المسيحيون يلجأون إلى الإعتماد على الإرساليات التبشيرية بعد فشل المعارك الحربية .
بقلم / يوسف الطويل
اتجه الاستعمار الغربي إلى الغزو غير المباشر للسيطرة على العالم الإسلامي وذلك باستخدام الغزو الفكري وسيلة مؤثرة بعد فشل وسائله التقليدية في الغزو العسكري للسيطرة على الشعوب الإسلامية ونهب ثرواتها . وقد وجد الاستعمار في المبشرين الغربيين ضالته المنشودة لتحقيق أهدافه في السيطرة والتبعية عن طريق السيطرة على عقول المسلمين وتشكيكهم في دينهم وحضارتهم .
وقد لجأ هؤلاء المبشرون إلى دراسة علوم اللغة العربية والإسلامية لمعرفة اتجاهات المسلمين في مختلف مناحي الحياة ونظرا لأن ظهور حركة الاستشراق له صلة وثيقة بما يحدث اليوم من غزو فكري وتبشيري لكل المسلمين في مختلف أرجاء المعمورة ينبغي أن نلقي الضوء على الجذور التاريخية الأولى لحركة التبشير وما هي العوامل التي أدت إلى ظهوره ومدى تأثيره على المسلمين سلبا وايجابا.
التبشير في العالم الإسلامي وأهدافه وأدواته
التبشير لفظ يطلق على المنظمات الدينية والأفراد الذين يهدوفون إلى نشر الدين المسيحي بين الشعوب الأخرى ويدعون أن التبشير بالمسيحية فرض على المسيحيين .
ولو حاولنا التحدث عن المراحل الأولى للعمليات التبشيرية في العالم الإسلامي في بدايتها فإن أكثر الباحثين يذهبون إلى أن فشل الحروب الصليبية في تحقيق أهدافها عن طريق الغزو العسكري كان له دور أساسي في لجوء العرب إلى أسلوب الغزو الفكري عن طريق الاستشراق والتبشير وغيرهما من الوسائل .
وفي ذلك يقول المؤرخ جان دي جوانفيل الذي رافق الملك لويس التاسع ملك فرنسا بحملته الصليبية ( الحملة السابعة ) أن خلوة الملك لويس التاسع في معتقله بالمنصورة أتاحت له فرصة هادئة ليفكر بصبر في السياسة التى كان اجدر بالغرب ان يتبعها ازاء المسلمين ، وقد انتهى به التفكير الى أنه لا سبيل للسيطرة على المسلمين عن طريق الحرب أو القوة وذلك لأن في دينهم حاسم هو عامل المواجهة والمقاومة للجهاد وبذل النفس والدم لأنهم قادرون دوما انطلاقا من عقيدتهم إلى المقاومة ودحر الغزو الذي يجتاح بلادهم وأنه لا بد من ايجاد سبيل آخر من شأنه أن يزيل هذا المفهوم عند المسلمين وذلك لا يتم إلا بتعديل الحملات سلبية العسكرية إلى حملات سليمة تهدف الغرض نفسه وذلك من خلال التركيز على الفكر الإسلامي وتحويله عن مساره وأهدافه حتى يستسلم المسلمون أمام القوى الغربية وتروض أنفسهم على نحو أنحاء الاحتواء والصداقة والتعاون وأفضل وسيلة لذلك هي تجنيد مبشرين ودعم مؤسساتهم التبشيرية في العالم الإسلامي .
وقد علق المؤرخ رينيه جروسيه على ذلك بقوله: بأن الملك لويس التاسع كان بذلك في طليعة كبار الساسة من الغرب الذين ضعوا للغرب الخطوط الرئيسية لسياسة جديدة شملت مستقبل آسيا وأفريقيا بأسرها وفعلا أخذ العرب في تنفيذ هذه المخطط عن طريق الاستشراق والتبشير وأن أول من حاول التبشير في العالم الإسلامي بعد فشل الحروب الصليبية هو ريمون لول الأسباني الذي درس العلوم الإسلامية وناقش علماء المسلمين في أمور كثيرة .
ولكن هذا المجهود الفردي من لول وغيره لكن مجديا فلجأ الغرب لإرسال الارساليات التبشيرية المدعومة من الكنيسة والدول العربية للتبشير بين المسلمين وفي هذا يقول فيلي هني: ولجأ المسيحيون للاعتماد على الارساليات المسيحية للتبشير بين المسلمين بعد أن ثبت فشلهم في المعارك الحربية ومن مؤسساتهم لنجاح التبشير مدارس الفرنسيسكان والدومنيكان التي أنشأت في أوائل القرن الثالث عشر في سوريا وكان المبشر يعد لهذه المهمة قبل أن يرسل مباشرة ومن أهم وسائل اعداده تعليمه اللغة العربية وشيئا عن الدراسة الإسلامية وهو ذلك الدستور الذي لا يزال سائدا حتى الآن.
أما إذا أردنا التحدث عن أهداف المبشرين في العالم الإسلامي فإن أكثر الباحثين يذهبون إلى القول أن نشر المسيحية في العالم الإسلامي لم يعد له نفس الاهتمام السابق . لأنهم أدركوا أن محاولتهم العديدة لنشر المسيحية بين المسلمين قد فشلت في معظم الأحيان وفي ذلك يقول المبشر صموئيل زويمر: أن الذين دخلوا من المسلمين حظيرة المسيحيين لم يكونوا مسلمين حقيقيين لقد كانوا أحد ثلاثة : 1- أما صغير لم يكن له من أهله من يعرفه ما هو الإسلام 2) رجل مستخف بالأديان يبغي الحصول على قوت يومه وقد اشتد به الفقر وعزت عليه لقمة العيش 3) وأخر يبعي الوصول إلى غاية من الغايات الشخصية .
وقد عقب زويمر على ذلك مخاطبا المبشرين بقوله أن مهمة التبشير التي ندبتكم دولكم المسيحية للقيام بها في البلاد الإسلامية ليس ادخال المسلمين في المسيحية، بل اخراج المسلم من الاسلام بزعزعة ايمانه ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها .
وهكذا فإن أهداف المبشرين في وقتنا الحاضر قد تغيرت وأصبح هدفهم يرتكز على أساس زعزعة ثقة المسلمين بدينهم وحضارتهم عن طريق حملات التشويش التي يخوضونها ضد الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية هذا بالإضافة إلى قيامهم بخدمة مخططات دولهم الاستعمارية عن طريق اثارة الفتن الداخلية والتبشير للحضارة الغربية بفكرها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها بين المسلمين .
وقد عبر عن ذلك المبشر شاتيله في كتابه ( الغارة على العالم الإسلامي ) وقال مخاطبا المبشرين : إذا أردتم أن تغزو الإسلام وتحصروا شوكته وتقضوا على هذه العقيدة التي قضت على كل العقائد السابقة واللاحقة والتي كانت السبب الرئيسي لاعتزاز المسلمين وشموخهم وسبب سيادتهم وغزوهم للعالم فعليكم أن تواجهوا جهودكم واهدافكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة الإسلامية بأماتة روح الاعتزاز بماضيهم وتاريخهم وكتابهم القرآن وتحويلهم عن ذلك بنشر ثقافتكم وتاريخكم ونشر روح الاباحية وتوفير عوامل الهدم المعنوي حتى لو لم نجد إلا المغفلين منهم والسذج والبسطاء فإنه يكفينا ذلك لأن الشجرة يجب أن يتسبب في قطعها أحد أعضائها .
وقد عبر المبشر زويمر عن رأيه الصريح في أعمال المبشرين البروتستانت حين اعترف بأن التبشير في البلاد الإسلامية ميزتين ميزة هدم وميزة بناء ويعني بالهدم انتزاع المسلم من دينه ولو إلى الالحاد ويعني بالنباء تنصير المسلم أن أمكن. ويضيف زويمر قائلا للمبشؤيين لا يجب للمبشر المسيحي أن يفشل أو أن ييأس ويقنط عندما يجد أن مساعيه لم تثمر في جلب كثير من المسلمين إلى المسيحية لكن يكفي أن تجعل الإسلام يخصر مسلمين بذبذبة بعضهم عندما يتذبذب مسلم وتجعل الإسلام يخسره تعتبر ناجحا أيها المبشر المسيحي يكفي أن تذبذبه ولو لم يصبح هذا المسلم مسيحيا .
وهكذا فإن التبشير أصبح من أهم أدوات الغزو الفكري الذي لجأت إليه الدول الغربية للسيطرة على العالم الإسلامي عن طريق التشكيك في الإسلام والحضارة والتاريخ الإسلامي من جهة والتبشر للحضارة والفكر الغربي وخدمة المخططات الاستعمارية من جهة أخرى
ولذلك فإنه ليس من المصادفة أن يكون الارتباط بين التبشير والاستعمار ارتباطا وثيقا . فالتبشير دعامة من دعامات الاستعمار وأداة من أدوات الفكر العربي فقد كان الاستعمار ولا يزال يقدم العون المادي والمعنوي للمبشرين ويقوم بحمايتهم وإزالة الصعاب من أمامهم وفي ذلك بقول سعيد عبد الله حارب أن ارتباط التنصير بالاستعمار يكاد يكون عضويا فقد مهدت السلطات الاستعمارية لنشاط التنصير ووفرت له لحماية والأمن والدعم المعنوي والمادي ويضيف أن كثيرا من مبشري القرن التاسع عشر كانوا يتحركون بعقلية صليبية وكانوا استعماريين يقومون بدور مزدوج في التبشير وخدمة مخططات دولهم الاستعمارية. لقد كان المبشرون هم الرواد الأوائل للاستعمار الثقافي الغربي في عالمنا الإسلامي وبلادنا العربية بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص .
ويقول علي عبد الحليم محمود :كان التبشير هو الخطوة الأولى التي مهدت للاستعمار ومكنته من الاستيلاء على بلاد المسلمين وتسخير أرضهم وخيراتها وكثير من أبنائها لخدمة الأغراض السياسية والتبشيرية معا
ويقول باحث آخر أن التبشير الديني نفسه ستار للتبشير التجاري والسياسي وأساس متين للاستعمار ولنذكر أن أكثر الفتنة الداخلية في الشرق من دينية وسياسية واجتماعية انما قام به المبشرون الذين استأجرهم الاستعمار .
نعم لقد كان الارتباط بين المبشرين والاستعمار وثيقا جدا حيث أن المبشرين كانوا يلجأون إلى قناصل دولهم في الدول الإسلامية لكي يحلوا لهم الكثير من المشاكل التي كانت تواجههم . فكانت بريطانيا أو أمريكيا تقوم بحماية الارساليات البروتستانية وكانت كلا من فرنسا وايطاليا وأسبانيا تقوم بحماية الارساليات الكاثولوليكية.
وقد حدث مرة أن الخديوي إسماعيل أراد أن يغلق مدارس المبشرين البروتستانت في مصر لأنهم يتدخلون في السياسة ويثيرون الاضطرابات في البلاد ويزيدون من مشاكل الحكومة فتدخل في الأمر بعض قناصل الدول الغربية وأيدت المبشرين وحملت الحكومة المصرية على العدول عن ذلك . أما عن أهمية الدور الذي يقوم به المبشرون لخدمة مخططات دولهم الاستعمارية فيقول في ذلك سنكال رئيس غرفة التجارة في هامبرع في المؤتمر الاستعماري الألماني: أن نمو ثروة الاستعمار متوقف على أهمية الرجال الذين يذهبون إلى المستعمرات وأهم وسيلة للحصول على هذه الأمنية هو ادخال الدين المسيحي في البلاد المستعمرة لأن هذا هو الشرط الجوهري للحصول على الأمنية المنشودة حتى من الواجهة الاقتصادية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق