القرضاوى .. سقطه لسان ام حنين لمنهج قديم
يوسف العاصي الطويل
لا اخفى اننى كنت من المعجبين بالشيخ يوسف القرضاوى ومواقفه المعتدله، فيما يتعلق بكثير من القضايا الدينية التى بحاجه الى الاجتهاد، حيث كنت اجد عنده الجواب العقلاني لكثير من الاسئله التى طرحتها علينا جميعا، الحياة المعاصرة وما واكبها من تطورات مختلفه، في مقابل جمود كثير من علماء الدين على افكار وفتاوى تضيق على الناس في حياتهم، هذا ناهيك عن انها وحسب اعتقادى لا تعبر عن روح الدين الاسلامي الحقيقة، الذى جاء بتشريعات وقواعد تصلح لكل زمان ومكان.
اقول هذا لاعطي الرجل حقه الذي يليق به كمجتهد قدم الكثير للدين الاسلامي، وصدح بقول الحق في مواقف كثيره. ولكننى فؤجت بتصريحه الاخير الذى أفتى فيه بقتل ما سماه الطاغية الليبي معمر القذافي بسبب قتله أبناء شعبه عن طريق قصفهم بالطائرات وتسليط المرتزقة الأجانب لقتلهم. ولم يكتفى بذلك بل طالب القرضاوي في حديث للجزيرة من قادة وضباط وجنود الجيش الليبي "ألا يسمعوا ولا يطيعوا أوامر القذافي بقتل أبناء شعبهم لأن السمع والطاعة هنا حرام فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".وقال القرضاوي " أصدر الآن فتوى بقتل القذافي. أي ضابط أو جندي أو أي شخص يتمكن من أن يطلق عليه رصاصة فليفعل، ليريح الليبيين والأمة من شر هذا الرجل المجنون وظلمه".
ومع احترامي لمشاعر الشيخ القرضاوى وحرصه على دماء المسلمين، ولكننى اعتقد انه تسرع ووقع في سقطه كبيره اتمنى ان تكون سقطة لسان جاءت في لحظة غضب لا اكثر ولا اقل، وليست حنين لمنهج الاخوان المسلمين القديم الجديد في سعيهم لاختطاف السلطه في البلاد العربية، باى طريقه واي ثمن، وقد شاهدنا القرضاوى يختطف الثوره من صنايعها، وأم المصلين في ميدان التحرير وكأنه صانع الثوره ومفجرها.
ففضيلة الشيخ القرضاوى يعلم علم اليقين ان الافتاء امانه عظيمه، ولا يصح ان يصدر هكذا على الهواء مباشرة وبدون تمعن، او قرائن وادلة قطعية. اما ان يعتمد على شهود عيان ومصادر الجزيره وافلام الفيس بوك ، فهذه بدعه لم يسبقه بها احد من علماء الامه. واتمنى ان يخبرنا فضيلة الشيخ عن دليل قاطع لدية بان الصور والتقارير والمقابلات التى تبتها الجزيره وغيرها من المحطات صحية مائة بالمائه، وانها غير مدسوسه او مفبركه. ثم لماذا لم ينتبه فضيلته للافلام المصوره التى يظهر فيها مسلحون يهاجمون قوات الحكومه ويقتلونهم ويستولون على اسلحتهم، وتكناتهم، وهنا كان واجبا عليه ان يفتى بتطبيق حد الحرابه والمنصوص عليه في القرآن.
لا اقول ذلك لتبرير اجرام النظام الليبي بحق شعبه او للدفاع عن القذافي او غيره، فكل شي جائز الحدوث في عالمنا العربي في ظل هذه الانظمة الفاسدة والظالمه، ولكن ان ينساق الجميع لمؤامرات قطر التى تحاك بليل ضد الامه بتوجيهات هيلارى كلينتون وديفيد كاميرون، وتنفذها الجزيره باخبارها الكاذبة، وشهود عيانها وخبرائها، وتقاريها المغرضه، فلا يليق بعالم كبير له مقام كبير في نفوس ابناء الامه مثل الشيخ القرضاوى، الذى يجب ان يكون مكانه في هذه اللحظات الحرجه والتى برزت فيها الفتن في كل مكان هو مكان الطبيب المداوي والعالم الناصح الرزين، الذى يداوى الجروح وينصح الحاكم والمحكوم للخروج من هذه الفتنة المدمره، ويكرس جهده للاصلاح ذات البين.
وربما كنت اقبل فتوى القرضاوى لو انها جاءت من انسان ليس لديه اطلاع في امور الدين، فقضية الخروج على ولي الامر المسلم من القضايا الكبرى التى اجمعت الاراء على عدم جوازه، والسلف والخلف متفقون على أنه لا يجوز الخروج عليهم أبراراً كانوا أو فجاراً ولا يجوز منازعتهم إلا أن يروا كفرًا بواحًا عندهم من الله فيه برهان، وما ذاك إلا لأن الخروج على ولاة الأمور يُسبب فسادًا كبيرًا، وشرًا عظيمًا، فيختل به الأمن، وتضيع الحقوق، ولا يتيسر ردع الظالم ولا نصر المظلوم، وتختل السبل ولا تأمن.
كما لا يجوز للامة الخروج على ولي الامر لإزالته الا إذا كان عندهم قدرة، أما إذا لم يكن عندهم قدرة فلا يخرجوا، أو كان الخروج يسبب شرًا أكثر؛ فليس لهم الخروج، رعاية للمصالح العامة. فدرء الشر بشر أكثر لا يجوز بإجماع المسلمين، بل يجب الصبر والسمع والطاعة في المعروف ومناصحة ولاة الأمور والدعوة لهم بالخير، والاجتهاد في تخفيف الشر وتقليله وتكثير الخير. فالسمع والطاعة لولاة الأمر من المسلمين في غير معصيةٍ مجمعٌ على وجوبه عند أهل السنة والجماعة ، وهو أصلٌ من أصولهم التي باينوا بها أهل البدع والأهواء. وهذا الكلام الذى اقوله ليس من عندي بل هو ما اجمع عليه علماء المسلمون قديما وحديثا، بل ان الشيخ القرضاوي نفسه افتى بذلك في كتاباته (راجع قراءة في فقه الجهاد- 10. القتال داخل الدائرة الإسلامية، موقع القرضاوي/23-2-2010).
من هنا فاننى لا اجد اي مبرر للقرضاوى ليفتى بقتل القذافي على الهواء ويكررها مره اخرى في خطبة الجمعه في قطر، الا ان يكون القرضاوي يحكم بكفر القذافي البواح، وهذا ايضا لا دليل عليه على الاطلاق، فالقذافي لمن لا يعلم اسلم على يدية اكثر من مليون شخص من القبائل الافريقية التى تعيش جنوب الصحراء الكبرى، بسبب ما يقدمه لهم من دعم مالى وتسهيلات وغيرها، ولم يأتى تنصيبه ملكا على هذه القبائل الا نتيجه لهذه المجهودات الجباره والجولات التى يقوم بها في جنوب الصحراء والتى يؤم فيها ملوك وسلاطين وزعماء القبائل في صلاه جامعه ليس لها مثيل في العالم الاسلامي اجمع. كما ان ليبيا في ظل القذافي وصل بها عدد حفظة القرآن الى رقم قياسي غير مسبوق في العالم الاسلامي، مقارنه بعدد سكانها وهو مليون حافظ. وقد شهد بهذا الامر كثير من مشايخ المسلمين مثل العوده وعبد الكافي والعريفي والقرني، وحتى القرضاوي، والذين زاروا ليبيا وقالوا فيها وفي زعيمها شعرا، وهم للاسف يقومون الان باصدار فتاوي تدعوا الى قتال القذافي وقتله.
لقد كان من باب اولى بالقرضاوي وامثاله وهم محط أنظار المسلمين، واللذين أستأمنهم الناس على الفتيا أن يتحوطوا ويتبصروا في الدين وفي العواقب، وان يستنبطوا فتاويهم من المصادر الصحيحه بما يحفظ كلمة المسلمين، لا أن يؤلبوا الناس على ولاة أمورهم ويزجوا بسفهاء القوم وأدعيائهم في محنة الفتنة وظلماتها وما تسببه تلك الفتنه العظيمة من إنعدام الامن وتقطع السبل وتعطيل الشرائع والحياة اليومية للبلاد والعباد، ولكن يبدو اننا في زمن فتنة الفضائيات التى جعلت من يفترض بهم العلم والورع ينسون مكانتهم الطبيعية وينساقون لرغبة الدهماء، وشعارهم المفضل الجمهور عايز كذا .. ولهذا نجدهم يتسابقون للحصول على مرضاة الجمهور والسلطان بدل مرضاة الله.
هؤلاء العلماء ومن على شاكلتهم هم من احلوا الحرب على العراق وسمحوا للقوات الصليبية بقتل 2مليون عراقي انطلاقا من جزيرة العرب، وهم من يسكت عن القواعد الاجنبية التى تقتل المسلمين في العراق وافغانستان وفلسطين، بل انهم يثيرون فتن مفتعله بين سنه وشيعه تمهيدا لضرب ايران، ويسكتون عن فساد واضح ونهب منظم لثروات بلادهم من قبل اعداء المسلمين، وهم الان من يفتى بشرعية الخروج على ولى الامر وقتله، في حين يحرمون التظاهر في بلادهم.
وهنا فاننى وبالرغم من ايماني المطلق بضرورة تغيير الاوضاع في عالمنا العربي والاسلامي، الا اننى اعتقد ان ذلك يجب ان يتم بطريقه سلميه حضارية تتكاتف فيها كل القوى الخيره والفاعله في المجتمع بكافة اطيافها لتقوم بالتغيير الشامل. ولو ان علمائنا الافاضل كلفوا انفسهم عناء قول الحق الذى هو خير الجهاد عند سلطان جائر، لما وصل حالنا لهذه الدرجه من السوء، ولتمكنوا من اجبار الحكام على الانصياع لطريق الحق، وتاريخنا مليئ بهؤلاء العلماء اللذين صدحوا بالحق في وجه الحكام الظلمه، فهذا العز بن عبد السلام يجبر الحاكم على الانصياع لقوله، عندما نصحه فرفض النصيحه فما كان منه الا ان هم بترك البلد، فهم معه وتبعه اهل المدينه كلها، فوجد الحاكم نفسه وحيدا، فطلب منه العودة ولبى كافة مطالبه. فليت القرضاوى وامثاله استخدموا سلطانهم على الحكام والشعوب في احقاق الحق، بدلا من تهييج النفوس واشعال الفتن بين المسلمين ليقتل بعضهم بعضا. واذا كان القرضاوي فعلا حريصا على مصالح المسلمين من الحكام الفاسدين والظلمه، فنتمنى ان نسمع منه ولو وصله واحد بخصوص قاعدة العديد الامريكية، او عن زيارات المسئولين الاسرائيليين لقطر وغير من البلايا.
اننى حقا اتسائل عن الدافع الحقيقي للقرضاوى لاصدار هذه الفتوى التى لا تمت بصله لدين او قانون.. ام ان القرضاوي اصبح جزء من المقاولة التى تقوم بها حكومة قطر بواسطة مفجرة الفتن في المنطقة قناة الجزيره، ام انه حن لايديولوجية الاخوان المسلمين القديمه الجديده في ركوب موجات الانقلابات ومحاولات تغيير الانظمة بغض النظر على الطريقة التى تتم بها. وهنا اعتقد ان القرضاوي في فتواه الاخيره، كان ينطق بهاتين الصفتين، كبوق اعلامي لحكومة قطر وقناتها الجزيره التى تحاول اغراق المنطقة في الفتن، وايضا جاءت فتواه لتلقي الضوء من جديد على منهج الاخوان المسلمون في التغيير والانقلاب على الحكومات، والذى رافقهم منذ تأسيس حركتهم وحتى الآن.
ولله الامر في البدء والختام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق