى" معلناً وضع إيران وليبيا خارج القانون الدولي. ولقد كان مهتماً أن يكون محاطاً أمام كاميرات التلفزيون بأقرباء ضحايا طائرة شركة بان أمريكان ، التي أسقطت فوق لوكربى، والتي حملت ليبيا مسئوليتها، برغم وجود تقارير تنفى هذا الزعم. لقد أعلنت واشنطن بهذا الاحتفال الرمزي والمعبر في آن واحد عن سياستها عن بدء الحرب من الآن فصاعداً على الإرهاب "العدو الأكبر"([62]) . وفى نفس العام وقبلها بعدة أشهر أعطت أمريكا لتلك الحملة بعداً استعراضياً عالمياً، في مؤتمر شرم الشيخ عقب إنفجارات القدس وعسقلان. حيث حددت حكومة إسرائيل الهدف الجديد في شرم الشيخ عام 1996م إذ أعلنت مبادئ (مواجهة الإرهاب) والتدخل الإنساني وهما الذريعتان الرئيسيتان للاستعمار الجديد، حيث اعتبر شمعون بيريز إيران مركز الإرهاب العالمي دون أدنى دليل، وطبعاً اتسع مفهوم الإرهاب ليشمل كل أشكال مقاومة الشعوب للدفاع عن نفسها ونيل استقلالها، واستبعد هذا المفهوم كل أشكال إرهاب الدولة الذي يهدد هذا الاستقلال ([63]) .
فبالرغم من أنه لا يوجد أي شيء يؤكد تورط الجماعات الاسلامية في حادث (اوكلاهوما سيتى) ، الذي نفذته مجموعة من اليمين المتطرف عام 1995م ، وحادث التاسع من أكتوبر عام 1995م ضد قطار ميامىـ لوس انجلوس، والذي أعلنت جماعة مسماة "أبناء الجوستافو" مسئوليتها عنه، كذلك حادث دكتور الرياضيات الذي أسمى نفسه "اونابومبر" ، والذي كانت هوايته إرسال الطرود المفخخة، أو حتى موضوع الرجال الأحرار "فريمن" الذين قاوموا رجال الشرطة واحد وعشرين يوماً في خريف 1996م في أحد مزارع مونتانا. فإن كل هذا لا يمنع أن تكون الأصولية الإسلامية بالنسبة لأمريكا هي المتآمرة الأولى والممثلة للإرهاب ([64]) .
ولهذا فإنه في تلك الفترة، تضاعفت الحملة الدعائية في الغرب ضد المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، مع إعطاء مسلسل الجرائم الدموية الرهيبة في الجزائر، والجارية بمشاركة "أطراف عديدة" على حساب الإسلام ، وعلى حساب الجزائر، عنوان "الإرهاب الإسلامي". ثم في وقت متأخر نسبياً، بدأ الحديث يتركَّز على تنظيم القاعدة وابن لادن، وهو ما يمكن ربطه بالحاجة إلى "رمز" ، في كل حملة عداء أو ما يستحق وصف "عملية غسيل الدماغ" لصناعة "صورة العدوّ"، وبالذات بعد غياب رموز الإرهاب اليساري الغربي عمومًا، واضمحلال مفعول ما كان يوصف برموز "الإرهاب الفلسطيني" في وعي الرأي العام الغربي من أفراد ومنظمات، نتيجة تحرّك عجلات مشروع أوسلو، فضلاً عن تساقط رموز "دولية" للإرهاب من أمثال "كارلوس". وفي يوم 20 أغسطس 1998م أطلقت الولايات المتحدة عدداً من صواريخ الكروز طراز توماهوك يتراوح بين 75ـ100 صاروخ من ست سفن حربية أمريكية وغواصة ، على منشآت في أفغانستان والسودان ، لتفتح ما وصفه الرئيس (بل كلينتون) بأنه "حرب طويلة" ضد الإرهاب ([65]) .
تحديد الهدف.. ما هو "الإرهاب الإسلامي"؟
من يتكلم في الغرب الآن عن "الإرهاب الإسلامي" المزعوم، لا يعني إطلاقًا "فئات محدَّدة منظمة تحمل السلاح، وترفع شعار "الإسلام ضد مصالح الغرب"، كما يشاع في الخطاب السياسي في العالم الإسلامي، بل يعني كل من يعتبر أن الإسلام هو المدخل العقدي، والحضاري، والفكري، والسياسي، والاقتصادي، إلى تغيير أوضاع المسلمين إلى الأفضل؛ بما يتضمنه ذلك من تغيير موقعهم على مستقبل الخريطة العالمية، بما يمكن أن يؤثر على مسيرة الهيمنة والعولمة الغربية الراهنة. بل بات في كثير من الأحيان مجرّد انتماء المرء إلى الإسلام، أو إلى المنطقة الحضارية الإسلامية، مبررًا كافيًا لتشمله نظرة العداء الغربي، وعملية التطويع والتوظيف لتطبيق الأهداف الثابتة لشعار "العدو البديل". ومما يدل على ذلك ـ على المستوى السياسي ـ أن السلطات الأمريكية ـ التي تتقن توزيع الأدوار بين الحكومة ومجلسي الشيوخ والنواب ، وأجهزة المخابرات ، ووسائل الإعلام ـ لا تتردد عن كيل الاتهامات لدول شاع وصفها بالدول "المعتدلة"، رغم علاقاتها الوثيقة مع واشنطن، كالسعودية ومصر. كما نجد على المستوى الإعلامي، عشرات الأمثلة للخلط بين الحكومات والمنظمات والعلماء وعامة الشعوب، كلما أراد أحد الإعلاميين الأمريكيين التدليل على أن الإرهاب في المنطقة الإسلامية منتشر، وأنّ له جذوره في الإسلام نفسه، مما يساعد في نمو كثير من الأفكار النمطية عن الإسلام حتى في مبنى الكابيتول.
ففي عام 1990م ربط (دان كويل) نائب الرئيس الأمريكي في خطاب له أمام تلاميذ أكاديمية أنابولس التجربة الأصولية الإسلامية بالنازية والشيوعية، وأعلن (باب بوكانان) أي المرشح الجمهوري اليميني في الحملة الرئاسية عام 1992م : "طيلة ألف عام دار الصراع حول مصير البشرية بين المسيحية والإسلام وقد يكون الأمر كذلك ثانية في القرن الحادي والعشرين ؛ لأنه في الوقت الذي يذلنا فيه الشيعة، يملآ إخوانهم في الدين بلدان الغرب. فمنذ الأسر الإيراني للعاملين الدبلوماسيين الأمريكيين في عام 1979م وعبر احتجاز الأمريكيين رهائناً في لبنان، إلى نسف مركز التجارة العالمية في نيويورك في 1993م بدا أن الخطر يزداد قربا، وقدم فيلم وثائقي تلفزيوني عرض في ديسمبر 1994م بعنوان الجهاد في أمريكا صورة درامية للنزعة الإسلامية ، وهي تضرب مباشرة في الولايات المتحدة الأمريكية ، وبلغ من قوة هذا القلق أنه حين انفجرت قنبلة خارج مبنى حكومي في مدينة أوكلاهوما وقتلت المئات ، كانت الاستجابة المباشرة لكثير من معلقي وسائل الإعلام وللشرطة هي أن الانفجار من فعل إرهابي الشرق الأوسط ، وجرى البحث عن رجال ذوي تقاطيع شرق أوسطية ، وتحدث خبراء الإرهاب في التلفزيون، وصدرت دعوات إلى هجمات وقائية ضد العرب والمسلمين، ولكن كان الجناة مجانين من نبت أمريكي([66]) .
وفي عام 1992م عثر رالف برايبانتى، وهو عالم وكاتب بارز في الشؤون الإسلامية، في أحد مكاتب الكونغرس، على بحث يتضمن "معالجة للإسلام بوصفه العدو الكامن للولايات المتحدة، هي الأشمل من نوعها ، والأكثر إثارة للخوف" كان برايبانتى يشير إلى كتاب ليوسف بودانسكى، مدير مجموعة العمل المتخصصة بالإرهاب والحرب في الحزب الجمهوري . ففي كتابه عن تفجير مبنى "مركز التجارة العالمي" في مدينة نيويورك عام 1993م ، عمد (بودانسكى) المحرر التقني الأسبق لمجلة "القوات الجوية الإسرائيلية" إلى إطلاق عنان خياله، إذ كتب يقول : لقد باشر الإرهاب الإسلامي الحرب المقدسة – الجهادـ ضد الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة، وهو يشنها عبر الإرهاب الدولي بالدرجة الأولى . كما حذر الأستاذ الجامعي الأمريكي (عاموس بيرلماتر) في عام 1984م ، من حرب إسلامية شاملة تشن ضد الغرب والمسيحية والرأسمالية المعاصرة ، والصهيونية ، والشيوعية في وقت واحد([67]) . كما نجد على المستوى الفكري سلسلة لا تنقطع من الأمثلة، منها أوّل كتاب ظهر في ألمانيا بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن بعشرة أيام فقط، حمل عنوانًا يزعم التعريف بأسامة بن لادن وتنظيم القاعدة، وإذا به لا يترك منظمة ولا جماعة إسلامية، ولا عالمًا معروفًا، إلا و"يخترع" صلة ما بينه وبين الإرهاب، بما في ذلك جماعة التبليغ مثلاً، التي اشتهرت ببعدها عن كل صورة من صور العنف ، ورفضها لكل عمل سياسي.
وهكذا يظهر أن المستهدف في الحملة القائمة هو الإسلام نفسه.. والأهم من الحملة ذاتها أن التغيير في "العناوين الكلامية" ـ للتعبير عنها خلال العقد الماضي ـ رافقه الثبات المطلق على الصعيد التطبيقي . فأصبح مضمون شعار العداء هو المحور الرئيس المطروح على بساط تبرير استمرار وجود حلف شمال الأطلسي بعد إلغاء حلف وارسو، وهو محور المهام المطلوبة "أمنيًّا" فيما سُمِّي "هلال الأزمات"، وعرَّفه الأمين العام الأسبق لحلف الأطلنطي بأنه المنطقة الممتدة بين المغرب وإندونيسيا ! كما أصبح المحور الرئيس المطروح رسميًّا لأهداف تشكيل عدد من فرق "التدخل السريع"، لا سيما من جانب البلدان الأوروبية الجنوبية، أي في المنطقة الإسلامية المتوسطية. فالمشهد السياسي العالمي الذي تدور إستراتيجيته منذ سنوات على اتهام الإسلام والمسلمين ، وإشعال الفتن في كل بؤرة إسلامية من الصومال إلى أفغانستان إلى البوسنة إلى جنوب السودان ، إلى اذربيجان إلى الشيشان ، إلى طاجيكستان إلى بورما ، إلى كشمير إلى فلسطين ، إلى العراق إلى ليبيا إلى سوريا، كل هذا المسرح العريض يشهد بأن هناك تحريضاً مستمراً واتهاماً ظالماً بالزور والكذب ، والتآمر وسعي بالفتن ، وبالسلاح وبالدولار في كل أرض عربيه وإسلاميه لزعزعة أمنها وإرهابها والإيقاع بين أهلها وتشويه دينها ومبادئها ، وما يجري منذ سنوات هو أفضل تمهيد وتبرير للحرب الخاتمة القادمة([68]).
التطبيق العسكري والأمني للشعار
مع استخدام ألفاظ "الأصولية" و"الإرهاب" وما شابه ذلك، أصبح العداء للإسلام هو أيضًا المحور الرئيس في نوعية ما أدخل من تعديلات على المهام الأمنية لحلف شمال الأطلسي؛ منذ قمة بروكسل عام 1993م، وجرى تثبيته في قمة واشنطن عام 1999م، ورافق ذلك تعديل مماثل لصياغات المهام الأمنية على مستوى الجيوش الوطنية في الدول الأعضاء، وهو ما يأخذ عادة شكل إصدار "كتاب أبيض" جديد من جانب وزارات الدفاع . ورافق ذلك ـ أيضًا ـ امتداد ظاهرة عقد الاتفاقات والتحالفات، وتشكيل قوات مشتركة بما يتعدّى حدود الحلف شرقًا ويصل إلى البلدان المرشحة للانضمام، ثم من وراء ذلك إلى الاتحاد الروسي والصين الشعبية ودول وسط آسيا، التي استقلت دون أن تخرج من هيمنة الأنظمة القديمة عليها ، والمرتبطة بموسكو كما كانت ـ ولكن بلباس رأسمالي بعد اللباس الشيوعي السابق ـ هذا فضلاً عن العداء القديم المتجدد في الهند والفلبين وغيرهما.
لهذا يمكن التأكيد على أن التسويق السياسي والإعلامي لعبارات من قبيل : أن الحرب على أفغانستان "هي حرب ضد الإرهاب، وليست ضد الإسلام أو المسلمين" لا يمثل سوى تسويق مواقف كلامية تضليلية. أما المضمون الفعلي لما يجري، فقد بدأ الإعداد له على امتداد سنوات عديدة سابقة، ووصل الآن إلى مرحلة أولى للتنفيذ، قد تليها مراحل أخطر وأوسع نطاقًا، يتم فيها وضع رداء "مكافحة الإرهاب الدولي" الفضفاض فوق كل تحرّك عدواني جديد، وكل ضربة جديدة لأي جهة مستهدفة، صديقة كانت ـ الآن ـ أم عدوة، وسواء شاركت في مكافحة "الإرهاب" فعلاً أم لم تشارك. ومما له دلالاته انه لم يعد هناك نقاش كثير حول حق الغرب في التدخل في شؤون الدول الإسلامية، بل إن ما تجري مناقشته الآن هو ، كيف يمكن الوصول لتحقيق أهداف الغرب بأقل قدر ممكن من الخسائر؟. ومن الطبيعي في ظل هذا الجو السائد أن يقبل التصرف الأمريكي المعتمد على القوة العسكرية المتفوقة، والمتجاهل للأمم المتحدة مع الادعاء بالاعتماد على قراراتها مادام الأمر المطروح هو العقلانية أو الإسلام ! بل إن التدخل الأمريكي يصبح مع الوقت حملة "تبشيرية" من أجل الحضارة والحرية"([69])، حيث أن الشواهد على هذا الموقف كثيرة، غير أن ما يجري على الأرض ربما يكون اكثر إقناعاً، من حرب الخليج إلى حرب الإبادة التي يتعرض لها كلا من الشعب الفلسطيني والشعب العراقي، مرورا بحرب أفغانستان وما تبعها بما سمته أمريكا بالحرب على الإرهاب، واخيراً حربها الحالية ضد العراق.
وهنا يرصد المؤرخ التركي (كيريانجيل) في دراسة له أنه منذ عام 1798 م (عندما غزا نابليون مصر) وحتى عام 1953 م (عندما أطاح انقلاب عسكري أعدته وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بنظام حكم محمد مصدق في إيران)، تعرض العالم الإسلامي إلى 318 هجوم عدواني من الغرب، وبين الفترة الممتدة من عام 1956م (العدوان الثلاثي على مصر) ، حتى عام 1994م (العدوان الروسي على جمهورية شيشان) ، أحصيت خمسة عشر هجوماً عدوانياً. والآن لا يبالغ الأمريكيون في الحديث عن حرب يمكن أن تمتد سنوات أو حتى عشرات السنين ، كما قال مسئولون بريطانيون، فيما يشبه المزايدة على واشنطن. وقد سبق (لصامويل هنتنغتون) أن أشار إلى تورط الولايات المتحدة خلال السنوات الخمس عشرة بين عامي 1980م و 1995م ، طبقاً لتقارير من وزارة الدفاع الأميركية، في سبع عشرة عملية عسكرية في الشرق الأوسط ، كانت كلها موجهة ضد المسلمين مباشرة، ولم تحدث أية عمليات من هذا القبيل إطلاقاً من قبل القوات العسكرية الأمريكية ضد أي شعب أو حضارة أخري . وخلص (هنتنغتون) إلي القول إن المشكلة بالنسبة للغرب ليست في التطرف الإسلامي، بل في الإسلام كطريقة مختلفة للحياة اقتنع المسلمون بسموها وتفوقها علي غيرها([70]).
الفصل الثالث
الحوار بين الاديان والحضارات

في اطار حربها الضروس على الامه العربية والاسلامية، ولانجاح حربها الصليبية الجديدة، عمدت الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض الدوائر الغربية الى خوض هذه الحرب على كافة الصعد، حيث احتلت عملية تشويه صورة العرب والمسلمين اولوية رئيسة في اجندتها من اجل كسب المعركة، وذلك لتبرير كل ما تقوم به من دعم وتأييد لجرائم اسرائيل في المنطقة، ولتبرير جرائمها وتدخلها في شؤون المنطقة منذ عقود طويلة . لهذا فقد عمدت امريكا على كافة المستويات الى خلق صوره مخيفه للعرب والمسلمين مستغله صوراً نمطيه رسمها كثير من المستشرقفيين والمبشرين الغربيون عن الاسلام والعرب منذ زمن طويل، وقاموا من خلال مؤسساتهم ومراكز ابحاثهم بتضخيم هذه الصوره وتعميمها على الرأي العام المحلي والدولي، بل وفي احيان كثيره عمدوا الى خلق هذه الصور وابرازها، كما حث في ما يسمونه "الحرب ضد الارهاب".
وبالتأكيد فإن امريكا في سعيها الدؤوب هذا لا يعنيها حدوث ايه تفاهم او تقارب بين الاديان او حدوث اي حوار حقيقي بين الحضارات، لان هذا يعنى نهايه الكذب والتضليل وانكشاف عدم مصداقية كافة الصور النمطية المشوهه عن العرب والمسلمين والتى سعت هى وغيرها من الدوائر الصهيونية المعادية للعرب والمسلمين الى ترسيخها في وجدان الرأى العام العالمي والغربي بصفة خاصه، وما يحدث الآن على الساحه خير دليل على ذلك من خلال تخويف الجميع مما يسمى الارهاب الاسلامى الذي صنعته هى، وبدأت في التدخل فى المناهج الدراسيه والخطب الدينية، ومصارف الزكاه والصدقات، وما يجب وما لا يجب .. الخ. بحيث اصبحت محاربة ما يسمى "بالتطرف الاسلامي" هو الشغل الشاغل للعالم كله، لان امريكا تريد ذلك، حيث تناسى الجميع _لان امريكا تريد ذلك ايضاً- اصناف التطرف اليهودي والمسيحي الصهيوني، وتطرف المحافظون الجدد "حكام البيت الابيض".
وهنا تقول المستشرقة آرمسترونغ: إن الإعلام الغربي يثير انطباعات بأن التشدد والتزمت الديني الذي يتسم بالعنف ويسمي (التعصب) هو ظاهرة إسلامية بحتة لكن الحقيقة هي أن التعصب ظاهرة عالمية طفت علي السطح في كل الأديان الرئيسية... فهناك تعصب يهودي[71]، وتعصب مسيحي، وتعصب هندوسي، وتعصب بوذي بل وتعصب كونفوشي . ولكن تعصب الأسواق هو أسوأ تلك الأنواع من التعصب، حيث أدي بشكل غير مباشر إلي نشوء كل ما سبق ذكره من صنوف التعصب. وكان أول أشكال التعصب قد ظهر في العالم المسيحي في الولايات المتحدة أوائل القرن العشرين. وتستطرد آرمسترونغ وتقول: من بين ديانات التوحيد الثلاثة، كان الإسلام آخر الأديان التي ظهر فيها التيار المتعصب... أواخر الستينيات والسبعينيات. وفي ذلك الوقت، كان التعصب قد أخذ من المسيحيين واليهود كل مأخذ[72].
ولكن مثل هذه الحقيقة التى تقولها المستشرقة آرمسترونغ وغيرها من العلماء والمفكريين الغربيين المنصفين لا تروق لقادة امريكا وبريطانيا وجموع اليمين المسيحي المتطرف، بل لا بد من ابقاء صورة الاسلام الارهابى والمتطرف الذى يهدد الحضارة الغربية. فالامريكي الابيض لم يفكر فيما فعله في الهنود الحمر وفيما فعل القراصنة البيض في الخمسة عشر مليونا من العبيد السود الافارقه الذين خطفوهم من أفريقيا وباعوهم في أسواق النخاسة وفيما فعل الصرب من مجازر ومذابح لمسلمي البوسنه وما فعله الأمريكان في هيروشيما وما يفعله الاستعمار الأوروبي والأمريكي الآن في القارة الافريقيه في بلاد الماس والذهب .. زائير ورواندا وبوروندى بالتحالف مع أمثال موبوتو سيسكو وكابيلا. أين بربرية الإسلام المزعومة من هذه الإبادة والقتل الجماعي وخطف الملايين وبيعهم في أسواق العبيد وفي تشريد الشعب الزائيري وموته جوعاً في الغابات ونهب خيراته وثرواته وإثارة طوائفه ليقتل بعضها بعضاً. وأين هذه الجرائم والفتن والمذابح مما فعل بالمسلمون في الأندلس[73].
ان المسلمين لم يأتوا إلى الأندلس غزاة ولم يفتحوا بلاد الروم والفرس ولا بلاد أوروبا كما فتحها المغول والتتار للنهب والسلب وانما دخلوها يحملون ديناً وكتاباً وحضارة .. دخلوها كرسل علم وكطلائع تنوير واعمار.. ولم يغترفوا من ثروات أوروبا ما اغترفت ونهبت من ثروات مستعمراتها في افريقيا. كما ان العرب والمسلمون لم يعرفوا في عقيدتهم وتاريخهم تجارب الإبادة والطرد الجماعي والعزل العنصري والممارسات الفاشية والنازية بينما شهد الغرب ولادة تجارب الحروب الصليبية التي ستبقى وصمه عار تلطخ تاريخ أوروبا وشهد الغرب الإبادة الوحشية للشعوب في العالم الجديد وخاصة في القارة الاميركيه وشهد تجارة الرقيق بكل بشاعاتها والتي استنزفت طاقات إفريقيا السوداء لقرون وشهد الغرب أيضا ظاهرة الاستعمار الكولونيالي بكافة وجوهه فكان الناهب للخيرات والطارد للبشر والمستوطن لأرضهم في حين لم يشهد العالم الإسلامي في ذروة تألقه أي شيء من هذا، وقد شكل بقاء الاقليات في العالم الإسلامي، بكل ما تملك من خصوصيات ثقافية ودينيه دليلا على حضارة تؤمن فعلا وقولا بحق الآخر في الوجود والتميز والمشاركة[74] .
ولكنهم في أوروبا وأمريكا يحاولون الآن طمس هذه الحقيقة ويحاولون تزوير التاريخ وينفقون الملايين لتشويه الإسلام وتبشيع صورته .. فهو إرهاب وجرائم قتل وتفجير قنابل وإشعال حرائق .. في الصفحات الاولى من جميع جرائدهم . لقد انتهت الشيوعية ولم يبق لهم عدو سوى الاسلام. هذا هو المعنى الذي يغرسونه في كل صفحة، وفي كل عمود وفي كل خبر ليستقر في وجدان العالم تمهيدا للعدوان الذي يدبرونه على الإسلام واهله[75].
نظرية صراع الحضارات
فى اللحظة التى بدأ حوار الاديان والحضارات يشق طريقه بنجاح جاء منظرو صراع الحضارات محاولين قطع الطريق على هذا الحوار، فكانت نظرية نهاية التاريخ "لفوكوياما" وصراع الحضارات لهنتغتون. فالمصلحه الامريكية والصهيونية تتطلب تصعيد الصراع بأيه طريقه، ولهذا تظهر الفبركة والاكاذيب والتلفيق للوصول الى الهدف، فعندما طرح هنتجون كتابه صراع الحضارات، وتنبأ او بمعنى اصح حدد العدو الجديد للغرب ممثلاً بالاسلام والصين، سعى الى حشد اوروبا بكاملها مع امريكيا كجبهه موحدة ضد الاسلام، جاعلاً الصراع وكأنه صراع بين الحضارة المسيحية والاسلام، متناسياً وبشكل متعمد ان الحضارة المسيحية ليست وحدة واحدة كما وضحنا في هذا الكتاب، فاوروبا بشكل عام كاثوليكية المذهب، وهو على النقيض من المذهب البروتستانتى السائد في امريكا. ولكن من اجل حشد اكبر قدر من الحلفاء لفكرة صراع الحضارات، تناسى هنتجتون هذه الفروقات والتاريخ الطويل من الصراع بين البروتستانت والكاثوليك في اوروبا وامريكا وحشدهم في جبهة واحدة ضد الاسلام. ومما يوضح سوء النية عند هنتجتون ومحاولته تضليل الرأى العام هو انه في كتابه الجديد من نحن؟ تحديات الهوية الوطنية الامريكية" يتراجع عن فكرة الحضارة المسيحة الموحدة، الى فكرة "الثقافة الانجلو بروتستانية" باعتبارها المصدر الرئيس للهوية الامريكة، بل والاهم من ذلك هو انه يرى ان اختلاط الامريكيين بغيرهم من اصحاب الثقافات الاخرى بالاضافة الى هجرة الاقليات من امريكيا اللاتينة (كاثوليك) واوروبا يشكل خطر على الهوية الامريكية. ولحماية هذه الهوية فإن هنتجتون يرى ان ذلك يمكن ان يتم من خلال توحيدهم في مواجهة الخطر الاسلامي، حيث يرى أن العداء للإسلام والحضارة الإسلامية قد يساعد بشكل كبير في تحقيق التفاف الأميركيين المنشود حول هويتهم الوطنية في المستقبل المنظور، حيث يطرح هنتنغتون رؤية لإعادة بناء الهوية الأميركية تقوم على استشراف بعض التغيرات الجذرية الإيجابية الطارئة على المجتمع الأميركي في الفترة الأخيرة، التي من شأن تأكيدها عودة الروح للهوية الوطنية الأميركية. ويعني هنتنغتون بهذه التغيرات تحولين أساسيين، أولهما عودة الأميركيين للدين المسيحي (يعنى البروتستانتيه) وزيادة دور المسيحية في الحياة العامة الأميركية، وثانيهما الدور الذي يمكن أن يلعبه الإسلام كعدو أساسي جديد لأميركا[76].
ومن خلال مقارنة ما طرحه هنتجتون فى كتابه صراع الحضارات، وكتابه الجديد "من نحن؟ تحديات الهوية الامريكية" يتضح لنا ان اهم ما يعنى هنتجتون هو ابقاء الاسلام كعدو اساسي لامريكا، وتفعيل دور الدين الممسيحي (بشقه البروتستانتى) في الحياة العامه، اى زيادة نفوذ التيار المسيحي الاصولي الذي يتطلع الى تحقيق الخرافات والنبوءات التوراتية، ولهذا فإن الدكتور "زكاء الله" كان محقاٌ في كتابه "الصليب والهلال" عندما فند مقولة صدام الحضارات، وبين الترابط بينها وبين الرؤية التي يتوقعها سفر الرؤيا لنهاية العالم، والتي تقول بقيام معركة هرمجدون التي ستدوم ثلاث سنوات ونصف السنة وتبدأ بسبب العرب حسب أحد التفسيرات المتداولة، ليقيم بعدها المسيح دولة الرب. وقد تطورت أشكال التفسيرات والتصورات لرؤية المعركة الأخيرة، لتتبلور في النهاية في مقولة صدام الحضارات التي خرج بها صموئيل هنتنغتون، دون أن يستطيع الخروج من الرؤيا الكارثية التي صورتها العقيدة المسيحية عندما بشرت بحرب ضروس تبدأ بسبب العالم العربي[77].
وهكذا فإن نظرية صراع الحضارات التى قال بها هنتغتون، استاذ العلوم السياسية ومدير مؤسسة (جون أولين) للدراسات الاستراتيجية بجامعة هارفارد تؤكد بإيجاز على إن الغرب وامريكا بالذات، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي بحاجة ماسة إلى عدو جديد يوحد دوله وشعوبه وان الحرب لن تتوقف حتى لو سكت السلاح وأبرمت المعاهدات، ذلك إن حربا حضارية قادمة ستستمر بين المعسكر الغربي الذي تتزعمه أمريكا وبين طرف آخر قد يكون عالم الإسلام أو الصين، اما نظرية (نهاية التاريخ لفوكوياما) فتسعى إلى إلغاء البعد التاريخي، ووضع الأمم والجماعات كافه عراة قبالة الصنميه الاقتصادية التي تنزع إلى تسوية الجميع إزاء مطالبها لكنها من وراء هذا تزيد أغنياء العالم وطواغيته غنى وجبروتا وفقراءه ومستضعفيه فقرا واستبعادا، إنها بشكل من الأشكال مناورة فكريه تمنح خلفيات تنظيريه لممارسات تتجاوز ابتداءً منظومة القيم الخلقية وثوابت العقائد والأديان والمطالب الاساسيه للإنسان، ومن وراء هذه المناورة تكمن الخبرة الصليبية واليهودية والاستعمارية والرأسمالية. إن إلغاء الذاكرة التاريخية، وتحكيم الصنميه الاقتصادية المتسلحة بكل قوى العلم والتكنولوجية والتفوق العسكري وحتى السياسي، للغرب لن يجعل الفقير غنياً وينزل بالاغنياء لكي يقاربوا الفقراء، بل ستجعلنا وكل المستضعفين في الارض ينسلخون عن تاريخهم، ويفقدون تميزهم ويزدادون التصاقاً بالقوى المتحكمة في آليات الاقتصاد العالمي. ان تجريد العالم من بطانته الروحية، والوجود من تجذره في الغيب، ومنح السلطة المطلقة للاقتصاد، سوف يميل بالميزان، وسيكون الانسان هو الخاسر الوحيد[78].
ولا شك أن إيديولوجية كهذه لا بد أن تعتبر الإسلام عقبة كأداء لا بد من إزالتها من الطريق ولا سبيل للحوار معها؛ بل حتى المذاهب المسيحية الأرثوذكسية ملزمة بالتحول إلى ما تعتقده تلك الإيديولوجية إن هي أرادت النجاة من "الحرب الأخيرة" قبيل عودة المسيح..! ونعتقد أن أسطورة "نهاية العالم" هذه وعودة المسيح آخر الزمان كما يروج لها هذا التدين السائد اليوم في أمريكا هي التي تلقفها وألبسها لبوسا ليبراليا كل من فرانسيس فوكوياما في كتاب عن "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" ثم صامويل هانتنجتون في حديثه عن صدام الحضارات! ومن العجيب أن يعكس هذا الفكر الليبرالي ذلك النوع من الفكر الديني وينتهي معه إلى التبشير بمصير مأساوي للإنسانية!. لقد أجمعت الدراسات على مبلغ تدين الشعب الأمريكي، مقارنة بالشعوب الأوروبية، إلا أن الحقيقة الصادمة توضح أن هذا التدين في الأغلب لا يساعد على قيام تفاهم حضاري، لأنه تدين عدواني الطابع، منغلق التفكير، إرهابي النزعة، يبشر بعالم مخيف حقا![79].
حوارالاديان والحضارات
يناقش الكاتب الإيطالي أمبرتو إيكو مقولة صراع الحضارات أو الثقافات التي تفسر الحرب الأميركية على العالم الإسلامي وحرب المسلمين عليها، ويتساءل ان كانت الحرب هي الشكل العادل للعنف .. وهل يعتبر ما يجري صراعا بين الشرق والغرب على غرار الحروب الصليبية؟ ويجيب ايكو على ذلك مستبعداً مقولة صراع الحضارات في تفسير ما يجري، ويدعو بقوة إلى مقاومة نزعة العداء الحضاري والثقافي لأن كلفتها تضر بالغرب، وقد تلحق به الهزيمة، فقد تداخل الشرق بالغرب، وتداخلت المصالح والعلاقات على نحو لم يعد ممكنا حمايتها إلا بالتعاون والعمل المشترك من خلال الحوار بين الاديان والحضارات[80].
فالبشرية فى عصرنا الحاضر تعاني من أزمات سياسية وانفجارات اجتماعية وهجرات سكانية وفجوات عميقة اقتصادية وتناقص في الموارد الطبيعية، ودمار متواصل للبيئة وارتفاع في وتيرة العنف والغلو. كما يشهد العالم تحولات كيفية غير مسبوقة خاصة في مجالات الثورة التكنولوجية الثالثة، والتي يصعب فهم تأثيرها على القيم والعلاقات والأفكار والثقافات، دون إعمال العقل والحوار. كما تبرز صعوبة إدراك حقيقة القواعد والعلاقات والمشاعر والبناء الاجتماعي والحدود التي تقوم عليها الحضارات، ومدى تغير دلالاتها عبر الزمان والمكان، ومدى تأثر اتجاهاتها بالضغوط الخارجية والأزمات الداخلية... وغير ذلك. كما يخشى أن يؤدي استمرار وجود الصور "النمطية" لحضارة عند أخرى إلى تغذية ضروب الكراهية الجماعية خاصة في المجتمعات التي تنتشر فيها الجهالة والتعصب والخرافات، فيتحول الاختلاف إلى نزاع، وإذا نشب النزاع، فقد يتحول إلى عنف إذا لم يكن هناك حوار و"ثقافة حوار"، والتي تعلي من قيمة التسامح، وتحترم مبدأ كرامة الإنسان وحريته في الاختيار، وتقبل مبدأ التنوع والتعددية الحضارية بدلا من فرض "النموذج" والهيمنة[81].
فلا يكاد يمر يوم إلا تحمل لنا الأحداث الجارية في الساحة الدولية نذر صدام ديني و حضاري بين ما يدعى بالثقافة اليهودية – المسيحية الغربية – و الثقافة العربية – الإسلامية –. فنقاط التماس كثيرة، و إلى درجة أن الكاتب الأمريكي صامويل هانتغتون قال بأن حدود الإسلام المختلفة " دامية ". فمن هذه الساحات : المعترك الفلسطيني حيث الصراع العربي – الصهيوني يقدم خطأ في الإعلام الغربي و كأنه صراع بين اليهودية و الإسلام حيث إستطاعت إسرائيل أن توظف هذه الصورة الزائفة لإستمالة دعم اليهود في العالم و بعض الطوائف المسيحية في أمريكا. و من هذه الساحات الحروب الأهلية في السودان و في بعض مناطق إفريقيا مثل ساحل العاج و إرتريا و نيجيريا.. حيث تطرح العلاقة بين الديانتين المسلمة و المسيحية إشكالات حادة . و بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، نشطت بعض المجموعات المتطرفة في الولايات المتحدة الأمريكية ضد الإسلام و المسلمين رابطة خطأ بين الإسلام و الإرهاب، من منظور كون الإسلام يدعو للتعصب و الكراهية و العنف. و في منطقتنا كررت بعض الأصوات المتشددة مقولات مماثلة، و معتبرة إختلال الموازين في التعامل مع القضايا العربية و الإسلامية العادلة عدوانا و حربا ضد الإسلام .
إن هذا الوضع المتأزم الذي تدفعه التيارات المتطرفة من الجانبين للإنفجار يستدعي من العقلاء المنصفين من الديانات السماوية الثلاث الوقوف بحزم ضد الغلو و التشدد و الإرهاب، بتوظيف قيم السلم و التسامح التي تزخر به النصوص المقدسة[82]. ولهذا دعي الكثيرون أنه حيال هذا العالم المعقد المتشابك المهدد، لابد من حوار يكفل اجتماع الفرقاء والشركاء، ويضمن احتواء ما أمكن من أزمات وكدمات تبدأ صغيرة أو وطنية وتتدرج لتطال أمدا بعيدا[83]. فلم يعد بالإمكان – في هذا العصر – تقوقع الذات عن الآخر، إذ أصبح تشابك العلاقات الإنسانية، وما تواجهه من تحديات تجاه قضايا مشتركة، يفرض على الذات ان تدخل في الحوار، من أجل المصلحة العامة التي تجمع بين البشر، بطريقة وبأخرى ، وهذا الواقع يؤكد ان مسألة الحوار بين الأديان والحضارات ترقى الى مستوى الضرورة التي ينبغي ان تقابل بالجدية اللازمة.
صراع الحضارات، هل هو حتميّ ؟
يطرح عدد من المفكرين الغربيين، خاصة الأمريكيين منهم، فكرة صراع الحضارات أو صدامها باعتبارها حتميةً، وهم هنا يقعون فيما وقعت فيه نظرية الحتمية التاريخية، التي تهافتت وأصبحت من مخلفات التاريخ الفكري للبشرية في القرنين التاسع عشر والعشرين. ويأتي صامويل هنتنغتون في مقدمة هؤلاء المفكرين، حيث أصدر في عام 1996 م كتابه الشهير "صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي"، وفرانسيس فوكوياما الذي أصدر كتابه الشهير أيضاً "نهاية التاريخ".
ومن هنا يبرز السؤال هل أصبح الصدام الحضاري بين الإسلام والغرب حقيقة بالفعل أم أنه ما زال مجرد هاجس ينتاب بعض الساسة والباحثين.. ثم تروج له بعض اجهزة الأعلام ودوائر صنع الرأي العام، فيتحول أخيراً إلى حمى تصيب الشعوب بالهذيان؟! للإجابة أكثر من وجه، لكن المؤكد أن سؤال الصدام الحضاري بين الإسلام والغرب ظل كامناً في العقل الباطن الإسلامي والأوروبي طيلة قرون، ثم ها هو يصعد بين الحين والآخر إلى سطح ذاكرة كل منهما بفعل الهواجس الحضارية وانعدام الثقة والتوتر السياسي الذي بلغ ذروته في زمن الاستعمار التقليدي ثم بنشوب الصراع العربي الاسرائيلي. ولكن في الحالتين وسواء كانت فكرة الصدام الحضاري كامنة في العقل الباطن غالباً أو طافية في العقل الواعي أحياناً فإن ما حدث في الولايات المتحدة منذ ثلاث سنوات يعيد طرح السؤال بعنف هذه المرة، ربما بقدر عنف تفجيرات نيويورك وواشنطن: هل الصدام الحضاري هاجس أم حقيقة؟[84]
ان القول بحتمية صراع الحضارات أو صدامها، يُجَافي سنة التاريخ ويتعارض مع طبيعة الحضارة، فالحضارة لا طابع عرقي لها، وهي لا ترتبط بجنس من الأجناس، ولا تنتمي إلى شعب من الشعوب، على الرغم من أن الحضارة قد تنسب إلى أمة من الأمم، أو إلى منطقة جغرافية من مناطق العالم على سبيل التعريف ليس إلاَّ، بخلاف الثقافة التي هي رمزٌ للهوية، وعنوانٌ على الذاتية، وتعبيرٌ عن الخصوصيات التي تتميز بها أمة من الأمم، أو يتفرّدُ بها شعبٌ من الشعوب. والحضارة هي وعاءٌ لثقافات متنوعة تعدّدت أصولها ومشاربها ومصادرها، فامتزجت وتلاقحت، فشكّلت خصائص الحضارة التي تعبّر عن الروح الإنسانية في إشراقاتها وتجلياتها، وتعكس المبادئ العامة التي هي القاسم المشترك بين الروافد والمصادر والمشارب جميعاً.
ولكلّ حضارة مبادئ عامةٌ تقوم عليها، تنبع من عقيدة دينية، أو من فلسفة وضعية، حتى وإن تعدّدت العقائد والفلسفات، فإنَّ الخصائص المميزة للحضارة، تُستمدّ من أقوى العقائد رسوخاً وأشدّها تمكّناً في القلوب والعقول ومن أكثرها تأثيراً في الحياة العامة، بحيث تصطبغ الحضارة بصبغة هذه العقيدة، وتنسب إليها، فتكون النسبة صحيحةً، لصحة المبادئ التي تستند إليها، ومثال ذلك الحضارةُ الإسلامية.
والحضارات الكبرى التي عرفها تاريخ البشرية تَتَفَاوَتُ فيما بينها في موقفها من المادية والروحية، فمنها ما يغلب عليه الجانب المادي، ومنها ما يغلب عليه الجانب الروحي، ومنها ما يسوده التوازنُ بينهما. فهي إذن، سلسلة متعاقبة من الحضارات التي تخلي كلُّ واحدة منها المجالَ لما سوف يتلوها من حضارة أخرى، مما جعل كثيراً من الباحثين في مجال دراسة الحضارات يذهبون إلى القول بوجود التماثُل والتطابُق بين الكثير من هذه الحضارات[85]. والتماثل والتطابق لا يدعان مجالاً للصراع.
إن الحضارات لا تتناقض تماماً ولا تفني تماماً حيث تتواجد دائما درجة من التأثر الحضاري المتبادل ، ويُقصد بذلك أن أي حضارة يمكن أن تستفيد من حضارة أخري وتستلهم منها عناصر القوة وتمز جها بطابعها الخاص . فالإغريق مثلا كانوا مدركين لأهمية المؤثرات الفرعونية و الهندية و الآشورية علي حضارتهم ، كما تأثرت الحضارة الإسلامية بحضارة روما و اليونان و فارس ، بينما تأثرت الحضارة الأوربية بالحضارة الإسلامية حيث أثرت كتابات ابن الهيثم و ابن سينا علي العالم الأوربي كما أثر ابن خلدون على علم الاجتماع الغربي و ابن رشد علي الدراسات الفلسفية و هكذا ... [86]
التدافع الحضاري
في مقابل مفهوم الصراع بالمعنى الغربي يبرز على الطرف الآخر مفهوم التدافع الحضاري ، ومن هنا يأتي دورنا كمسلمين في تعميق مفهوم "التدافع الحضاري" كسنة ربانية بديلا عن مفهوم الصراع الغربي، وليس يعني ذلك أن الحياة ستسير وفق خط بياني صاعد ومطّرد تتحقق فيه المصالح والمنافع للناس كافة في جميع الأحوال وتترقى ذواتهم، وأن الخير والشر لا يتصادمان، وإنما القصد من ذلك أن التدافع يُبطل الصراع، وأن الخير يغلب على الشر، وأن الحضارات تَتَواصَلُ وتَتَلاقَحُ وتَتَدافَعُ، وأن قيم الخير والعدل والفضيلة ومكارم الأخلاق والسلام في النفس وفي الأرض هي مقوّمات الحضارة التي تخدم الإنسان، وأن الحق والعدل هما قاعدتا الحضارة التي يسعد الإنسان في كنفها ويُبدع ويعمّر الأرض ويصلح ولا يفسد، فإن الصراع حالةٌ عارضةٌ، وهو شذوذٌ عن القاعدة، وليس طبيعةً من طبائع الحضارات، لأنه يَتَنافَى والفطرة الإنسانية، وهو نقيضُ " التدافع الحضاري " الذي قامت الحضارة الإسلامية على أساسه، وهو إلى ذلك كلِّه، البديلُ الموضوعيُّ للفوضى التي تسود الأوساط الفكرية والسياسية في العالم اليوم، من جرّاء شيوع مفاهيم مغلوطة ورؤى مشوّشة وتحليلات مغرضة تدفع بحركة الفكر العالمي وبالسياسة الدولية على وجه العموم، نحو مناطق مجهولةٍ محفوفةٍ بالمخاطر التي تتهدَّد الإنسانية في حاضرها وفي مستقبلها[87].
إن الحضارات لا تتصارع، وإنما تَتَدَافَعُ وتَتَلاقَحُ ويكمل بعضها بعضاً، وتَتَعَاقَبُ وتَتَواصَلُ، لأنها خلاصة الفكر البشري والإبداع الإنساني وحركة التاريخ التي هي، في المفهوم الإسلامي، سنة اللَّه في الكون. فالصراع بين الحضارات، ليس وارداً، لأن دورات التاريخ تطَّرِدُ وفق المشيئة الإلهية، ولأن التاريخ هو من صنائع الله، والإنسان الذي يؤثر في مسار التاريخ ويصوغه ويُبدع فيه، هو من أكرم خلق اللَّه.
والتدافع الحضاري مفهومٌ قرآنيٌّ، وهو جامعٌ للمعاني والدلالات التي تؤكد بطلان نظرية صراع الحضارات من الأساس. يقول اللَّه تعالى :{ ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض}[88]، ويقول عزَّ من قائل: { ولو لا دفع اللَّه الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم اللَّه كثيراً}[89]. ويأمر اللَّه عباده بالدفع بالتي هي أحسن في جميع الأحوال، في قوله تعالى :{ ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه وليًّ حميم}[90]، ويقول عز وجلّ : { ادفع بالتي هي أحسن السيئةَ نحن أعلم بما يصفون} [91]. ودفع اللَّه الناس بعضهم ببعض يُلغي الصراع ويبطل زعمه، لأن هذا (الدفع) هو الذي يمنع فساد الأرض ويحول دونه. والحياة الإنسانية قائمة على أساس (دفع اللَّه الناس بعضهم ببعض)، فهذا هو القانون الأزلي للبشر فوق الأرض، وهو سنة الله ولن تجد لسنة تبديلاً. وبذلك تتهاوى مزاعم الصراع، وتسقط افتراضاته، وتتهافت حتمياته.
وعلى هذا الأساس، فإن مصير الحضارات لم يكن عبر التاريخ كلِّه، صراعاً وصداماً، ولكنه، من حيث الجوهر والعمق كان تدافعاً، وكان دائماً وبصورة مطّردة، يسير في الاتجاه الصاعد إلى ازدهار الحياة بتراكم العطاء الحضاري في مختلف مجالاته، وإلى الرقيّ بالإنسان الذي استخلفه في الأرض لعمارتها، بينما الصراع يتّجه نحو الإفساد في الأرض. ونخلص من هذا إلى أن صراع الحضارات ليس حتميةً من حتميات التاريخ، كما تقول النظرية الماركسية، وكما يدعي المنظّرون المعاصرون الذين يرسمون معالم سياسة الهيمنة والغطرسة والقوة لقهر إرادات شعوب العالم.

مصادر الدراسة
9. القرآن الكريم
10. د. يوسف القرضاوي، السنة مصدراً للمعرفة والحضارة، دار الشروق، القاهرة، 1997.
11. استهداف العراق – العقوبات والغارات في السياسة الأمريكية – جيف سيموند – مركز دراسات الوحدة العربية – ط1 2003
12. الاصولية في العالم العربي – دكمجيان - دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع/ المنصورة، 1989
13. الإسلام وخرافة المواجهة -الدين والسياسة في الشرق الاوسط- فريد هاليداي- ترجمة محمد مستجير–مكتبة مدبولي-ط1 1997
14. الحرب الأمريكية الجديدة ضد الإرهاب – من قسم العالم إلى فسطاطين – اسعد أبو خليل – ترجمة / ميرفت أبو خليل -دار الآداب للنشر والتوزيع /بيروت – ط1 2003
15. الحرب الصليبية.. وقائع حرب ظالمة”- الصحافي والكاتب الأمريكي جيمس كارول – نيويورك 2004– ترجمة د. قاسم عبده قاسم – الجزء الثاني – مكتبة الشروق الدولية – ط1 2005
16. الدولة المارقة ـ دليل إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم – ويليام بلوم – ترجمة كمال السيد- المجلس الاعلى للثقافة – ط1 2002
17. المسيحية والتوراة – شفيق مقار- رياض الريس للكتب والنشر- 1992
18. انقلاب في السياسة الأمريكية – إعادة ترتيبي الشرق الأوسط لصالح إسرائيل – عاطف الغمري ـ المكتب المصري الحديث– ط1 2004
19. إسرائيل .. البداية والنهاية – د. مصطفى محمود - كتاب اليوم / اخبار اليوم – الطبعة السادسة
20. امبراطورية الشرالجديدة ـ عبد الحي زلوم – المؤسسة العربية للتوزيع والنشر- ط1 2003
21. امريكيا طليعة الانحطاط ـ روجيه جارودى – تقديم كامل زهيري- تعريب عمرو زهيري – دار الشروق- ط3 2002
22. أمريكيا والفرصة التاريخية – ريتشارد نيكسون – ترجمة د. محمد زكريا اسماعيل - دمشق,سورية: دار حسان, 1983
23. ابن خلدون، المقدمة، ـ تحقيق الدكتور عليّ عبد الواحد وافي، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة.
24. تاريخ الحضارة العربية الإسلامية - بشير رمضان التليسي جمال هاشم الذويب – ط1 : 2002 دار الكتاب الجديد المتحدة
25. حسين معلوم ، التسوية في زمن العولمة - التداعيات " المستقبلية لخيار العرب الاستراتيجي " عبد الباسط عبد المعطي ، العولمة و التحولات المجتمعية في الوطن العربي ( القاهرة : مركز البحوث العربية ، 1999)
26. حضارة العرب - غوستاف لوبون - عادل زعيتر - د . ن, 1969
27. د. عبد العزيز بن عثمان التويجري، خصائص الحضارة الإسلامية وآفاق المستقبل، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ــ إيسيسكو ــ الرباط، 2002.
28. د. محمد خاتمي (رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، مدينة السياسة : فصول من تطور الفكر السياسي في الغرب، دار الجديد، الطبعة الأولى، بيروت 2000.
29. صموئيل هنتنغتون: صدام الحضارات إعادة صنع النظام العالمي، ترجمة: طلعت الشايب، كتاب سطور، القاهرة، عام 1999م·
30. صناعة الإرهاب ـ د. عبد الغني عماد – دار النفائس – ط1 2003
31. فرانسيس فوكوياما: نهاية التاريخ وخاتم البشر، ترجمة حسين أحمد أمين، مركز الأهرام للترجمة والنشر، العام 1992م
32. فرانكلين ـ ل ـ باومر، الفكر الأوروبي الحديث : الاتصال والتغيّر في الأفكار من 1600 إلى 1950، الجزء الثالث، ترجمة د. أحمد حمدي محمود، الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1989، سلسلة الألف كتاب (الثاني).
33. قرن أمريكي آخر – نيكولاس غايات – ترجمة رياض حسن- دار الفارابي- ط1 2003
34. لا سكوت بعد ـ اليوم ـ بول فندلى- شركة المطبوعات للتوزيع والنشر- ط2 2001
35. الاسلام عام 2000 - - د . مراد هوفمان- ترجمة: عادل المعلّم - مكتبة الشروق.
36. لسان العرب، لابن منظور، المجلد ، طبعة يوسف الخياط، دار الجيل ـ دار لسان العرب، بيروت 1988 .
37. الموسوعة السياسية، ، إشراف د. عبد الوهاب الكيالي وكامل الزهيري، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، بيروت 1974.
38. مالك بن نبي، فكرة الأفريقية الأسيوية في ضوء مؤتمر باندونج، نقلاً عن كتاب (التغيير الاجتماعي عند مالك بن نبي ) للدكتور علي القريشي ـ دار الزهراء للإعلام العربي، القاهرة 1989.
39. مذكرات حول واقعة الحادي عشر من أيلول ( سبتمبر )ـ د. عماد الدين خليل - دار الفكر بدمشق- ط1 2003
40. مسألة الهوية (العروبة والاسلام ..والغرب)- د. محمد عابد الجابري مركز دراسات الوحدة العربية/1997م
41. موقع الإسلام في صراع الحضارات و النظام العالمي الجديد ـ محمد السماك– دار النفائس- ط.2 1999
42. يد الله (لماذا تضحى الولايات المتحدة بمصالحها من اجل اسرائل؟!) - غريس هالسيل ـ ترجمة محمد السماك – دار الشروق- ط.1 2000
الدوريات
43. ظاهرة الصراع في العلاقات الدولية : الإطار النظري العام - إسماعيل صبري مقلد - مجلة العلوم الاجتماعية – جامعة الكويت- المجلد 4 العدد :4/ 1976
44. الامن القومي العربي : دراسة في الاصول – د. على الدين هلال – ص 14– شؤون عربية – يناير 1984- عدد 35
45. العولمة و صراع الحضارات: التأثر الحضاري ومنطق القوة – د. إكـرام بـدر الـدين- مجلة النهضة الصادرة عن كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة
الصحف ومواقع الشبكة
46. نبيل شبيب ـ إسلام أون لاين 12/01/2001م
47. نظرية الصراع -من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
48. من نحن؟ تحديات الهوية الوطنية الأميركية: صموئيل هنتنغتون ـ عرض/ علاء بيومي ـ الجزيرة نت 2ـ8ـ2004م
49. في ذكرى11 أيلول: التساؤلات قبل الشكوك أحياناً!!- سليمان عبد المنعم
50. د·مصطفى الفقي: العولمة أم صراع الحضارات، الأهرام 23/10/2001م·
51. المستشرقون والإسلام معالجة منهجية خاطئة ـ إبراهيم محمد جواد – مجلة النبأ – عدد 39-40- رمضان 1420هـ
52. الامن القومي العربي والصراع الحضاري- صبري السيد- الشبكه الاسلامية - http://www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php?lang=A&id=125252
53. جريدة الخليج – عدد 9982- بتاريخ 17-9-2006
54. لصليب والهلال - المؤلف: محمد عارف زكاء الله - الناشر: ذي آذرز، كوالالمبور- الطبعة: الأولى/2004 – الجزيرة نت
55. أية قيم دينية لحضارة إنسانية ؟ - د. عبد المجيد الصغيّر- http://www.qatar-conferences.org/dialogue/article2.do
56. [1] ذهنية الإرهاب..لماذا يقاتلون بموتهم؟- جان بودريار وآخرون ترجمة: بسام حجار-الناشر: الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي
57. حوار الحضارات .. لماذا؟ بقلم يوسف الحسن - الموسوعة الاسلامية- http://www.balagh.com/mosoa/garb/cx01bsu0.htm
58. الحوار الإسلامي مع الأديان التوحيدية الأخرى: الخلفيات و الآفاق - عبد الملك منصور حسن المصعبي http://www.science-islam.net/article.php3?id_article=690&lang=ar
59. حوار الحضارات والثقافات: رؤية في حوار الحضارات وصراع الأمم- بقلم الحسين ولد مدو- http://www.akhbarnouakchott.com/

([1]) موقع الإسلام في صراع الحضارات و النظام العالمي الجديد ـ محمد السماك ص 30 – دار النفائس- ط.2 1999
[2] لسان العرب، لابن منظور، المجلد 3، صفحة 430، طبعة يوسف الخياط، دار الجيل ـ دار لسان العرب، بيروت 1988 .
[3] الحاقة، 7.
[4] الموسوعة السياسية، صفحة 344، إشراف د. عبد الوهاب الكيالي وكامل الزهيري، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، بيروت 1974.
[5] الامن القومي العربي والصراع الحضاري- صبري السيد- الشبكه الاسلامية -المصريون: (بتصرف يسير http://www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php?lang=A&id=125252
[6] فرانكلين ـ ل ـ باومر، الفكر الأوروبي الحديث : الاتصال والتغيّر في الأفكار من 1600 إلى 1950، الجزء الثالث، صفحة 98، ترجمة د. أحمد حمدي محمود، الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1989، سلسلة الألف كتاب (الثاني).
[7] د. محمد خاتمي (رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، مدينة السياسة : فصول من تطور الفكر السياسي في الغرب، ص : 184-183، دار الجديد، الطبعة الأولى، بيروت 2000.
[8] ظاهرة الصراع في العلاقات الدولية : الإطار النظري العام - إسماعيل صبري مقلد - مجلة العلوم الاجتماعية – جامعة الكويت- المجلد : 4 العدد : 4 1976
[9] الامن القومي العربي : دراسة في الاصول – د. على الدين هلال- ص12 – شؤون عربية – يناير 1984- عدد 35
[10] ابن خلدون، المقدمة، ص : 889 - 888 ـ تحقيق الدكتور عليّ عبد الواحد وافي، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، القاهرة.
[11] مالك بن نبي، فكرة الأفريقية الأسيوية في ضوء مؤتمر باندونج، ص : 338 - 339، نقلاً عن كتاب (التغيير الاجتماعي عند مالك بن نبي ) للدكتور علي القريشي ـ دار الزهراء للإعلام العربي، القاهرة 1989 ص : 272.
[12] د. يوسف القرضاوي، السنة مصدراً للمعرفة والحضارة، ص : 201 - 200، دار الشروق، القاهرة، 1997.
[13] تاريخ الحضارة العربية الإسلامية - بشير رمضان التليسي جمال هاشم الذويب – ط1 : 2002 دار الكتاب الجديد المتحدة
[14] الامن القومي العربي : دراسة في الاصول – د. على الدين هلال – ص 14– شؤون عربية – يناير 1984- عدد 35
[15] نظرية الصراع -من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
[16] فرانسيس فوكوياما: نهاية التاريخ وخاتم البشر، ترجمة حسين أحمد أمين، ص 62، مركز الأهرام للترجمة والنشر، العام 1992م
[17] العولمة و صراع الحضارات: التأثر الحضاري ومنطق القوة – د. إكـرام بـدر الـدين- مجلة النهضة الصادرة عن كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة
[18] د·مصطفى الفقي: العولمة أم صراع الحضارات، الأهرام في 23/10/2001م·
[19] امبراطورية الشر الجديدة – عبد الحي زلوم – القدس العربي-29/2/2003
(([20] إمبراطورية الشر الجديدة ـ عبد الحي زلوم ـ القدس العربي 27/1ـ 3/2/2003م
[21] حسين معلوم ، التسوية في زمن العولمة - التداعيات " المستقبلية لخيار العرب الاستراتيجي " عبد الباسط عبد المعطي ، العولمة و التحولات المجتمعية في الوطن العربي ( القاهرة : مركز البحوث العربية ، 1999) ص 111
[22] العولمة و صراع الحضارات: التأثر الحضاري ومنطق القوة – د. إكـرام بـدر الـدين- مجلة النهضة الصادرة عن كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة
[23] العولمة و صراع الحضارات: التأثر الحضاري ومنطق القوة – د. إكـرام بـدر الـدين- مجلة النهضة الصادرة عن كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة
[24] بين حضارة القوة وقوة الحضارة - تأليف الدكتور غيات بوفلجة-عرض/سكينة بوشلوح – الجزيرة نت
[25] العولمة و صراع الحضارات: التأثر الحضاري ومنطق القوة – د. إكـرام بـدر الـدين- مجلة النهضة الصادرة عن كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة
[26] انظر >صموئيل هنتنغتون<: >صدام الحضارات إعادة صنع النظام العالمي<، ترجمة: طلعت الشايب، كتاب سطور، القاهرة، عام 1999م·
([27] ) إمبراطورية الشر الجديدة ـ عبد الحي زلوم ـ القدس العربي 27/1ـ 3/2/2003
([28]) موقع الإسلام في صراع الحضارات و النظام العالمي الجديد ـ محمد السماك ص 30 – دار النفائس- ط.2 1999
[29] جريدة الخليج – عدد 9982- بتاريخ 17-9-2006
([30] ) أمريكا طليعة الانحطاط ـ جارودى ـ ص181
[31] راجع كتاب “الحرب الصليبية.. وقائع حرب ظالمة”- الصحافي والكاتب الأمريكي جيمس كارول – نيويورك 2004– ترجمة د. قاسم عبده قاسم – الجزء الثاني – مكتبة الشروق الدولية – ط1 2005
[32] جريدة الخليج – عدد 9982- بتاريخ 17-9-2006
(([33] الدولة المارقة ـ دليل إلى الدولة العظمى الوحيدة في العالم – ويليام بلوم – ترجمة كمال السيد ـ ص 51
[34] الاسلام عام 2000 - - د . مراد هوفمان- ترجمة: عادل المعلّم - مكتبة الشروق.
[35] راجع كتاب حضارة العرب - غوستاف لوبون - عادل زعيتر - د . ن, 1969
([36] ) المسيحية والتوراة ـ شفيق مقار ص417
(([37] المستشرقون والإسلام معالجة منهجية خاطئة ـ إبراهيم محمد جواد
([38] ) لا سكوت بعد ـ اليوم ـ بول فيندلى ص12
(([39] يد الله – غريس هالسل ص 80
(([40] قرن أمريكي آخر – نيكولاس غايات – ترجمة رياض حسن – ص 150 .
([41] ) الأصولية في العالم العربي – دكمجيان - دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع/ المنصورة، 1989
([42]) المستشرقون والإسلام معالجة منهجية خاطئة ـ إبراهيم محمد جواد
([43]) انقلاب في السياسة الأمريكية – إعادة ترتيبي الشرق الأوسط لصالح إسرائيل – عاطف الغمري ـ ص 81 - المكتب المصري الحديث– ط1 2004
([44] ) إمبراطورية الشر الجديدة ـ عبد الحي زلوم ـ القدس العربي ـ 3/2/2003
(([45] أمريكيا والفرصة التاريخية – ريتشارد نيكسون – ترجمة د. محمد زكريا اسماعيل ص 118- دمشق,سورية: دار حسان, 1983
(([46] أمريكيا والفرصة التاريخية – ريتشارد نيكسون – ترجمة د. محمد زكريا إسماعيل ص 187
([47] ) ولد برنارد لويس في لندن عام 1916م لأسرة يهودية، وقد أتم دراسة التاريخ الشرقي من جامعة لندن عام 1939م ، وكان موضوع رسالته عن الطائفة الإسماعيلية وجماعة الحشاشين، وعمل بالتدريس في كلية الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن. ثم التحق بخدمة المخابرات البريطانية أثناء الحرب العالمية الثانية، وبقي يعمل فيها حتى عام 1974 ليلتحق بالتدريس في جامعة برنستون بالولايات المتحدة. وهو معروف بصهيونيته وعدائه للإسلام
(([48] الحرب الأمريكية الجديدة ضد الإرهاب – من قسم العالم إلى فسطاطين – اسعد أبو خليل ـ ص32
([49] ) إمبراطورية الشر الجديدة ـ عبد الحي زلوم ـ القدس العربي ـ 3/2/2003م
(([50] موقع الإسلام في صراع الحضارات و النظام العالمي الجديد ـ محمد السماك ص 16ـ17
[51] مسألة الهوية (العروبة والاسلام ..والغرب)- د. محمد عابد الجابري مركز دراسات الوحدة العربية/1997م
([52] )صناعة الإرهاب ـ د. عبد الغني عماد – ص92 .
([53]) أمريكيا طليعة الانحطاط ـ روجيه جارودى ـ ص 25ـ26
(([54] الأصولية هي مصطلح غربي أطلق في الأساس ولا يزال عل الجماعات المسيحية المتطرفة التي نشأت بعد حركة الإصلاح الديني، حيث طالبت هذه الفرق بالعودة لأصول العقيدة المسيحية، وهى الكتاب المقدس، ونادت بالتفسير الحرفي لكلماته، وقد تميز نشاط هذه الفرق بالتطرف والعنف، ورفض الآخر .
[55] ))صناعة الإرهاب ـ د. عبد الغني عماد – ص84
([56] ) من نحن؟ تحديات الهوية الوطنية الأميركية: صموئيل هنتنغتون ـ عرض/ علاء بيومي ـ الجزيرة نت 2ـ8ـ2004م
([57] ) نبيل شبيب ـ إسلام أون لاين 12/01/2001م
([58]) أمريكيا طليعة الانحطاط ـ روجيه جارودى ـ ص29
(([59] مذكرات حول واقعة الحادي عشر من أيلول ( سبتمبر )ـ د. عماد الدين خليل ص45 - دار الفكر بدمشق- ط1 2003
(([60] مذكرات حول واقعة الحادي عشر من أيلول ( سبتمبر )ـ د. عماد الدين خليلـ ص37
(([61] أمريكيا طليعة الانحطاط ـ روجيه جارودى – ص233
(([62] المصدر السابق ص231
([63] ) أمريكيا طليعة الانحطاط ـ روجيه جارودى ـ ص 28
([64]) المصدر السابق ص237
([65] ) استهداف العراق – العقوبات والغارات في السياسة الأمريكية – جيف سيموند – مركز دراسات الوحدة العربية ص43
([66] ) الإسلام وخرافة المواجهة -الدين والسياسة في الشرق الاوسط- فريد هاليداي- ترجمة محمد مستجير– ص 217- مكتبة مدبولي-ط1 1997
([67]) لا سكوت بعد ـ اليوم ـ بول فيندلى ـ ص87
([68] ) إسرائيل .. البداية والنهاية – د. مصطفى محمود ص46- كتاب اليوم / اخبار اليوم – الطبعة السادسة
([69]) موقع الإسلام في صراع الحضارات و النظام العالمي الجديد ـ محمد السماك ص18
[70] إمبراطورية الشر الجديدة ـ عبد الحي زلوم ـ القدس العربي ـ 3/2/2003م
[71] في كتابه الاصولية اليهودية يعرض المؤلف لاصناف مختلفة من التطرف والتحجر والجمود لدى الاحزاب الدينية اليهودية والذي لا يمكن مقارنته بأيه حال من الاحوال بمظاهر ما يسمى التطرف الاسلامي ، ولكن موضوع هذا التطرف لا يسلط عليه الضوء من قبل الاعلام الامريكي والغربي بالرغم من ان اتباعه اصبحوا لهم اليد العليا في تشكيل الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة وسعى الاحزاب الرئيسية الى استرضائهم.
[72] صناعة الإرهاب - د. عبد الغني عماد – ص28
[73] اسرائيل .. البداية والنهاية – د. مصطفى محمود ص107-108
[74] صناعة الإرهاب - د. عبد الغني عماد – ص28
[75] اسرائيل .. البداية والنهاية – د. مصطفى محمود ص108-109
[76] من نحن؟ تحديات الهوية الوطنية الأميركية: صموئيل هنتنغتون- عرض/ علاء بيومي- الجزيرة نت 2-8-2004
[77] الصليب والهلال - المؤلف: محمد عارف زكاء الله - الناشر: ذي آذرز، كوالالمبور- الطبعة: الأولى/2004 – الجزيرة نت
[78] مذكرات حول واقعة الحادي عشر من أيلول ( سبتمبر )- د. عماد الدين خليل- ص114
[79] - أية قيم دينية لحضارة إنسانية ؟ - د. عبد المجيد الصغيّر- http://www.qatar-conferences.org/dialogue/article2.do
[80] ذهنية الإرهاب..لماذا يقاتلون بموتهم؟- جان بودريار وآخرون ترجمة: بسام حجار-الناشر: الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي
[81] حوار الحضارات .. لماذا؟ بقلم يوسف الحسن - الموسوعة الاسلامية- http://www.balagh.com/mosoa/garb/cx01bsu0.htm
[82] الحوار الإسلامي مع الأديان التوحيدية الأخرى: الخلفيات و الآفاق - عبد الملك منصور حسن المصعبي http://www.science-islam.net/article.php3?id_article=690&lang=ar
[83] حوار الحضارات والثقافات: رؤية في حوار الحضارات وصراع الأمم- بقلم الحسين ولد مدو- http://www.akhbarnouakchott.com/
[84] في ذكرى11 أيلول: التساؤلات قبل الشكوك أحياناً!!- سليمان عبد المنعم
[85] د. عبد العزيز بن عثمان التويجري، خصائص الحضارة الإسلامية وآفاق المستقبل، منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ــ إيسيسكو ــ الرباط، 2002.
[86] العولمة و صراع الحضارات: التأثر الحضاري ومنطق القوة – د. إكـرام بـدر الـدين- مجلة النهضة الصادرة عن كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة
[87] الامن القومي العربي والصراع الحضاري- صبري السيد- الشبكه الاسلامية -المصريون: (بتصرف يسير http://www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php?lang=A&id=125252
[88] البقرة، 251.
[89] الحج، 40.
[90] فصلت، 34.
[91] لمؤمنون، 96.

ليست هناك تعليقات: