الأحد، 13 فبراير 2011

ثورة مصر .. التحديات ... والآمال الفلسطينية

ثورة مصر .. التحديات ... والآمال الفلسطينية
يوسف العاصي الطويل
عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
اخيرا نجحت الثورة المصرية الشعبية في تحقيق ابرز اهدافها وهو تنحي الرئيس مبارك عن الحكم وتولي المجلس الاعلى للقوات المسلحة مسئولية ادارة البلاد لفترة انتقالية من المفترض ان تؤدي الى نقل البلاد الى حكم مدنى ديمقراطي كامل في ظل دستور جديد يطلق الحريات ويحفظ كرامة المواطن وحقوقه المختلفة.
واذا كانت الثورة تخطو خطواتها الاولى في سبيل تحقيق اهدافها فان امامها خطوات عديده وكبيره، وصعاب داخلية وخارجية لتصل الى هدفها النهائي. فالآمال المعلقة عليها كبيره داخليا وخارجيا، والتحديات التى يجب ان تواجهها ايضا عظيمه داخليا وخارجيا، وهذا ما يجعل طريقها صعبا ملئ بالاشواك والالغام، سواء من صديق جاهل ام من عدو متربص.
وهنا لا بد من تحديد اوليات هذه الثوره واجندتها، داخليا وخارجيا حتى لا تضيع هذه الثورة العظيمه في متاهات الملفات الداخلية والاقليمية والدولية المكدسه امامها، والتى اهملها النظام السابق متعمداً او جاهلاً باهميتها لامن ومستقبل مصر القومي.
واذا كنا لا نختلف على اهمية مصر وثقلها اقليميا وعربيا ودولياً، ودورها الذى احتلته خلال التاريخ المعاصر سلباً وايجاباً، الا انه يجب ان يكون واضحاً، ان الثورة المصرية قامت على يد جيل جديد من ابناء مصر ومن اجل شعب مصر، الذى تعرض للظلم والقهر والفساد والاستبداد، وهذا لا يمنع ان تنعكس اثار الثورة الايجابيه على محيطها العربي بل والدولى، لتعود مصر لاحتلال دورها الرائد فى العالم.
اقول هذا الكلام بعد ان عبرت اغلب الشعوب العربية من المحيط الى الخليج عن فرحتها بهذه الثوره، واقول بعض، لان هناك بعضا من العرب ممن يعتاشون في ظل انظمه فاسدة ويعيشون في رغد العيش والبحبوحه لم يفرحوا لنجاح هذه الثورة، اما من فرح لانتصار هذه الثوره فانه ايضا فرح لاعتقاده ان هذه الثوره ستساعده في حل مشكلاته مع نظامه او عدوه، وكأن .الشعب المصري ثار وانتفض من اجل هؤلاء او ضد اولئك.
ولو تتبعنا ردود الفعل العربية المختلفة، فانه يمكن ملاحظة ان كثير منها نظر الى الثوره من الزاوية التى تخصصه وحده، غافلا عن الجانب الاهم وهو ما يخص الشعب المصري. فرد الفعل السورى الرسمي والذى هو الآخر يرتجف من احتمالات التغيير، بشر الشعب السوري بانتصار هذه الثورة واعتبر ان ذلك مؤشر على انتهاء كامب ديفيد، وبالرغم من انه كان يرتعب من قناة الجزيره ويخاف تغطيتها، الا انه قام ببث تغطيتها للاحداث على القناة الرسمية.
اما الشعب الفلسطينى فاختلفت نظرته لهذه الثورة باختلاف مواقع المنقسمين، ففي الضفه الغربية ترحيب خجول من السلطه، اما في الشارع فتأييد لهذه الثوره باعتبارها ستساهم في عودة الثقل للدور المصري في ترتيب البيت الفلسطينى والضغط على اسرائيل وانهاء حالة الانقسام، وعلى الطرف الآخر من الوطن في غزة المحاصره قرأت سلطة حماس هذا الانتصار وكأنه انتصار لها ولصمودها متأمله ان تقوم الثورة بفك الحصار عن غزة، وفتح المعابر والبدء بالاستعداد لمعركة التحرير،اما الشارع وان كان تمنى نفس الاشياء، الا ن هناك تمنيات اخرى اختلفت حسب الانتماء الحزبي.
ولو ذهبنا وتأملنا ردود فعل شعوب عربية اخرى فاننا سنجد ان ردود الفعل تختلف من دوله لاخرى ومن فرد لاخر حسب توجهاته السياسية، وان كان الجميع يتمنى الخير للشعب المصري وان تعم الحرية والديمقراطية المنطقة العربية. ففي لبنان وجدنا انصار حزب الله والاحزاب القومية يهللون للثورة وانتصارها باعتبار ان ذلك سيصب في مصلحة تيار الممانعه، مقابل تيار ما يسمى بتيار التفريط، وفي الاردن خرجت الجماهير المقهوره لتعبر عن فرحتها بانتصار الثوره على امل ان يساهم ذلك في نصرة هذه الشعوب في تحقيق مطالبها، وفي ايران خرج احمد نجاد وقاد مظاهره تأييدا للثوره، وفي كافة الدول العربية والاسلامية وحتى الدولية وجدنا نفس مشاعر الفرحه لان الشعب المصري انجز ثوره نظيفه نقيه في طريقه لتحقيق اهدافه المشروعه، ليعيد تصحيح الخلل الذى اعترى دور مصر القيادي ولينصف الشعب المصري المقهور من الظلم الذى تعرض له خلال عقود سابقة.
واذا كنا نفهم ونقدر هذه الفرحة العارمه بانتصار الثورة المصرية وعقد الآمال عليها، فان ذلك لا يعنى ان نسلم بهذه المبالغات في الامال المعقوده عليها، او نقلص نظرتنا اليها من خلال منظور سطحي مصلحي ضيق لهذا الطرف او ذاك، فالثوره لم تقم من اجل الغاء كامب ديفيد، او من اجل توحيد الفلسطينين وفك الحصار عن غزة، او لدعم تيار الممانعه، او حماية ايران من عدوان محتمل عليها، ...الخ، بل قامت بالدرجه الاولى من اجل رفع الظلم والفساد عن شعب مصر واطلاق حريته واعادة دور مصر الطليعى في المنطقة والذى يمكن ان يحقق بعض آمال الفرحين هنا وهناك وفي حدود معينه، ولكن لن تكون له اولويه، لان التحديات التى تواجهها الثورة داخليا وخارجيا تحتاج الى فتره زمنية ليست بالقليله لتصحيح الاوضاع الحالية واعادة مصر لمكانتها الطبيعية.
فداخليا وهو اولى اوليات الثوره يجب ان يتم الاصلاح السياسي اولا، دستور جديد وانتخابات حره برلمانية ورئاسية، وحرية ومساواه وعداله مكفوله للجميع، ليتحاح للعبقرية المصرية بكافاة فئاتها العمل في مناخ انساني يليق بمكانه مصر وحضارتها، لاعادة تصحيح وبناء الوضع الداخلى بكافة مستوياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
اما خارجيا فليس المطلوب من مصر في لحظة اعادة البناء الداخلي الدخول في صراعات اقليمية او دولية تهدد استقرار الدولة المصرية، بل يجب احترام كافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وان كان من الممكن احداث بعض التغييرات عليها بناء على المصلحة القومية المصرية الكلية، وبحيث لا يلحق ذلك اضرار بالدولة المصرية، وهذا لا يعنى ان تقف مصر مكفوفة الايدي ازاء ما يجرى حولها في العالم الخارجي، ولكن يجب التأكيد ان الانتقال من الدور السلبي لمصر في العقود السابقة الى دور ايجابي لا يمكن ان يتم بحركة اصبع من هنا او من هناك، فالخلل السابق كبير واى تحول يجب ان يكون محسوبا بدقة وذكاء.
واذا كان هناك اثر خارجي او دور للثورة المصرية على محيطها العربي والاسلامي والدولى، فيكفيها انها اعطت المثال الحي والرائد للتغيير الحضاري، الذى يجب ان تتبعه الشعوب المغلوبه وتقلده، وليس ان تجيش جيوشها لفرض الثوره على غيرها كما فعل نابليون بعد الثورة الفرنسية. فالنموذج التونسي والمصري للثورة الشعبية اضاء الطريق للجميع، ورسالته وصلت للجميع، وعلى الآخرين ان يقلدوا هذا النموذج الحضاري في طريقهم لتحقيق الحرية والاستقلال، كلا حسب مقدرته وظروفه وسيلقى الدعم والتأييد. اما انتظار المخلص من الخارج والجميع نيام فهذا غير مقبول دينيا واخلاقيا ووظنيا، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم.
فقد تعلم الجميع من الثوره التونسية والمصرية ان الشعوب قادره على فعل المستحيل وفرض ارادتها على اى ديكتاتور ظالم اذا ارادت ذلك، المهم ان تتحرك الشعوب وتستعد لدفع ثمن الحرية، بدلا من القعود وانتظار ان يحدث التغيير بكثرة الدعاء او بانتظار عون من الخارج.
اقول هذا واوجهه للشعوب العربية، وبالذات لشعبي الفلسطينى، ففرحنا بانتصار ثورة مصر لا يعنى انها ستمدنا بحل سحرى لكل مشكلتنا، بل يجب علينا بداية الثورة على قادتنا في الضفه وغزة وخارج الوطن لاجبارهم على احترام ارادة الشعب باكمله من خلال انهاء الانقسام واعادة ترتيب البيت الفلسطينى على كافة المستويات، فاذا كان مبارك ونظامه استعبدوا الشعب المصري لثلاثون عاماُ، فقد استعبدنا هؤلاء الزعماء بفصائلهم وتنظيماتهم وتشكيلاتهم ودكاكينهم اكثر من ذلك، ولا يزالون باسم القضية، التى اضاعوها وتاجروا بها لاهداف ذاتية صرفه، فهم يعيشون في عالم اخر من البحبوحه ورغد العيش والشعب الغلبان يدفع الثمن، وكله باسم القضية والمقدسات.
فقبل ان يمنى الشعب الفلسطينى نفسه بانحياز الثوره المصرية لمطالبه العادلة، وهي بالتأكيد ستفعل- يجب عليه ان يبدأ بنفسه ويغير هذا الوضع المخزى الذى يعيشه، والا فلا لوم اذا قصر الآخرون، فاذا كان صاحب المصلحة الرئيس مقصر ومتخاذل وراضى بالذل والهوان فلا يلومن الا نفسه، ولا لوم على غيره.
من هنا لا يجب ان نعول كثيرا على نجاح ثورة مصر، فاولياتها بالاساس ستكون موجه لاصلاح الوضع الداخلى، والمساعدة قدر امكانياتها لاشقائها الذين يستحقون ذلك، اى الذين يحاولون ان يغيروا اوضاعهم العفنه والمزرية، وليس المتاجرين بالقضية، المنقسمين المهادنين والفاسدين الذين فاحت رائحتم النتنه مثل ما فاحت رائحة مبارك وازلامه.
على الشعب الفلسطينى ان يحسم امره ويهب في وجه الفساد والظلم والتجاره باسم الدين والقضية .. عليه ان يقول كلمته ويفضح المرتزقه اللذين يعتاشون على استمرار الوضع المزري الذى نعيش فيه .. يجب قلب الطاوله على الجميع فكلهم في الفساد والظلم شرق .. ولا عصمه الا للشرفاء

ليست هناك تعليقات: