التبشير في منطقة الخليج العربي – الحلقة الاخيرة
الحملات التبشيرية التي تعرضت لها منطقة الخليج من أخطر التحديات الاستعمارية
المبشرون المعاصرون لا زالوا يخططون للنيل من الإسلام
بقلم / يوسف الطويل
من المعروف تاريخيا أن المسيحية دخلت إلى الجزيرة العربية قبل الإسلام من مصدرين الأول هو الحركة النسطورية التي دخلت على الجزيرة العربية عن طريق بلاد فارس وقد اعتنق عرب الحيرة هذا المذهب .
أما المصدر الثاني فهو عن طريق الأحباش الذين احتلوا جنوب الجزيرة العربية وحكومها فترة من الزمن قبل ظهور الإسلام .
ولكن عندما ظهر الإسلام في الجزيرة العربية لم يبق أي أثر للوجود المسيحي فيها وأن ظل هناك وجود لمسيحيين عرب هم أجناد الغساسنة والمناذرة وهؤلاء كانوا منتشرين في شمال الجزيرة العربية وبلاد الشام.
وفي أثناء ازدهار الدولة الإسلامية في العصور الوسطى لم تكن هناك حركات تبشيرية لادخال المسيحيين في الديانة المسيحية ولكن لما بدأ الضعف يدب في الدولة الإسلامية أخذ مسيحيو أوروبا يزداد قدومهم على بلاد الشرق لزيارة الأماكن المقدسة وللتجارة وكلنا يعلم ماتبع ذلك من حروب صليبية للاستيلاء على العالم الإسلامي.
وقد انهكت هذه الحروب الدولة الإسلامية فدب فيها الضعف فبدأ من هنا تسلل الفكر الغربي إلى المجتمعات الاسلامية، وكان من أهم الوسائل وأخطرها المنظمات والارساليات التبشيرية التي أخذ يزداد عددها ونشاطها في البلاد الإسلامية وذلك بدعم من الدول الاستعمارية وتعرضت منطقة الخليج العربي لمحاولات الغزو الفكري عن طريق المؤسسات التبشيرية وغيرها من المؤسسات وذلك كغيرها من الدول الإسلامية.
يقول عبد الملك التميمي في كتابة التبشير في منطقة الخليج قد تسسل الفكر الغربي الامبريالي إلى مجتمعنا العربي بوسائل متعددة ولفترة زمنية طويلة أي منذ أن اتجهت أنظار الدول الاستعمارية للسيطرة على وطننا العربي هذا التغلغل كان سابقا على السيطرة العسكرية والسياسية وممهدا لها ثم معاضدا لوجودها.. ويضيف أن الهدف الامبريالي لهذا النشاط كان ولا يزال هو ايجاد القابلية لدى الشعب العربي لقبول سياسات وترويض الناس وتدجينهم بحيث يحقق أهدافه على أرض سهلة بأقل صعوبة وتضحية وأقصر طريق.. لقد كان التبشير بمعناه الشامل ليس فقط الديني بل التبشير للثقافة الغربية الامبريالية احدى الوسائل التي سلكها الغربيون وأقاموا لها المؤسسات التبشيرية لأغراض دينية سرعان ما استغلت واستخدمت لأغراض سياسية. أن تركيز الارساليات التبشيرية والتي تعمل بدعم ووفق تخطيط الدول الاستعمارية على منطقة الخليج العربي يعوذ إلى الموقع الاستراتيجي التي تتمتع به منطقة الخليج العربي منذ القدم حيث كانت تجارة موانئ الخليج العربي منذ القدم من التجارات الزاهرة في القدم حيث كانت تتقل البضائع والسلع من الصين والهند إلى موانئه ومنها تنقل بواسطة القوافل إلى السواحل الشرقية للبحر المتوسط لذا فإن السيطرة على هذا الممر المائي الهام والتحكم فيه تعني التحكم بأحد الطرق التجارية العالمية انذاك .
وازدادت أهمية هذه المنطقة من العالم بعد ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية حيث تولى أبناؤها مهمة تبليغ الرسالة الإسلامية . وقد استطاع هؤلاء الرجال الأبطال نشر الإسلام في بقاع كثيرة من العالم فكان ذلك بمثابة تهديد وخطر على الديانات الأخرى وخاصة الديانة المسيحية والتي خسرت بقاعا كثيرة وفقدت كل نفوذ لها في الشرق حيث لم تقم لها قائمة بعد ذلك .
ومن هنا بدأ المبشرون ينظرون إلى شبه الجزيرة العربية نظرة حقد لأنها تمثل مهد الإسلام وفيها أماكن مقدسة يحج إليها المسلمون من كافة بقاع الأرض ولذلك سعى هؤلاء إلى محاربة الإسلام والعرب بشتى الوسائل والطرق ومحاربة الإسلام لا تكون إلا بالقضاء عليه في عقر داره وهزيمة المسلمين في بلادهم فمكة هي الهدف والجزيرة العربية هي الطريق التي يلج منها المبشرون إلى مكة المكرمة كما يقول القس صموئيل زويمر.
أن اهتمام المبشرين بالجزيرة والخليج العربي وجعلها هدفا لارسالياتهم يعود إلى أن النجاح في هذه المنطقة سكون نقطة تحول في العمل التبشيري ككل لأن الدعاة المسلمين كانوا هم العقبة الوحيدة أمام المبشرين في أفريقيا ولذلك فإن أحد المبشرين في أوغندا ويدعي اسكندر ماكس أصدر في عام 1888 نداء لتأسيس ارسالية تبشيرية في مسقط والتي كانت تعتبر مفتاحا لأفريقيا الوسطى.
لقد أدرك المبشرون أيضا أن قوة العرب تعني قوة الإسلام ولذلك لا بد من هزيمة العرب لكي يتسنى لهم القضاء على الإسلام وفي ذلك يقول المبشر مورو بيرجر: فقد ثبت تاريخيا أن قوة العرب تعني قوة الإسلام. إذاً فأننا لكي ندمر الإسلام يجب أن ندمر العرب.
لقد كانت الحملات التبشيرية التي تعرضت لها منطقة الخليج العربي من أخطر التحديات التي واجهتها هذه المنطقة في ظل السلطة الاستعمارية لأنها تمت في ظل أوضاع اجتماعية واقتصادية وثقافية سيئة للغاية . وفي ذلك يقول سعيد عبد الله حارب في كتابه منطقة الخليج العربي قبل الاستقلال فترة من التخلف العلمي والثقافي والاجتماعي لم تشهده إلا مناطق قليلة من العالم فقد حرمت المنطقة من خلال تلك الفترة من نصيبها في التطور الحضاري والتقدم المادي حيث فرض عليها الاستعمار خلال مراحله المتعاقبة عزلة شبه كاملة عن الاتصال بالعالم الخارجي فلم تكن هناك أي صورة من صور التقدم التي تعيشها بقية أجزاء العالم فلا توجد مدارس أو مستشفيات أو جامعات أو صحف أو أية وسيلة من وسائل الإعلام وفي ظل هذه الظروف الصعبة وجد دعاة التنصير الفرصة سانحة لجعل هذه المنطقة ميدان نشاطهم التنصيري ساعدهم على ذلك وجود القوات الاستعمارية وتشجيعها ومساندتها لهم .
ومن المبررات التي يستند إليها المبشرون للتبشير في المنطقة هو قولهم أن الجزيرة العربية كانت في يوم من الأيام وقبل الإسلام متأثرة بالمسيحية ولذلك يجب اعادتها إليها كما أنهم يدعون أن بولس الرسول قد زار الجزيرة العربية ولذلك يجب نشر المسيحية فيها وقد وجد دعاة التبشير في مكانة المسيح عليه السلام في القرآن واجلال المسلمين له ولأمه مريم عليهما السلام مدخلا لاقناع المسلمين بالمسيحية وقد بدأت ارساليات التبشير عملها أولا في المنطقة المحيطة بالخليج العربي كالعراق وفارس ثم امتدت إلى الخليج العربي .
وقد استهلت ارسالية الروم الكاثوليك هذا النشاط في المنطقة حيث غادر روما في 1604 ثلاثة من الأباء الكراملة على شكل مبشرين وسفراء من البابا كلمنت الثاني إلى الشاه عباس الكبير وفي سنة 1608 انشئ دير في مدينة اصفهان ثم أنشئ دير آخر للكراملة في جزيرة هرمز ثم اتخذ المبشرون من مدينة البصرة محطة انطلاق لهم إلى بقية دول الخليج العربي حيث أنشئت مؤسسات تبشيرية فيها عام 1621 تابعة للارسالية الكرملية الايرانية .
ثم بدأ بعد ذلك نشاط الإرسالية البروتستاتية في الخليج العربي حيث يبدأ تاريخ الإرسالية البروستاتية في المنطقة برحلة قام بها هنري مارتن أحد المبشرين الهنود على ظهر سفينة تابعة لشركة بومباي البحرين في 1811 وكان من أهم ما قام به من أعمال هو ترجمته للكتاب المقدس إلى اللغة العربية ومحاولته بيع بعض النسخ منه وبعد هنري مارتن قام كثير من المبشرين بزيارة الجزيرة العربية من خلال رحلات متعددة لدراسة المنطقة والعادات والتقاليد العربية حتى يستطيعوا أن يضعوا الخطط اللازمة لذلك .
وقد دخل العمل التبشيري عهدا جديدا و خطيرا عندما بدأ عمل الارسالية العربية الأمريكية في منطقة الخليج العربي. وهذه الارسالية هي ارسالية أمريكية بروتستاتية أهم أهدافها هو التنصير الكامل للجزيرة العربية ابتداء من الخليج العربي الذي اتخذته هذه الإرسالية قاعدة للانطلاق إلى باقي أنحاء الجزيرة العربية. والمعروف عن العاملين في الارساليات البروتستاتتية نشاطهم الدائم وتعدد أساليبهم التبشيرية وأمكانياتهم المادية الضخمة .
وكانت أول ارسائية أمريكية بروتستاتتية قد وصلت إلى سوريا في سنة 1830 وكان أعضاؤها يتبعون الهيئة الأمريكية للارساليات العربية . وقد اتخذ المبشرين من بيروت أول محطة انتقالية لهم للعمل الميداني في المنطقة كلها فأقام المبشرون هناك عدة شهور لجمع المعلومات ودراسة اللغة العربية والتدرب عليها وبعد بيروت ذهبت الارساليات الأمريكية إلى البصرة وبدأت بإقامة أول محطة لها في سنة 1891 وقد أصبحت هذه المحطة في السنوات التالية مركزا وقاعدة لعملياتهم في منطقة الخليج العربي ومن البصرة بدأ عمل الارسالية لتغطية معظم أراضي الخليج العربي وبعض أجزاء من شبه الجزيرة العربية فتم افتتاح محطة تابعة للارسالية في البحرين وتولى القس صموئيل زويمر رئاسة هذه الارسالية ففي عام 1883 أقام زويمر مكتبة للكتاب المقدس حيث أنه فتح في بداية أمره حانوتا في السوق لبيع الكتب المختلفة ثم تخصص بعد ذلك في بيع الكتب التبشيرية وقد ساعدته القنصلية الانجليزية على بناء مدرسة ومستشفى .
وزويمر هذا يعد من أخطر المبشرين وأشهرهم في القرن العشرين فهو صاحب فكرة مؤتمرات التبشير وقد تولى رئاسة مؤتمرات عديدة بالإضافة إلى أنه يرى أن التعليم التبشيري هو المصدر الرئيسي للعمل بين المسلمين وله عدة مؤلفات في ذلك كما أن زويمر تولى الدعوة إلى عقد مؤتمر عام يجمع ارساليات التبشير البروتستاتتية للتفكير في أفضل الوسائل اللازمة لتنصير المسلمين ومن أبرز أرائه لدفع حركة التبشير هو إيمانه بأن هدف التبشير ليس ادخال في دين معين ولكنه اخراجهم من الإسلام عن طريق زعزعة ثقة المسلمين بدينهم عن طريق حملات التبشير التي يخوضونها ضد الاسلام. وقد عبر زويمر عن رأيه في أعمال المبشرين في أحد المؤتمرات فقال: لقد خلقتم في ديار الإسلام شبابا لا يعرف الصلة بالله ولا يريد أن يعرفها واخرجتم المسلمين من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية وبالتالي جاء النشئ كم يريد الاستعمار لا يهتم للعظائم ويحب الراحة والكسل ولا يصرف همه في دنياه إلا للشهوات .
ويكفي أن تعرف مقدار خطر هذا المبشر أقصد الحاخام حيث أنه يهودي اندس في صفوف المبشرين للكيد للإسلام والمسلمين فقد أوصى زويمر قبل وفاته بأنه يدفن في مقبرة يهودية وعلى أيدي حاخام يهودي . وصموئيل زويمر أثناء عمله في البحرين كان يلقب نفسه بضيف الله والسكان يلقبونه بضيف الشيطان وقد زار زويمر مختلف المناطق في الجزيرة العربية ووضع توصياته للمبشرين .
وعندما استقرت أوضاع الارسالية في البحرين على أيدي زويمر تم افتتاح ارساليتين في كل من عمان والكويت. ومن عمان انطلق المبشرون إلى امارات الساحل حيث قام زويمر بجولة في الساحل الشمالي لعمان ودرس خلالها المناطق التي يمكن اقامة مراكز تبشيرية فيها ثم أقام بعده الدكتور ( بور هاريسون ) بجولة في المنطقة حيث زار امارات الساحل حيث تم انشاء ارساليات تبشيرية فيها كالإرسالية العربية الأمريكية في الشارقة وقد أنشأتها الدكتورة ( سارة هاوسمان ) وكانت جزءا من الارسالية العربية الأمريكية كما أنشئت ارسالية أخرى وهي الارسالية الانجيلية ( بروتستاتية ) والتي يقودها الدكتور كيندي في مدينة العين .
وقد كانت جميع هذه الارساليات التبشيرية تتخذ من الخدمات الطبية وبناء المستشفيات والمصحات مدخلا مهما لعملياتها التبشيرية بالاضافة إلى الخدمات التعليمية التي كانت تقوم بها من خلال بناء المدارس الأجنبية والاشراف عليها. وكانت وسائل نشر المسيحية هي المطبوعات التبشيرية التي تهدف التعريف بالمسيحية وأيضا ترجمة الكتاب المقدس إلى العربية وطباعته وتوزيعه على المسلمين بالإضافة إلى الحوار مع المسلمين .
لقد استغل المبشرون حالة التخالف والفقر التي كانت تعيشها منطقة الخليج العربي وحاجتها للتعليم والخدمات الطبية أسوأ استغلال فلم يكن الهدف من إنشاء المدارس والمستشفيات هو رفع المستوى التعليمي والصحي للسكان بقدر ما كان استغلال هذه الوسائل في عمليات التبشير.
ولو أردنا أن نتحدث عن منجزات الإرسالية العربية الأمريكية في منطقة الخليج فإنه ربما يكون من أبرز نتائج هذه التجربة كما يقول عبد المالك التميمي: هو أن عملها الذي غطى يقارب خمسا وثمانية عاما قد فشل في اجتذاب جماهير الأهالي في المنطقة وبالتالي أخفق في تحقيق أهدافه حيث كان عدد معتنقي المسيحية ضئيلا جداً .
القاديانية حركة باطلة معادية للإسلام (1)
بقلم / يوسف الطويل
جريدة الوحدة الاماراتية 25/2/1988
القاديانية فرقة تقوم معتقداتها على الضلال والانحراف ومنذ وقت مبكر حاولت هذه الفرقة التعبير عن حقد أصحابها على الإسلام بكتابات ما فتنت تظهر بين الحين والآخر مشوهة مفاهيم الإسلام وتاريخه .
أن الشغل الشاغل للقاديانيين كان أثاره الشكوك والتفسير الخاطئ للنصوص الشرعية سواء منها ما ينص على الجهاد أو غيره وكانوا يسعون إلى زرع الفتنة بين المسلمين وبين المسلمين وغير المسلمين في محاولة لتنفيذ السياسة الاستعمارية في زرع الفرقة والشقاق .
وقد يكون من المفيد أن نعلم بأن الكيان الصهيوني كان له نصيب في الاستفادة من نشاطات هذه الفئة الضالة المرتدة عن الإسلام وهناك من يؤكد بوجود مركز قادياني في داخل الكيان الصهيوني لذلك من واجب المسلمين في كل عصر ومصر أن ينتبهوا لأمر كل دعوة وادعاء خوف أن يدخل في باب ما هو شبيه بالقاديانية .
وقد أرسل إلينا الكاتب الإسلامي يوسف هذا المقال عن نشأة الحركة القاديانية وتطورها وعلاقتها بالاستعمار والصهيونية وفيما يلي الجزء الأول من هذا المقال : المحرر
نشأة القاديانية
ظهرت الدعوة القاديانية في النصف الثان من القرن التاسع عشر في بلاد الهند وشغلت هذه الأمة الإسلامية وما زالت بأفكارها ونشاطها الذي تجاوز حدود وطنها إلى أنحاء كثيرة من العالم الإسلامي وبخاصة المناطق النائية والبعيدة منه حيث يكون أبرز نشاطها حينما تنفرد بالدعوة باسم الإسلام في هذه المناطق خاصة في أمريكا وأفريقيا ومناطق أخرى. وصاحب هذه الدعوة هو ميزار غلام أحمد القادياني الذي ادعى أنه مصلحا ومجددا ثم مهديا ومسيحا موعودا وأخيرا ادعى أنه نبيا ورسولا .
ولد غلام أحمد في مدينة قاديان في بلاد البنجاب في الهند في سنة 1835 وكان والده يعمل طبيبا أو عرافا وكان غلام أحمد يفتخر بعمل أبوه ويقول: أنه تعلم من أبوه علوم التنجيم . وقد تلقى غلام أحمد مبادئ العلم وقرأ كتب المنطق والفلسفة والعلوم الدينية في قاديان واشتغل غلام احمد في أول حياته موظفا عموميا في بلدة سيالكوت ثم استقال من خدمة الحكومة واتجه إلى العمل في خدمة البعثات التبشيرية المسيحية وتوسمت هذه البعثات في ميزرا شخصا تجعله مخلب قط بالنسبة لسياستها التبشيرية فجعلت منه شخصية محبوبة في محيط المسلمين وألفت حوله المديدون.
وأول ما ظهر غلام أحمد بدعوته كان كرجل داعية عندما أعلن في عام 1884 أنه مجدد الإسلام واستند في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: أن الله يبعث بهذه الأمة كل مائة سنة رجلا يجدد لها دينها واعتبر نفسه أنه رجل المائة الأخيرة .
ولما بلغ الأربعين ادعى بداية هبوط الوحي عليه حيث قال أنه دخل على الرسول في حجرة فقال له الرسول: ما هذا بيمينك يا أحمد فقال : فنظرت فإذا كتاب بيدي اليمين وخطر بقلبي أنه من مصنفاتي فقلت: يارسول الله اسمه قطب قال: أرني كتابك القطبي. وبينما أنا في هذا الخيال فإذا الميت جاءني حيا وهو يسعى وقام وراء ظهري وفيه ضعف كأنه من الجائعين فالقى الله في قلبي أن الميت هو الإسلام وسيحييه الله على يدي بفيض روحانية .
وفي عام 1888 أعلن أنه المرشد الذي يهدي الأمة الإسلامية ثم أعلن بعد ذلك أن روح المسيح وروح محمد قد حلت في جسده وعلى هذا فقد ادعى أنه نبي ورسول وقد حاول غلام أحمد أن يوهم المسلمين أن له معجزات كسائر الأنبياء ومن أضاليله في هذا الشأن أنه ادعى أنه يستطيع معرفة موعد الخسوف والكسوف وكان الانجليز هم الذين يمدونه بحسابات هذه الظواهر الفلكية التي لم تكن معروفة في الهند انذاك حيث أن معرفة موعد الخسوف والكسوف من الامور العلمية التى يستطيع اى انسان معرفتها عن طريق بعض الحسابات، وقد كانت صحة أحمد غلام أحمد معلولة فكان غير طبيعي وكان يعاني من اضطرابات تؤثر على سلوكه وحركاته وكان مصابا بالهستيريا .
وقد توفي غلام أحمد عام 1908 عندما أصيب بوباء الكوليرا رغم الجهود الجبارة التي بذلتها الحكومة الانجليزية لعلاجه وقد دفن غلام أحمد في قاديان التي سماها اتباعه مقر النبي العظيم وأصبحت قاديان مكانا مقدسا يحج إليها القاديون من كل مكان .
هذه نبذة تاريخية عن حياة غلام أحمد مؤسس الفرقة القاديانية الضالة وسنتكلم الآن عن الظروف التي نشأت فيها الدعوة القاديانية في بلاد الهند .
لقد مر المسلمون في بلاد الهند في محنة كبيرة في بداية القرن التاسع عشر وخاصة في اقليم البنجاب حيث قام السيك في تلك الأثناء وفي ظل السيطرة الاستعمارية باضطهاد المسلمين والتنكيل بهم وتجرأوا على تعطيل الشعائر الدينية واغلاق المساجد الإسلامية وقويت شوكتهم وزاد ظلمهم للمسلمين .
وفي هذه الأثناء بدأ المسلمون يسعون إلى توحيد صفوفهم بزعامة المجاهد أحمد بن عرفان الذي دعا الناس إلى العودة إلى الدين الصحيح وقام بمحاربة البدع والشرك ودعا المسلمين إلى الجهاد في سبيل الله ونشبت المعارك بين المسلمين والسيك وكان النصر حليفا للمسلمين وقد نجح المجاهد أحمد بن عرفان وغيره أيقاظ الوعي الإسلامي من سباته واستطاع أن يلهب شعلة الجهاد والفداء وبث روح النخوة الإسلامية والحماسة الدينية في صدور المسلمين وقد سارت على نهج هذه الحركة سائر الحركات الإسلامية في بلاد الهند . وقد كانت الهند في ذلك الوقت تقع تحت نير الاستعمار البريطاني حيث ارتكب الانجليز فظائع كبيرة ضد الهنود فانفجرت ثورة 1857 والتي كادت أن تقضي على أطماع الانجليز في هذه البلاد وقد كان المسلمون في طليعة المشاركين في هذه الثورة وأذاقوا الانجليز مرارة الهزيمة ولكن الانجليز استطاعوا أن يقضوا عل هذه الثورة عن طريق القمع بكل قوة وعنف .
وأدرك الانجليز بعدها أن الخطر الحقيقي الذي يتهددهم يكمن في الإسلام وبخاصة في مفهوم الجهاد ولذلك ركز المستعمر على تشويه هذا المفهوم ومحاربته بشتى الوسائل والأساليب فأقام الانجليز المدارس الأجنبية والتي لا تتوافق مع طبيعة المسلمين وثقافتهم وقاموا أيضا باستقدام أعداد كبيرة من المبشرين والقساوسة الذين ملأوا البلاد لكي يقوموا بتنصير المسلمين بالإضافة إلى قيامهم بزعزعة ثقة المسلمين بدينهم عن طريق اثارة الشبهات حول الإسلام وملء نفوس المسلمين بالشك والريبة وقد استفحل خطر المبشرين والقساومة في هذه الفترة في بلاد البنجاب في الهند فقام بالتصدي لهم عدد من علماء المسلمين للحد من خطورتهم. فكثرت المناظرات في هذه الفترة بين القساوسة وعلماء الإسلام حيث انتصر فيها العلماء المسلمون وظهرت قوة حجج الإسلام أمام خصومه .
ولكن تلا هذه الفترة من المناظرات كما يقول أبو الحسن النووي: قلقل في النفوس وبلبلة في الأفكار والعقائد واتسع الخلاف بين الفرق الإسلامية وتحمست كل فرقة إسلامية في الرد على غيرها وكثرت المناظرات والمجادلات التي أدت في بعض الأحيان إلى المضاربات والمحاكمات وحمى الوطيس وعنف الصراع وكل ذلك أحدث قلقا فكريا وأضعف حرمة الدين ومهابته وحط من مكانة العلماء وكرامتهم . ونشط في هذه الفترة محترفو التصوف في نشر شطحاتهم والهاماتهم وكثر المتطفلون والأدعياء وكثرت الاتهامات والتنبؤات والمنامات .
وكان كل هذا الذي يحدث في الهند في هذه الفترة يسير على مصلحة الانجليز ولذلك قام الانجليز بتشجيع هذه المناظرات والمجادلات والدعوات لأنها تحدث الاضطراب الفكري والخلقي في البلاد وتبعد الأنظار عن الخطر الحقيقي الذي يتهدد البلاد عن طريق شغل الناس في قضايا فرعية وفارغة .
في ظل هذا الجو من البلبلة والاضراب الفكري هيأ غلام أحمد نفسه للدخول في معركة المجادلات والمناظرات والتي ستكسبه النصر والصيت البعيد حيث أن من كان يقوم للدفاع عن العقيدة الإسلامية والرد على أصحاب الديانات الأخرى في هذه الفترة كان محل اعجاب وتقدير المسلمين ومعقد أمالهم ومن هنا بدأ غلام أحمد يؤلف كتابا في اثبات فضل الإسلام والرد على الديانات الأخرى في الهند كالمسيحية والأردية والبرهمية . وقد سمي هذا الكتاب ( براهين أحمدية ) وقد قام بعمل دعاية كبيرة لهذا الكتاب حيث دعا المسلمين للتبرع لتغطية تكاليف طبع هذا الكتاب .
ويظهر أن هذا الكتاب قد جاء في أوانه وأن المؤلف كان بعيد النظر في اثارة هذا الموضوع الذي يشغل المسلمين وكانوا يجلون كل من ينهض له وينظرون إليه كبطل من أبطال الإسلام وقد أحسن غلام أحمد الدعاية لهذا الكتاب فأحدث دويا في الأوساط الإسلامية وكان التحدي من أكبر أنصار هذا الكتاب كما يقول أبو الحسن النووي .
ثم ألف غلام أحمد كتابا آخر في مناظرة الديانة الأردية والرد عليها، وقد كان لهذين الكتابين صدى عميق في الأوساط الإسلامية وغير الإسلامية وعن طريقهما عرف غلام أحمد قيمته وجعل يشعر بخطره وتأثيره وامكانيات نجاحه ونشأ فيه اعتزاز بنفسه ورأيه واعجاب بشخصيته، وكان كل ذلك نقطة تحول في حياته من الخمول إلى الظهور ومن التواضع إلى الكبرياء ومن مناظرة المسيحيين والأريين إلى دعوة المسملين ومناظرتهم وتحديهم .
وغلام أحمد خلال هذه الفترة لم يفصح عن نواياه الخبيثة بل كان يعتبر نفسه داعية أو مجددا بالرغم من ولائه للانجليز في هذه الفترة والتغني بفضلهم على المسلمين .
ولكن التحول الخطير في مجرى دعوته يتضح من خلال الرسالة التي أرسلها له الحكيم نور الدين الذي يذهب كثير من الباحثين إلى أنه صاحب الفكرة والتصميم في الحركة القاديانية فقد اقترح نور الدين على غلام أحمد أن يدعي أنه المسيح الموعود ويبدو أن الميزرا كان مترددا في البداية ولكنه قبل هذه الفكرة وأعلن في سنة 1891 أنه المسيح الموعود .
ويذهب البعض إلى أن فكرة دعوة غلام للادعاء بأنه المسيح الموعود وهي من صنع الانجليزي ووحيهم وايعازهم فإنهم أرادوا استغلال هذه العقيدة لخدمة مصالحهم في العالم الإسلامي وربما هذا هو ما يفسر دفاع أحمد عن الانجليز وسعيه إلى تحقيق أعظم أهدافهم وهو إنهاء فريضة الجهاد كما سنوضع في الحلقة القادمة.
الحلقة الثانية
القاديانية فرقة تقوم معتقداتها على الضلال والانحراف ومنذ وقت مبكر حاولت هذه الفرقة التعبير عن حقد أصحابها على الإسلام بكتابات ما فتنت تظهر بين الحين والآخر مشوهة مفاهيم الإسلام وتاريخه .
أن الشغل الشاغل للقاديانيين كان أثاره الشكوك والتفسير الخاطئ للنصوص الشرعية سواء منها ما ينص على الجهاد أو غيره وكانوا يسعون إلى زرع الفتنة بين المسلمين وبين المسلمين وغير المسلمين في محاولة لتنفيذ السياسة الاستعمارية في زرع الفرقة والشقاق .
وقد يكون من المفيد أن نعلم بأن الكيان الصهيوني كان له نصيب في الاستفادة من نشاطات هذه الفئة الضالة المرتدة عن الإسلام وهناك من يؤكد بوجود مركز قادياني في داخل الكيان الصهيوني لذلك من واجب المسلمين في كل عصر ومصر أن ينتبهوا لأمر كل دعوة وادعاء خوف أن يدخل في باب ما هو شبيه بالقاديانية .
وقد أرسل إلينا الكاتب الإسلامي يوسف الطويل هذا المقال عن نشأة الحركة القاديانية وتطورها وعلاقتها بالاستعمار والصهيونية .وفيما يلي الجزء الثاني والأخير من هذا المقال المحرر .
وما أن أعلن غلام أحمد أنه المسيح الموعود بدأ في نشر ضلالاته بين المسلمين عن طريق تفسيراته الغربية للقرآن والأحاديث النبوية النبوية لكي يؤيد وجهة نظره فيما يريد الوصول إليه . ومن أقوال غلام أحمد الضالة هو ادعائه أن روح المسيح قد حلت فيه وأن ما يلهمه هو كلام الله كالقرآن والتوراة والانجيل وأن الله قد أوحي إليه بآيات تربو على عشرة آلاف آية وأن قاديان هي البلدة المقدسة المكني عنها في القرآن بالمسجد الأقصى والثالثة بعد مكة والمدينة وأن الحج إليها فريضة .
هذا بالإضافة إلى أن غلام أحمد يزعم بأنه هو المراد من الحديث الوارد في نزول المسيح ابن مريم عليهما السلام حيث يقول: وأن المسلمين والنصارى يعتقدون باختلاف يسير أن المسيح ابن مريم قد رفع إلى السماء بجسده العنصرى وأنه ينزل من السماء. وقد اثبت في كتاب فتح الإسلام أنها عقيدة خاطئة وقد شرحت أنه ليس المراد بالنزول هو نزول المسيح بل هو إعلام على طريق الاستعارة بقدوم مثيل المسيح وأن هذا العاجز يعني نفسه هو مصداق هذا الخبر حسب الأعلام والالهام.
ومن ضلالاته هو تفسيره لمعنى خاتم النبيين التي وردت في الآية الكريمة " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين " فقد وقف غلام أحمد أمام هذه الآية حائرا لأنها تسد أمامه الطريق في ادعاءه النبوة فحاول تأويل الآية على معنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أفضل النبيين أو سيد النبيين أو الطابع والخاتم الذي يطيع به كافة النبييين من بعده .
فقد جاء غلام أحمد بعد أربعة عشر قرنا من الزمن ليخبر المسلمين أن فهمهم لمعنى هذه الآية خاطئ أنه وحدة هو الذي استطاع فهم معناها الحقيقي ومن الواضح أن معنى الآية واضح في غاية الوضوح حيث اجمع علماء اللغة والتفسير على أن معنى خاتم النبيين هو آخرهم الذي لا نبي بعده مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم " أن الرسالة والنبوة قد انقطعت فلا رسول بعدي ولا نبي " رواه الترمذي
ولعل من أخطر ضلالات غلام أحمد هو دعوته إلى الغاء الجهاد وموالاة الاعداء حيث يقول: لقد الغي الجهاد في عصر المسيح الموعود الغاءً باتا أن الجهاد للدين يحرم في عهد المسيح فيحرم الجهاد في هذا اليوم وكل من يرفع السيف للدين ويقتل الكفار باسم الغزو والجهاد يكون عاصيا للسنة ولرسوله.
ففي هذا الوقت العصيب الذي كانت تمر بة الأمة الإسلامية والمسلمين في الهند والتي كانت في أحوج ما تكون إلى داعية يجمع شملها ويوحد صفوفها ضد العدو الغاصب، طالب غلام أحمد بالغاء الجهاد ونسخه وليته اكتفى بذلك بل طالب بمهادنة الانجليز وتيجيلهم لما لهم من فضل على المسلمين فيقول في ذلك: أنه لا يحل الجهاد أصلا ضد الحكومة الانجليزية التي أحسنت إلينا بل بالعكس من ذلك يجب على كل مسلم أن يطيع هذه الحكومة بكل اخلاص وقد اتفقت على طبع هذه الكتب أحد الأديرة وأرسلتها إلى البلاد الإسلامية وأنا عارف أن هذه الكتب قد أثرت تأثيرا عظيما في أهل هذه البلاد .
وقد كان غلام أحمد شديد الولاء للانجليز وهم يومئذ المحتلون الغاصبون لبلاده وكان يسلك كل طريق لاظهار الولاء والطاعة والوفاء لهم حتى قال: لقد ظللت منذ حداثة سنى ______ وقدامي لاصرف قلوب المسلمين إلى الاخلاص للحكومة الانجليزية والنصح لها والعطف عليها واثنى فكرة الجهاد التي يدين بها بعض جهال المسلمين والتي تمنعهم من الاخلاص للانجليز وانا مؤمن بأنه كلما كثر عدد أتباعي قل شأن الجهاد ويلزم من الايمان بي أني مسيح أو مهدي أنكار الجهاد . وقد ألفت الكثير في تحريم الجهاد ضد الانجليز الذين أحسنوا إلينا والذين يجب علينا طاعتهم بكل اخلاص.
وهذا الذي يقوله غلام أحمد ليس بمستغرب أن يصدر منه فأغلب الباحثين يؤكدون أن القاديانية هي وليدة السياسة الانجليزية في الهند ولهذا حمى الانجليز دعوة غلام أحمد ومكنوه من نشر دعوته وأمدوه بالأموال اللازمة لذلك ويكفي أن نعرض لاعتراف غلام أحمد نفسه الذي يعترف فيه بأنه من غرس الانجليز حيث يقول: والمأمول من الحكومة أن تعامل هذه الجماعة التي هي من غرس الانجليز أنفسهم ومن صنائعهم بكل حزم واحتياط وتحقيق ورعاية وتوصي رجال حكومتها أن تعاملني وجماعتي بعطف خاص ورعاية فائقة.
وكان من المعروف عن غلام أحمد هو كثرة مناظرته مع القساوسة والمبشرين . وكان يقول في تعليل حدة وعنف قد يعتريه في الرد عليهم: لقد غلا بعض القساوسة والمبشرين في كتاباتهم وجاوزا حد الاعتدال ووقفوا في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخفت على المسلمين الذين يعرفون بحماستهم الدينية أن يكون لها رد فعل عنيف وأن تثور ثائرتهم على الحكومة الانجليزية ورأيت من المصلحة أن أقابل هذا الاعتداء بالاعتداء حتى تهدأ ثورة المسلمين وكان كذلك .
وهكذا فإن حدة وعنف غلام أحمد في مناظرته مع القساوسة والمبشرين لم تكن نابعة عن غيره ودفاع عن الإسلام بل أنه خاف أن يثير هجوم القساوة على الإسلام حماسة المسلمين ويزيد من كراهيتهم وحقدهم على أسياده الانجليز، ولذلك هب لمواجهة القساوسة من أجل عيون الانجليز.
نشاط الطائفة القاديانية بعد وفاة غلام أحمد
انفسم أتباع غلام أحمد بعد وفاته إلى شعبتين الأولى هي شعبة قاديان والثانية هي شعبة لاهور. وشعبة قاديان بقيت محافظة على تعاليم غلام أحمد وتصر هذه الطائفة على أن غلام أحمد هو المسيح الموعود وهو نبي ورسول . وقد استقر أتباع هذه الطائفة في منطقة تعرف بالربوة في أقليم ( جانج ) في البنجاب بعد أن أصبحت قاديان بلدة مهجورة بعد أن تركها أهلها إلى باكستان بعد انقسام القارة الهندية .
اما الشعبة الأخرى فهي شعبة لاهور وهي أشد خطرا من شعبة قلديان ومن أبرز زعمائها محمد علي صاحب ترجمة القرآن الكافرة .
وهذه الشعبية تتميز بأن أراء أصحابها غير واضحة فمرة يقولون عن غلام أحمد أنه مجدد وليس نبي ومرة يقولون عنه أنه المسيح الموعود. وأصحاب هذه الجماعة يتصفون بالغموض والمراوغة كما أنهم نهجوا نهج الأقلال من التعاليم القاديانية في نشر مذهبهم وتحروا السهولة في عرضها لتحوز القبول لدى جماهير المسلمين.
وقد اتسم نشاط هذه الجماعة بالتنظيم والفاعلية وخاصة في ميادين الطبع والعمل الدعائي المنظم ومن ضلالاتهم هو قولهم أن المسيح عليه السلام لم يولد من غير أب وزعيمهم محمد علي يصرح بأن سيدنا عيسى عليه السلام هو ابن يوسف النجار وأن مريم كانت متزوجة به .
ويجب ملاحظة أثر اليهود في هذا الرأي حيث أن هذا الرأي هو أساسا من مفتريات اليهود على سيدنا عيسى وأمه مريم عليهما السلام حيث وصف القرآن قول اليهود هذا بقوله تعالى: وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما". وزعماء الفرغ اللاهوري يلحون على أن غلام أحمد لم يدعي النبوة ويفسرون ذلك بأنه مجازات لغوية ويكابرون في ذلك اللغة والواقع ولهذا فإن القاديانيين يلقبونهم بالمنافقين لأنهم يحاولون الجمع بين الانتساب إلى مؤسس الجماعة غلام أحمد وارضاء الجماهير.
ومحمد علي صاحب ترجمة القرآن الكافرة يلقب غلام أحمد بحجة القرن العشرين والمصلح الأكبر وزيادة على ذلك يعتقد أنه المسيح الموعود ويصف غلام أحمد بأنه مسيح هذه الأمة . وقد غلب على تفسير محمد علي في ترجمته للقرآن الاتجاه العقلي الصرف في التفسير وهروبه من كل شيء يتطلب الايمان بالغيب وبالقدرة الالهية وبالمعجزات متجها بذلك نفس اتجاه الحركات الباطنية والاسماعيلية في التفسير .
وقد روجت القاديانية لترجمة محمد علي للقرآن ترويجا شديدا في العالم الإسلامي ولكن صدرت فتوى من رابطة العالم الإسلامي في مكة بتاريخ 28 نوفمبر 1972 تبطل هذه الترجمة وتحذر المسلمين منها ومن غيرها.
أما عن نشاط القاديانية فيقول أبو الحسن النووي: أنه لا يرى لها نشاط إلا في المناظرات وأثارة الشكوك والشبهات في المسلمين وتأييد السياسة الانجليزية ونشر الدعاية لعقيدتها الخاصة في الهند وخارج الهند .
وقد ألف أبو الأعلى المودودي رسالة في الرد على القاديانية حيث بين موقف الإسلام من هذه الفرقة الضالة وطالب بمعاملة القاديانية كاقلية غير مسلمة في باكستان. ويقول المودوي عن ناشطهم: أنهم يلجون في صفوف المسلمين وكأنهم منهم وينشرون فكرتهم ويدعون إلى طريقهم ومبادئهم ويناظرون الناس ويجادلونهم باسم الإسلام ويسعون سعيا متواصلا في تحطيم أجزاء الأمة المسلمة وضمها إلى مجتمعهم
وقد حارب محمد اقبال نشاط هذه الطائفة الضالة لأن نشاطهم اقتصر على اثارة المناقشات الدينية والمباحثات حول موت المسيح وحياته ونزوله ونبوة غلام أحمد المزعومة مما لا اتصال له بالحياة العامة للمسلمين .
وهكذا بقى القاديانيون ولا زالوا مشتغلين بالمناظرات واثارة الشكوك والشبهات في المسلمين وفتنتهم عن دينهم وخدمة المخططات الاستعمارية .
وإذا كان غلام أحمد وأتباعه قد ارتضوا على أنفسهم أن يكونوا العوبة في يد السياسة الانجليزية في بلاد الهند فإنه ليس من المستغرب أن ينحو أتباعه في هذا الوقت نفس المنحى والاتجاه، فتعاونهم الوثيق مع الصهيونية العالمية لمساعدتها في تحقيق أهدافها التوسعية في المنطقة العربية والإسلامية ازدادت حدته وحذر الكثيرون من خطره .
فالعلاقات بين الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة والحركة القاديانية راسخة وقوية حيث تلقى الحركة القاديانية من العدو الصهيوني كل دعم وتأييد في ترويج أباطيلها ضد المسلمين. وليس أدل على ذلك مما أوردته مجلة أرض الإسراء في العدد 104/ نيسان 1987 من أن رئيس الكيان الصهيوني هيرتزوغ استقبل رسميا رئيس المركز القادياني في حيفا وقد تبرع الكيان الصهيوني بمبلغ 18 مليون دولار أمريكي للمركز القادياني في حيفا وقد حضر اللقاء المدير السابق لجهاز المخابرات الصهيونية ( الموساد ) !!!؟
وإذا تركنا الكيان الصهيوني وذهبنا إلى جنوب أفريقيا فإننا سنجد أن هذه البلاد أصبحت أرضا خصبا لنشاط الطائفة القاديانية الضالة في ظل حماية النظام العنصري هناك . فحكومة جنوب أفريقيا تعامل الطائفة القاديانية كفرقة إسلامية بالرغم من احتجاج المسلمين هناك على هذا الوضع عن طريق المحاكم إلا أن الحكومة هناك اعترفت بهم كمسلمين .
الثلاثاء، 11 نوفمبر 2008
المبشرون استخدموا وسائل الإعلام للهجوم على الدين الإسلامي الحنيف
المبشرون استخدموا وسائل الإعلام للهجوم على الدين الإسلامي الحنيف
وقد لجأ هؤلاء المبشرون إلى دراسة علوم اللغة العربية والإسلامية لمعرفة اتجاهات المسلمين في مختلف الحياة ونظرا لأن ظهور حركة الاستشراق له صلة وثيقة بما يحدث اليوم من غزو فكري وتبشيري لكل المسلمين في مختلف أرجاء المعمورة ينبغي أن نلقي الضوء على الجذور التاريخية الأولى لحركة الاستشراق وما هي العوامل التي أدت إلى ظهورها ومدى تأثيرها على المسلمين سلبا وايجابا .
اتجه الإستعمار الغربي إلى الغزو غير المباشر للسيطرة على العالم الإسلامي وذلك باستخدام الغزو الفكري وسيلة مؤثرة بعد فشل وسائله التقليدية في الغزو العسكري للسيطرة على الشعوب الإسلامية ونهب ثرواتها .
وقد وجد الاستعمار في المستشرين الغربييين ضالته المنشودة لتحقيق أهدافه في السيطرة والتبعية عن طريق السيطرة على عقول المسلمين وتشكيكهم في دينهم وحضارتهم .
وسائل المبشرين
بالنسبة لأهم وسائل المبشرين ومؤسساتهم لإنجاح عالمهم التبشيري ما يلي:
1) الاكثار من فتح المدارس والمعاهد والجامعات في البلاد الإسلامية التي يجعلون هدفها الأول خدمة الدين المسيحي ودولهم الاستعمارية، فقد اتخذ التبشير من التعليم اهم اداة وأعظمها أثرا في تشكيل أجيال المسلمين الجديدة التي يريدها أن تكون مستسلمة لنفوذه ومتقبلة لمفاهيمه وقيمة فقد اجمع كثير من المبشرين على أن التعليم التبشيري هو أفضل طريق للوصول إلى عقول المسلمين وتحقيق الأهداف البشرية، حيث يرون أن أهداف المدارس والكليات التي تشرف عليها الارساليات في جميع البلاد الإسلامية كانت دائما متشابهة من حيث أنها كانت تعتبر من الدرجة الأولى وسيلة لتحقيق أهداف التبشير حتى أن الموضوعات العلمية البحتة والتي تعلم من كتب غربية وعلى أيدي مدرسين غربيين تحمل معها الآراء التبشيرية .
فسيطرة الاستعمار على التعليم في البلاد الإسلامية أبان خضوعها للاستعمار أتاحت للمبشرين فرصة ذهبية لتحقيق أهدافهم وفي ذلك تقول المبشرة أنا مليجان: ليس ثمة طريق في تدمير الإسلام أقصر من المدرسة فإن المدرسة أقوى قوة لجعل الناشئين تحت تأثير الغرب والمسيحية وهذا التأثير يستمر حتى يشمل أولئك الذين سيصبحون يوما ما قادة لأوطانهم .
ويقول نيروز رئيس الجامعة الأمريكية ببيروت 1948-1951 لقد برهن التعليم عن أنه أثمن الوسائل التي استطاع المبشرون أن يلجأوا إليها في سعيهم لتنصير سوريا ولبنان . وعلق المبشر سيمون في مؤتمر لكندا التبشيري في الهند 1911 بسخرية على فكرته الجامعة الإسلامية التي كانت تهيمن على الشعوب الإسلامية في ذلك الوقت بقوله: وعبثا يبنى هؤلاء آمالهم على الجامعة الإسلامية لأن التربية غير الإسلامية قد ثبتت في دمائهم بفضل مدارس التبشير .
وماذا يمكن أن نتوقع من مدارس وجامعات تعتبر تدريس اللغة العربية والدين الإسلامي والحضارة والتاريخ الإسلامي أمرا ثانويا وأن درستها فإنها تدرسها بصورة مشوهة كلها تشكيك واستخفاف ونقد هدام . أما اللغات الغربية والثقافة والفكر الغربي والدين المسيحي فهي محل الاهتمام والتعظيم فيخرج الطالب من المدارس والجامعات وهو يعرف من ثقافة وفكر الغرب والدين المسيحي أكثر مما يعرف عن الإسلام والحضارة الإسلامية بالطبع لا بد أن يكون المتخرجون من هذه المدارس والجامعات هم أكثر الناس فتنة وتبعية للغرب والفكر الغربي وأقلهم غيره وحرصا على دينهم وحضارتهم الإسلامية .
ويكفي أن نعرض لرأي كل من جبران خليل جبران المسيحي وعبد القادر الحسيني المسلم في مدارس وجامعات الإرساليات التبشيرية .
فقد عبر جبران عن أثر هذه المدارس في نفسه وفي جيله وأثرها في تكريس التبعية الفكرية للغرب وفي تفكيك الروابط بين الطوائف المختلفة بقوله : في سوريا كان التعليم يأتينا من الغرب بشكل الصدقة، وقد كنا ولم نزل نلتهم خبز الصدقة لأننا جياع متضورون. ولقد أحيانا ذلك الخبر ولما أحيانا أماتنا، أحيانا لأنه أيقظ بعض مداركنا ونبه عقولنا قليلا وأماتنا بأن فرق كلمتنا وأضعف وحدتنا وقطع روابطنا وأبعد ما بين طوائفنا حتى أصبحت بلادنا مجموعة مستعمرات صغيرة مختلفة الأذواق متضاربة المشارب كل مستعمرة منها تشد في حبل احدى الأمم الغربية وترفع لواءهاوتترنم بمحاسنها وأمجادها فالشاب الذي يتناول لقمة العلم من مدرسة أمريكية قد تحول بالطبع إلى معتمد أمريكي والشاب الذي تجرع رشفة من مدرسة يسوعية صار سفيرا فرنسيا إلى آخر ما هنالك من المدارس وما تخرجه كل عام من المحدثين والمعتمدين والسفراء .
وإذا كانت هذه الأقوال تصدر من مسيحي عربي مخلص لوطنه أحس بخطر هذه المدارس ليس على عقيدته لأنه مسيحي مثلهم ولكن أحس بخطرها على وطنه ولغته العربية وكيف أن هذه المدارس عملت على زيادة النعرات الطائفية وساهمت إلى حد كبير في تكريس التبعية الفكرية للدول العربية ، فإن رأي أي إنسان مسلم في هذه المدارس والجامعات سيضاف إليه أمر آخر وهو الهجوم والتشكيك لكل ما يتعلق بالدين الإسلامي والحضارة والتاريخ الإسلامي دون أن يستطيع أي إنسان أن يقول أن في كلامه أي مبالغة .
فقد وصف عبد القادر الحسيني الجامعة الأمريكية ببيروت يوم تخرجه منها بقوله أن هذه الجامعة تظهر أمام الناس في مظهر المدرسة العلمية ولكنها في الحقيقة بؤرة فساد للعقائد الدينية وهي تطعن في الإسلام ولذلك لا يصح للمسلمين أن يبقوا أولادهم فيها وقد عرض يومها عبد القادر الحسيني لعدد من الكتب التي تدرس في الجامعة والتي تشوه وتهاهجم الدين والتاريخ الإسلامي.
2) أما الوسيلة الثانية والتي يعتمد عليها المبشرون في تحقيق أهدافهم فهي اعتمادهم على تقديم الخدمات الطبية عن طريق إنشاء المستشفيات والمصحات في البلاد الإسلامية مستغلين في ذلك انتشار الأمراض وقلة المستشفيات في أماكن كثيرة من البلاد الإٍسلامية وحاجة المرضى للعلاج وما يعانيه هؤلاء من الام شديدة قبل حصولهم على العلاج المناسب .
ولذلك فإن المبشرين يقولون حيث تجد بشرا تجد آلاماً، وحيث تكون الآلام تكون الحاجة إلى الطبيب، فهناك فرصة مناسبة للتبشير فتقديم الخدمات الطبية للمرضى هو وسيلة إلى غاية وهي تحقيق أهداف التبشير فالمبشرون يوصون الذين يعملون في هذا المجال إلا ينسوا ولو للحظة واحدة بأنهم مبشرون قبل أن يكونوا أطباء فالهدف التبشيري أولا ثم تقديم الخدمات الطبية ثانيا .
وفي ذلك يقول المبشر موريسون : ونحن مقتنعون بلا ريب أن الناحية الأساسية من أعمال التنصير بين المرضى الخارجين في المستشفيات هو أن ندخلهم أعضاء في الكنيسة المسيحية الحية .
ومن وسائلهم لتلقين أهدافهم هو أنهم يستغلون حالة المرضى الصعبة وسذاجتهم وحاجاتهم للعلاج ويأخذون بالقاء دروسهم عن المسلمين مستغلين تكريم القرآن لسيدنا عيسى وأمه مريم عليهما السلام في ادخال المفاهيم المسيحية لعقول المسلمين .
ففي بلدة الناصرة في السودان كان المبشرون لا يعالجون المريض أبدا إلا بعد أن يحملوه على الاعتراف بأن الذي يشفيه هو المسيح وفي الحبشة كانت المعالجة لا تبدأ إلا قبل أن يركع المرضى ويسألوا المسيح أن يشفيهم .
3) قيامهم بإنشاء الجمعيات والمنظمات التي تقوم بتقديم المساعدات الاجتماعية لمنكوبي الحروب والكوارث الطبيعية وغيرها بالإضافة إلى قيامها بإنشاء الملاجئ ودور الحضانة ودور الأيتام وغيرها من المؤسسات وكل هذه المؤسسات والمنظمات ذات أهداف تبشيرية وأن حاولت أن تخفي هذه الأهداف تحت ستار عمل الخير وتقديم المساعدات، مستغلين بذلك حالات الفقر والحاجة التي تمر بها كثير من المناطق في العالم الإسلامي. فقد عملت هذه الجمعيات والمنظمات في أندونيسيا أثناء قيام الحكومة بتهجير جزء كبير من سكان جزيرة جاوة إلى الجزر الأخرى فاستغلت هذه الجمعيات هذه الفرصة وقامت بتنصير كثير من المسلمين .
وأيضا فإن نشاط هذه الجمعيات أصبح معروفا للجميع في مناطق المهجرين في أفغانستان وما يقومون به من تنصير للأطفال، وآخر ما كشف عن نشاط هذه المنظمات والجمعيات هو ما حدث في السودان عندما أعلنت الحكومة السودانية الشهر الماضي عن طردها لثلاث هيئات دولية تعمل في السودان تحت ستار المساعدة والإغاثة وأعلنت الحكومة أنها بصدد طرد عدد آخر من هذه الهيئات التي تتخذ من مساعدة منكوبي الحرب والجفاف ستارا للتخريب السياسي والاقتصادي والديني .
وقد علق هانزكنج وهو رجل دين مسيحي عن أعمال هذه المنظمات والجمعيات بقوله :
أن التبشير المسيحي في العالم الثالث ليس أخلاقيا فإنه يعتمد على القوة واستغلال الظروف الاجتماعية السيئة التي تعيشها هذه الدول. وأضاف أن التبشير بالأديان يجب أن يجري في مناخ متحرر من الضغوط .
4- القيام بترجمة الإنجيل إلى كافة اللغات وتوزيعه على المسلمين بثمن رمزي وأحيانا بالمجان فقد جاء في كتاب ( جذور الماسونية ) لأحد الكتاب الأتراك قوله أن عدد ما طبع ووزع من نسخ العهدين القديم والجديد بواسطة إرساليات التبشير خلال مائة وخمسين عاما يزيد عن ألف مليون نسخة مترجمة إلى 130 لغة عدا التبشير والمجلات كما قرر أن تكاليف هذه المطبوعات لا تقل عن تسعين ألف مليون ليرة تركية اى ما يقارب من 7000 مليون دولار .
5- الاعتماد على الإذاعات التبشيرية الإقليمية والتي تقوم بنشر الآراء التبشيرية بالإضافة إلى قيامها بالهجوم على الدين الإسلامي . فقد كشفت الدراسات التي ناقشها مؤتمر عدم الانحياز والذي انعقد في كوالالمبور أن حوالي 2500 محطة إذاعية من 64 لغة تشن هجوما صريحا وضاربا على الدين الإسلامي، هذا بالإضافة إلى اعتمادهم على الصحف والسينما والمسرح في إذاعة الآراء والتي تحقق أغراضهم وتجنيدهم للنساء للقيام بالعمل التبشيري وذلك لسهولة دخولهن البيوت ومقدرتهن على إقامة صداقات مع النساء المسلمات وأيضا الاعتماد على عمل صداقات شخصية مع المسلمين والاحتكاك بهم وإثارة قضايا تتعلق بالدين الإسلامي والمسيحي وعقد المؤتمرات التي يشترك فيها مسلمون ومسيحيون بدعوى الحوار بين الأديان وغيرها من الوسائل.
وقد لجأ هؤلاء المبشرون إلى دراسة علوم اللغة العربية والإسلامية لمعرفة اتجاهات المسلمين في مختلف الحياة ونظرا لأن ظهور حركة الاستشراق له صلة وثيقة بما يحدث اليوم من غزو فكري وتبشيري لكل المسلمين في مختلف أرجاء المعمورة ينبغي أن نلقي الضوء على الجذور التاريخية الأولى لحركة الاستشراق وما هي العوامل التي أدت إلى ظهورها ومدى تأثيرها على المسلمين سلبا وايجابا .
اتجه الإستعمار الغربي إلى الغزو غير المباشر للسيطرة على العالم الإسلامي وذلك باستخدام الغزو الفكري وسيلة مؤثرة بعد فشل وسائله التقليدية في الغزو العسكري للسيطرة على الشعوب الإسلامية ونهب ثرواتها .
وقد وجد الاستعمار في المستشرين الغربييين ضالته المنشودة لتحقيق أهدافه في السيطرة والتبعية عن طريق السيطرة على عقول المسلمين وتشكيكهم في دينهم وحضارتهم .
وسائل المبشرين
بالنسبة لأهم وسائل المبشرين ومؤسساتهم لإنجاح عالمهم التبشيري ما يلي:
1) الاكثار من فتح المدارس والمعاهد والجامعات في البلاد الإسلامية التي يجعلون هدفها الأول خدمة الدين المسيحي ودولهم الاستعمارية، فقد اتخذ التبشير من التعليم اهم اداة وأعظمها أثرا في تشكيل أجيال المسلمين الجديدة التي يريدها أن تكون مستسلمة لنفوذه ومتقبلة لمفاهيمه وقيمة فقد اجمع كثير من المبشرين على أن التعليم التبشيري هو أفضل طريق للوصول إلى عقول المسلمين وتحقيق الأهداف البشرية، حيث يرون أن أهداف المدارس والكليات التي تشرف عليها الارساليات في جميع البلاد الإسلامية كانت دائما متشابهة من حيث أنها كانت تعتبر من الدرجة الأولى وسيلة لتحقيق أهداف التبشير حتى أن الموضوعات العلمية البحتة والتي تعلم من كتب غربية وعلى أيدي مدرسين غربيين تحمل معها الآراء التبشيرية .
فسيطرة الاستعمار على التعليم في البلاد الإسلامية أبان خضوعها للاستعمار أتاحت للمبشرين فرصة ذهبية لتحقيق أهدافهم وفي ذلك تقول المبشرة أنا مليجان: ليس ثمة طريق في تدمير الإسلام أقصر من المدرسة فإن المدرسة أقوى قوة لجعل الناشئين تحت تأثير الغرب والمسيحية وهذا التأثير يستمر حتى يشمل أولئك الذين سيصبحون يوما ما قادة لأوطانهم .
ويقول نيروز رئيس الجامعة الأمريكية ببيروت 1948-1951 لقد برهن التعليم عن أنه أثمن الوسائل التي استطاع المبشرون أن يلجأوا إليها في سعيهم لتنصير سوريا ولبنان . وعلق المبشر سيمون في مؤتمر لكندا التبشيري في الهند 1911 بسخرية على فكرته الجامعة الإسلامية التي كانت تهيمن على الشعوب الإسلامية في ذلك الوقت بقوله: وعبثا يبنى هؤلاء آمالهم على الجامعة الإسلامية لأن التربية غير الإسلامية قد ثبتت في دمائهم بفضل مدارس التبشير .
وماذا يمكن أن نتوقع من مدارس وجامعات تعتبر تدريس اللغة العربية والدين الإسلامي والحضارة والتاريخ الإسلامي أمرا ثانويا وأن درستها فإنها تدرسها بصورة مشوهة كلها تشكيك واستخفاف ونقد هدام . أما اللغات الغربية والثقافة والفكر الغربي والدين المسيحي فهي محل الاهتمام والتعظيم فيخرج الطالب من المدارس والجامعات وهو يعرف من ثقافة وفكر الغرب والدين المسيحي أكثر مما يعرف عن الإسلام والحضارة الإسلامية بالطبع لا بد أن يكون المتخرجون من هذه المدارس والجامعات هم أكثر الناس فتنة وتبعية للغرب والفكر الغربي وأقلهم غيره وحرصا على دينهم وحضارتهم الإسلامية .
ويكفي أن نعرض لرأي كل من جبران خليل جبران المسيحي وعبد القادر الحسيني المسلم في مدارس وجامعات الإرساليات التبشيرية .
فقد عبر جبران عن أثر هذه المدارس في نفسه وفي جيله وأثرها في تكريس التبعية الفكرية للغرب وفي تفكيك الروابط بين الطوائف المختلفة بقوله : في سوريا كان التعليم يأتينا من الغرب بشكل الصدقة، وقد كنا ولم نزل نلتهم خبز الصدقة لأننا جياع متضورون. ولقد أحيانا ذلك الخبر ولما أحيانا أماتنا، أحيانا لأنه أيقظ بعض مداركنا ونبه عقولنا قليلا وأماتنا بأن فرق كلمتنا وأضعف وحدتنا وقطع روابطنا وأبعد ما بين طوائفنا حتى أصبحت بلادنا مجموعة مستعمرات صغيرة مختلفة الأذواق متضاربة المشارب كل مستعمرة منها تشد في حبل احدى الأمم الغربية وترفع لواءهاوتترنم بمحاسنها وأمجادها فالشاب الذي يتناول لقمة العلم من مدرسة أمريكية قد تحول بالطبع إلى معتمد أمريكي والشاب الذي تجرع رشفة من مدرسة يسوعية صار سفيرا فرنسيا إلى آخر ما هنالك من المدارس وما تخرجه كل عام من المحدثين والمعتمدين والسفراء .
وإذا كانت هذه الأقوال تصدر من مسيحي عربي مخلص لوطنه أحس بخطر هذه المدارس ليس على عقيدته لأنه مسيحي مثلهم ولكن أحس بخطرها على وطنه ولغته العربية وكيف أن هذه المدارس عملت على زيادة النعرات الطائفية وساهمت إلى حد كبير في تكريس التبعية الفكرية للدول العربية ، فإن رأي أي إنسان مسلم في هذه المدارس والجامعات سيضاف إليه أمر آخر وهو الهجوم والتشكيك لكل ما يتعلق بالدين الإسلامي والحضارة والتاريخ الإسلامي دون أن يستطيع أي إنسان أن يقول أن في كلامه أي مبالغة .
فقد وصف عبد القادر الحسيني الجامعة الأمريكية ببيروت يوم تخرجه منها بقوله أن هذه الجامعة تظهر أمام الناس في مظهر المدرسة العلمية ولكنها في الحقيقة بؤرة فساد للعقائد الدينية وهي تطعن في الإسلام ولذلك لا يصح للمسلمين أن يبقوا أولادهم فيها وقد عرض يومها عبد القادر الحسيني لعدد من الكتب التي تدرس في الجامعة والتي تشوه وتهاهجم الدين والتاريخ الإسلامي.
2) أما الوسيلة الثانية والتي يعتمد عليها المبشرون في تحقيق أهدافهم فهي اعتمادهم على تقديم الخدمات الطبية عن طريق إنشاء المستشفيات والمصحات في البلاد الإسلامية مستغلين في ذلك انتشار الأمراض وقلة المستشفيات في أماكن كثيرة من البلاد الإٍسلامية وحاجة المرضى للعلاج وما يعانيه هؤلاء من الام شديدة قبل حصولهم على العلاج المناسب .
ولذلك فإن المبشرين يقولون حيث تجد بشرا تجد آلاماً، وحيث تكون الآلام تكون الحاجة إلى الطبيب، فهناك فرصة مناسبة للتبشير فتقديم الخدمات الطبية للمرضى هو وسيلة إلى غاية وهي تحقيق أهداف التبشير فالمبشرون يوصون الذين يعملون في هذا المجال إلا ينسوا ولو للحظة واحدة بأنهم مبشرون قبل أن يكونوا أطباء فالهدف التبشيري أولا ثم تقديم الخدمات الطبية ثانيا .
وفي ذلك يقول المبشر موريسون : ونحن مقتنعون بلا ريب أن الناحية الأساسية من أعمال التنصير بين المرضى الخارجين في المستشفيات هو أن ندخلهم أعضاء في الكنيسة المسيحية الحية .
ومن وسائلهم لتلقين أهدافهم هو أنهم يستغلون حالة المرضى الصعبة وسذاجتهم وحاجاتهم للعلاج ويأخذون بالقاء دروسهم عن المسلمين مستغلين تكريم القرآن لسيدنا عيسى وأمه مريم عليهما السلام في ادخال المفاهيم المسيحية لعقول المسلمين .
ففي بلدة الناصرة في السودان كان المبشرون لا يعالجون المريض أبدا إلا بعد أن يحملوه على الاعتراف بأن الذي يشفيه هو المسيح وفي الحبشة كانت المعالجة لا تبدأ إلا قبل أن يركع المرضى ويسألوا المسيح أن يشفيهم .
3) قيامهم بإنشاء الجمعيات والمنظمات التي تقوم بتقديم المساعدات الاجتماعية لمنكوبي الحروب والكوارث الطبيعية وغيرها بالإضافة إلى قيامها بإنشاء الملاجئ ودور الحضانة ودور الأيتام وغيرها من المؤسسات وكل هذه المؤسسات والمنظمات ذات أهداف تبشيرية وأن حاولت أن تخفي هذه الأهداف تحت ستار عمل الخير وتقديم المساعدات، مستغلين بذلك حالات الفقر والحاجة التي تمر بها كثير من المناطق في العالم الإسلامي. فقد عملت هذه الجمعيات والمنظمات في أندونيسيا أثناء قيام الحكومة بتهجير جزء كبير من سكان جزيرة جاوة إلى الجزر الأخرى فاستغلت هذه الجمعيات هذه الفرصة وقامت بتنصير كثير من المسلمين .
وأيضا فإن نشاط هذه الجمعيات أصبح معروفا للجميع في مناطق المهجرين في أفغانستان وما يقومون به من تنصير للأطفال، وآخر ما كشف عن نشاط هذه المنظمات والجمعيات هو ما حدث في السودان عندما أعلنت الحكومة السودانية الشهر الماضي عن طردها لثلاث هيئات دولية تعمل في السودان تحت ستار المساعدة والإغاثة وأعلنت الحكومة أنها بصدد طرد عدد آخر من هذه الهيئات التي تتخذ من مساعدة منكوبي الحرب والجفاف ستارا للتخريب السياسي والاقتصادي والديني .
وقد علق هانزكنج وهو رجل دين مسيحي عن أعمال هذه المنظمات والجمعيات بقوله :
أن التبشير المسيحي في العالم الثالث ليس أخلاقيا فإنه يعتمد على القوة واستغلال الظروف الاجتماعية السيئة التي تعيشها هذه الدول. وأضاف أن التبشير بالأديان يجب أن يجري في مناخ متحرر من الضغوط .
4- القيام بترجمة الإنجيل إلى كافة اللغات وتوزيعه على المسلمين بثمن رمزي وأحيانا بالمجان فقد جاء في كتاب ( جذور الماسونية ) لأحد الكتاب الأتراك قوله أن عدد ما طبع ووزع من نسخ العهدين القديم والجديد بواسطة إرساليات التبشير خلال مائة وخمسين عاما يزيد عن ألف مليون نسخة مترجمة إلى 130 لغة عدا التبشير والمجلات كما قرر أن تكاليف هذه المطبوعات لا تقل عن تسعين ألف مليون ليرة تركية اى ما يقارب من 7000 مليون دولار .
5- الاعتماد على الإذاعات التبشيرية الإقليمية والتي تقوم بنشر الآراء التبشيرية بالإضافة إلى قيامها بالهجوم على الدين الإسلامي . فقد كشفت الدراسات التي ناقشها مؤتمر عدم الانحياز والذي انعقد في كوالالمبور أن حوالي 2500 محطة إذاعية من 64 لغة تشن هجوما صريحا وضاربا على الدين الإسلامي، هذا بالإضافة إلى اعتمادهم على الصحف والسينما والمسرح في إذاعة الآراء والتي تحقق أغراضهم وتجنيدهم للنساء للقيام بالعمل التبشيري وذلك لسهولة دخولهن البيوت ومقدرتهن على إقامة صداقات مع النساء المسلمات وأيضا الاعتماد على عمل صداقات شخصية مع المسلمين والاحتكاك بهم وإثارة قضايا تتعلق بالدين الإسلامي والمسيحي وعقد المؤتمرات التي يشترك فيها مسلمون ومسيحيون بدعوى الحوار بين الأديان وغيرها من الوسائل.
الاستشراق غزو فكري لتدمير الحضارة الإسلامية "3"
المسيحيون يلجأون إلى الإعتماد على الإرساليات التبشيرية بعد فشل المعارك الحربية .
بقلم / يوسف الطويل
اتجه الاستعمار الغربي إلى الغزو غير المباشر للسيطرة على العالم الإسلامي وذلك باستخدام الغزو الفكري وسيلة مؤثرة بعد فشل وسائله التقليدية في الغزو العسكري للسيطرة على الشعوب الإسلامية ونهب ثرواتها . وقد وجد الاستعمار في المبشرين الغربيين ضالته المنشودة لتحقيق أهدافه في السيطرة والتبعية عن طريق السيطرة على عقول المسلمين وتشكيكهم في دينهم وحضارتهم .
وقد لجأ هؤلاء المبشرون إلى دراسة علوم اللغة العربية والإسلامية لمعرفة اتجاهات المسلمين في مختلف مناحي الحياة ونظرا لأن ظهور حركة الاستشراق له صلة وثيقة بما يحدث اليوم من غزو فكري وتبشيري لكل المسلمين في مختلف أرجاء المعمورة ينبغي أن نلقي الضوء على الجذور التاريخية الأولى لحركة التبشير وما هي العوامل التي أدت إلى ظهوره ومدى تأثيره على المسلمين سلبا وايجابا.
التبشير في العالم الإسلامي وأهدافه وأدواته
التبشير لفظ يطلق على المنظمات الدينية والأفراد الذين يهدوفون إلى نشر الدين المسيحي بين الشعوب الأخرى ويدعون أن التبشير بالمسيحية فرض على المسيحيين .
ولو حاولنا التحدث عن المراحل الأولى للعمليات التبشيرية في العالم الإسلامي في بدايتها فإن أكثر الباحثين يذهبون إلى أن فشل الحروب الصليبية في تحقيق أهدافها عن طريق الغزو العسكري كان له دور أساسي في لجوء العرب إلى أسلوب الغزو الفكري عن طريق الاستشراق والتبشير وغيرهما من الوسائل .
وفي ذلك يقول المؤرخ جان دي جوانفيل الذي رافق الملك لويس التاسع ملك فرنسا بحملته الصليبية ( الحملة السابعة ) أن خلوة الملك لويس التاسع في معتقله بالمنصورة أتاحت له فرصة هادئة ليفكر بصبر في السياسة التى كان اجدر بالغرب ان يتبعها ازاء المسلمين ، وقد انتهى به التفكير الى أنه لا سبيل للسيطرة على المسلمين عن طريق الحرب أو القوة وذلك لأن في دينهم حاسم هو عامل المواجهة والمقاومة للجهاد وبذل النفس والدم لأنهم قادرون دوما انطلاقا من عقيدتهم إلى المقاومة ودحر الغزو الذي يجتاح بلادهم وأنه لا بد من ايجاد سبيل آخر من شأنه أن يزيل هذا المفهوم عند المسلمين وذلك لا يتم إلا بتعديل الحملات سلبية العسكرية إلى حملات سليمة تهدف الغرض نفسه وذلك من خلال التركيز على الفكر الإسلامي وتحويله عن مساره وأهدافه حتى يستسلم المسلمون أمام القوى الغربية وتروض أنفسهم على نحو أنحاء الاحتواء والصداقة والتعاون وأفضل وسيلة لذلك هي تجنيد مبشرين ودعم مؤسساتهم التبشيرية في العالم الإسلامي .
وقد علق المؤرخ رينيه جروسيه على ذلك بقوله: بأن الملك لويس التاسع كان بذلك في طليعة كبار الساسة من الغرب الذين ضعوا للغرب الخطوط الرئيسية لسياسة جديدة شملت مستقبل آسيا وأفريقيا بأسرها وفعلا أخذ العرب في تنفيذ هذه المخطط عن طريق الاستشراق والتبشير وأن أول من حاول التبشير في العالم الإسلامي بعد فشل الحروب الصليبية هو ريمون لول الأسباني الذي درس العلوم الإسلامية وناقش علماء المسلمين في أمور كثيرة .
ولكن هذا المجهود الفردي من لول وغيره لكن مجديا فلجأ الغرب لإرسال الارساليات التبشيرية المدعومة من الكنيسة والدول العربية للتبشير بين المسلمين وفي هذا يقول فيلي هني: ولجأ المسيحيون للاعتماد على الارساليات المسيحية للتبشير بين المسلمين بعد أن ثبت فشلهم في المعارك الحربية ومن مؤسساتهم لنجاح التبشير مدارس الفرنسيسكان والدومنيكان التي أنشأت في أوائل القرن الثالث عشر في سوريا وكان المبشر يعد لهذه المهمة قبل أن يرسل مباشرة ومن أهم وسائل اعداده تعليمه اللغة العربية وشيئا عن الدراسة الإسلامية وهو ذلك الدستور الذي لا يزال سائدا حتى الآن.
أما إذا أردنا التحدث عن أهداف المبشرين في العالم الإسلامي فإن أكثر الباحثين يذهبون إلى القول أن نشر المسيحية في العالم الإسلامي لم يعد له نفس الاهتمام السابق . لأنهم أدركوا أن محاولتهم العديدة لنشر المسيحية بين المسلمين قد فشلت في معظم الأحيان وفي ذلك يقول المبشر صموئيل زويمر: أن الذين دخلوا من المسلمين حظيرة المسيحيين لم يكونوا مسلمين حقيقيين لقد كانوا أحد ثلاثة : 1- أما صغير لم يكن له من أهله من يعرفه ما هو الإسلام 2) رجل مستخف بالأديان يبغي الحصول على قوت يومه وقد اشتد به الفقر وعزت عليه لقمة العيش 3) وأخر يبعي الوصول إلى غاية من الغايات الشخصية .
وقد عقب زويمر على ذلك مخاطبا المبشرين بقوله أن مهمة التبشير التي ندبتكم دولكم المسيحية للقيام بها في البلاد الإسلامية ليس ادخال المسلمين في المسيحية، بل اخراج المسلم من الاسلام بزعزعة ايمانه ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها .
وهكذا فإن أهداف المبشرين في وقتنا الحاضر قد تغيرت وأصبح هدفهم يرتكز على أساس زعزعة ثقة المسلمين بدينهم وحضارتهم عن طريق حملات التشويش التي يخوضونها ضد الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية هذا بالإضافة إلى قيامهم بخدمة مخططات دولهم الاستعمارية عن طريق اثارة الفتن الداخلية والتبشير للحضارة الغربية بفكرها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها بين المسلمين .
وقد عبر عن ذلك المبشر شاتيله في كتابه ( الغارة على العالم الإسلامي ) وقال مخاطبا المبشرين : إذا أردتم أن تغزو الإسلام وتحصروا شوكته وتقضوا على هذه العقيدة التي قضت على كل العقائد السابقة واللاحقة والتي كانت السبب الرئيسي لاعتزاز المسلمين وشموخهم وسبب سيادتهم وغزوهم للعالم فعليكم أن تواجهوا جهودكم واهدافكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة الإسلامية بأماتة روح الاعتزاز بماضيهم وتاريخهم وكتابهم القرآن وتحويلهم عن ذلك بنشر ثقافتكم وتاريخكم ونشر روح الاباحية وتوفير عوامل الهدم المعنوي حتى لو لم نجد إلا المغفلين منهم والسذج والبسطاء فإنه يكفينا ذلك لأن الشجرة يجب أن يتسبب في قطعها أحد أعضائها .
وقد عبر المبشر زويمر عن رأيه الصريح في أعمال المبشرين البروتستانت حين اعترف بأن التبشير في البلاد الإسلامية ميزتين ميزة هدم وميزة بناء ويعني بالهدم انتزاع المسلم من دينه ولو إلى الالحاد ويعني بالنباء تنصير المسلم أن أمكن. ويضيف زويمر قائلا للمبشؤيين لا يجب للمبشر المسيحي أن يفشل أو أن ييأس ويقنط عندما يجد أن مساعيه لم تثمر في جلب كثير من المسلمين إلى المسيحية لكن يكفي أن تجعل الإسلام يخصر مسلمين بذبذبة بعضهم عندما يتذبذب مسلم وتجعل الإسلام يخسره تعتبر ناجحا أيها المبشر المسيحي يكفي أن تذبذبه ولو لم يصبح هذا المسلم مسيحيا .
وهكذا فإن التبشير أصبح من أهم أدوات الغزو الفكري الذي لجأت إليه الدول الغربية للسيطرة على العالم الإسلامي عن طريق التشكيك في الإسلام والحضارة والتاريخ الإسلامي من جهة والتبشر للحضارة والفكر الغربي وخدمة المخططات الاستعمارية من جهة أخرى
ولذلك فإنه ليس من المصادفة أن يكون الارتباط بين التبشير والاستعمار ارتباطا وثيقا . فالتبشير دعامة من دعامات الاستعمار وأداة من أدوات الفكر العربي فقد كان الاستعمار ولا يزال يقدم العون المادي والمعنوي للمبشرين ويقوم بحمايتهم وإزالة الصعاب من أمامهم وفي ذلك بقول سعيد عبد الله حارب أن ارتباط التنصير بالاستعمار يكاد يكون عضويا فقد مهدت السلطات الاستعمارية لنشاط التنصير ووفرت له لحماية والأمن والدعم المعنوي والمادي ويضيف أن كثيرا من مبشري القرن التاسع عشر كانوا يتحركون بعقلية صليبية وكانوا استعماريين يقومون بدور مزدوج في التبشير وخدمة مخططات دولهم الاستعمارية. لقد كان المبشرون هم الرواد الأوائل للاستعمار الثقافي الغربي في عالمنا الإسلامي وبلادنا العربية بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص .
ويقول علي عبد الحليم محمود :كان التبشير هو الخطوة الأولى التي مهدت للاستعمار ومكنته من الاستيلاء على بلاد المسلمين وتسخير أرضهم وخيراتها وكثير من أبنائها لخدمة الأغراض السياسية والتبشيرية معا
ويقول باحث آخر أن التبشير الديني نفسه ستار للتبشير التجاري والسياسي وأساس متين للاستعمار ولنذكر أن أكثر الفتنة الداخلية في الشرق من دينية وسياسية واجتماعية انما قام به المبشرون الذين استأجرهم الاستعمار .
نعم لقد كان الارتباط بين المبشرين والاستعمار وثيقا جدا حيث أن المبشرين كانوا يلجأون إلى قناصل دولهم في الدول الإسلامية لكي يحلوا لهم الكثير من المشاكل التي كانت تواجههم . فكانت بريطانيا أو أمريكيا تقوم بحماية الارساليات البروتستانية وكانت كلا من فرنسا وايطاليا وأسبانيا تقوم بحماية الارساليات الكاثولوليكية.
وقد حدث مرة أن الخديوي إسماعيل أراد أن يغلق مدارس المبشرين البروتستانت في مصر لأنهم يتدخلون في السياسة ويثيرون الاضطرابات في البلاد ويزيدون من مشاكل الحكومة فتدخل في الأمر بعض قناصل الدول الغربية وأيدت المبشرين وحملت الحكومة المصرية على العدول عن ذلك . أما عن أهمية الدور الذي يقوم به المبشرون لخدمة مخططات دولهم الاستعمارية فيقول في ذلك سنكال رئيس غرفة التجارة في هامبرع في المؤتمر الاستعماري الألماني: أن نمو ثروة الاستعمار متوقف على أهمية الرجال الذين يذهبون إلى المستعمرات وأهم وسيلة للحصول على هذه الأمنية هو ادخال الدين المسيحي في البلاد المستعمرة لأن هذا هو الشرط الجوهري للحصول على الأمنية المنشودة حتى من الواجهة الاقتصادية.
بقلم / يوسف الطويل
اتجه الاستعمار الغربي إلى الغزو غير المباشر للسيطرة على العالم الإسلامي وذلك باستخدام الغزو الفكري وسيلة مؤثرة بعد فشل وسائله التقليدية في الغزو العسكري للسيطرة على الشعوب الإسلامية ونهب ثرواتها . وقد وجد الاستعمار في المبشرين الغربيين ضالته المنشودة لتحقيق أهدافه في السيطرة والتبعية عن طريق السيطرة على عقول المسلمين وتشكيكهم في دينهم وحضارتهم .
وقد لجأ هؤلاء المبشرون إلى دراسة علوم اللغة العربية والإسلامية لمعرفة اتجاهات المسلمين في مختلف مناحي الحياة ونظرا لأن ظهور حركة الاستشراق له صلة وثيقة بما يحدث اليوم من غزو فكري وتبشيري لكل المسلمين في مختلف أرجاء المعمورة ينبغي أن نلقي الضوء على الجذور التاريخية الأولى لحركة التبشير وما هي العوامل التي أدت إلى ظهوره ومدى تأثيره على المسلمين سلبا وايجابا.
التبشير في العالم الإسلامي وأهدافه وأدواته
التبشير لفظ يطلق على المنظمات الدينية والأفراد الذين يهدوفون إلى نشر الدين المسيحي بين الشعوب الأخرى ويدعون أن التبشير بالمسيحية فرض على المسيحيين .
ولو حاولنا التحدث عن المراحل الأولى للعمليات التبشيرية في العالم الإسلامي في بدايتها فإن أكثر الباحثين يذهبون إلى أن فشل الحروب الصليبية في تحقيق أهدافها عن طريق الغزو العسكري كان له دور أساسي في لجوء العرب إلى أسلوب الغزو الفكري عن طريق الاستشراق والتبشير وغيرهما من الوسائل .
وفي ذلك يقول المؤرخ جان دي جوانفيل الذي رافق الملك لويس التاسع ملك فرنسا بحملته الصليبية ( الحملة السابعة ) أن خلوة الملك لويس التاسع في معتقله بالمنصورة أتاحت له فرصة هادئة ليفكر بصبر في السياسة التى كان اجدر بالغرب ان يتبعها ازاء المسلمين ، وقد انتهى به التفكير الى أنه لا سبيل للسيطرة على المسلمين عن طريق الحرب أو القوة وذلك لأن في دينهم حاسم هو عامل المواجهة والمقاومة للجهاد وبذل النفس والدم لأنهم قادرون دوما انطلاقا من عقيدتهم إلى المقاومة ودحر الغزو الذي يجتاح بلادهم وأنه لا بد من ايجاد سبيل آخر من شأنه أن يزيل هذا المفهوم عند المسلمين وذلك لا يتم إلا بتعديل الحملات سلبية العسكرية إلى حملات سليمة تهدف الغرض نفسه وذلك من خلال التركيز على الفكر الإسلامي وتحويله عن مساره وأهدافه حتى يستسلم المسلمون أمام القوى الغربية وتروض أنفسهم على نحو أنحاء الاحتواء والصداقة والتعاون وأفضل وسيلة لذلك هي تجنيد مبشرين ودعم مؤسساتهم التبشيرية في العالم الإسلامي .
وقد علق المؤرخ رينيه جروسيه على ذلك بقوله: بأن الملك لويس التاسع كان بذلك في طليعة كبار الساسة من الغرب الذين ضعوا للغرب الخطوط الرئيسية لسياسة جديدة شملت مستقبل آسيا وأفريقيا بأسرها وفعلا أخذ العرب في تنفيذ هذه المخطط عن طريق الاستشراق والتبشير وأن أول من حاول التبشير في العالم الإسلامي بعد فشل الحروب الصليبية هو ريمون لول الأسباني الذي درس العلوم الإسلامية وناقش علماء المسلمين في أمور كثيرة .
ولكن هذا المجهود الفردي من لول وغيره لكن مجديا فلجأ الغرب لإرسال الارساليات التبشيرية المدعومة من الكنيسة والدول العربية للتبشير بين المسلمين وفي هذا يقول فيلي هني: ولجأ المسيحيون للاعتماد على الارساليات المسيحية للتبشير بين المسلمين بعد أن ثبت فشلهم في المعارك الحربية ومن مؤسساتهم لنجاح التبشير مدارس الفرنسيسكان والدومنيكان التي أنشأت في أوائل القرن الثالث عشر في سوريا وكان المبشر يعد لهذه المهمة قبل أن يرسل مباشرة ومن أهم وسائل اعداده تعليمه اللغة العربية وشيئا عن الدراسة الإسلامية وهو ذلك الدستور الذي لا يزال سائدا حتى الآن.
أما إذا أردنا التحدث عن أهداف المبشرين في العالم الإسلامي فإن أكثر الباحثين يذهبون إلى القول أن نشر المسيحية في العالم الإسلامي لم يعد له نفس الاهتمام السابق . لأنهم أدركوا أن محاولتهم العديدة لنشر المسيحية بين المسلمين قد فشلت في معظم الأحيان وفي ذلك يقول المبشر صموئيل زويمر: أن الذين دخلوا من المسلمين حظيرة المسيحيين لم يكونوا مسلمين حقيقيين لقد كانوا أحد ثلاثة : 1- أما صغير لم يكن له من أهله من يعرفه ما هو الإسلام 2) رجل مستخف بالأديان يبغي الحصول على قوت يومه وقد اشتد به الفقر وعزت عليه لقمة العيش 3) وأخر يبعي الوصول إلى غاية من الغايات الشخصية .
وقد عقب زويمر على ذلك مخاطبا المبشرين بقوله أن مهمة التبشير التي ندبتكم دولكم المسيحية للقيام بها في البلاد الإسلامية ليس ادخال المسلمين في المسيحية، بل اخراج المسلم من الاسلام بزعزعة ايمانه ليصبح مخلوقا لا صلة له بالله وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها .
وهكذا فإن أهداف المبشرين في وقتنا الحاضر قد تغيرت وأصبح هدفهم يرتكز على أساس زعزعة ثقة المسلمين بدينهم وحضارتهم عن طريق حملات التشويش التي يخوضونها ضد الدين الإسلامي والحضارة الإسلامية هذا بالإضافة إلى قيامهم بخدمة مخططات دولهم الاستعمارية عن طريق اثارة الفتن الداخلية والتبشير للحضارة الغربية بفكرها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها بين المسلمين .
وقد عبر عن ذلك المبشر شاتيله في كتابه ( الغارة على العالم الإسلامي ) وقال مخاطبا المبشرين : إذا أردتم أن تغزو الإسلام وتحصروا شوكته وتقضوا على هذه العقيدة التي قضت على كل العقائد السابقة واللاحقة والتي كانت السبب الرئيسي لاعتزاز المسلمين وشموخهم وسبب سيادتهم وغزوهم للعالم فعليكم أن تواجهوا جهودكم واهدافكم إلى نفوس الشباب المسلم والأمة الإسلامية بأماتة روح الاعتزاز بماضيهم وتاريخهم وكتابهم القرآن وتحويلهم عن ذلك بنشر ثقافتكم وتاريخكم ونشر روح الاباحية وتوفير عوامل الهدم المعنوي حتى لو لم نجد إلا المغفلين منهم والسذج والبسطاء فإنه يكفينا ذلك لأن الشجرة يجب أن يتسبب في قطعها أحد أعضائها .
وقد عبر المبشر زويمر عن رأيه الصريح في أعمال المبشرين البروتستانت حين اعترف بأن التبشير في البلاد الإسلامية ميزتين ميزة هدم وميزة بناء ويعني بالهدم انتزاع المسلم من دينه ولو إلى الالحاد ويعني بالنباء تنصير المسلم أن أمكن. ويضيف زويمر قائلا للمبشؤيين لا يجب للمبشر المسيحي أن يفشل أو أن ييأس ويقنط عندما يجد أن مساعيه لم تثمر في جلب كثير من المسلمين إلى المسيحية لكن يكفي أن تجعل الإسلام يخصر مسلمين بذبذبة بعضهم عندما يتذبذب مسلم وتجعل الإسلام يخسره تعتبر ناجحا أيها المبشر المسيحي يكفي أن تذبذبه ولو لم يصبح هذا المسلم مسيحيا .
وهكذا فإن التبشير أصبح من أهم أدوات الغزو الفكري الذي لجأت إليه الدول الغربية للسيطرة على العالم الإسلامي عن طريق التشكيك في الإسلام والحضارة والتاريخ الإسلامي من جهة والتبشر للحضارة والفكر الغربي وخدمة المخططات الاستعمارية من جهة أخرى
ولذلك فإنه ليس من المصادفة أن يكون الارتباط بين التبشير والاستعمار ارتباطا وثيقا . فالتبشير دعامة من دعامات الاستعمار وأداة من أدوات الفكر العربي فقد كان الاستعمار ولا يزال يقدم العون المادي والمعنوي للمبشرين ويقوم بحمايتهم وإزالة الصعاب من أمامهم وفي ذلك بقول سعيد عبد الله حارب أن ارتباط التنصير بالاستعمار يكاد يكون عضويا فقد مهدت السلطات الاستعمارية لنشاط التنصير ووفرت له لحماية والأمن والدعم المعنوي والمادي ويضيف أن كثيرا من مبشري القرن التاسع عشر كانوا يتحركون بعقلية صليبية وكانوا استعماريين يقومون بدور مزدوج في التبشير وخدمة مخططات دولهم الاستعمارية. لقد كان المبشرون هم الرواد الأوائل للاستعمار الثقافي الغربي في عالمنا الإسلامي وبلادنا العربية بشكل عام ومنطقة الخليج بشكل خاص .
ويقول علي عبد الحليم محمود :كان التبشير هو الخطوة الأولى التي مهدت للاستعمار ومكنته من الاستيلاء على بلاد المسلمين وتسخير أرضهم وخيراتها وكثير من أبنائها لخدمة الأغراض السياسية والتبشيرية معا
ويقول باحث آخر أن التبشير الديني نفسه ستار للتبشير التجاري والسياسي وأساس متين للاستعمار ولنذكر أن أكثر الفتنة الداخلية في الشرق من دينية وسياسية واجتماعية انما قام به المبشرون الذين استأجرهم الاستعمار .
نعم لقد كان الارتباط بين المبشرين والاستعمار وثيقا جدا حيث أن المبشرين كانوا يلجأون إلى قناصل دولهم في الدول الإسلامية لكي يحلوا لهم الكثير من المشاكل التي كانت تواجههم . فكانت بريطانيا أو أمريكيا تقوم بحماية الارساليات البروتستانية وكانت كلا من فرنسا وايطاليا وأسبانيا تقوم بحماية الارساليات الكاثولوليكية.
وقد حدث مرة أن الخديوي إسماعيل أراد أن يغلق مدارس المبشرين البروتستانت في مصر لأنهم يتدخلون في السياسة ويثيرون الاضطرابات في البلاد ويزيدون من مشاكل الحكومة فتدخل في الأمر بعض قناصل الدول الغربية وأيدت المبشرين وحملت الحكومة المصرية على العدول عن ذلك . أما عن أهمية الدور الذي يقوم به المبشرون لخدمة مخططات دولهم الاستعمارية فيقول في ذلك سنكال رئيس غرفة التجارة في هامبرع في المؤتمر الاستعماري الألماني: أن نمو ثروة الاستعمار متوقف على أهمية الرجال الذين يذهبون إلى المستعمرات وأهم وسيلة للحصول على هذه الأمنية هو ادخال الدين المسيحي في البلاد المستعمرة لأن هذا هو الشرط الجوهري للحصول على الأمنية المنشودة حتى من الواجهة الاقتصادية.
الاستشراق غزو فكري لتدمير الحضارة الإسلامية "2"
الاستشراق غزو فكري لتدمير الحضارة الإسلامية "2"
المستشرقون وضعوا كتبا عن الحضارة الإسلامية ظاهرها المدح والثناء
وباطنها الدس والتشكيك
بقلم / يوسف الطويل
اتجه الاستعمار الغربي إلى الغزو غير المباشر للسيطرة على العالم الإسلامي وذلك باستخدام الغزو الفكري وسيلة مؤثرة بعد فشل وسائله التقليدية في الغزو العسكري للسيطرة على الشعوب الإسلامية ونهب ثرواتها . وقد وجد الاستعمار في المبشرين الغربيين ضالته المنشودة لتحقيق أهدافه في السيطرة والتبعية عن طريق السيطرة على عقول المسلمين وتشكيكهم في دينهم وحضارتهم
وقد لجأ هؤلاء المبشرون إلى دراسة علوم اللغة العربية والإسلامية لمعرفة اتجاهات المسلمين في مختلف الحياة. ونظرا لأن ظهور حركة الاستشراق له صلة وثيقة بما يحدث اليوم من غزو فكري وتبشيري لكل المسلمين في مختلف أرجاء المعمورة ينبغي أن نلقي الضوء على الجذور التاريخية الأولى لحركة الاستشراق وما هي العوامل التي أدت إلى ظهورها ومدى تأثيرها على المسلمين سلبا وايجابا.
أثر الاستشراق على العالم الإسلامي
بالرغم من أن لكتابات المستشرقين ومؤلفاتهم عن الإسلام والحضارة الإسلامية أثرا سلبيا كبيرا على العالم الإسلامي إلا أن الجانب الإيجابي للاستشراق يتمثل في صورة الهجوم علينا وعلى أمجادنا وليس في صورة المدح لأن جانب المدح والثناء قد يكون له أثر تخذيري علينا فيجعلنا نغمض عيوننا مستسلمين لتلك الأحلام السعيدة التي تذكرنا بالذي كان ونركن إلى ذلك ونعيش على صيت أبائنا وأجدادنا ونظن أننا عظماء لأن أجدادنا عظماء. فجانب الهجوم على الإسلام والحضارة الإسلامية هو الذي دفع كثير من الكتاب المسلمين للرد على القضايا والشبهات التي أثارها المستشرقون حول الإسلام ردا علميا ساهم إلى حد كبير في تصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة لدى المسلمين لمسائل القضاء والقدر والتوكل على الله وحقوق المرأة وغيرها من القضايا التي أدى الفهم الخاطئ لحالة التدهور والانحطاط التي عاشها العالم الإسلامي .
بالإضافة إلى أن جانب الهجوم هذا أدى إلى ظهور كتابات إسلامية تتحدث عن الإسلام كنظام متكامل للحياة الإنسانية في جوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مع وضع حلول لكثير من المشكلات التي واجهت الإنسانية في هذا العصر .
وأيضا ظهرت كتابات إسلامية بينت اسهامات العلماء المسلمين في شتى ميادين العلوم والمعرفة وبينت فضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية من خلال تحقيق وجمع كثير من الكتب والمخطوطات ونشرها والتي توضح سبق علماء المسلمين وابداعهم في مجالات كثيرة مما ساعد في إعادة الثقة لكثير من المسلمين في دينهم وحضارتهم المفترى عليها .
ونشاط المستشرقين لم يقتصر على جانب اثارة الشبهات والقضايا المعادية للإسلام والحضارة الإسلامية بل أن لهم جهودا كبيرة تستحق منا الثناء والاعجاب وذلك لقيامهم بجمع كثير من الكتب والمخطوطات العربية والإسلامية النادرة وحفظها وفهرستها بدقة، مما ادى الى عدم ضياع هذه الكتب الإسلامية النادرة والتي كانت مهملة في مكتبات العالم الإسلامي فجهودهم تلك تستحق كل تقدير منا لهم بغض النظر عن هدفهم من وراء ذلك
كما قام المستشرقون بترجمة بعض كتب التراث الإسلامي إلى اللغات الأوروبية الحية وقاموا بنشرها هذا بالإضافة إلى أن لهم عدد كبيرا من المجلات والدوريات التي تنشر بحوثا عن العالم الإسلامي يزيد عددها عن ثلاثمائة مجلة ودورية . والمستشرقون يقومون أيضا بعقد المؤتمرات الدولية بصورة منتظمة يعرضون فيها بحوثهم ودراساتهم عن العالم الإسلامي وقد بلغ عددها حتى الآن أكثر من ثلاثين مؤتمرا هذا الإضافة إلى المؤتمرات والندوات الإقليمية .
هدف ديني
ولو حاولنا أن نحدد أهداف الاستشراق و دوافعه فإننا نستطيع أن نقول أن الهدف الديني كان هو السبب الأول في نشأة الاستشراق وازدهاره ففي البدايات الأولى كان من الصعب الفصل بين الاستشراق والتبشير الديني لأنهما كانا مرتبطان باللاهوت المسيحي ومع بداية عصر الاستعمار وتوجه أنظار الغربيين للسيطرة على العالم الإسلامي ظهرت أهداف أخرى للاستشراق مثل الأهداف الاقتصادية والتجارية والسياسية.
والهدف الديني للاستشراق يتمثل في محاربة الإسلام وتشويهه لتشكيك المسلمين بدينهم بالإضافة إلى حماية المسيحيين من خطر انتشاره بينهم وذلك عن طريق حجب حقائقه عنهم واطلاعهم على ما فيه من نقائض مزعومة .
أما الهدف التجاري للاستشراق فيتمثل في ازدياد أطماع الغربيين ورغبتهم في توسيع تجارتهم والسيطرة على موارد العالم الإسلامي الغنية واللازمة لصناعتهم ولهذا وجدوا الحاجة ماسة لمعرفة البلاد الإسلامية وعاداتها وتقاليدها وجغرافيتها وتركيبتها السكانية وغير ذلك من الأمور حتى يستنى لهم استغلالها بسهولة .
أما الهدف السياسي للاستشراق فقد أوضحنا أن الحروب الصليبية وفشلها في السيطرة على العالم الإسلامي عن طريق الغزو العسكري كان له اكبر الاثر في نشأت الاستشراق وازدهاره. فقد أدرك الغرب أن الغزو العسكري لبلاد المسلمين بدون معرفة كاملة بالدين الإسلامي وعادات وتقاليد ولغات الشرق المسلم لا بد مخفف لأنه سيكون مفتقرا للدراسة الواعية التي يمكن أن تساعده في دوام السيطرة حتى بعد زوال السيطرة العسكرية .
ومع بداية السيطرة على البلاد الإسلامية اضطرت الدولة الاستعمارية لتعليم موظفيها في المستعمرات لغات البلاد الإسلامية وجزء من أدابها ودينها وعاداتها وتقاليدها حتى يستطيعوا سياسة هذه المستعمرات وحكمها .
وقد أفاد الاستعمار كثيرا من التراث الاستشراقي وما كتبه المستشرقون عن العالم الإسلامي وكان لزيادة التوسع الاستعماري في البلاد الإسلامية أثر كبير في زيادة مؤسسات الاستشراق ونشاطه بدعم ومساعدة من الدول الاستعمارية .
وقد كان التعاون بين الاستعمار والاستشراق وثيقا حيث استطاع الاستعمار أن يجند كثيرا من المستشرقين لخدمة أغراضه وأهدافه في البلاد الإسلامية، فكان المستشرقون يمدون الاستعمار بالدراسات والبحوث التي تيسر له حكم البلاد الإسلامية واستغلالها فمثلا قام المستشرق كارل هيزيسن بيكر مؤسس مجلة الإسلام الألمانية بدراسات تخدم الاهداف الاستعمارية الالمانية في أفريقيا ودعا إلى استخدام الإسلام في أفريقيا والهند كدروع سياسية في وجه البريطانيين
أما عالم الإسلاميات الهولندي ( سندك هورجروفيه ) فأنه في سبيل استعداده للعمل في خدمة الاستعمار توجه إلى مكة في عام 1885 بعد أن انتحل اسما إسلاميا هو ( عبد الغفار ) وأقام هناك ما يقرب من نصف عام وقد لعب هذا المستشرق دورا هاما في تشكيل السياسة الثقافية الاستعمارية في المناطق الهولندية في الهند الشرقية وشغل مناصب قيادية في السلطة الاستعمارية الهولوندية في أندونيسيا.
وفي فرنسا كان هناك عدد من المستشرقين يعملون مستشارين لوزارة المستعمرات الفرنسية مستشارين لوزارة المستعمرات الفرنسية عن شؤون شمال أفريقيا حيث كانوا يستشارون في المسائل المتعلقة بالشرق الإسلامي من قبل وزير الخارجية ووزير الحربية .
أما في بريطانيا فقد دعا اللورد كيرزن لإنشاء مدرسة للدراسات الشرقية باعتبار أنها تعد جزءا من تأثبت الامبراطورية وتساعد على الاحتفاظ بالموقع الذي نالته بريطانيا في الشرق وقد كانت الحكومة البريطانية من أجل تحقيق أهدافها الاستعمارية ترسم سياستها في مستعمراتها في الشرق بعد التنسيق والتشاور مع فريق من المستشرقين الذين يقدمون لها الدراسات المطلوبة. وهكذا اتجه الاستشراق المتعاون مع الاستعمار بعد الاستيلاء العسكري والسياسي على بلاد المسلمين إلى اضعاف المقاومة الروحية والمعنوية في نفوس المسلمين عن طريق تشكيك المسلمين في معتقداتهم وتراثهم والقيام بالترويج للحضارة والثقافة الغربية بين ربوع المسلمين حتى يتم اخضاعهم في النهاية اخضاعا تاما للثقافة والفكر الغربي .
وإذا كان كثير من المستشرقين قد ارتضوا لأنفسهم بأن يكون عملهم وسيلة للاستيلاء على بلاد المسلمين وتسخيرها لخدمة الأهداف الاستعمارية فإن بعض المستشرقين المنصفين يشعرون بالخجل والمرارة إزاء هذه الأعمال وفي ذلك يقول المستشرق الغربي المعاصر استفان فيلد : والأقبح من ذلك أنه توجد جماعة يسمون أنفسهم مستشرقين سخروا معلوماتهم عن الإسلام وتاريخه في سبيل مكافحة الإسلام والمسلمين هذا واقع مؤلم لا بد أن يعترف به المستشرقين المنصفون المخلصون لرسالتهم بكل صراحة .
ومن الانصاف القول أنه إذا كان كثير من المستشرقين قد درسوا الإسلام والحضارة الإسلامية لأهداف دينية وتجارية وسياسية إلا أن هناك نفر قليل من المستشرقين الذين كانت دراساتهم عن الإسلام والحضارة الإسلامية منصفة وموضوعية فبينوا الجوانب المشرقة فيها وبينوا أثرها على الحضارة الغربية بوجه خاص والحضارة الألمانية بوجه عام أمثال جوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب وغيره من المستشرقين الذين اهتموا بالإسلام إلى الدرجة التي أدت إلى اسم كثير منهم .
وقد ساعد على وجود هذا النفر القليل من المستشرقين زوال أثار التعصب الديني في بداية العصر الحديث وأيضا مامرت به أوروبا بما يعرف بعصر التنوير الذي أوجد نفر من الباحثين الذين كانت بحوثهم عن العالم الإسلامي تتسم بالموضوعية والنزاهة العلمية ولم يكن لهم غرض سوى البحث عن الحقيقة .
ولكن إذا صدق القول على بعض المستشرقين المسيحيين فإنه لا يصدق أبدا على أي من المستشرقين اليهود الذين دخلوا مجال الاستشراق بهدف النيل من الإسلام والحضارة الإسلامية فكانت بحوثهم ومؤلفاتهم مليئة بالحقد والدس والكيد للإسلام .
وليس من قبيل المصادفة أن نجد أن أكبر المستشرقين منذ وأواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين هو اليهودي جولدرزبهر والذي كرس حياته للطعن على الإسلام ونبى الإسلام وقرآن الإسلام بأسلوب علمي مقنع تتبعث منه أحقاد اليهود ومكرهم وخبثهم .
وفي جولة قام بها الأستاذ مصطفى السباعي في جامعات أوروبا التقى خلالها مع كثير من المستشرقين استخلص النتائج الآتية
1- أن المستشرقين لا يخلوا أحدهم من أن يكون قسيسا أو استعماريا أو يهوديا وفد يشذ عن ذلك أفراد قليلون
2- أن الاستشراق في الدول الغربية غير الاستعمارية كالدول الاسكندنافية أضعف منه عند الدول الاستعمارية
3- أن الاستشراق بصورة عامة ينبعث من الكنيسة وفي الدول الاستعمارية يسير مع الكنيسة ووزارة الخارجية جنبا إلى جنب ويلقى منها كل تأييد
4- أن الدول الاستعمارية كبريطانيا وفرنسا ما تزال حريصة على توجيه الاستشراق وجهته التقليدية من كونه أداة هدم للإسلام وتشويه السمعة للمسلمين
والمستشرقون بالإضافة إلى أعمالهم السابقة فإنهم سلكوا كل طريق ظنوه محققا لأهدافهم فقد استطاعوا أن يتسللوا إلى المجمع اللغوي بمصر والمجمع العلمي بدمشق والمجمع العلمي ببغداد كما أنهم قاموا بالتدريس في بعض الجامعات في البلاد الإسلامية .
فقد كان المستشرق الانجليزي جيب عضوا بالمجمع اللغوي بمصر بالإضافة إلى اشتراكه في تحرير دائرة المعارف الإسلامية والمستشرق الفرنسي ماسيون كان عضوا بالمجمع اللغوي المصري والمجمع العلمي العربي بدمشق
والمستشرق جنيبرت الانجليزي كان عضوا بالمجمع اللغوي بمصر والمجمع العلمي العربي بدمشق بالإضافة إلى اشتراكه في تحرير دائرة المعارف الإسلامية
والمستشرق نيكلسون كان عضو بالمجمع اللغوي المصري وهو أيضا من محرري دائرة المعارف الإسلامية وهكذا فإن المستشرقون يلجأون إلى كل طريق لتحقيق أهدافهم وليس معنى ذلك أن هذه هي آخر وسائلهم وطرقهم بل انهم كل يوم يبتكرون وسائل جديدة سواء بالقاء المحاضرات والاشتراك في مؤتمرات الحوار بين الأديان أو بوضع كتب ومؤلفات تتحدث عن الإسلام والحضارة الإسلامية ويكون ظاهرها المدح والثناء وباطنها الدس والتشكيك بطرق ملتوية تجعل المرء يحتار في أمرها والمقصود منها. وربما وصل الأمر إلى اعتناق الإسلام ظاهريا حتى يتسنى له أن يقول ما يريد من غير أن يتعرض للنقد من علماء المسلمين .
المستشرقون وضعوا كتبا عن الحضارة الإسلامية ظاهرها المدح والثناء
وباطنها الدس والتشكيك
بقلم / يوسف الطويل
اتجه الاستعمار الغربي إلى الغزو غير المباشر للسيطرة على العالم الإسلامي وذلك باستخدام الغزو الفكري وسيلة مؤثرة بعد فشل وسائله التقليدية في الغزو العسكري للسيطرة على الشعوب الإسلامية ونهب ثرواتها . وقد وجد الاستعمار في المبشرين الغربيين ضالته المنشودة لتحقيق أهدافه في السيطرة والتبعية عن طريق السيطرة على عقول المسلمين وتشكيكهم في دينهم وحضارتهم
وقد لجأ هؤلاء المبشرون إلى دراسة علوم اللغة العربية والإسلامية لمعرفة اتجاهات المسلمين في مختلف الحياة. ونظرا لأن ظهور حركة الاستشراق له صلة وثيقة بما يحدث اليوم من غزو فكري وتبشيري لكل المسلمين في مختلف أرجاء المعمورة ينبغي أن نلقي الضوء على الجذور التاريخية الأولى لحركة الاستشراق وما هي العوامل التي أدت إلى ظهورها ومدى تأثيرها على المسلمين سلبا وايجابا.
أثر الاستشراق على العالم الإسلامي
بالرغم من أن لكتابات المستشرقين ومؤلفاتهم عن الإسلام والحضارة الإسلامية أثرا سلبيا كبيرا على العالم الإسلامي إلا أن الجانب الإيجابي للاستشراق يتمثل في صورة الهجوم علينا وعلى أمجادنا وليس في صورة المدح لأن جانب المدح والثناء قد يكون له أثر تخذيري علينا فيجعلنا نغمض عيوننا مستسلمين لتلك الأحلام السعيدة التي تذكرنا بالذي كان ونركن إلى ذلك ونعيش على صيت أبائنا وأجدادنا ونظن أننا عظماء لأن أجدادنا عظماء. فجانب الهجوم على الإسلام والحضارة الإسلامية هو الذي دفع كثير من الكتاب المسلمين للرد على القضايا والشبهات التي أثارها المستشرقون حول الإسلام ردا علميا ساهم إلى حد كبير في تصحيح كثير من المفاهيم الخاطئة لدى المسلمين لمسائل القضاء والقدر والتوكل على الله وحقوق المرأة وغيرها من القضايا التي أدى الفهم الخاطئ لحالة التدهور والانحطاط التي عاشها العالم الإسلامي .
بالإضافة إلى أن جانب الهجوم هذا أدى إلى ظهور كتابات إسلامية تتحدث عن الإسلام كنظام متكامل للحياة الإنسانية في جوانبها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مع وضع حلول لكثير من المشكلات التي واجهت الإنسانية في هذا العصر .
وأيضا ظهرت كتابات إسلامية بينت اسهامات العلماء المسلمين في شتى ميادين العلوم والمعرفة وبينت فضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية من خلال تحقيق وجمع كثير من الكتب والمخطوطات ونشرها والتي توضح سبق علماء المسلمين وابداعهم في مجالات كثيرة مما ساعد في إعادة الثقة لكثير من المسلمين في دينهم وحضارتهم المفترى عليها .
ونشاط المستشرقين لم يقتصر على جانب اثارة الشبهات والقضايا المعادية للإسلام والحضارة الإسلامية بل أن لهم جهودا كبيرة تستحق منا الثناء والاعجاب وذلك لقيامهم بجمع كثير من الكتب والمخطوطات العربية والإسلامية النادرة وحفظها وفهرستها بدقة، مما ادى الى عدم ضياع هذه الكتب الإسلامية النادرة والتي كانت مهملة في مكتبات العالم الإسلامي فجهودهم تلك تستحق كل تقدير منا لهم بغض النظر عن هدفهم من وراء ذلك
كما قام المستشرقون بترجمة بعض كتب التراث الإسلامي إلى اللغات الأوروبية الحية وقاموا بنشرها هذا بالإضافة إلى أن لهم عدد كبيرا من المجلات والدوريات التي تنشر بحوثا عن العالم الإسلامي يزيد عددها عن ثلاثمائة مجلة ودورية . والمستشرقون يقومون أيضا بعقد المؤتمرات الدولية بصورة منتظمة يعرضون فيها بحوثهم ودراساتهم عن العالم الإسلامي وقد بلغ عددها حتى الآن أكثر من ثلاثين مؤتمرا هذا الإضافة إلى المؤتمرات والندوات الإقليمية .
هدف ديني
ولو حاولنا أن نحدد أهداف الاستشراق و دوافعه فإننا نستطيع أن نقول أن الهدف الديني كان هو السبب الأول في نشأة الاستشراق وازدهاره ففي البدايات الأولى كان من الصعب الفصل بين الاستشراق والتبشير الديني لأنهما كانا مرتبطان باللاهوت المسيحي ومع بداية عصر الاستعمار وتوجه أنظار الغربيين للسيطرة على العالم الإسلامي ظهرت أهداف أخرى للاستشراق مثل الأهداف الاقتصادية والتجارية والسياسية.
والهدف الديني للاستشراق يتمثل في محاربة الإسلام وتشويهه لتشكيك المسلمين بدينهم بالإضافة إلى حماية المسيحيين من خطر انتشاره بينهم وذلك عن طريق حجب حقائقه عنهم واطلاعهم على ما فيه من نقائض مزعومة .
أما الهدف التجاري للاستشراق فيتمثل في ازدياد أطماع الغربيين ورغبتهم في توسيع تجارتهم والسيطرة على موارد العالم الإسلامي الغنية واللازمة لصناعتهم ولهذا وجدوا الحاجة ماسة لمعرفة البلاد الإسلامية وعاداتها وتقاليدها وجغرافيتها وتركيبتها السكانية وغير ذلك من الأمور حتى يستنى لهم استغلالها بسهولة .
أما الهدف السياسي للاستشراق فقد أوضحنا أن الحروب الصليبية وفشلها في السيطرة على العالم الإسلامي عن طريق الغزو العسكري كان له اكبر الاثر في نشأت الاستشراق وازدهاره. فقد أدرك الغرب أن الغزو العسكري لبلاد المسلمين بدون معرفة كاملة بالدين الإسلامي وعادات وتقاليد ولغات الشرق المسلم لا بد مخفف لأنه سيكون مفتقرا للدراسة الواعية التي يمكن أن تساعده في دوام السيطرة حتى بعد زوال السيطرة العسكرية .
ومع بداية السيطرة على البلاد الإسلامية اضطرت الدولة الاستعمارية لتعليم موظفيها في المستعمرات لغات البلاد الإسلامية وجزء من أدابها ودينها وعاداتها وتقاليدها حتى يستطيعوا سياسة هذه المستعمرات وحكمها .
وقد أفاد الاستعمار كثيرا من التراث الاستشراقي وما كتبه المستشرقون عن العالم الإسلامي وكان لزيادة التوسع الاستعماري في البلاد الإسلامية أثر كبير في زيادة مؤسسات الاستشراق ونشاطه بدعم ومساعدة من الدول الاستعمارية .
وقد كان التعاون بين الاستعمار والاستشراق وثيقا حيث استطاع الاستعمار أن يجند كثيرا من المستشرقين لخدمة أغراضه وأهدافه في البلاد الإسلامية، فكان المستشرقون يمدون الاستعمار بالدراسات والبحوث التي تيسر له حكم البلاد الإسلامية واستغلالها فمثلا قام المستشرق كارل هيزيسن بيكر مؤسس مجلة الإسلام الألمانية بدراسات تخدم الاهداف الاستعمارية الالمانية في أفريقيا ودعا إلى استخدام الإسلام في أفريقيا والهند كدروع سياسية في وجه البريطانيين
أما عالم الإسلاميات الهولندي ( سندك هورجروفيه ) فأنه في سبيل استعداده للعمل في خدمة الاستعمار توجه إلى مكة في عام 1885 بعد أن انتحل اسما إسلاميا هو ( عبد الغفار ) وأقام هناك ما يقرب من نصف عام وقد لعب هذا المستشرق دورا هاما في تشكيل السياسة الثقافية الاستعمارية في المناطق الهولندية في الهند الشرقية وشغل مناصب قيادية في السلطة الاستعمارية الهولوندية في أندونيسيا.
وفي فرنسا كان هناك عدد من المستشرقين يعملون مستشارين لوزارة المستعمرات الفرنسية مستشارين لوزارة المستعمرات الفرنسية عن شؤون شمال أفريقيا حيث كانوا يستشارون في المسائل المتعلقة بالشرق الإسلامي من قبل وزير الخارجية ووزير الحربية .
أما في بريطانيا فقد دعا اللورد كيرزن لإنشاء مدرسة للدراسات الشرقية باعتبار أنها تعد جزءا من تأثبت الامبراطورية وتساعد على الاحتفاظ بالموقع الذي نالته بريطانيا في الشرق وقد كانت الحكومة البريطانية من أجل تحقيق أهدافها الاستعمارية ترسم سياستها في مستعمراتها في الشرق بعد التنسيق والتشاور مع فريق من المستشرقين الذين يقدمون لها الدراسات المطلوبة. وهكذا اتجه الاستشراق المتعاون مع الاستعمار بعد الاستيلاء العسكري والسياسي على بلاد المسلمين إلى اضعاف المقاومة الروحية والمعنوية في نفوس المسلمين عن طريق تشكيك المسلمين في معتقداتهم وتراثهم والقيام بالترويج للحضارة والثقافة الغربية بين ربوع المسلمين حتى يتم اخضاعهم في النهاية اخضاعا تاما للثقافة والفكر الغربي .
وإذا كان كثير من المستشرقين قد ارتضوا لأنفسهم بأن يكون عملهم وسيلة للاستيلاء على بلاد المسلمين وتسخيرها لخدمة الأهداف الاستعمارية فإن بعض المستشرقين المنصفين يشعرون بالخجل والمرارة إزاء هذه الأعمال وفي ذلك يقول المستشرق الغربي المعاصر استفان فيلد : والأقبح من ذلك أنه توجد جماعة يسمون أنفسهم مستشرقين سخروا معلوماتهم عن الإسلام وتاريخه في سبيل مكافحة الإسلام والمسلمين هذا واقع مؤلم لا بد أن يعترف به المستشرقين المنصفون المخلصون لرسالتهم بكل صراحة .
ومن الانصاف القول أنه إذا كان كثير من المستشرقين قد درسوا الإسلام والحضارة الإسلامية لأهداف دينية وتجارية وسياسية إلا أن هناك نفر قليل من المستشرقين الذين كانت دراساتهم عن الإسلام والحضارة الإسلامية منصفة وموضوعية فبينوا الجوانب المشرقة فيها وبينوا أثرها على الحضارة الغربية بوجه خاص والحضارة الألمانية بوجه عام أمثال جوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب وغيره من المستشرقين الذين اهتموا بالإسلام إلى الدرجة التي أدت إلى اسم كثير منهم .
وقد ساعد على وجود هذا النفر القليل من المستشرقين زوال أثار التعصب الديني في بداية العصر الحديث وأيضا مامرت به أوروبا بما يعرف بعصر التنوير الذي أوجد نفر من الباحثين الذين كانت بحوثهم عن العالم الإسلامي تتسم بالموضوعية والنزاهة العلمية ولم يكن لهم غرض سوى البحث عن الحقيقة .
ولكن إذا صدق القول على بعض المستشرقين المسيحيين فإنه لا يصدق أبدا على أي من المستشرقين اليهود الذين دخلوا مجال الاستشراق بهدف النيل من الإسلام والحضارة الإسلامية فكانت بحوثهم ومؤلفاتهم مليئة بالحقد والدس والكيد للإسلام .
وليس من قبيل المصادفة أن نجد أن أكبر المستشرقين منذ وأواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين هو اليهودي جولدرزبهر والذي كرس حياته للطعن على الإسلام ونبى الإسلام وقرآن الإسلام بأسلوب علمي مقنع تتبعث منه أحقاد اليهود ومكرهم وخبثهم .
وفي جولة قام بها الأستاذ مصطفى السباعي في جامعات أوروبا التقى خلالها مع كثير من المستشرقين استخلص النتائج الآتية
1- أن المستشرقين لا يخلوا أحدهم من أن يكون قسيسا أو استعماريا أو يهوديا وفد يشذ عن ذلك أفراد قليلون
2- أن الاستشراق في الدول الغربية غير الاستعمارية كالدول الاسكندنافية أضعف منه عند الدول الاستعمارية
3- أن الاستشراق بصورة عامة ينبعث من الكنيسة وفي الدول الاستعمارية يسير مع الكنيسة ووزارة الخارجية جنبا إلى جنب ويلقى منها كل تأييد
4- أن الدول الاستعمارية كبريطانيا وفرنسا ما تزال حريصة على توجيه الاستشراق وجهته التقليدية من كونه أداة هدم للإسلام وتشويه السمعة للمسلمين
والمستشرقون بالإضافة إلى أعمالهم السابقة فإنهم سلكوا كل طريق ظنوه محققا لأهدافهم فقد استطاعوا أن يتسللوا إلى المجمع اللغوي بمصر والمجمع العلمي بدمشق والمجمع العلمي ببغداد كما أنهم قاموا بالتدريس في بعض الجامعات في البلاد الإسلامية .
فقد كان المستشرق الانجليزي جيب عضوا بالمجمع اللغوي بمصر بالإضافة إلى اشتراكه في تحرير دائرة المعارف الإسلامية والمستشرق الفرنسي ماسيون كان عضوا بالمجمع اللغوي المصري والمجمع العلمي العربي بدمشق
والمستشرق جنيبرت الانجليزي كان عضوا بالمجمع اللغوي بمصر والمجمع العلمي العربي بدمشق بالإضافة إلى اشتراكه في تحرير دائرة المعارف الإسلامية
والمستشرق نيكلسون كان عضو بالمجمع اللغوي المصري وهو أيضا من محرري دائرة المعارف الإسلامية وهكذا فإن المستشرقون يلجأون إلى كل طريق لتحقيق أهدافهم وليس معنى ذلك أن هذه هي آخر وسائلهم وطرقهم بل انهم كل يوم يبتكرون وسائل جديدة سواء بالقاء المحاضرات والاشتراك في مؤتمرات الحوار بين الأديان أو بوضع كتب ومؤلفات تتحدث عن الإسلام والحضارة الإسلامية ويكون ظاهرها المدح والثناء وباطنها الدس والتشكيك بطرق ملتوية تجعل المرء يحتار في أمرها والمقصود منها. وربما وصل الأمر إلى اعتناق الإسلام ظاهريا حتى يتسنى له أن يقول ما يريد من غير أن يتعرض للنقد من علماء المسلمين .
الاستشراق غزو فكري استعماري لتدمير الحضارة الإسلامية "1"
الاستشراق والتبشير وجهان لعملة واحدة لوقف انتشار الإسلام وحجب حقائقه
بقلم / يوسف الطويل
جريدة الوحدة الاماراتية 21/11/ 1987 – 31/12/1987
لجأ العالم الغربي إلى الاستعمار الخفي غير المباشر لغزو العالم الإسلامي وذلك بعد فشل وسائله التقليدية في استخدام الغزو العسكري للسيطرة على الشعوب الإسلامية وقد وجد الاستعمار في المستشرقين وسيلتهم القوية للسيطرة على المسلمين عن طريق دينهم وثقافتهم وأفكارهم . وقد عملوا على تحقيق هذه الأهداف بدراسة علوم اللغة العربية والإسلامية لمعرفة اتجاهات المسلمين في مختلف الحياة .
ونظرا لأن ظهور حركة الاستشراق له صلة وثيقة بما يحدث اليوم من غزو فكري وتبشيري لكل المسلمين في مختلف أرجاء المعمورة ينبغي أن نتعرف على حركة الاستشراق وأصولها التاريخية الأولى وما هي العوامل التي أدت إلى ظهورها وتأثيرها على المسلمين سلبا وايجابا .
الاستشراق نشأته وأهدافه
الاستشراق هو اتجاه الغربيين لدراسة العلوم الإسلامية واللغة العربية بالدراسة والبحث أو هو الدراسات الغربية المتعلقة بالعالم الإسلامي في لغاته وآدابه وتاريخه وعقائده وحضارية بوجه عام . والمستشرق هو العالم الذي تمكن من هذه الدراسات وقام بوضع مؤلفات أو بحوث أو قام بتحقيق بعض الكتب والمخطوطات التي تتعلق العالم الإسلامي .
ولو حاولنا أن نتعرف على البدايات الأولى لظهور الاستشراق وبداية اهتمام الغرب بالشرق الإسلامي فإننا سنجد أن الانتشار السريع للإسلام في المشرق والمغرب، قد لفت بقوة أنظار الغربيين بوجه عام ورجال اللاهوت بوجه خاص لهذا الدين الجديد . ومن هنا بدأ اهتمام رجال اللاهوت بالاسلام ودراسته ليس من أجل اعتناقه ولكن من أجل حماية اخوانهم المسيحيين من خطر انتشاره بينهم .
وقد كان لازدهار الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى وخاصة في الأندلس ووقوف كثير من الأوروبيين للدراسة فيها، واختلاطهم بالمسلمين في أماكن كثيرة أثر في زيادة الاهتمام الأوروبي بالاسلام. ولكن ظهور حركة الاستشراق بأهدافها ونشاطها يرجع إلى الحروب الصليبية التي لم تحقق للذين قاموا بها أهدافهم، فرأى هؤلاء بعد ان فشل الغزو العسكرى فى تحقيق اهدافهم، أن يلجأوا أن يلجأوا إلى الغزو الفكري لعلهم يستطيعون عن طريقه أن ينالوا من المسلمين ومن ثقافتهم وفكرهم ودينهم وقد عبر كثير من الكتاب الأوروبيين عن دور الحروب الصليبية في نشأة الاستشراق فيقول أمرتون:
أن حياة أوروبا أغتنت خلال الحروب الصليبية لأنها اقتبست من حياة المسلمين ألونا من الفكر والثقافة مما جعل أفق الأوروبين يتسع بسبب ارتباطهم طيلة عدة سنين ببلاد الشرق ذات الالهام والأساطير وكان ذلك دافعا للكثيرين من الغربيين ليواصلوا صلتهم بالشرق عن طريق العلم والمعرفة حتى أصبحوا مستشرقين .
ويقول أومان: أن الحروب الصليبية وضعت نواة الاستشراق إذا اتجه الرهبان للدراسة اللغة العربية والفكر الإسلامي لمعرفة اتجاهات المسلمين في مختلف الشؤون وقد أسست كلية للرهبان في ميراما لدراسة اللغة والعلوم الإسلامية كما أنشئت الكراسي للغات الشرقية في باريس ولوفان .
طريق للسيطرة
وهكذا يتضح لنا كيف أن الغرب لجأ إلى الاستشراق ودراسة الحضارة الإسلامية بشتى جوانبها كطريق آخر للسيطرة على العالم الإسلامي بعد فشلهم في السيطرة عليه عن طريق الغزو العسكري . ولهذا يمكن القول بأن تاريخ الاستشراق في مراحله الأولى هو تاريخ للصراع بين العالم النصراني الغربي في القرون الوسطى والشرق الإسلامي على الصعيدين الديني والايديولوجي فقد كان الإسلام كما يقول سادرن: يمثل مشكلة بعيدة المدى بالنسبة للعالم النصراني في أوروبا على المستويات كافة.
فإذا كانت الحروب الصليبية تمثل الخلفية الدينية للصراع الحضاري بين العالم الإسلامي والعالم الغربي فإن الاستشراق يمثل الخلفية الفكرية لهذا الصراع . فالاستشراق يشكل الجذور الحقيقية التي كانت ولا تزال تقدم المدد والعون للمبشرين والمستعمرين في غزوهم للعالم الإسلامي يستقون منه معلوماتهم عن العالم الإسلامي عقيدته وتاريخه وفكره وعاداته وتقاليده وجغرافيته ونظم الحكم فيه . ويكفي أن نعرف أيضا أن الأوروبيين وكثير من الشرقيين لا يزالون يستقون معلوماتهم عن الإسلام والحضارة الإسلامية من خلال كتابات المستشرقين أو من أثر عليهم المستشرقين . فقد كان للاستشراق أكبر الأثر في صياغة التصورات الأوروبية عن الإسلام والحضارة الإسلامية على مدى قرون طويلة .
دراسة القرآن
قام المستشرقون بدراسة القرآن والسنة النبوية والسيرة النبوية وكتب التراث الإسلامي دراسة وافية وأخذوا يثيرون مشكلات وقضايا وشبهات حول الإسلام والقرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم والفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية كما قاموا بتشويه التاريخ والفكر الإسلامي ودسوا فيه كثير من الأباطيل الزائفة . وقاموا بانشاء اقسام للدراسات الشرقية في الجامعات الأوروبية حيث قاموا من خلالها بإثارة هذه القضايا وتلقينها للدراسين في هذه الجامعات سواء من الأوروبيين أو المسلمين. وفي بداية نهوض العالم الإسلامي وفد كثير من الدارسين المسلمين الى هذه الجامعات والمعاهد لنيل الشهادات العالمية وذلك لتوفر الامكانيات العلمية اللازمة للدراسة والبحث في هذه الجامعات والمعاهد وخاصة المخطوطات وكتب التراث النادرة التي قام المستشرقون بجمعها بعد حصولهم عليها من العالم الإسلامي .
وقد شجع الغرب الدارسين المسلمين للدراسة في هذه الجامعات على أيدي المستشرقين لكي يخلقوا جيلا من أبناء المسلمين المتشككين في دينهم وحضارتهم وتاريخهم والمفتونين بالفكر والحضارة الغربية لكي يقوم هؤلاء بترويج أفكار وآراء المستشرقين عن الإسلام والحضارة الإسلامية من خلال توليهم كثير من المناصب العلمية بالتدريس الجامعي أو العمل في أجهزة الاعلام المختلفة .
وفعلا استطاع الغرب أن يخلق هذا الجيل من أبناء المسلمين المتشككين في دينهم وحضارتهم واللذين كانوا بمثابة أبواق تردد أراء المستشرقين وشبهاتهم عن الإسلام والحضارة الإسلامية هذا بالإضافة إلى اعجابهم الشديد بالحضارة الغربية في شتى جوانبها والدعوة إلى تقليد الغرب في كل شيء إذا أردنا أن ننهض ونساير العصر ودعا الآخرون إلى استبدال الحروف العربية بأحرف لاتينية.
وللأسف فإن كثيرا من هؤلاء تولوا مناصب قيادية في عالمنا الإسلامي ولا يزالون فلعبوا دورا كبيرا وخطيرا في تشكيل الفكر الإسلامي كما يريد الغرب ويشتهي فكان خطرهم أعظم وأشد من خطر المستشرقين على العالم الإسلامي لأن المسلم عندما يقرأ لأجنبي فإنه يأخذ حذره منه ويتفحص آراءه بدقه، بعكس ما يفعله مع المسلم لأنه يأخذ كل ما يقوله بحسن نية.
ومن الشبهات والقضايا التي أثارها المستشرقون حول الإسلام والحضارة الإسلامية :
1- قولهم أن القرآن من تأليف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وليس من عند الله
2- قولهم أن ضعف المسلمين سببه العقائد الإسلامية كالقضاء والقدر والتوكل .
3- ادعائهم أن الإسلام انتشر بالقوة وعب السيف
4- قولهم أن الإسلام دمر نظام الأسرة بواسطة الطلاق وتعدد الزوجات
5- قيامهم بالتشكيك بصحة الحديث النبوي وترويجهم لبعض الأحاديث الضعيفة التي تخدم مخططاتهم
6- قيامهم بخلق بعض الفرق التي تعادي الإسلام والترويج لها كالبهائية والقاديانية
7- محاولتهم التقليل من شأن الحضارة الإٍسلامية واسهامها في الحضارة الإنسانية وسخريتهم من العقلية العربية والقول بأن المسلمين لم يكونوا إلا نقلة للحضارة اليونانية والرومانية وليس لها أي ابداع يذكر لأن الخلق والابداع ليس من طبيعة المسلمين
8- تشويههم للتاريخ الإسلامي والتركيز على الخلافات الإسلامية ونشرها وكأن التاريخ الإسلامي ما هو إلا تاريخ للخلافات والفتن مع اهمالهم ذكر الجوانب المضيئة من التاريخ الإسلامي
9- اضعاف روح الأخاء الإسلامي وذلك عن طريق احياء القوميات القديمة والدعوة لها، واثارتهم التعرات الطائفية واقامتهم الحواجز المصطنعة بين البلاد الإٍسلامية
10- قولهم أن الإسلام يعارض العلم ولا يدعو له ويحد من النظر العقلي والبحث الحر
11- التشكيك في قدرة اللغة العربية على مسايرة التقدم العلمي لتظل الأمة الإسلامية عالة على المصطلحات الغربية
12- التشكيك في قيمة الفقه الإسلامي والقول أنه منحول من الفقة الروماني
13- هذا بالإضافة إلى شبهات وقضايا أخرى كثيرة أثارها المستشرقون حول الإٍسلام والحضارة الإسلامية ويجب أن نوضح أن كل هذه الشبهات والقضايا وغيرها والتي أثارها المستشرقون حول الإسلام والحضارة الإسلامية قد قام بالرد عليها علماء ومفكرون مسلمون اجلاء وبينو تهافتها وبطلانها وزيفها وزيف مروجيها وسوء نيتهم بما يضمرون من حقد للأمة الإسلامية فردوا عليها بالحجة بأسلوب علمي .
بقلم / يوسف الطويل
جريدة الوحدة الاماراتية 21/11/ 1987 – 31/12/1987
لجأ العالم الغربي إلى الاستعمار الخفي غير المباشر لغزو العالم الإسلامي وذلك بعد فشل وسائله التقليدية في استخدام الغزو العسكري للسيطرة على الشعوب الإسلامية وقد وجد الاستعمار في المستشرقين وسيلتهم القوية للسيطرة على المسلمين عن طريق دينهم وثقافتهم وأفكارهم . وقد عملوا على تحقيق هذه الأهداف بدراسة علوم اللغة العربية والإسلامية لمعرفة اتجاهات المسلمين في مختلف الحياة .
ونظرا لأن ظهور حركة الاستشراق له صلة وثيقة بما يحدث اليوم من غزو فكري وتبشيري لكل المسلمين في مختلف أرجاء المعمورة ينبغي أن نتعرف على حركة الاستشراق وأصولها التاريخية الأولى وما هي العوامل التي أدت إلى ظهورها وتأثيرها على المسلمين سلبا وايجابا .
الاستشراق نشأته وأهدافه
الاستشراق هو اتجاه الغربيين لدراسة العلوم الإسلامية واللغة العربية بالدراسة والبحث أو هو الدراسات الغربية المتعلقة بالعالم الإسلامي في لغاته وآدابه وتاريخه وعقائده وحضارية بوجه عام . والمستشرق هو العالم الذي تمكن من هذه الدراسات وقام بوضع مؤلفات أو بحوث أو قام بتحقيق بعض الكتب والمخطوطات التي تتعلق العالم الإسلامي .
ولو حاولنا أن نتعرف على البدايات الأولى لظهور الاستشراق وبداية اهتمام الغرب بالشرق الإسلامي فإننا سنجد أن الانتشار السريع للإسلام في المشرق والمغرب، قد لفت بقوة أنظار الغربيين بوجه عام ورجال اللاهوت بوجه خاص لهذا الدين الجديد . ومن هنا بدأ اهتمام رجال اللاهوت بالاسلام ودراسته ليس من أجل اعتناقه ولكن من أجل حماية اخوانهم المسيحيين من خطر انتشاره بينهم .
وقد كان لازدهار الحضارة الإسلامية في العصور الوسطى وخاصة في الأندلس ووقوف كثير من الأوروبيين للدراسة فيها، واختلاطهم بالمسلمين في أماكن كثيرة أثر في زيادة الاهتمام الأوروبي بالاسلام. ولكن ظهور حركة الاستشراق بأهدافها ونشاطها يرجع إلى الحروب الصليبية التي لم تحقق للذين قاموا بها أهدافهم، فرأى هؤلاء بعد ان فشل الغزو العسكرى فى تحقيق اهدافهم، أن يلجأوا أن يلجأوا إلى الغزو الفكري لعلهم يستطيعون عن طريقه أن ينالوا من المسلمين ومن ثقافتهم وفكرهم ودينهم وقد عبر كثير من الكتاب الأوروبيين عن دور الحروب الصليبية في نشأة الاستشراق فيقول أمرتون:
أن حياة أوروبا أغتنت خلال الحروب الصليبية لأنها اقتبست من حياة المسلمين ألونا من الفكر والثقافة مما جعل أفق الأوروبين يتسع بسبب ارتباطهم طيلة عدة سنين ببلاد الشرق ذات الالهام والأساطير وكان ذلك دافعا للكثيرين من الغربيين ليواصلوا صلتهم بالشرق عن طريق العلم والمعرفة حتى أصبحوا مستشرقين .
ويقول أومان: أن الحروب الصليبية وضعت نواة الاستشراق إذا اتجه الرهبان للدراسة اللغة العربية والفكر الإسلامي لمعرفة اتجاهات المسلمين في مختلف الشؤون وقد أسست كلية للرهبان في ميراما لدراسة اللغة والعلوم الإسلامية كما أنشئت الكراسي للغات الشرقية في باريس ولوفان .
طريق للسيطرة
وهكذا يتضح لنا كيف أن الغرب لجأ إلى الاستشراق ودراسة الحضارة الإسلامية بشتى جوانبها كطريق آخر للسيطرة على العالم الإسلامي بعد فشلهم في السيطرة عليه عن طريق الغزو العسكري . ولهذا يمكن القول بأن تاريخ الاستشراق في مراحله الأولى هو تاريخ للصراع بين العالم النصراني الغربي في القرون الوسطى والشرق الإسلامي على الصعيدين الديني والايديولوجي فقد كان الإسلام كما يقول سادرن: يمثل مشكلة بعيدة المدى بالنسبة للعالم النصراني في أوروبا على المستويات كافة.
فإذا كانت الحروب الصليبية تمثل الخلفية الدينية للصراع الحضاري بين العالم الإسلامي والعالم الغربي فإن الاستشراق يمثل الخلفية الفكرية لهذا الصراع . فالاستشراق يشكل الجذور الحقيقية التي كانت ولا تزال تقدم المدد والعون للمبشرين والمستعمرين في غزوهم للعالم الإسلامي يستقون منه معلوماتهم عن العالم الإسلامي عقيدته وتاريخه وفكره وعاداته وتقاليده وجغرافيته ونظم الحكم فيه . ويكفي أن نعرف أيضا أن الأوروبيين وكثير من الشرقيين لا يزالون يستقون معلوماتهم عن الإسلام والحضارة الإسلامية من خلال كتابات المستشرقين أو من أثر عليهم المستشرقين . فقد كان للاستشراق أكبر الأثر في صياغة التصورات الأوروبية عن الإسلام والحضارة الإسلامية على مدى قرون طويلة .
دراسة القرآن
قام المستشرقون بدراسة القرآن والسنة النبوية والسيرة النبوية وكتب التراث الإسلامي دراسة وافية وأخذوا يثيرون مشكلات وقضايا وشبهات حول الإسلام والقرآن الكريم والرسول صلى الله عليه وسلم والفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية كما قاموا بتشويه التاريخ والفكر الإسلامي ودسوا فيه كثير من الأباطيل الزائفة . وقاموا بانشاء اقسام للدراسات الشرقية في الجامعات الأوروبية حيث قاموا من خلالها بإثارة هذه القضايا وتلقينها للدراسين في هذه الجامعات سواء من الأوروبيين أو المسلمين. وفي بداية نهوض العالم الإسلامي وفد كثير من الدارسين المسلمين الى هذه الجامعات والمعاهد لنيل الشهادات العالمية وذلك لتوفر الامكانيات العلمية اللازمة للدراسة والبحث في هذه الجامعات والمعاهد وخاصة المخطوطات وكتب التراث النادرة التي قام المستشرقون بجمعها بعد حصولهم عليها من العالم الإسلامي .
وقد شجع الغرب الدارسين المسلمين للدراسة في هذه الجامعات على أيدي المستشرقين لكي يخلقوا جيلا من أبناء المسلمين المتشككين في دينهم وحضارتهم وتاريخهم والمفتونين بالفكر والحضارة الغربية لكي يقوم هؤلاء بترويج أفكار وآراء المستشرقين عن الإسلام والحضارة الإسلامية من خلال توليهم كثير من المناصب العلمية بالتدريس الجامعي أو العمل في أجهزة الاعلام المختلفة .
وفعلا استطاع الغرب أن يخلق هذا الجيل من أبناء المسلمين المتشككين في دينهم وحضارتهم واللذين كانوا بمثابة أبواق تردد أراء المستشرقين وشبهاتهم عن الإسلام والحضارة الإسلامية هذا بالإضافة إلى اعجابهم الشديد بالحضارة الغربية في شتى جوانبها والدعوة إلى تقليد الغرب في كل شيء إذا أردنا أن ننهض ونساير العصر ودعا الآخرون إلى استبدال الحروف العربية بأحرف لاتينية.
وللأسف فإن كثيرا من هؤلاء تولوا مناصب قيادية في عالمنا الإسلامي ولا يزالون فلعبوا دورا كبيرا وخطيرا في تشكيل الفكر الإسلامي كما يريد الغرب ويشتهي فكان خطرهم أعظم وأشد من خطر المستشرقين على العالم الإسلامي لأن المسلم عندما يقرأ لأجنبي فإنه يأخذ حذره منه ويتفحص آراءه بدقه، بعكس ما يفعله مع المسلم لأنه يأخذ كل ما يقوله بحسن نية.
ومن الشبهات والقضايا التي أثارها المستشرقون حول الإسلام والحضارة الإسلامية :
1- قولهم أن القرآن من تأليف سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وليس من عند الله
2- قولهم أن ضعف المسلمين سببه العقائد الإسلامية كالقضاء والقدر والتوكل .
3- ادعائهم أن الإسلام انتشر بالقوة وعب السيف
4- قولهم أن الإسلام دمر نظام الأسرة بواسطة الطلاق وتعدد الزوجات
5- قيامهم بالتشكيك بصحة الحديث النبوي وترويجهم لبعض الأحاديث الضعيفة التي تخدم مخططاتهم
6- قيامهم بخلق بعض الفرق التي تعادي الإسلام والترويج لها كالبهائية والقاديانية
7- محاولتهم التقليل من شأن الحضارة الإٍسلامية واسهامها في الحضارة الإنسانية وسخريتهم من العقلية العربية والقول بأن المسلمين لم يكونوا إلا نقلة للحضارة اليونانية والرومانية وليس لها أي ابداع يذكر لأن الخلق والابداع ليس من طبيعة المسلمين
8- تشويههم للتاريخ الإسلامي والتركيز على الخلافات الإسلامية ونشرها وكأن التاريخ الإسلامي ما هو إلا تاريخ للخلافات والفتن مع اهمالهم ذكر الجوانب المضيئة من التاريخ الإسلامي
9- اضعاف روح الأخاء الإسلامي وذلك عن طريق احياء القوميات القديمة والدعوة لها، واثارتهم التعرات الطائفية واقامتهم الحواجز المصطنعة بين البلاد الإٍسلامية
10- قولهم أن الإسلام يعارض العلم ولا يدعو له ويحد من النظر العقلي والبحث الحر
11- التشكيك في قدرة اللغة العربية على مسايرة التقدم العلمي لتظل الأمة الإسلامية عالة على المصطلحات الغربية
12- التشكيك في قيمة الفقه الإسلامي والقول أنه منحول من الفقة الروماني
13- هذا بالإضافة إلى شبهات وقضايا أخرى كثيرة أثارها المستشرقون حول الإٍسلام والحضارة الإسلامية ويجب أن نوضح أن كل هذه الشبهات والقضايا وغيرها والتي أثارها المستشرقون حول الإسلام والحضارة الإسلامية قد قام بالرد عليها علماء ومفكرون مسلمون اجلاء وبينو تهافتها وبطلانها وزيفها وزيف مروجيها وسوء نيتهم بما يضمرون من حقد للأمة الإسلامية فردوا عليها بالحجة بأسلوب علمي .
الغزو الفكري ادواته واهدافه في العالم الاسلامي
بقلم / يوسف الطويل
جريدة الوحدة الاماراتية 17/10/1987
لكل أمة من الأمم مميزاتها وخصائصها التي تميزها عن غيرها من الامم بحيث تمثل هذه الخصائص والمميزات شخصيتها وهويتها المستقلة التي تستمد منها قوتها ووحدتها .
والأمة الإسلامية لها من المميزات والخصائص التي استمدتها عبر قرون طويلة من تعاليم الدين الإسلامي والتي جعلت من هذه الأمة الإسلامية عن غيرها من الإمم تقف سدا منيعا في وجه كافة التحديات التي واجهتها الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل . فكان تمسك المسلمين بهويتهم المميزة وتعاليم الدين الإسلامي هو منبع قوتهم وتفوق في كافة المجالات العسكرية والاجتماعية والاقتصادية . فكانت كل شؤون حياتهم مصبوغة بصبغة الإسلام فكان اختلافهم من أجل الإسلام وكان اتفاقهم ووحدتهم للاسلام وكان فكرهم وثقافتهم مستمدا من الإسلام ولهذا استطاعت الأمة الإسلامية بتمسكها بتعاليم دينها أن تواجه كافة التحديات التي واجهتها من هجمات تتارية وحروب صليبية وردت الغزاة المعتدين إلى نحورهم مهزومين بالرغم مما تركته هذه الحروب من أثر سيء على العالم الإسلامي فيما بعد .
وبالرغم من حالة الانقسام الداخلي التي كانت تعيشها الأمة الإسلامية أبان الحروب الصليبية إلا أن ظهور شخصية صلاح الدين الأيوبي كان كفيلا باسم شمل المسلمين وتوحيدهم على اختلاف مذاهبهم وجعلهم يقفون صفا واحدا على في وجه الغزاة المعتدين وانزال الهزيمة بهم . وسبب نجاح صلاح الدين في ذلك هو انه عرف مكمن قوة المسلمين وهو الدين الإسلامي فدعاهم باسم الاسلام للجهاد ورد المعتدين فهاتت لديهم التضحية بالنفس والمال والولد في سبيل نصرة الإسلام
ولهذا أدرك الغرب بعد فشل الحروب الصليبية أن الغزو العسكري للبلاد الإسلامية . لا بد مخفق مهما طال الزمن ما لم يصاحبه غزو فكري يقضي على عوامل القوة والمنعة الكامنة في الإسلام وفي هذا يقول كيرك أن الحروب الصليبية فتحت أذهان الغربيين إلى مستوى الذي كان يفوق بكثير حضارة الغرب ومع تفتح أذهان الغربيين اتجه هؤلاء إلى غزو الشرق فكريا بعد أن عجزوا عن غزوه عسكريا .
ومصطلح الغزو الفكري من المصطلحات التي ظهرت في عصرنا الحديث بعد أن تعرضت كثير من دول العالم للااستعمار الغربي والذي عمل جاهدا على ابقاء سيطرته على هذه الدول حتى بعد زوال سيطرته العسكرية والسياسية عنها وذلك عن طريق ابقائها في حالة تبعية فكرية واقتصادية لها .
والغزو الفكري يقصد به بوجه عام ذلك الجهد البشري المبذول ضد شعب أو أمة من الأمم لكسب معارك الحياة فيها وتسهيل قيادتها وتحويل مسارها التاريخي عن طريق اخضاعها لثقافة وفكر غريب عنها وعن شخصيتها ومقوماتها التي تميزها وجعلها تعيش في حالة تبعية فكرية فتعيش على الثقافات الأخرى .
فالغزو الفكري مكمل لأساليب الغزو التقليدية ومساعد لها وفي بعض الأحيان يكون بديلا عنها مع التقائه معها في الأهداف وأن اختلف وسائل ومظاهر كل منها .
بينما يعتمد الغزو العسكري على قوة السلاح وما تحققه الجيوش من انتصارات في ساحات المعركة لتحقيق أهدافه يعتمد الغزو الفكري على مدى دراية الغزاة وعلمهم بأحوال الأمة التي يراد غزوها ومعرفتهم بمواطن الضعف والقوة في فكر وتراث هذه الأمة فيعملوا على محاربة وتشويه مواطن القوة فيها وزيادة مواطن الضعف بشتى الطرق .
وإذا كانت مظاهر الغزو العسكري هي سيطرة الدولة الغازية على أراضي الدولة المغزوة بحيث تظل هذه الدولة أو الأمة في حالة تبعية فكرية وثقافية للدولة الغازية .
فالغزو الفكري هو أن تسود أخلاق وعادات وتقاليد أمة من الأمم أخلاق وعادات وتقاليد أمة أخرى. فإذا كانت الأخلاق والعادات والتقاليد تنبع من القيم والمثل الأصلية لأي أمة من الأمم ومن الظروف التي تعيش فيها فإن تنكر الأمة لأخلاقها وعاداتها وتقاليدها هو تنكر لأصالتها ومسخ لشخصيتها وهويتها المميزة .
الغزو الفكري هو أن تزاحم لغة الغالب لغة المغلوب أو تحل محلها أو تحاربها باحياء اللهجات العامية فيها فتعيش لغة المغلوب عالة على لغة الغالب فتصبح غريبة في وطنها ويدب فيها الضعف بسبب اهمالها وكثرة المصطلحات والمفردات التي تدخلها من خارجها. وإذا كانت اللغة هي وسيلة الإنسان للتعبير عن أحاسيسه وأفكاره فإن ضعف اللغة من غير شك يؤدي إلى ضعف الفكر وخواء مضمونه فيزداد الميل للتقليد الأعمى ويقل الابتكار والابداع لدى مفكري الطرف المغلوب.
الغزو الفكري هو أن يعيش أدباء ومفكرو وعلماء أمة من الأمم عالة على أدباء ومفكري وعلماء أمة أخرى ويتحولون إلى أصحاب وكالات فكرية لا يعرفون معنى الابداع والابتكار فيقومون بتبني أفكار ومذاهب ونظريات غريبة عنهم وعن مجتمعهم وشخصيتهم المميزة متناسبين خصوصية فكر وثقافة كل أمة من الأمم وهذا هو العجز بعينه الذي يجعلهم يختارون أسهل الطرق وأخطرها عن طريق التقليد بدعوى عالمية الفكر والدعوة للتجديد والحداثة .
الغزو الفكري هو أن تهمل أمة من الأمم تاريخها وتراثها وتتخذ من تاريخ وتراث أمة أخرى مثلا أعلى لها فتهمل تاريخ أبطالها وسير التابعين من أبنائها فتفقد ثقتها في نفسها وتاريخها .
الغزو الفكري هو أن يتعرض تاريخ وفكر ونظام حياة أمة من الأمم لحملات التشويه والتخريب والاحتواء من فكر أمة أخر . وقد تعرضت الأمة الإسلامية كغيرها من الأمم الأخرى التي خضعت للاستعمار الغربي لهذا النوع من الغزو وعانت منه طويلا ولا زالت تعاني .
ولكن عندما يتعلق أمر الغزو الفكري بالعالم الإسلامي والفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية فإن الكلام يحتاج إلى كثير من الايضاح والتركيز فالإسلام هو خاتم الرسالات السماوية التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى شريعة ومنهاجا أبديا للبشرية في دنياها وأخرتها.
فكان هذا الدين منذ أوائل عهده ثورة في وجه الظلم والاستغلال والانحراف ودعوة إلى العدل والاخاء والمساواة بين البشر فكان حربا على المستغلين والمنحرفين وهذا لا يرضي المستعمرين والمستغلين لأنهم لن يستطيعوا تحقيق أهدافهم . ووجد هولاء أن الطريق الصحيح للسيطرة على العالم الإسلامي هو محاربة هذا الدين وتشويهه ومحاربة الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية بكل جوانبها وفرض الثقافة والفكر الغربي على البلاد الإسلامية بكافة الطرق واعتبار الحضارة الغربية وقيمها مقياس كل نهوض وتقدم ونشر ذلك بين المسلمين حتى يقل اعتزازهم بدينهم وفكرهم وحضارتهم ويزداد اعجابهم وميلهم للحضارة الغربية .
فقد عمد الغرب إلى رد كل ابداع حضاري لدى الشعوب الإسلامية إلى الأصول اليونانية والرومانية وكأنه لم يوجد فكر في العصور القدمية إلا الفكر اليوناني والروماني متناسين أثر الحضارات الشرقية القديمة على الحضارة اليونانية والرومانية ومبرزين لأثر الحضارة اليونانية على الحضارة الإسلامية فالمسلمون في نظرهم لم يكونوا إلا نقلة وشراحا للفكر اليوناني ولم يضيفوا شيئا جديدا يستحق الذكر للحضارة الإنسانية .
فاسهام المسلمين عندهم الذي يستحق الذكر في مجال الحضارة الإنسانية هو أنهم قاموا بحفظ التراث اليوناني من الضياع عن طريق ترجمته وشرحه وتهذيبه ولا شيء غير ذلك فهم خزنة ماهرون ولكنهم ليسوا مبدعين فالابداع والنظر العقلي سمة للعقلية الغربية والتقليد والإمعان في الروحانية سمة للعقلية الشرقية
فتاريخ الفلسفة عندهم هو تاريخ الفلسفة الغربية مع اهمالهم ذكر اسهامات الفلاسفة المسلمين وأثرهم على الفلاسفة الغربيين أمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد وغيرهم .
وتاريخ العلم هو تاريخ العلم الغربي مع التقليل من قيمة اسهامات العلماء المسلمين في تطور العلوم وتقدمها ونسبهم بعض كشوفات العلماء والمسلمين ونظرياتهم إلى علماء غربيين أو عدم ذكر أثرهم في توصل العلماء الغربيين إلى ما وصلوا إليه من كشوفات
وتاريخ الأدب هو تاريخ الأدب الغربي من هوميروس في عصر اليونان إلى أصحاب المدرسة الكلاسيكية والرومانسية في عصرنا الحديث واهمال ذكر أدباء المسلمين وابداعاتهم وأثرهم على كثير من الأدباء والشعراء الغربيين .
وعصور الغرب هي كل العصور ولا عصور غيرها فهي مقياس التقدم والانحطاط فالعصر الوسيط هو عصر انحطاط وتخلف لأن الغرب كان كذلك متتاسبن أن هذا القول ينطبق على الحضارة الغربية وحدها اما الحضارة الإسلامية فقد كانت في أوج مجدها وازدهارها في العصور الوسطى.
وهكذا نصب الغرب نفسه معلما أبديا للبشرية مسدلا ستاراً من الصمت والتعتيم والتشويه حول انجازات الحضارة الإسلامية في كافة المجالات حتى يبقيها في حالة تبعية فكرية له لأطول فترة ممكنة وذلك بجعل النموذج الحضاري الغربي هو النموذج الوحيد للتقدم الحضاري في كل العصور ولا نموذج سواه ولذلك يجب الاقتداء به وتقليده لمن يريد التقدم والازدهار.
وقد سارت عملية الأعلاء من قيمة الحضارة الغربية والفكر الغربي جنبا إلى جنب مع حملات التشويه والتخريب للتاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية والدين الإسلامي فتسربت كثير من الأفكار الخاطئة عن الحضارة الإسلامية والتاريخ الإسلامي والدين الإسلامي إلى البلاد الإسلامية من خلال ما فرضه الغرب على هذه البلاد من أنماط معينة للتفكير والثقافة بواسطة مؤسساته التعليمية وغيرها من المؤسسات الأخرى .
لقد كان الغزو الفكري من أشد معاول الهدم خطورة على العالم الإسلامي والتي كرست تبعيته الفكرية للعالم الغربي لفترة طويلة وساعدت الدول الاستعمارية في تحقيق أهدافها وتكمن خطورة الغزو الفكري أنه من الأمور غير المنظورة التي لا يمكن تتبعها وعلاجها بسرعة بالاضافة إلى اختلاف الآراء حولها بعكس الغزو العسكري الذي يشعر به كل فرد فتسهل مقاومته والقضاء عليه متى توفرت الامكانيات لذلك .
وإذا أردنا أن نتحدث عن الغزو الفكري للعالم الإسلامي فيجب علينا أن نبحث عن الجذور التاريخية له والتي ساهمت إلى حد كبير في استمراره وفي مساعدة الدول الاستعمارية في فرض سيطرتها السياسية والعسكرية والفكرية على العالم الإسلامي لفترة كبيرة من الزمن.
فإذا كانت الدول الإسلامية قد تحررت من قيود الاستعمار الغربي من الناحية العسكرية وحصلت على استقلالها السياسي إلا أن تبعيتها الفكرية للدول الاستعمارية ما زالت قائمة بالرغم من المحاولات الجادة التي تبدلها هذه الدول للتخلص من هذه التبعية والتي تحتاج إلى وقت وصبر وعمل دائم على كافة المستويات بالإضافة إلى تكاتف جهود كل الدول و المؤسسات الفكرية في الدول الإسلامية .
وسنعرض في هذه الدراسة لبدايات الغزو الفكري الغربي في العالم الإسلامي ودواعيه وأهم الركائز والأدوات التي اعتمد عليها الغرب في تنفيذ مخططاته .
فكما أوضحنا سابقا أن فشل الحروب الصليبية في تحقيق أهدافها عن طريق الغزو العسكري جعلت الغرب يستخلص الدروس والعبر التي تعينه على معرفة الطريقة الجديدة التي يجب أن يتعامل بها الغرب مع العالم الإسلامي . حيث أدرك الغرب أن الغزو العسكري لا بد من مخفق مهما طال الزمن ما لم يصحبه غزو فكري يزلزل عوامل القوة الكامنة في الإسلام والحضارة الإسلامية . والغرب بذلك يعمل وفق القاعدة التي تقول إذا أرهبك عدوك فأفسد فكره ينتحر به " ومن هنا بدا الغرب التخطيط لهذا الأمر وهو افساد الفكر الإسلامي.
فأجمع الغرب أمره على محاربة الإسلام والمسلمين وذلك بهدم البنيان من أصوله وجذوره ومحاربة الإسلام في نفوس أبنائه لزعزعة ثقة المسلمين بدينهم وابعادهم عنه وابعاده عنهم واشتغالهم بمبادئ أخرى أن لم تقض نهائيا على الإسلام فإنها تزاحمه وتزلزل أركانه فيسهل القضاء عليه مع الزمن .
فقرر الغرب دراسة الإسلام وأدابه وفنونه وعلومه وحضارته دراسة وافية ليقفوا على مواطن القوة والضعف فيها فكان الاستشراق والتبشير السلاحين الخطرين اللذين ظهرا بشكل سافر وعلى نطاق واسع منذ أواخر القرن الثامن عشر إلى يومنا هذا .
فقد حمل الاستشراق أعباء الأعمال في ميادين المعرفة الأكاديمية وأضفى على بحوثه ودراساته عن العالم الإسلامي الطابع العلمي واستخدم الكتابة والتأليف والترجمة والتحقيق والنشر والقاء محاضرات وعقد المؤتمرات والتدريس الجامعي وسائل لتحقيق أهدافه .
وحمل التبشير أعباء الدعوة في أوساط الجماهير العامة الفقيرة عن طريق تقديم الخدمات الطبية والتعليمية للجماهير بالاضافة إلى قيامه بانشاء الملاجئ ودور الأيتام ودور الحضانة للأطفال وانشاؤه لجمعيات تدعى أنها تهدف لعمل الخير وهي في الأصل للتبشير.
وليس معنى ذلك أن الاستشراق والتبشير هما أدوات الغزو الفكري فقط بل تقف معهما وتساعدهما المبادئ والنظريات والفلسفات الهدامة والماسونية وجمعياتها كالروتاري واليوتز وبنات برت يهوه وغيرها من الأندية المشبوهة والتي انتشرت في العالم الإسلامي بمساعدة الاستعمار والصهيونية العالمية كما أن التقدم الرهيب في وسائل الاتصال في عصرنا الحاضر ساعد كثيرا على زيادة أثر هذا الغزو عن طريق ما يذاع وينشر في وسائل الاعلام المختلفة .
وسنكتفي في هذه الدراسة بالقاء مزيد من الضوء على الاستشراق والتبشير في العالم الإسلامي كما سنبين الارتباط الوثيق بينهما وبين الاستعمار الغربي .
جريدة الوحدة الاماراتية 17/10/1987
لكل أمة من الأمم مميزاتها وخصائصها التي تميزها عن غيرها من الامم بحيث تمثل هذه الخصائص والمميزات شخصيتها وهويتها المستقلة التي تستمد منها قوتها ووحدتها .
والأمة الإسلامية لها من المميزات والخصائص التي استمدتها عبر قرون طويلة من تعاليم الدين الإسلامي والتي جعلت من هذه الأمة الإسلامية عن غيرها من الإمم تقف سدا منيعا في وجه كافة التحديات التي واجهتها الأمة الإسلامية عبر تاريخها الطويل . فكان تمسك المسلمين بهويتهم المميزة وتعاليم الدين الإسلامي هو منبع قوتهم وتفوق في كافة المجالات العسكرية والاجتماعية والاقتصادية . فكانت كل شؤون حياتهم مصبوغة بصبغة الإسلام فكان اختلافهم من أجل الإسلام وكان اتفاقهم ووحدتهم للاسلام وكان فكرهم وثقافتهم مستمدا من الإسلام ولهذا استطاعت الأمة الإسلامية بتمسكها بتعاليم دينها أن تواجه كافة التحديات التي واجهتها من هجمات تتارية وحروب صليبية وردت الغزاة المعتدين إلى نحورهم مهزومين بالرغم مما تركته هذه الحروب من أثر سيء على العالم الإسلامي فيما بعد .
وبالرغم من حالة الانقسام الداخلي التي كانت تعيشها الأمة الإسلامية أبان الحروب الصليبية إلا أن ظهور شخصية صلاح الدين الأيوبي كان كفيلا باسم شمل المسلمين وتوحيدهم على اختلاف مذاهبهم وجعلهم يقفون صفا واحدا على في وجه الغزاة المعتدين وانزال الهزيمة بهم . وسبب نجاح صلاح الدين في ذلك هو انه عرف مكمن قوة المسلمين وهو الدين الإسلامي فدعاهم باسم الاسلام للجهاد ورد المعتدين فهاتت لديهم التضحية بالنفس والمال والولد في سبيل نصرة الإسلام
ولهذا أدرك الغرب بعد فشل الحروب الصليبية أن الغزو العسكري للبلاد الإسلامية . لا بد مخفق مهما طال الزمن ما لم يصاحبه غزو فكري يقضي على عوامل القوة والمنعة الكامنة في الإسلام وفي هذا يقول كيرك أن الحروب الصليبية فتحت أذهان الغربيين إلى مستوى الذي كان يفوق بكثير حضارة الغرب ومع تفتح أذهان الغربيين اتجه هؤلاء إلى غزو الشرق فكريا بعد أن عجزوا عن غزوه عسكريا .
ومصطلح الغزو الفكري من المصطلحات التي ظهرت في عصرنا الحديث بعد أن تعرضت كثير من دول العالم للااستعمار الغربي والذي عمل جاهدا على ابقاء سيطرته على هذه الدول حتى بعد زوال سيطرته العسكرية والسياسية عنها وذلك عن طريق ابقائها في حالة تبعية فكرية واقتصادية لها .
والغزو الفكري يقصد به بوجه عام ذلك الجهد البشري المبذول ضد شعب أو أمة من الأمم لكسب معارك الحياة فيها وتسهيل قيادتها وتحويل مسارها التاريخي عن طريق اخضاعها لثقافة وفكر غريب عنها وعن شخصيتها ومقوماتها التي تميزها وجعلها تعيش في حالة تبعية فكرية فتعيش على الثقافات الأخرى .
فالغزو الفكري مكمل لأساليب الغزو التقليدية ومساعد لها وفي بعض الأحيان يكون بديلا عنها مع التقائه معها في الأهداف وأن اختلف وسائل ومظاهر كل منها .
بينما يعتمد الغزو العسكري على قوة السلاح وما تحققه الجيوش من انتصارات في ساحات المعركة لتحقيق أهدافه يعتمد الغزو الفكري على مدى دراية الغزاة وعلمهم بأحوال الأمة التي يراد غزوها ومعرفتهم بمواطن الضعف والقوة في فكر وتراث هذه الأمة فيعملوا على محاربة وتشويه مواطن القوة فيها وزيادة مواطن الضعف بشتى الطرق .
وإذا كانت مظاهر الغزو العسكري هي سيطرة الدولة الغازية على أراضي الدولة المغزوة بحيث تظل هذه الدولة أو الأمة في حالة تبعية فكرية وثقافية للدولة الغازية .
فالغزو الفكري هو أن تسود أخلاق وعادات وتقاليد أمة من الأمم أخلاق وعادات وتقاليد أمة أخرى. فإذا كانت الأخلاق والعادات والتقاليد تنبع من القيم والمثل الأصلية لأي أمة من الأمم ومن الظروف التي تعيش فيها فإن تنكر الأمة لأخلاقها وعاداتها وتقاليدها هو تنكر لأصالتها ومسخ لشخصيتها وهويتها المميزة .
الغزو الفكري هو أن تزاحم لغة الغالب لغة المغلوب أو تحل محلها أو تحاربها باحياء اللهجات العامية فيها فتعيش لغة المغلوب عالة على لغة الغالب فتصبح غريبة في وطنها ويدب فيها الضعف بسبب اهمالها وكثرة المصطلحات والمفردات التي تدخلها من خارجها. وإذا كانت اللغة هي وسيلة الإنسان للتعبير عن أحاسيسه وأفكاره فإن ضعف اللغة من غير شك يؤدي إلى ضعف الفكر وخواء مضمونه فيزداد الميل للتقليد الأعمى ويقل الابتكار والابداع لدى مفكري الطرف المغلوب.
الغزو الفكري هو أن يعيش أدباء ومفكرو وعلماء أمة من الأمم عالة على أدباء ومفكري وعلماء أمة أخرى ويتحولون إلى أصحاب وكالات فكرية لا يعرفون معنى الابداع والابتكار فيقومون بتبني أفكار ومذاهب ونظريات غريبة عنهم وعن مجتمعهم وشخصيتهم المميزة متناسبين خصوصية فكر وثقافة كل أمة من الأمم وهذا هو العجز بعينه الذي يجعلهم يختارون أسهل الطرق وأخطرها عن طريق التقليد بدعوى عالمية الفكر والدعوة للتجديد والحداثة .
الغزو الفكري هو أن تهمل أمة من الأمم تاريخها وتراثها وتتخذ من تاريخ وتراث أمة أخرى مثلا أعلى لها فتهمل تاريخ أبطالها وسير التابعين من أبنائها فتفقد ثقتها في نفسها وتاريخها .
الغزو الفكري هو أن يتعرض تاريخ وفكر ونظام حياة أمة من الأمم لحملات التشويه والتخريب والاحتواء من فكر أمة أخر . وقد تعرضت الأمة الإسلامية كغيرها من الأمم الأخرى التي خضعت للاستعمار الغربي لهذا النوع من الغزو وعانت منه طويلا ولا زالت تعاني .
ولكن عندما يتعلق أمر الغزو الفكري بالعالم الإسلامي والفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية فإن الكلام يحتاج إلى كثير من الايضاح والتركيز فالإسلام هو خاتم الرسالات السماوية التي ارتضاها الله سبحانه وتعالى شريعة ومنهاجا أبديا للبشرية في دنياها وأخرتها.
فكان هذا الدين منذ أوائل عهده ثورة في وجه الظلم والاستغلال والانحراف ودعوة إلى العدل والاخاء والمساواة بين البشر فكان حربا على المستغلين والمنحرفين وهذا لا يرضي المستعمرين والمستغلين لأنهم لن يستطيعوا تحقيق أهدافهم . ووجد هولاء أن الطريق الصحيح للسيطرة على العالم الإسلامي هو محاربة هذا الدين وتشويهه ومحاربة الفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية بكل جوانبها وفرض الثقافة والفكر الغربي على البلاد الإسلامية بكافة الطرق واعتبار الحضارة الغربية وقيمها مقياس كل نهوض وتقدم ونشر ذلك بين المسلمين حتى يقل اعتزازهم بدينهم وفكرهم وحضارتهم ويزداد اعجابهم وميلهم للحضارة الغربية .
فقد عمد الغرب إلى رد كل ابداع حضاري لدى الشعوب الإسلامية إلى الأصول اليونانية والرومانية وكأنه لم يوجد فكر في العصور القدمية إلا الفكر اليوناني والروماني متناسين أثر الحضارات الشرقية القديمة على الحضارة اليونانية والرومانية ومبرزين لأثر الحضارة اليونانية على الحضارة الإسلامية فالمسلمون في نظرهم لم يكونوا إلا نقلة وشراحا للفكر اليوناني ولم يضيفوا شيئا جديدا يستحق الذكر للحضارة الإنسانية .
فاسهام المسلمين عندهم الذي يستحق الذكر في مجال الحضارة الإنسانية هو أنهم قاموا بحفظ التراث اليوناني من الضياع عن طريق ترجمته وشرحه وتهذيبه ولا شيء غير ذلك فهم خزنة ماهرون ولكنهم ليسوا مبدعين فالابداع والنظر العقلي سمة للعقلية الغربية والتقليد والإمعان في الروحانية سمة للعقلية الشرقية
فتاريخ الفلسفة عندهم هو تاريخ الفلسفة الغربية مع اهمالهم ذكر اسهامات الفلاسفة المسلمين وأثرهم على الفلاسفة الغربيين أمثال الفارابي وابن سينا وابن رشد وغيرهم .
وتاريخ العلم هو تاريخ العلم الغربي مع التقليل من قيمة اسهامات العلماء المسلمين في تطور العلوم وتقدمها ونسبهم بعض كشوفات العلماء والمسلمين ونظرياتهم إلى علماء غربيين أو عدم ذكر أثرهم في توصل العلماء الغربيين إلى ما وصلوا إليه من كشوفات
وتاريخ الأدب هو تاريخ الأدب الغربي من هوميروس في عصر اليونان إلى أصحاب المدرسة الكلاسيكية والرومانسية في عصرنا الحديث واهمال ذكر أدباء المسلمين وابداعاتهم وأثرهم على كثير من الأدباء والشعراء الغربيين .
وعصور الغرب هي كل العصور ولا عصور غيرها فهي مقياس التقدم والانحطاط فالعصر الوسيط هو عصر انحطاط وتخلف لأن الغرب كان كذلك متتاسبن أن هذا القول ينطبق على الحضارة الغربية وحدها اما الحضارة الإسلامية فقد كانت في أوج مجدها وازدهارها في العصور الوسطى.
وهكذا نصب الغرب نفسه معلما أبديا للبشرية مسدلا ستاراً من الصمت والتعتيم والتشويه حول انجازات الحضارة الإسلامية في كافة المجالات حتى يبقيها في حالة تبعية فكرية له لأطول فترة ممكنة وذلك بجعل النموذج الحضاري الغربي هو النموذج الوحيد للتقدم الحضاري في كل العصور ولا نموذج سواه ولذلك يجب الاقتداء به وتقليده لمن يريد التقدم والازدهار.
وقد سارت عملية الأعلاء من قيمة الحضارة الغربية والفكر الغربي جنبا إلى جنب مع حملات التشويه والتخريب للتاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية والدين الإسلامي فتسربت كثير من الأفكار الخاطئة عن الحضارة الإسلامية والتاريخ الإسلامي والدين الإسلامي إلى البلاد الإسلامية من خلال ما فرضه الغرب على هذه البلاد من أنماط معينة للتفكير والثقافة بواسطة مؤسساته التعليمية وغيرها من المؤسسات الأخرى .
لقد كان الغزو الفكري من أشد معاول الهدم خطورة على العالم الإسلامي والتي كرست تبعيته الفكرية للعالم الغربي لفترة طويلة وساعدت الدول الاستعمارية في تحقيق أهدافها وتكمن خطورة الغزو الفكري أنه من الأمور غير المنظورة التي لا يمكن تتبعها وعلاجها بسرعة بالاضافة إلى اختلاف الآراء حولها بعكس الغزو العسكري الذي يشعر به كل فرد فتسهل مقاومته والقضاء عليه متى توفرت الامكانيات لذلك .
وإذا أردنا أن نتحدث عن الغزو الفكري للعالم الإسلامي فيجب علينا أن نبحث عن الجذور التاريخية له والتي ساهمت إلى حد كبير في استمراره وفي مساعدة الدول الاستعمارية في فرض سيطرتها السياسية والعسكرية والفكرية على العالم الإسلامي لفترة كبيرة من الزمن.
فإذا كانت الدول الإسلامية قد تحررت من قيود الاستعمار الغربي من الناحية العسكرية وحصلت على استقلالها السياسي إلا أن تبعيتها الفكرية للدول الاستعمارية ما زالت قائمة بالرغم من المحاولات الجادة التي تبدلها هذه الدول للتخلص من هذه التبعية والتي تحتاج إلى وقت وصبر وعمل دائم على كافة المستويات بالإضافة إلى تكاتف جهود كل الدول و المؤسسات الفكرية في الدول الإسلامية .
وسنعرض في هذه الدراسة لبدايات الغزو الفكري الغربي في العالم الإسلامي ودواعيه وأهم الركائز والأدوات التي اعتمد عليها الغرب في تنفيذ مخططاته .
فكما أوضحنا سابقا أن فشل الحروب الصليبية في تحقيق أهدافها عن طريق الغزو العسكري جعلت الغرب يستخلص الدروس والعبر التي تعينه على معرفة الطريقة الجديدة التي يجب أن يتعامل بها الغرب مع العالم الإسلامي . حيث أدرك الغرب أن الغزو العسكري لا بد من مخفق مهما طال الزمن ما لم يصحبه غزو فكري يزلزل عوامل القوة الكامنة في الإسلام والحضارة الإسلامية . والغرب بذلك يعمل وفق القاعدة التي تقول إذا أرهبك عدوك فأفسد فكره ينتحر به " ومن هنا بدا الغرب التخطيط لهذا الأمر وهو افساد الفكر الإسلامي.
فأجمع الغرب أمره على محاربة الإسلام والمسلمين وذلك بهدم البنيان من أصوله وجذوره ومحاربة الإسلام في نفوس أبنائه لزعزعة ثقة المسلمين بدينهم وابعادهم عنه وابعاده عنهم واشتغالهم بمبادئ أخرى أن لم تقض نهائيا على الإسلام فإنها تزاحمه وتزلزل أركانه فيسهل القضاء عليه مع الزمن .
فقرر الغرب دراسة الإسلام وأدابه وفنونه وعلومه وحضارته دراسة وافية ليقفوا على مواطن القوة والضعف فيها فكان الاستشراق والتبشير السلاحين الخطرين اللذين ظهرا بشكل سافر وعلى نطاق واسع منذ أواخر القرن الثامن عشر إلى يومنا هذا .
فقد حمل الاستشراق أعباء الأعمال في ميادين المعرفة الأكاديمية وأضفى على بحوثه ودراساته عن العالم الإسلامي الطابع العلمي واستخدم الكتابة والتأليف والترجمة والتحقيق والنشر والقاء محاضرات وعقد المؤتمرات والتدريس الجامعي وسائل لتحقيق أهدافه .
وحمل التبشير أعباء الدعوة في أوساط الجماهير العامة الفقيرة عن طريق تقديم الخدمات الطبية والتعليمية للجماهير بالاضافة إلى قيامه بانشاء الملاجئ ودور الأيتام ودور الحضانة للأطفال وانشاؤه لجمعيات تدعى أنها تهدف لعمل الخير وهي في الأصل للتبشير.
وليس معنى ذلك أن الاستشراق والتبشير هما أدوات الغزو الفكري فقط بل تقف معهما وتساعدهما المبادئ والنظريات والفلسفات الهدامة والماسونية وجمعياتها كالروتاري واليوتز وبنات برت يهوه وغيرها من الأندية المشبوهة والتي انتشرت في العالم الإسلامي بمساعدة الاستعمار والصهيونية العالمية كما أن التقدم الرهيب في وسائل الاتصال في عصرنا الحاضر ساعد كثيرا على زيادة أثر هذا الغزو عن طريق ما يذاع وينشر في وسائل الاعلام المختلفة .
وسنكتفي في هذه الدراسة بالقاء مزيد من الضوء على الاستشراق والتبشير في العالم الإسلامي كما سنبين الارتباط الوثيق بينهما وبين الاستعمار الغربي .
نافذة على الاعجاز العلمي للقرآن الكريم
القرآن لم يأت ليعلمنا أسرار علم الهندسة وعلم الفلك
احتواء القرآن على بعض الآيات الكونية لا يبيح لكل من هب ودب أن يتلمس الأدلة لنظرية علمية جديدة
بقلم / يوسف الطويل
جريدة الوحدة الاماراتية 2- مارس 1987
منذ أن هبطت الديانات السماوية المنزلية وتناقلها الناس فيما بينهم بدا البحث في الصلة بين العقل وبين الدين بين منطق السماء ومنطق الأرض ونحن نعلم أن لكل دين من الاديان خصومه وأنصاره المؤمنون به والكافرون فريق يسعى إلى هدم منطق الوحي بالعقل وآخر يحاول أن يقلل من شأن العقل في مقابل وحي
وظهر بين هذين الفريقين فريق يحاول أن يوفق بين منطق العقل ومنطق الوحي ونزعة التوفيق هذه أثيرت في كل من الفلسفة الإسلامية وفلسفة العصور الوسطى المسيحية
وبين السعي نحو تعقل الإيمان أو السعي نحو اخضاع سلطة العقل لمنطق الوحي تجاوز كل فريق الحدود التي رسمها لنفسه بمعنى أن كل فريق حاول أن يفسر ويؤول بحق وبغير حق منطق الطرف الآخر طبقا لاتجاهه هو فكان أن سعي الفلاسفة إلى تأويل الدين بطريقه لا تتفق كثيرا وطبيعة الدين كما أن أنصار الوحي أساءوا إلى العقل واتهموه بالاضراب والعجز أمام منطق الوحي .
وفي عصرنا الحاضر ظهرت هذه المشكلة من جديد ولو بطريقة أخرى ففي العصور القديمة كانت الفلسفة هي المسيطرة على حركة الفكر أما في عصرنا الحاضر فإن السيطرة للعلم بما وصل إليه من تقدم مذهل وهنا خرجت دعوات كثيرة لنبذ الدين والأخذ بالنظرة العلمية الصرفة في معالجة كافة الأمور وتعرض الدين الإسلامي لحملات كثيرة اتهمته بالجمود وأنه يجافي العلم وأرجعوا سبب تخلف المسلمين إلى الدين الإسلامي
وقد أثار هذه المشكلة وغيرها من المشكلات الزائفة كثيرة من المستشرقين وتلامذتهم من المسلمين فما كان من الغيورين على دينهم إلا أن أنبروا للدفاع عن الإسلام وبيان أنه لا يجافي العلم فكانت كتابات الإمام محمد عبده ورشيد رضا وشكيب أرسلان وغيرهم كثير للرد على هذه التهم الزائفة
وفي غمره حملة الدفاع عن الدين الإسلامي ظهرت كتابات كثيرة ما يربط بين ما توصل إليه العلم من نظريات واكتشافات وبين الآيات القرآنية. وطبعا قوبلت هذه الكتابات برضاء شديد في العالم الإسلامي وملأت المؤلفات التي تتحدث عن الاعجاز العلمي للقرآن وأقيمت الندوات والمؤتمرات للحديث عن هذه الناحية
وتكمن هنا خطورة كبيرة في محاولة ربط الآيات القرآنية بالنظريات والاكتشافات العلمية وذلك أن بعض العلماء في اندفاعهم في التفسير العلمي وفي محاولتهم ربط القرآن بالتقدم العلمي يندفعون في محاولة لربط كلام الله بنظريات علمية مكتشفة يثبت بعد ذلك أنها غير صحيحة وهم بذلك يتخذون خطوات متسرعة ويحاولون اثبات القرآن بالعلم والقرآن ليس في حاجة إلى العلم ليثبت فالقرآن ليس كتاب علم ولكنه كتاب عبادة ومنهج . بمعنى أن احتواء القرآن على بعض الآيات الكونية لا يبيح لك من هب ودب أن يتلمس في القرآن دليل لنظرية علمية جديدة ولو على حساب معنى الآيات القرآنية
أن حكمة الله عز وجل اقتضت وجود مثل هذه الآيات وذلك لاختلاف عقول الناس فمنهم من يؤمن بفطرته ومنهم من يطلب الدليل ومنهم من لا يؤمن إلا بمعجزة وهكذا
والقرآن الكريم عطاء متجدد وهذا العطاء المتجدد ما هو إلا استمرار لمعنى اعجاز القرآن ولو أفرغ القرآن عطاءه كله أو لعجازه في مدة معينة، لاستقبل القرون الاخرى دون اعجاز او عطاء، وبذلك يكون قد جمد والقرآن لا يجمد وإنما يعطي لكل جبل بقدر طاقته ولكل فرد بقدر فهمه ويعطي للجيل القادم شيئا لم يعطه للجيل الذي سبقه
والقرآن هو كلام الله المتعبد بتلاوته يوم القيامة لا تغير ولا تبديل فيه ومن هنا فإن خطورة ربط القرآن بنظريات علمية خاطئة وما أكثرها تجعل موقف المفسر في حرج عندما ينبعث خطأ هذه النظرية فهو لا يستطيع أن يغير أو يبدل في كلام الله ولذلك يجب التروي والحذر قبل ربط أي نظرية علمية بكلام الله
ولكي نبين خطورة هذا النوع من التفسير نعرض بايجاز لتجربة مرت بها الديانة المسيحية في عصر النهضة. فمن المعروف أن رجال الدين المسيحي اعتمدوا على كثير من النظريات التي ابدعها اليونان في تفسير بعض الظواهر الكونية . وقام ألبير الكبير والقديس توما الأكويني بالتوفيق بين مذهب أرسطو وتعاليم الكتاب المقدس بحيث جعلوا مذهب أرسطو يبدو في صورة مسيحية عقلية . واعتنق العالم المسيحي مذهبه دينا إلى جانب دينه أو اعتبروه صورة عقلية لدينهم المنزل فاتهم بالالحاد كل من خرج على ما اعتمدته الكنيسة من أرائه وطورد كل من يبشر بفكرة لم ترد في تراثه .
وأدى ذلك العمل إلى جمود الفكر الأوروبي في العصور الوسطى وحبس العقل في مجال ضيق لا يسمح له أن يتعداه ولكن حدث في عصر النهضة انقلاب كبير في ميادين العلم والفلسفة والفن نتيجة اتصال أوروبا بالعرب وترجمة مؤلفاتهم ومؤلفات اليونان . فهب العقل من سباته وثار في وجه الكنيسة المتعسفة وظهرت أراء جديدة مخالفة لما تقول به الكنيسة وما اعتمدته من أراء أرسطو وغيره من اليونان فقامت لمقاومة هذا الروح العلمي الجديد فأنشئت محاكم التفتيش واتهمت كثيرا من العلماء بالهرطقة والالحاد ونكلت بهم وحرقت كتبهم.
فعندما أعلن كوبر نيقوس أن الشمس لا الأرض هي مركز الكون وأن الأرض تدور دورة مزدوجة حول نفسها صودر كتابه وحرم قراءته على المؤمنين واعدم العالم كبلر لأنه أيد كلام كوبر نيقوس وحدث من ذلك لجاليليو بسبب منظاره ولأنه قال بدوران الأرض حول نفسها مرة كل أربعة وعشرين ساعة ودورها مرة واحدة كل سنة حول محورها فأثار ذلك حنق رجال الدين وسجنوه
وكان سبب هذا الاضطهاد هو أن الكنيسة اعتمدت أراء العالم اليوناني القديم بطليموس في تفسير حركة الكوكب ولكن حقائق العلم لا يمكن مقاومتها ومع الزمن أصبح الناس مقتنعين بالحقائق العلمية الجديدة وزاد اعجابهم واحترامهم للعلم وقل احترامهم للدين ورجاله والسبب في ذلك هو رجعية رجال الدين وجمودهم ومحاولاتهم ربط النصوص الدينية بنظريات علمية ظناً منهم أن ذلك يخدم الدين .
وهذا هو حال الدول الأوروبية الآن أصبحت النظرة المادية تحكم كل أمورها ولم يبق من الدين إلا الاسم وأصبحت القوانين الوضعية تحكم كل شيء .
وأنا لا أقول أن ذلك يمكن أن يحدث عندنا وفي ديننا الإسلامي إلا إذا استمر المولعون بالتفسير العلمي للقرآن في طريقهم هذا المحفوف بالمخاطر والذي يمكن أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه .
ونحن بذلك لا نقلل من شأن القرآن بل أننا بذلك ننصف القرآن فلا يجب أن نتعامل مع القرآن على أساس أنه كتاب جاء ينبئنا بعلوم الدين فالقرآن لم يأت ليعلمنا أسرار علم الهندسة وعلم الفلك والكيمياء ولكن القرآن في جوهره هو كتاب هدى وعبادة والرسول الكريم يقول إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .
فجميع الأديان السماوية إنما أرسلها الله إلى البشر لكي تصلح أخلاقهم وتعالج الفساد وعدم الأخلاق الذي انتشر بين الناس . فلب الرسالات السماوية يكمن في جانبها الأخلاقي الذي ينظم العلاقات بين العبد وربه وبين العبد وغيره من الناس . والدين الإسلامي جاء خاتم الديانات السماوية ولذلك عالجت الرسالة الإسلامية كافة ميادين الحياة من الناحية الأخلاقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بالاضافة إلى دعوتها للعلم .
ومن حكمه واعجاز القرآن في هذه الناحية هو أنه لم يتطرق إلى الجزئيات التي تخص كل ناحية من نواحي الحياة بل أنه جاء بمبادئ كلية عامة تصلح لكل زمان ومكان. فمثلا من الناحية الاقتصادية وضع الإسلام المبادئ العامة للاقتصاد الإسلامي وكيف يجب أن يكون ولكنه لم يتعرض إلى التفصيلات الجزئية المعروفة الآن والتي تتغير بتغير الزمان والمكان والذي تمكن من قيام هذا العلم على أساس علمي مدروس فترك ذلك إلى البشر يجتهدون فيه كل حسب مصلحته وزمانه بحيث لا يتعارض ذلك مع مقاصد الشريعة فتكلم الإسلام عن الملكية الفردية وطبيعتها ووسائل التملك ومجالات العمل المشروع وغير المشروع وأخلاقيات العمل التجاري وعن سبل الانفاق وغيرها من المبادئ العامة .
وأيضا دعا الإسلام إلى العلم والإعلاء من شأن العلماء ولكنه لم يتطرق إلى تفصيلات هذه العلوم وكيف يجب أن تكون .
وإذا كان بعض العلماء المسلمين يبحثون عن دور للإسلام في مجال العلم فإن ذلك لا يمكن عن طريق ربط كل نظرية علمية جديدة بالنصوص القرآنية بل أن هذا الدور يكون من توجيه العلوم والاكتشافات العلمية الوجهة الصحيحة ولصالح البشرية .
وأريد أن أسأل سؤالا ما فائدة التقدم العلمي الكبير الذي أحرزته البشرية في القرنين الماضيين وقد استخدم هذا التقدم في استعباد الشعوب الصغيرة . نعم أن البشرية في هذا العصر أكثر تقدما الآف المرات مما كانت عليه في الماضي ولكن هل هذا التقدم جلب للبشرية السعادة والاستقرار والأمن . بالطبع لا والسبب في ذلك هو غياب الواعز الديني والأخلاقي وطغيان النظرة المادية في معالجة الأمور .
فمثلا اكتشاف الطاقة الذرية كان من أهم الاكتشافات في العصر الحديث ولو أحسن استغلال هذا الكشف لتغيرت ملامح الكرة الأرضية ولكن الذي حدث هو أن هذا الكشف أصبح من أكبر هموم البشرية نظرا لاستغلاله بطريقة غير أخلاقية لاذلال الشعوب الأخرى وجعلها تعيش في كابوس الخطر النووي .
وكم من الاكتشافات العلمية التي لو وجد الواعز الديني والأخلاقي لاستغلت لصالح البشرية ولكن نظرا لغياب هذا الحس الديني والأخلاقي أصبحت هذه الاكتشافات نقمة على البشرية .
وهنا يمكن أن نتحدث عن دور للدين الإسلامي في مجال العلم . وهو تسخير هذه الاكتشافات لصالح البشر ورخائهم ولا يكون هذا الدور بالقول بأن القرآن اشتمل على أساسيات علم التربية الحديثة وعلى أساسيات علم الأجنة لمجرد وجود آية أو آيتين في القرآن تشير إلى هذا الموضوع أو ذاك . فبدلا من أن يقوم علماؤنا الأفاضل بالبحث واستكشاف الطبيعة تلبية لدعوة القرآن فإنهم ينظرون وصول خبر الاكتشافات العلمية من الغرب ويبحثوا عن أساسيات هذه الاكتشافات في القرآن .
وأغرب دعوة قرأتها في هذا المجال هو ما يدعو إليه كثير من المؤلفين بالتفسير العلمي للقرآن من أنه لو حدث وبحثت الآيات القرآنية وجمعت وبوبت موضوعيا وقمنا ببحثها لوصل المسلمون لاكتشاف أغلب النظريات الحديثة من عدة قرون. هذا هو فهم هؤلاء للعلم وهم أبعد الناس عن العلم لأن المنهج العلمي له شروطه ومنهجه فالكشف العلمي لم يتم عن طريق تحليل الألفاظ بطريقة معينة لاستخراج الأسرار منها بل يكون بالبحث والتجريب والاستقراء والصبر وانكار الذات و حب العمل لا حب الكلام والتفاخر بدين لا يستحقوا أن ينتسبوا إليه .
احتواء القرآن على بعض الآيات الكونية لا يبيح لكل من هب ودب أن يتلمس الأدلة لنظرية علمية جديدة
بقلم / يوسف الطويل
جريدة الوحدة الاماراتية 2- مارس 1987
منذ أن هبطت الديانات السماوية المنزلية وتناقلها الناس فيما بينهم بدا البحث في الصلة بين العقل وبين الدين بين منطق السماء ومنطق الأرض ونحن نعلم أن لكل دين من الاديان خصومه وأنصاره المؤمنون به والكافرون فريق يسعى إلى هدم منطق الوحي بالعقل وآخر يحاول أن يقلل من شأن العقل في مقابل وحي
وظهر بين هذين الفريقين فريق يحاول أن يوفق بين منطق العقل ومنطق الوحي ونزعة التوفيق هذه أثيرت في كل من الفلسفة الإسلامية وفلسفة العصور الوسطى المسيحية
وبين السعي نحو تعقل الإيمان أو السعي نحو اخضاع سلطة العقل لمنطق الوحي تجاوز كل فريق الحدود التي رسمها لنفسه بمعنى أن كل فريق حاول أن يفسر ويؤول بحق وبغير حق منطق الطرف الآخر طبقا لاتجاهه هو فكان أن سعي الفلاسفة إلى تأويل الدين بطريقه لا تتفق كثيرا وطبيعة الدين كما أن أنصار الوحي أساءوا إلى العقل واتهموه بالاضراب والعجز أمام منطق الوحي .
وفي عصرنا الحاضر ظهرت هذه المشكلة من جديد ولو بطريقة أخرى ففي العصور القديمة كانت الفلسفة هي المسيطرة على حركة الفكر أما في عصرنا الحاضر فإن السيطرة للعلم بما وصل إليه من تقدم مذهل وهنا خرجت دعوات كثيرة لنبذ الدين والأخذ بالنظرة العلمية الصرفة في معالجة كافة الأمور وتعرض الدين الإسلامي لحملات كثيرة اتهمته بالجمود وأنه يجافي العلم وأرجعوا سبب تخلف المسلمين إلى الدين الإسلامي
وقد أثار هذه المشكلة وغيرها من المشكلات الزائفة كثيرة من المستشرقين وتلامذتهم من المسلمين فما كان من الغيورين على دينهم إلا أن أنبروا للدفاع عن الإسلام وبيان أنه لا يجافي العلم فكانت كتابات الإمام محمد عبده ورشيد رضا وشكيب أرسلان وغيرهم كثير للرد على هذه التهم الزائفة
وفي غمره حملة الدفاع عن الدين الإسلامي ظهرت كتابات كثيرة ما يربط بين ما توصل إليه العلم من نظريات واكتشافات وبين الآيات القرآنية. وطبعا قوبلت هذه الكتابات برضاء شديد في العالم الإسلامي وملأت المؤلفات التي تتحدث عن الاعجاز العلمي للقرآن وأقيمت الندوات والمؤتمرات للحديث عن هذه الناحية
وتكمن هنا خطورة كبيرة في محاولة ربط الآيات القرآنية بالنظريات والاكتشافات العلمية وذلك أن بعض العلماء في اندفاعهم في التفسير العلمي وفي محاولتهم ربط القرآن بالتقدم العلمي يندفعون في محاولة لربط كلام الله بنظريات علمية مكتشفة يثبت بعد ذلك أنها غير صحيحة وهم بذلك يتخذون خطوات متسرعة ويحاولون اثبات القرآن بالعلم والقرآن ليس في حاجة إلى العلم ليثبت فالقرآن ليس كتاب علم ولكنه كتاب عبادة ومنهج . بمعنى أن احتواء القرآن على بعض الآيات الكونية لا يبيح لك من هب ودب أن يتلمس في القرآن دليل لنظرية علمية جديدة ولو على حساب معنى الآيات القرآنية
أن حكمة الله عز وجل اقتضت وجود مثل هذه الآيات وذلك لاختلاف عقول الناس فمنهم من يؤمن بفطرته ومنهم من يطلب الدليل ومنهم من لا يؤمن إلا بمعجزة وهكذا
والقرآن الكريم عطاء متجدد وهذا العطاء المتجدد ما هو إلا استمرار لمعنى اعجاز القرآن ولو أفرغ القرآن عطاءه كله أو لعجازه في مدة معينة، لاستقبل القرون الاخرى دون اعجاز او عطاء، وبذلك يكون قد جمد والقرآن لا يجمد وإنما يعطي لكل جبل بقدر طاقته ولكل فرد بقدر فهمه ويعطي للجيل القادم شيئا لم يعطه للجيل الذي سبقه
والقرآن هو كلام الله المتعبد بتلاوته يوم القيامة لا تغير ولا تبديل فيه ومن هنا فإن خطورة ربط القرآن بنظريات علمية خاطئة وما أكثرها تجعل موقف المفسر في حرج عندما ينبعث خطأ هذه النظرية فهو لا يستطيع أن يغير أو يبدل في كلام الله ولذلك يجب التروي والحذر قبل ربط أي نظرية علمية بكلام الله
ولكي نبين خطورة هذا النوع من التفسير نعرض بايجاز لتجربة مرت بها الديانة المسيحية في عصر النهضة. فمن المعروف أن رجال الدين المسيحي اعتمدوا على كثير من النظريات التي ابدعها اليونان في تفسير بعض الظواهر الكونية . وقام ألبير الكبير والقديس توما الأكويني بالتوفيق بين مذهب أرسطو وتعاليم الكتاب المقدس بحيث جعلوا مذهب أرسطو يبدو في صورة مسيحية عقلية . واعتنق العالم المسيحي مذهبه دينا إلى جانب دينه أو اعتبروه صورة عقلية لدينهم المنزل فاتهم بالالحاد كل من خرج على ما اعتمدته الكنيسة من أرائه وطورد كل من يبشر بفكرة لم ترد في تراثه .
وأدى ذلك العمل إلى جمود الفكر الأوروبي في العصور الوسطى وحبس العقل في مجال ضيق لا يسمح له أن يتعداه ولكن حدث في عصر النهضة انقلاب كبير في ميادين العلم والفلسفة والفن نتيجة اتصال أوروبا بالعرب وترجمة مؤلفاتهم ومؤلفات اليونان . فهب العقل من سباته وثار في وجه الكنيسة المتعسفة وظهرت أراء جديدة مخالفة لما تقول به الكنيسة وما اعتمدته من أراء أرسطو وغيره من اليونان فقامت لمقاومة هذا الروح العلمي الجديد فأنشئت محاكم التفتيش واتهمت كثيرا من العلماء بالهرطقة والالحاد ونكلت بهم وحرقت كتبهم.
فعندما أعلن كوبر نيقوس أن الشمس لا الأرض هي مركز الكون وأن الأرض تدور دورة مزدوجة حول نفسها صودر كتابه وحرم قراءته على المؤمنين واعدم العالم كبلر لأنه أيد كلام كوبر نيقوس وحدث من ذلك لجاليليو بسبب منظاره ولأنه قال بدوران الأرض حول نفسها مرة كل أربعة وعشرين ساعة ودورها مرة واحدة كل سنة حول محورها فأثار ذلك حنق رجال الدين وسجنوه
وكان سبب هذا الاضطهاد هو أن الكنيسة اعتمدت أراء العالم اليوناني القديم بطليموس في تفسير حركة الكوكب ولكن حقائق العلم لا يمكن مقاومتها ومع الزمن أصبح الناس مقتنعين بالحقائق العلمية الجديدة وزاد اعجابهم واحترامهم للعلم وقل احترامهم للدين ورجاله والسبب في ذلك هو رجعية رجال الدين وجمودهم ومحاولاتهم ربط النصوص الدينية بنظريات علمية ظناً منهم أن ذلك يخدم الدين .
وهذا هو حال الدول الأوروبية الآن أصبحت النظرة المادية تحكم كل أمورها ولم يبق من الدين إلا الاسم وأصبحت القوانين الوضعية تحكم كل شيء .
وأنا لا أقول أن ذلك يمكن أن يحدث عندنا وفي ديننا الإسلامي إلا إذا استمر المولعون بالتفسير العلمي للقرآن في طريقهم هذا المحفوف بالمخاطر والذي يمكن أن يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه .
ونحن بذلك لا نقلل من شأن القرآن بل أننا بذلك ننصف القرآن فلا يجب أن نتعامل مع القرآن على أساس أنه كتاب جاء ينبئنا بعلوم الدين فالقرآن لم يأت ليعلمنا أسرار علم الهندسة وعلم الفلك والكيمياء ولكن القرآن في جوهره هو كتاب هدى وعبادة والرسول الكريم يقول إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .
فجميع الأديان السماوية إنما أرسلها الله إلى البشر لكي تصلح أخلاقهم وتعالج الفساد وعدم الأخلاق الذي انتشر بين الناس . فلب الرسالات السماوية يكمن في جانبها الأخلاقي الذي ينظم العلاقات بين العبد وربه وبين العبد وغيره من الناس . والدين الإسلامي جاء خاتم الديانات السماوية ولذلك عالجت الرسالة الإسلامية كافة ميادين الحياة من الناحية الأخلاقية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بالاضافة إلى دعوتها للعلم .
ومن حكمه واعجاز القرآن في هذه الناحية هو أنه لم يتطرق إلى الجزئيات التي تخص كل ناحية من نواحي الحياة بل أنه جاء بمبادئ كلية عامة تصلح لكل زمان ومكان. فمثلا من الناحية الاقتصادية وضع الإسلام المبادئ العامة للاقتصاد الإسلامي وكيف يجب أن يكون ولكنه لم يتعرض إلى التفصيلات الجزئية المعروفة الآن والتي تتغير بتغير الزمان والمكان والذي تمكن من قيام هذا العلم على أساس علمي مدروس فترك ذلك إلى البشر يجتهدون فيه كل حسب مصلحته وزمانه بحيث لا يتعارض ذلك مع مقاصد الشريعة فتكلم الإسلام عن الملكية الفردية وطبيعتها ووسائل التملك ومجالات العمل المشروع وغير المشروع وأخلاقيات العمل التجاري وعن سبل الانفاق وغيرها من المبادئ العامة .
وأيضا دعا الإسلام إلى العلم والإعلاء من شأن العلماء ولكنه لم يتطرق إلى تفصيلات هذه العلوم وكيف يجب أن تكون .
وإذا كان بعض العلماء المسلمين يبحثون عن دور للإسلام في مجال العلم فإن ذلك لا يمكن عن طريق ربط كل نظرية علمية جديدة بالنصوص القرآنية بل أن هذا الدور يكون من توجيه العلوم والاكتشافات العلمية الوجهة الصحيحة ولصالح البشرية .
وأريد أن أسأل سؤالا ما فائدة التقدم العلمي الكبير الذي أحرزته البشرية في القرنين الماضيين وقد استخدم هذا التقدم في استعباد الشعوب الصغيرة . نعم أن البشرية في هذا العصر أكثر تقدما الآف المرات مما كانت عليه في الماضي ولكن هل هذا التقدم جلب للبشرية السعادة والاستقرار والأمن . بالطبع لا والسبب في ذلك هو غياب الواعز الديني والأخلاقي وطغيان النظرة المادية في معالجة الأمور .
فمثلا اكتشاف الطاقة الذرية كان من أهم الاكتشافات في العصر الحديث ولو أحسن استغلال هذا الكشف لتغيرت ملامح الكرة الأرضية ولكن الذي حدث هو أن هذا الكشف أصبح من أكبر هموم البشرية نظرا لاستغلاله بطريقة غير أخلاقية لاذلال الشعوب الأخرى وجعلها تعيش في كابوس الخطر النووي .
وكم من الاكتشافات العلمية التي لو وجد الواعز الديني والأخلاقي لاستغلت لصالح البشرية ولكن نظرا لغياب هذا الحس الديني والأخلاقي أصبحت هذه الاكتشافات نقمة على البشرية .
وهنا يمكن أن نتحدث عن دور للدين الإسلامي في مجال العلم . وهو تسخير هذه الاكتشافات لصالح البشر ورخائهم ولا يكون هذا الدور بالقول بأن القرآن اشتمل على أساسيات علم التربية الحديثة وعلى أساسيات علم الأجنة لمجرد وجود آية أو آيتين في القرآن تشير إلى هذا الموضوع أو ذاك . فبدلا من أن يقوم علماؤنا الأفاضل بالبحث واستكشاف الطبيعة تلبية لدعوة القرآن فإنهم ينظرون وصول خبر الاكتشافات العلمية من الغرب ويبحثوا عن أساسيات هذه الاكتشافات في القرآن .
وأغرب دعوة قرأتها في هذا المجال هو ما يدعو إليه كثير من المؤلفين بالتفسير العلمي للقرآن من أنه لو حدث وبحثت الآيات القرآنية وجمعت وبوبت موضوعيا وقمنا ببحثها لوصل المسلمون لاكتشاف أغلب النظريات الحديثة من عدة قرون. هذا هو فهم هؤلاء للعلم وهم أبعد الناس عن العلم لأن المنهج العلمي له شروطه ومنهجه فالكشف العلمي لم يتم عن طريق تحليل الألفاظ بطريقة معينة لاستخراج الأسرار منها بل يكون بالبحث والتجريب والاستقراء والصبر وانكار الذات و حب العمل لا حب الكلام والتفاخر بدين لا يستحقوا أن ينتسبوا إليه .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)