الاثنين، 18 فبراير 2008

مرحلة ما بعد حماس
بقلم يوسف العاصي الطويل
القدس العربي 30-8-2007
ليست امنية او رجاء "مرحلة ما بعد حماس" بل هو امر اقرب الى الواقع المر منه الى الخيال بعد ان وضعت حماس نفسها والشعب الفلسطينى برمته في مأزق شديد التعقيد ليس فقط بسبب احداث غزه واستيلاء حماس على السلطة بل ايضا بسبب تداعيات هذه الاحداث وممارسات حماس الخاطئه على الارض منذ اليوم الاول لاستلامها المسئولية الكاملة عن القطاع.
اقول ذلك بكل مراره والم لما اشاهده على ارض الواقع من ممارسات خاطئه وتخبط لا مثيل له من قبل كثير من قادة وعناصر حماس التي لم تراجع نفسها وتستخلص العبر مما مرت به من ازمات بعد دخولها الانتخابات ثم استيلائها على السلطة في غزة .. فهي لم تعترف بالخطأ وتعيد تقييم الموقف بل تصر بعناد غير مسبوق على موقفها وتريد من الشعب ان يدفع ثمن سوء تقديرها وتخبطها وخياراتها الخاطئه.
وهنا فاننى لا اقصد ان اعفي الطرف الآخر وعلى رأسهم الرئيس محمود عباس وفريقه من المسئولية عن الاحداث وتداعياتها لان هذا امر اصبح يعرفة القاصي والداني ولا يحتاج الى مزيد من التوضيح، حيث حسم هؤلاء امرهم منذ توقيع اتفاق اوسلوا والغاء الميثاق الفلسطيني وما تبعها من خطوات وممارسات.
اما حماس كحركة مقاومه اسلامية فوضعها مختلف حيث وضعت نفسها او بمعنى اصح سيقت الى الفخ مرتين، فخ الانتخابات ثم احداث غزه هذا بالرغم من تحذيرات كثير من الكتاب والمحليين والمتعاطفين معها من الدخول في صراع على سلطة اوسلو لان ذلك يعنى انتهائها كحركة مقاومه مسلحه.
ولكن حماس لم تأخذ بهذه النصائح بالرغم من ان القياده التاريخية للحركة كانت دائما ترفض هذا الخيار وظلت مصره على موقفها الرافض للدخول في هذه اللعبه القذره بالرغم من الاغراءات والضغوطات التى مورست عليها ولكنها رفضت ذلك ولهذا غُيبت اغلب هذه القيادات خلال فترة وجيزه بعمليات اغتيال مركزه ومتتاليه لافساح المجال امام قيادات جديده مستعده للدخول في هذه اللعبه.. فكان ذلك، وصدق القادة الجدد كذبة الديمقراطية في ظل الاحتلال او استهوتهم الكراسي وبدأوا رحلة الصعود الى الهواية باصرار غريب بالرغم من كل الاجراءات الدولية والعربية والفلسطينة التي اتخذت لافشالهم والتي كان اجراء واحد كاعتقال نواب حماس في المجلس التشريعي يستوجب منهم فض ايديهم من هذه السلطة او على الاقل الوقوف مطولاً امام هذا الاجراء وغيره من الاجراءات وشم رائحة هذه اللعبة القذرة التي لم يكن هدفها ديمقراطي بل جرهم الى فلك اوسلو او القضاء عليهم كحركة مقامه.
ان حماس لم تدرك اللعبه واصرت على ضرورة احترام ارادة الشعب في ظل ديمقراطية اوسلو .. بدون الاعتراف باوسلو ..فكانت المقاطعه والحصار والفوضى الامنية وغيرها من الاجراءات ولكن كل ذلك لم يقنع حماس بان المؤامره اكبر منها وان الظروف الاقليمية والدولية والفلسطينية ليست في صالحها على الاطلاق وان الهدف من جرها الى فخ الانتخابات كان لاحد امرين اما اعترافها باسرائيل وباوسلو او افشالها.
وفعلاً تم افشال حماس على الارض خلال فترة سنه من توليها للسلطة وحدث شلل تام لكافة مناحي الحياة في الاراضي الفلسطينية، ولم يكن الفشل في هذه الفترة بسبب حماس بل بسبب ما فرض عليها من حصار ومقاطعه من قبل الاطراف المعنية بافشالها والتي تمتلك كافة الاوراق بيدها واذا كان من لوم يوجه لحماس في هذه الفترة فهو قبولها الدخول في لعبة السلطة المسيرة امريكياً واسرائيلياً والتي يستحيل معها الجمع بين متناقضات، المقاومة والسلطة، فك الحصار واستمرار الدعم بدون اعتراف باسرائيل .. فتح المعابر بدون الجلوس مع الاسرائيليين .. الخ. فكان ان فشلت حماس على الارض ولم تفي بوعودها الانتخابية، وتخلت ولو باستحياء - نتيجه للضغوط الدولية - عن برنامج المقاومه وبدأنا نسمع الحديث عن هدنه مع اسرائيل تستمر لعشر سنوات وغيرها من المشاريع المرفوضه اسرائيلياً.
واذا كانت مرحلة تولى حماس للسلطة بعد فوزها للانتخابات هي مرحلة شلل كامل لكافة مناحي الحياة في الاراضي المحتلة وفشل ذريع لبرنامجها، فان ذلك لم يسئ لحماس كما اساء لها وضعها الجديد بعد استيلائها على غزة بقوة السلاح، حيث كان يعلم الجميع ان هذا الوضع السابق مفروض عليها ولهذا كان هناك نوع من التعاطف معها وكانت تبدو كضحية لمؤامرة تهدف الى افشالها، اما بعد استيلائها على السلطة بالقوة المسلحة فقد اختلف الوضع كثيراً وخسرت حماس جزء كبير من شعبيتها لاسباب كثيره منها انها كانت قد احتكمت بوصولها الى السلطة لارادة الشعب او لما يسمى بالديمقراطية، ولكنها قامت بفعل لا يمت للديمقراطية بصله وهو الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح، وليس هذا فحسب بل ان طريقة الاستيلاء على السلطة كانت استفزازية واستعراضية بطريقة فجه، فحماس كانت تقول دائماً ان مشكلتها فقط مع التيار الانقلابي بحركة فتح وبالذات دحلان واعوانه وجهاز الامن الوقائي بالذات، ولكن ما قامت به حماس شمل كافة الاجهزة الامنية ومنتسبيها الذين في اغلبهم لم يكن لهم اى عمل عدائي تجاه حماس بل لا ابالغ لو قلت ان غالبيتهم كان ساخط على فساد السلطة وجزء منهم متعاطف مع حماس، ولم يكن احد منهم يتخيل بانه سيتعرض لهذه الاهانة من قبل حركة رفعت شعار المقاومة ومحاربة الفساد.
لقد استولت حماس على المقرات بدون مقاومه تذكر بعد ان تركها منتسبوها وبالرغم من ذلك قامت قوات حماس بتدمير هذه المقرات وتركتها عرضه للسلب والنهب ثم تبع ذلك قيام حماس بحملات مكثفة على البيوت لجمع الاسلحة من منتسبي الامن الوطنى وغيرهم الذين لم يكن لهم ايه مشكلة مع حماس او غيرها.. وتتالت الاخطاء تلو الاخطاء فتم رفع اعلام حماس مكان اعلام فلسطين على المقرات والدوائر وكأننا اصبحنا نعيش في دولة حماس بلا منازع وحتى اعلام حركة فتح فقد طلب من الناس ازالتها عن بيوتهم ولكن لم ينجح هذا الاجراء، وطلب من الناس عدم ترديد اغنية سميح المدهون فزاد ذلك ولع الناس بها، ثم جاءت عمليات اخرى لم تجرؤ سلطة عباس على القيام بها مثل محاولة تحصيل فواتير الكهرباء من الناس وتحصيل رسوم ترخيص السيارات وغيرها من الاجراءات التى تمس القوت اليومي للناس المنهكين من كافة النواحي بسبب الحصار وعدم صرف الرواتب لاكثر من سنه فكان الرفض والتذمر من قبل الناس ايضاً.
ودخلت حماس ايضاً في صراع مع تنظيمات كانت تقف معها في خندق واحد وزادت الممارسات العشوائية لقواتها من غضب الشارع وبدأ الناس يتحدثون عن التجاوزات والممارسات القمعية، وقد شاهد الجميع كيف اقتحمت هذه القوات احدى الافراح بطريقه همجية، بل ان هذه القوات بدأت تدخل في مواجهات مع الناس لاتفه الاسباب فكان رد الشارع عنيفاً ضدهم وثم رمي هذه القوات بالحجارة في اكثر من حادثة وتصدى الناس لهم، واصبحت حماس التى كانت في السابق تتهم سلطة اوسلوا وتنتقد ممارساتها وتصرفاتها تقوم بممارسات قريبه من تلك الممارسات وان كانت لم تصل الى نفس درجتها، ولكن الشارع لم يقبلها من حماس بالذات التي قدمت نفسها كمنقذ ومخلص لهذا الشعب رافعه شعار الاصلاح والتغيير.
فبدلاً من تضميد جراح الشعب المغلوب على امره واسترضائه وتأليف القلوب بعد معاناته في ظل السلطة السابقة بدأت عمليات الاقصاء ومحاولات الاستفراد بالسلطة ورفض المخالفين .. وبدلاً من العمل على حل المشاكل والحصار وقطع الرواتب والفوضى الادارية اكتفت حماس بتوجية اللوم لابو مازن وما تسميهم بعصابة رام الله، متناسية ان سلطة ابو مازن وعصابة رام الله لا حول لها ولا قوة وان القاب الرئيس ورئيس الوزراء وجوازات السفر الدبلوماسية و ال VIP وقوتنا وطعامنا وكراريس اطفالنا ولعبة الكراسي المتحركة كلها بيد "شلومو" الذي يمنح ويمنع حسب مصالحه واستراتيجياته، وحتى بقاء حماس في السلطة حتى اللحظة هو مطلب اسرائيلي بحث، فالجميع يعلم ان اسرائيل لديها الآن فرصه تاريخية للقضاء على حماس وكوادرها بعد ان انتشروا في المقرات الامنية والتي تكفي عدة طلعات لتدميرها بمن فيها ولكن اسرائيل لم تفعل ذلك لان الوضع الحالى يسعدها ويحقق اهدافها.
ان استمرار قادة حماس في عقد المؤتمرات الصحفية واصدار البيانات لوضع المسئولية على هذا الطرف او ذاك لا يعفي حماس من المسئولية عما يحدث ويدل على عجز كامل من طرف حماس على حل ايه مشكله في ظل سلطة اوسلو، ولهذا يجب على حماس ان تعترف بخطئها ليس لانها المخطئ الوحيد، بل لانها كانت مع تنظيمات اخرى والعديد من الشرفاء من كافة التنظيمات الامل المتبقى للشعب الفلسطينى لحمل امانة القضية ومحاربة المفسدين وتعريتهم ولكن الذي حدث ان سقف تنازلات الطرف الآخر زاد والمفسدين تحولوا في نظر البعض الى ابطال لانهم على الاقل كانوا يلبون الحاجات اليومية والمعيشية للشعب .. وكفر الشعب بكل التنظيمات والمنظمات بسبب ما يشاهده يومياً من مزايدات ومهاترات ولعبة كراسي قذره لا صله لها من قريب او بعيد بالشعب او بالقضية ومقاومة اسرائيل.
ان على حماس ان تراجع نفسها وتعيد النظر في مسيرتها ومنطلقاتها وتضع مصلحة الشعب والقضية الفلسطينية فوق مصالحها، فهناك فرق كبير بين ان تكون مسئول عن حركة او تنظيم وبين ان تكون مسئول عن شعب وقضية، ولهذا فإن الخيار الوحيد المتبقى امام حماس اذا ارادت ان تبقى مخلصه لمبادئها واهدافها هو ان تنفض يدها من السلطة وتعود كحركة مقاومه، والا فإن الحديث عن مرحلة "ما بعد حماس" يصبح واقعاً مراً لا مفر من حدوثه.

ليست هناك تعليقات: