الاثنين، 18 فبراير 2008

مجتمع جديد .. أو الكارثه
بقلم / يوسف العاصي الطويل
عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
10/سبتمبر 2007

مسكين هذا الشعب الذى لا يكاد يخرج من معاناه وهم حتى يدخل في هم جديد اقصى وامر، وكأنه كتب عليه ان يبقى اسيراً لهذا الكم الهائل من التناقضات والمصالح الدولية المتصارعة والايديوليجات المختلفة التى لا تجد مكاناً افضل لها من ساحات هذ الوطن الضيقة والمحاصره من كافة الجهات وبكافة الادوات، لتفريغ ظلمها وغيها وغبائها وايدلوجياتها المفلسه ومصالحها الدنيئة في شوارعه وازقتة ومتاهات قضيته العادلة وعلى اجساد شعبها المقهور.
خلال الاسبوع الماضي اصابتي حاله من اليأس والاحباط الشديد بسبب الوضع المأساوي او الكارثة التي تمر به القضية الفلسطينية وقررت الاعتكاف بعيداً عما يجري على الارض لابقى تلك الصوره الجميله عن مجتمعنا الفلسطيني بكل ما يحمله من معاني نبيله في الاخوة والصداقه والشهامه والبطوله والشرف والنضال .. متمنيا ان ان يفعل الآخرين مثلي عسى ان يمن الله علينا بالفرج على ابواب شهره الكريم.
ويبدو ان الله استجاب لدعوات الجوعى والارامل واسر الشهداء فقرر امراء الطوائف على طرفي الوطن المستباح من مشايخ وحبتيه ان يتوبوا الى الله كرمانا لقدسية الارض والشهر واحتراماً لدم الشهداء والجرحى فقروا الخروج للمباهله كلاً على طريقته عسى الله ان يفصل بين الحق والباطل.
ولانها ارض مقدسه يظهر الله بها الحق بسرعه فقد بان الحق وزهق الباطل قبل ان تبدأ الجولة الثانية من المباهلة بفضل كرامات مشايخ حماس الذين افتوا بان صلاة حبتية فتح هي صلاة ضرار ومسيسه ونسوا انهم كان اول من اقام الصلاة في العراء للاستيلاء على المساجد!!
المهم ان حراس العقيدة اشاوس التنفيذية لم يكذبوا خبرا ونصبوا الحواجز وطوقوا الساحات لمنع صلاة الضرار ولكن بعض حبتية فتح اصر على الصلاه في الطريق العام فكانت المشاهد المفجعه لحفلات التنكيل وتكسير العظام، التي اقتحمت علي خلوتى بعد ان قررت ان اصلى الجمعه في البيت مع اسرتي، واجبرتني مكرهاً على نسيان تلك الصوره الجميله لمجتمعنا الفلسطيني التي خدشتها بل شوهها ومرغها بالتراب والوحل تلك المشاهد الهمجية لضرب المصلين.
وبالنسبة لي على الاقل لم تكن مشاهد الاعتداء بالضرب على المصلين هي فقط القاسية والعنيفة والتي هزت مشاعر وغضب واسمئزاز كل فلسطيني وعربي وكل متعاطف مع قضيتنا العادلة، لا بل ان المشهد الفلسطيني برمته مأساوي ويندي له الجبين بسبب ما آل له حال الاخوة الاعداء في رام الله وغزة والذي يدفع ثمنه هذا الشعب المناضل وقضيته العادله.
ولان الاعلام لا تستهويه الا صور الدم وتكسير العظام والسلخ والذبح فقد غابت عنه مآسي وآلام عظيمه يعانيها هذا الشعب ليس اولها قطع الرواتب وتعطيل المستشفيات واغلاق المعابر والشلل التام لحياة العباد والبلاد لا بل ان اخطرها هو حالة الاصطفاف والانقسام والحقد والكراهية التي لم يعرفها مجتمعنا الفلسطيني من قبل وما تحمله من مخاطر جمه وكارثه بكل معنى الكلمه.
فالتأكيد ان من يتابع الاحداث المؤسفه ما بين غزه ورام الله لا يرى من الصوره الا ما تنقله وسائل الاعلام المرئية والمقروءة التي تنتقي فقط مشاهد الاثارة والتنكيل هنا وهناك متناسية الابعاد المأساوية الاخرى للمشهد الفلسطيني في بعدية الانساني والمجتمعي، حيث سقطت شعارات قديمه كنا نتغنى بها وقيم ومبادئ ومسلمات كنا نصر ونكابر بانها خطوط حمراء لا يمكن الاقتراب منها او المساس بها. ولكن ما يحدث على ارض الواقع لم يبقي ايه خطوط حمراء ولا بيضاء وحول المشهد الفلسطيني برمته الى ليل اسود مظلم .. ليس فقط لان القاعدين في رام الله اغروا الاوربيون والاسرائيليون بقطع كهرباء غزه .. بل ايضاً لان المرابطين في غزه اغرقوا غزه بسيل جارف من الاحقاد والكراهية والتكفير والتنكيل، وكأن لسان حال طرفي الشقاق والنفاق يردد ويسعى جاهداً من حيث لا يدري الى تنفيذ نبوءة رابين باغراق غزة في البحر الذي ربما سيكون ارحم على اهل غزه من لامبالاة وجنون وفجور ذوي القربى.
ان السخط والغضب الذي أثارته مشاهد تكسير العظام على يد "المستعربون الجدد" بزيهم المدني وهم يشاركون في "حفلة التنكيل" بشاب ملقى على الأرض لن يغفرها شعبنا لانها تستحضر ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في قمعهم .. وقطع الرواتب والحصار والمقاطعه التي يمارسها ذوي القربى لن تغفرها البطون الخاويه والاجساد العاريه .. فقطع الارزاق مثل قطع الاعناق .. وسياسة التجويع والحصار ستولد الانفجار الذي لا يبقى ولا يذر بعد ان تحولت حياة الناس الى جحيم وعدم.
انها مأساة وكارثة ان يحرم الفلسطيني من راتبه وقوت اولاده لمجرد انتمائه السياسي او ميوله الحزبية ويتم اقحام الخدمات الانسانية لابناء شعبنا من صحة وتعليم وبلديات في اطار التجاذبات السياسية بين فتح وحماس، ليذهب المريض فلا يجد من يقدم له العلاج .. ويحاول الطبيب القيام بعمله الانساني تجاه ابناء شعبه ليجد ان راتبه جمد .. ويذهب الطالب الى المدرسه ليجد ان المدرسين غير موجودين خوفاً من قطع الراتب .. وينحى هذا وينقل ذاك في لعبه قذره على الكراسي والغنائم ومن يرفض تنفيذ الاوامر فإن اشاوس التنفيذية جاهزون لاحياء حفلات التكسير والتنكيل.
انها كارثة ان تجد البيت الواحد والاخوة والجيران والاصدقاء منقسمون بين مؤيد لهذا ومعارض لذاك بطريقه متعصبة ومتطرفه احلت الحرام وحرمت الحلال في سبيل الدفاع عن هذا التصرف او ذاك، وكأننا نشاهد مباره ملاكمه او مصارعة نصفق ونبتهج لمن يسدد لكمات اكثر وننتظر ونتمنى الضربه القاضية .. ونسينا القول المأثور .. اكلت يوم اكل الثور الابيض.
انها كارثة ان ترى الشارع الفلسطينى برمته منساق رغم انفه لمتابعه ما ينشره ويقرره ملوك الطوائف ورؤوس الفتنه هنا وهناك، ولا نسمع ولا نرى خبراً او تعليق عن القضية وتهويد القدس وما يحاك لنا بليل من مؤامرات ومخططات، بل اصبح كل همنا انتظار قرارات ومراسيم يصدرها فلان لينقضها علان لتعقبها حملات المطبلين والمزمرين المؤيده والمعارضه، والاهم من ذلك تقارير المخبرين عن من التزم ومن لم يلتزم وهنا المصيبه لان رؤوس الفتنه لا يعرفون ما بين البين فاما معنا او ضدنا فيقع الحرج الذي قد يقود الى قطع الراتب او الى الحضن الدافئ لاشاوس التنفيذية..! لتبدأ مرحله جديده من تصيد السقطات ونشر غسيلنا القذر على العالم اجمع.
انها مآساة وكارثة وطنية ان يتحول رفاق السلاح والنضال بالامس الى اعداء ووحوش كاسره تمارس ضد شعبها ما كان يمارسه الاحتلال ضدها من تنكيل وتكسير للعظام ودهم للبيوت واعتقال للمناضلين، وضرب للصحفيين وتكميم للافواه وعد للانفاس وتجويع للعباد.

انها كارثه ان يدعو احدهم للنفير العام تأييداً ودعما للحكومة ، وللوقوف صفاً في وجهة الفاسدين الذين يريدون أن يغرقوا شعبنا بالخمور والمخدرات والفساد ... أيها الناس انفروا خفافاً وثقالا لتحموا نساءكم وأطفالكم من المجرمين وأقزام الانفلات البائد، انفروا يا أنصار حماس .. وعلى الطرف الآخر يشدو احدهم بان حماس ستداس بنعال الشعب الفلسطيني" وأنهم "في النهاية سيسقطون كما تسقط ذبابة في كاسة ماء.
فعلى ماذا النفير يا مشايخ حماس .. ولمن النعال يا سادة رام الله .. لتحرير القدس والاقصى ..ام للمحتل الغاصب واذنابه المفسدين ولمن يتآمر على قضيتنا .. ام للشعب وعلى الشعب والقضية .. يا تجار القضية ..!!

ليست هناك تعليقات: