الاثنين، 18 فبراير 2008

عرفات ... الى اين يقود الشعب الفلسطينى
بقلم / يوسف الطويل
11/6/2002

مضى على قيادة عرفات للشعب الفلسطينى اكثر من ثلاثة عقود شهدت خلالها القضية الفلسطينية كثير من المآسي والنكبات بالرغم من الضجيج الاعلامى الكبير الذى صاحب هذه الفترة ابتداء من خطاب عرفات امام الامم المتحدة ومروراً باعلان الدولة الفلسطينة وانتهاء بذلك الشعار الرنان .. شهيداً ... شهيداً ... شهيداً والذى كنا نتمنى ان يتمسك به عرقات الى النهاية !!
والمتأمل والمدقق لهذه الحقبة الطويلة سيلاحظ انه بعد كل مآساه او مذبحة يتعرض لها الشعب الفلسطينى يخرج علينا الرئيس عرفات رافعاً شارة النصر كما حدث فى الاردن وفى لبنان وتونس واخيراً فى فلسطين، وكأن قضية الشعب الفلسطينى اصبحت متجسدة فى بقاء عرفات حياًَ .
والملاحظ ايضاً خلال هذه الفترة الطويلة هو ان القيادة الفلسطينية لا تقوم بتقييم ما حدث او استخلاص العبر لتفاديه او محاسبة المقصرين والمسئولين عنه، بل يحدث العكس حيث تعود الامور لتسير بطريقه اسوء من السابق، ويتم التمسك بالاشخاص الذين قصروا ويتم رفع درجاتهم، ويعاد الى نفس اسلوب القيادة الفردية السابق وكأن شيئاً لم يحدث، وكأن المطلوب من تلك المرحلة والمذبحة هو تصفية رموز وطنية معينه وتضييق حيز الحركة على النضال الفلسطينى .
فما حدث فى الاردن تكرر فى لبنان وفى تونس واخيراً فى فلسطين المحتلة سواء من ناحية الافعال والممارسات او من ناحية الاشخاص ، حيث كان القاسم المشترك بين هذه الاحداث جميعاً فقدان الساحة الفلسطينية لنخبة من المناضلين والقياديين الكبار سواء بالاستشهاد او بالاغتيال والتصفية او باعتزال العمل الوطنى احتجاجاً على اسلوب القيادة الذى ادى الى مزيد من التنازلات، وما تركه من اثر سلبي فى البلد المضيف بسبب تصرفات وحسابات خاطئة.
يضاف الى ذلك امر مهم وهو تضييق مساحة النضال الفلسطينى حتى وصل الى درجة قيام سلطة عرفات باعتقال المناضلين ليس فقط المعارضين لاتفاق السلام، بل مناضلى حركة فتح، وتسليمهم للقوات الاسرائيلية، على ايدى رموز من سلطة عرفات، حيث لم يتم اتخاذ اية اجراء ضدهم او محاسبتهم، بل يتم الآن تمهيد الطريق لهم ليتولوا قيادة الشعب الفلسطيني .
فما يحدث الآن هو نفس ما حدث فى لبنان والاردن وتونس، وكأن التاريخ يعيد نفسه من جديد، ولكن برموز اخرى .. واماكن اخرى.. ولكن يظل عرفات هو الرمز الوحيد الذى لا يتغيير ولا يتبدل والذى لديه قدره خارقه على النجاة من الموت قبل الموت بدقائق، والتنقل من مكان لآخر، وتفادى ضربات الاعداء ومؤامراتهم وحصارهم، ليخرج من بين الانقاض واشلاء الشهداء وآنات الجرحى رافعاً شارة النصر العتيدة غير مكثرت للدمار او لقوات الاحتلال التى تحيط به من كل مكان والتى تدمر وتجتاح المدن والقرى على مسمع ومرآى منه .
فالمهم ان يبقى الرمز ليوزع قبلات المحبه على هذا الشعب المغلوب على امره، لتبدأ من جديد مرحلة او مؤامره جديدة وبشعارات جاهزه وبضخه اعلاميه تصور ما حدث وكأنه انتصار للقائد الرمز، والقائد الملهم الذى لا يتوانى قادة اسرائيل وامريكيا عن مهاجمته والتهديد بطرده او قتله او تنحيته، لتكتمل صورة البطولة التى قد تكون هزتها التنازلات والاخطاء، لحمايتة هو وزمرته من غضب الشارع، الذى للاسف تنطلى عليه مثل هذه التمثيليات ويعود ليمجد القائد الرمز، ناسياً المدابح التى ارتكبت بحقه .
ولكن ربما يقول البعض ان هذه صوره تبسيطيه اكثر من اللازم للمرحلة العرفاتية، وفيها تجنى و ظلم للرجل، وهنا نقول ان مرحلة قيادة عرفات بكاملها بحاجه الى مراجعه كامله ودقيقه، وفتح للملفات ابتداء من انضمامه لحركة فتح وخلافاته مع بعض قادتها، والتى دفعت الحركة فى عام 1966 لاصدار بيان سحبت بموجبه الثقة بعرفات واحالته للتحقيق بتهم مختلفة، وما تبع ذلك من تصفية حسابات واغتيالات واللجوء الى الاقتتال الداخلى للسيطرة على القيادة، ثم مروراً باحداث الاردن ولبنان وتونس والكويت، والتى تمكن خلالها عرفات من السيطرة بشكل كامل على حركة فتح ومنظمة التحرير، حيث بدأ التخلى التدريجى عن التوابث الفلسطينية، وبدأت التنازلات المبرمجه والدعوة الى الحل السلمى، حتى وصلنا الى غزه اريحا، اللتان تحولتا الى سجن كبير للشعب الفلسطينى، ولكن هذه المره بحراسه امريكية بريطانية!! .
ان اعادة رسم صوره حقيقة لما حدث خلال الفتره السابقة يحتاج الى مئات الكتب والشهود لاعادة رسمها كاملة واظهار الحقييقة، وهذا ليس المكان المناسب، ولكن ذلك لا يعفينا من طرح الاسئله والشواهد والقرائن والامثلة على الخلل فى القيادة الفلسطينية والذى يجب ان تتم مناقشته بكل حرية وشفافية . لا ان نستمر فى دس رؤوسنا فى التراب ونبرر السكوت بخطورة المرحلة وحساسية الموقف والدعوة الى الوحدة الوطنية .. الخ من الشعارات التى يراد بها باطل .
فيجب ان لا نخجل من القول ان اداء القيادة الفلسطينة ممثلة بعرفات لا يتناسب مع تضحيات ونضال هذا الشعب .. وان هناك اخطاء قاتلة ارتكبتها ولازالت ترتكبها القيادة بدون رقيب او حسيب .
فكيف يمكن لنا ان نقبل من قيادتنا الرضى بهذا الذل والهوان والتنازلات الكبيرة التى قدمتها من اجل فك الحصار عن نفسها والخضوع لاوامر شارون وبوش، فى الوقت الذى لازالت اسرائيل تمارس ابشع الجرائم بحق شعبنا.
فقد رتب عرفات خروجه من حصار شارون من خلال صفقة مهينة ومخجلة لا تليق به، ولا ترتقي الي مستوي التضحيات التي قدمها الشعب الفلسطينى، وجعلتنا جميعاً نشعر بالعار ونحن نري مناضلين فلسطينيين يخرجون من مقر عرفات مكبلين الي سجن في مدينة اريحا، بينما الدبابات الاسرائيلية تجتاح المدن والقرى، والقناصه يقتلون المحاصرين في كنيسة المهد، ويروعون الاهالى، ويغتالون المناضلين.
كيف يمكن لنا ان نرضى ببقاء رموز الفساد الذين تآمروا على مناضلينا وسلموهم لاسرائيل بدون حساب او عقاب، فى الوقت الذى يتم محاكمة مناضلين شرفاء واعتقالهم لانهم مارسوا حقهم النضالى المشروع.
كيف لنا ان نقبل باستمرار التعاون مع امريكا وعقد الآمال على امكانية السلام مع شارون، وقد تم النكول عن كل ما اتفق عليه وداسته جرافات شارون ومواقف بوش المعادية للشعب الفلسطينى، الذى أخرج عرفات من سجنه لكي يقوم باعادة بناء سجون السلطة، واعادة اعتقال من لم تفلح القوات الاسرائيلية في اعتقاله من المناضلين، ليتحول من سجين الي سجان في ساعات معدودة حتي يحظي باحترام الرئيس الامريكي جورج بوش .
كيف لنا ان نقبل بسكوت السلطة الفلسطينية بزعامة عرفات وكفها عن المطالبة بالتحقيق في مذبحة جنين بصورة رسمية، لينشغل الجميع بتمثيلية الإفراج عن عرفات، واتفاقات تسليم المناضليين الفلسطينيين وإخضاعهم للحراسة الأميركية والبريطانية، كي لا يكون لهم مهرب بعد ذلك، و بما يعنى تبخر ما تبقى من أثر لشيء اسمه سيادة فلسطينية، هذا اذا كانت هناك سيادة من اصله. !!!.
كيف لنا ان نقبل أن تتقزم قضية شعبنا الفلسطيني و حصاره و العدوان الصهيوني المستمر و المتواصل عليه إلى قضية رفع الحصار عن عرفات، و يصبح الشغل الشاغل للوساطات و الجهود الفلسطينية و العربية و الدولية هي كيفية رفع الحصار عنه ، في الوقت الذي يتم فيه تجاهل أن الشعب الفلسطيني بأكمله موجود تحت الحصار و في سجن كبير حدوده هي الوطن كله .
كيف لنا ان نقبل بتهميش الشعب الفلسطينى باكمله، واسكات مناضليه ونخبه، فى حين يترك المجال مفتوحاً اما حفنه مشبوهه، لا يعرف اصلها اوفصلها، تتحدث باسمه، وتطرح الحلول وتوقع الاتفاقيات، من امثال محمد رشيد .. وفلان .. وفلان .. ومن على شاكلتهم الذين فاحت رائحتهم، ويعرف الجميع ارتباطاتهم المشبوهه .
كيف لنا ان نقبل باستمرار هذه المسرحية المكشوفة والحقيره من قبل شارون وبوش وعرفات وبعض الزعامات العربية، والتى اختصرت قضية الشعب الفلسطينى العادلة فى تفاهات بدأت بقضية حضور عرفات للقمة العربية من عدمها، ثم فك الحصار عنه، واخيرا حضوره للمؤتمر الدولى للسلام من عدمه، حيث كان الهدف من هذه المسرحية هو لفت الانتباه عن القضايا الجوهرية الاخرى وما يتعرض له الشعب الفلسطينى وقضيته من مذابح وجرائم، وتصفيه .
كيف لنا ان نقبل من مما يسمى بالقائد الرمز ان يتحول، بعد كل هذه التضحيات من الشعب الفلسطينى على مر تاريخه، الى العوبه ومسخره فى يد شارون وبوش، مره يمنعانه من السفر، وآخرى من حضور احتفالات عيد الميلاد، وثالثة من التجول فى رام الله او غزه، ورابعه من استخدام المطار .. الخ وبالرغم من ذلك يقبل القائد الرمز بكل هذا الذل والهوان .
ان هذه الامثلة والمئات غيرها مما حدث ويحدث على ارض فلسطين تحتاج منا جميعاً الى وقفة مع الذات وممارسة النقد الذاتى والمكاشفه باعلى درجاتها، والاعتراف وبدون خجل، بأن هناك اخطاء بل خطايا كبيرة ومؤامرة، ترتكب بحق القضية الفلسطينية، هذا بالرغم من ان مثل هذه المكاشفة لن ترضى قيادة عرفات، التى لجأت طوال تاريخها الطويل، الى عدم الاعتراف باى خطأ من اخطائها وكانت تبرر ذلك بان الاعتراف بالخطأ يعطى الاعداء ادلة وبراهين تدين فتح والثورة ولجأت دائما الى اتهام الآخرين وخاصة العرب بالعجز والتقصير والتهاون والفشل وذلك لتبرئة نفسها امام كوادرها .
كما ان هذه المكاشفة لن ترضى الذين يروجون لمقولة ان عرفات هو الرمز والاسطوره، وهو قضية فلسطين، ولا يجوز المساس به او معارضته، لان ذلك يعتبر خروجاً عن الوحدة الوطنية ويخدم بعض النظم العربية المناوئه له، بل يعد خيانه تخدم اعداء فلسطين، مما اضعف اية معارضه ضد عرفات، وادخل الخوف والرعب والتردد فى نفوس السياسيين والكتاب والصحفيين، وكانت النتيجة ما وصلنا اليه من ضياع لقضية فلسطين وحقوق شعبها وتراجع منظمة التحرير الفلسطينة عن كل مبادئها واهدافها .
نعم يجب ان لا نخجل من طرح تلك الاسئلة وكثير غيرها، بل بالعكس يجب ان يخجل الشعب الفلسطينى من نفسه عندما يرى انه بالرغم من نضاله ووعيه السياسى وما يمتلكه من كوادر فكرية ونضالية هو فى النهاية يسير كالقطيع بامرة رجل واحد يمسك بلبابيد هذا الشعب ومصيره ويقرر ويعزل ويعين ويصرف ويوقع ويعتقل ويتنازل بدون ايه رقابه من احد .
فالمجلسين الوطنى والتشريعى، تحولا بفعل ممارسات عرفات، الى مجموعة من المطبليين والمزمرين من خلال التعيينات العشوائية، وشراء الاصوات، وحتى الاصوات الشريفة والحرة فى هذا او ذاك يتم اخراسها او اسكاتها بطرق اصبحت معروفة للجميع، وهم جميعاً او غالبيتهم اصبحوا جاهزون تحت الطلب لتمرير هذا القرار او ذاك، ولو ادى ذلك الى التهديد باستخدام الملفات السرية، او بغيرها من الاساليب العرفاتية .
اما منظمة التحرير وحركة فتح فقد دمرها عرفات والغى ميثاقها، ولجأ الى لغة السلاح لحسم الخلافات فى داخل حركة فتح، وحتى مع الفصائل الفلسطينة الأخرى، التى لم تسلم من محاولاته لشق صفوفها واضعافها، من خلال سيطرته على الموارد المالية المنظمة، حيث فسحت مماراساته المجال للمرتزقة والانتهازيين والعملاء ان يتسلوا الى صفوف المنظمة وفتح لكى يستمروا فى ممارساتهم الخاطئة، وشجع عرفات تفشى الاسترزاق وعقلية الاستزلام ولفلفة الامور وعدم مواجهة الجماهير بالحقيقة .
اما الشعب الفلسطينى البطل، فهو الرقم الصعب، وهو الامل، بالرغم من محاولات تغييبه وقهره، حيث تتسلط عليه السلطة مره، واخرى تتسلط عليه القوات الاسرائيلية، او الاثنين معاً، هذا بالاضافة الى مايعانيه فى الدول العربية والشتات، بعد ان قاده عرفات الى القتل تحت شعارات ثورية براقه ووافق فى النهايه على ان يكون اول المعترفيين باسرائيل ويعمل على حماية امنها وتغلغلها فى البلدان العربية ؟
نعم ان الشعب الفلسطينى هو الرقم الصعب الذى سيغيير كل الخطط والمعادلات والمبادرات المعدة بليل، ولذلك مطلوب من هذا الشعب بكافة فئاته وقفه شجاعه لوضع آليات عمل جديده - بعيداً عن التهليل للقائد الرمز- والالتفاف حول التوابث الفلسطينة وترسيخ الوحدة الوطنية، وتصعيد النضال بكافة اشكاله ضد الاحتلال، ورفع الصوت عالياً فى وجه السلطة ورموزها الفاسدة، من خلال تشكيل قيادة او تجمع وطنى بدليل للقيادة التى يعد العدة عرفات لفرضها على الشعب الفلسطينى والتى حددها تنت بالتعاون مع الحكومة الاسرائيلية، وذلك من اجل احياء منظمة التحرير ومؤسساتها واعادة الحياة الى الميثاق الوطنى الذى الغاه عرفات ... الخ .
وهنا من المهم أن تكون الصورة واضحة لدينا ، و هي أننا كفلسطينيين و كأمة عربية و إسلامية لسنا في أزمة بل إن اسرائيل وامريكيا واذنابها فى المنطقه هم المأزومون ، و لذلك فمن الخطأ الاستعجال و القبول بأي صفقة او حل باى ثمن .. فشعبنا قادر على الصمود و مواصلة المقاومة و تقديم التضحيات و الشهداء و الصبر بلا حدود .. حتى تحقيق النصر .

ليست هناك تعليقات: