شيطنة القذافي .. وسقوط النخب العربية
يوسف العاصي الطويل
عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
بالرغم من ان الاحداث الجارية في المنطقة العربية، ستسقط حكومات وزعامات فاسدة جثمت على انفساس المواطن العربي لعقود طويلة، الا اننى اعتقد ان هذه التغييرات لن تغيير من واقعنا شئ، الا اذا تم وفي نفس الوقت اسقاط ما يسمون انفسهم بالنخب العربية بكافة اشكالها والوانها من المحيط الى الخليج.
فالاحداث الجارية اذا كانت قد كشفت عن هشاشة الانظمة وفسادها، فانها ايضا كشفت عن نفاق وانتهازية وخواء النخب العربية. اقول هذا الكلام ليس ترحما على هذا النظام او ذاك او مخافة من المستقبل الاسود الذى ينتظر هذه الامه الميته، او التى تحتضر في احسن احوالها، بل اقول ذلك لما لاحظت من انعدام التقييم الموضوعي لما يجرى، والانجراف وراء اهواء واشاعات وترديد اقوال وتنفيس احقاد، ، وتفنن في اختراع العبارات والنعوث لمن سقط ولمن ينتظر.
لا اختلف مع احد في فساد الانظمه والزعماء والحاجه الى التغيير، ولكن ان يتحول الجميع لعازفين ومطبلين لما تقوله محطات السي. ان.ان والجزيره والعربية وابطال الفيس بوك وغيرهم، ونرضى بقيادة اوباما وكاميرون وحمد بن جاسم، والجنائية الدولية ومجلس الامن، في الوقت الذى كنا قبل ايام نشتمهم ونكيل السباب لهم ونتهمهم بالمؤامره على امتنا والازدواجية في المعايير، فهذا ما لا يمكن لاى عاقل ان يفهمه او يستوعبه.
يتم الان وبصوره ممنهجه شيطنة القذافي واتهامه بابشع الصفات والنعاث، ليس فقط ممن كانوا على خلاف قديم معه، بل من نخب كانت تضع نفسها على طول الخط في صف اليساريين او انصار الوحدة والقومية وحركات التحرر. وجدنا هؤلاء جميعا يتفننون في ذم القذافي ووصفه باشنع الصفات والالقاب، وكأنه الشيطان الوحيد في المنطقة، الذى يحاول اغواء ملائكة الرحمن من المحيط الى الخليج.
ان هذا الشيطان القذافي كان له الشرف ومنذ توليه الحكم المناداه بالوحدة العربية وحتى هذه اللحظة، وكان له الشرف انه رفض اجماع العرب على ضرب العراق، وكان له الشرف في تعرضه وتعرض بلده ليبيا لعدوان امريكي فاضح بسبب مواقفه من امريكا والغرب، وحوصر هو وشعبه لسنين والعرب يتفرجون عليه ولم يفعلوا شيئا لانقاذ الشعب الليبي الذى يتباكي عليه الجميع الان.
لقد كان للقذاقي الشرف ايضا في القضاء على النهب المنظم للبترول الليبي من قبل الغرب واممه لينتفع به الشعب الليبي وغيره من الشعوب العربية والافريقية وحركات التحرر في العالم، وليس كبقية الدول العربية التى تحرس النفط (بل تجلس عليه كما قال كيسنجر) ولا تمتلكه، وحتى الفتات الذى تحصل عليه تضعه في البنوك الغربية ليتم سرقته بصوره منتظمه من خلال انهيارات مفتعله ومنظمه في البورصات العالمية.
ان القذافي وان كان ديكتانورا وسفاحا .. الخ فانه لم يكن عميلا للغرب وامريكا، بل ان الذين يتصدرون الان قيادة الحمله على القذافي هم الذين اقاموا علاقات مع اسرائيل وسمحوا لامريكا بتدمير العراق وشعبه، وهم الذين اجهضوا كل المحاولات الوحدوية للامه، وهم اللذين بددوا ثروات الامه، وافسدوا دينها ودنياها.
ان شيطنه القذافي بهذه الطريقه ليست صدفه او عملية اعتباطية، بل مقدمه لتحويل ليبيا الى عراق جديد، فكما تمث شيطنه صدام حسين، للاتيان بعملاء امريكا وتدمير العراق ارضا وشعبا، يتم الان شيطنة القذافي لتحقيق نفس الهدف.
المحزن حقا هو ان ينجر الجميع وراء هذا اللطم وشق التوب في حفلة الزار التى نصبها اعداء الامه لمن يسمون بالنخب العربية (الدراويش)، الذين سيسقطون ويتهاوون كما سقطت الانظمه، فالمراقب لما تبثه الفضائيات وما يكتب في وسائل الاعلام يعتقد ان الامه تقف على ابواب الاقصى لتحريره، وان شارون ونتنياهو ارتديا عباءة القذافي العربية، للهروب بجلدهم من الزحف الهادر، الذى لاقى دعم مجلس الامن والجنائية الدولية، التى لن تعاقبهم فقط على سرقه وطن .. بل على جرائم لا تسقط بالتقادم.
انه عار كبير على الامه الا يوجد فيها في هذه اللحظة الفارقه من يوزن الامور ويقيمها بصوره عقلانية، ويقول كلمة حق لانقاذ بلد عربي من الضياع والدمار.. وعار على الشعوب والنخب التى كانت بالامس تهلل وتطبل لهذا الزعيم او ذاك وتتغنى بامجاده، ان تتحول وفي لمح البصر الى وحوش كاسره وتغير جلدها في لحظات، وكأنهم جميعا ينتظرون الطوفان القادم، فيسعى كلا منهم الى حجز مقعد له في الجنة الامريكية الموعوده، واظهار الطاعه والولاء قبل فوات الاوان.
بالرغم من تمنياتي الصادقه للشعب الليبى الشقيق في الوصول الى ما يريد جقا بتغيير النظام، وحكم نفسه على اسس ديمقراطية حره، الا اننى ادعوه الى التعقل وعدم الانسياق لهذا الضجيج الاعلامي المغرض، والعمل بهدوء لاحداث التغيير الذى اصبح مؤكدا، بما يكفل له وحدته ووحدة اراضية ويبعده عن خطر التدخل والحرب الاهلية التى يتمناها هؤلاء المطبلون.
عاش الشعب الليبي العظيم .. عاشت ليبيا ابيه حره
السبت، 26 فبراير 2011
الثلاثاء، 22 فبراير 2011
الديمقراطية الخلاقة .. بدل الفوضى الخلاقة
يوسف العاصي الطويل
عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
الفوضى الخلاقة في السياسة هي مصطلح وممارسة اعتمدتها الإدارة الأمريكية لإعادة ترتيب أوراق العالم بالطريقة التي تريدها من خلال تحريك الأمور في كل الاتجاهات وإثارة المشاكل والفتن داخل المجتمعات وما بين البلدان، ليتم خلق وضع جديد يحقق مصالحها عبر الفوضى والعبث، وقد طبقت الإدارة الأميركية السابقة هذه النظرية في العراق وافغانستان، ولكن الثمن كان غاليّاً دفعته شعوب المنطقة من دمها وقوتها واستقرارها، هذا بالرغم مما بشرت به امريكا من ان العراق سيكون مفتاح التغيير بالمنطقة. وعندما تولت إدارة أوباما الحكم في أميركا، تبنت نفس أهداف الإدارة السابقة وإن بوسائل مختلفة. فالقيادة الامريكية تظن أن إبقاء الأوضاع الراهنة في الشرق الأوسط والعالم العربي كما هي، سيخلق وضع غير مستقر وسيزيد من فرص توالد الإرهاب في المنطقة.
وفي قرائتنا للاحداث الجارية في المنطقة العربية لا يجب ان نستبعد فرضية ان أميركا قررت القيام بعملية تغيير استباقي من خلال احداث تغيير سريع من داخل الأنظمة العربية ، قبل أن تأتي رياح االتغيير الداخلي بخيرها وشرها، من خلال استخدم امريكا وسائلها المعروفه لتنفيذ ذلك، حقوق الانسان، الحرية، الديمقراطية .. الخ القائمه. حيث بدأت امريكا منذ فتره الاتصال بالنخب السياسية العربية المعارضة وقوى المجتمع المدني وخاصةً ممن يمثلون الأجيال الشابة منها، وترافق هذا مع حملة إعلامية عبر وسائل الإعلام الغربية والمحلية، من اجل تسليط الضوء على هذه القضايا وتوحيد جهود هذه النخب باستخدام التقنيات الحديثة للتواصل وتنظيم الاجتماعات من اجل البدء بالتغيير المطلوب.
وفي خطوه متقدمه لم يكن غريبا ان تتبع الدعوات الامريكية للاصلاح في العالم العربي، حدوث اكبر عملية تسريب معلوماتية في التاريخ، من خلال ما تم نشره على موقع ويكليس، والتى لم تترك نظاما عربيا الا وشككت به، وهى وان افترضنا صحتها، فانها كلمة حق اريد بها باطل، لتنفيد اجندات خارجية. فهم يريدوننا ان نصدق ان قاعدة بيانات اكبر دوله في العالم مباحه للقراصنه وللهواه ليطلعوا عليها بسهوله، كما اقنعونا ان هجمات 11 سبتمر قام بتنفيذها افراد من القاعده يقبعون في كهوف افغانستان، فهللنا في البداية لبن لادن وجماعة القاعدة، ولكننا افقنا اخيرا وبعد فوات الاوان على الدمار الكبير الذى لحق بنا جراء تصديق تلك الكذبه والتهليل لها، والمؤمن لا يلذغ من جحر مرتين؟؟!!
اننى لا اريد ان اشكك او اقلل من صدق الدعوات الاصلاحية وشرعيتها او من امكانية صدق هذه الوثائق التى فضحت الانظمه العربيه وعرتها امام شعوبها، فجاءت ردود الفعل الشعبية الغاضبه التى رفدت الثوره باسباب ومبررات لضرورة حدوث التغيير. ولكن هذا لا يمنع من السؤال ان كان هناك اهداف خفية لاطراف خارجية تقف وراء ذلك، تحاول استغلال حالة السخط العام في المنطقة على الانظمة الفاسدة لتحقيق اهداف معينه. وهنا اتمنى الا يفهم كلامي على اننى ضد الاصلاح وكشف الحقائق، او اننى ادافع عن هذه الانظمه الفاسدة التى تجتم على صدر المواطن العربي في كل مكان وضرورة تغييرها واجبارها على الانصياع لارادة الجماهير، ولكننى في نفس الوقت لا اريد ان تستغل كلمة الحق التى تطالب بها الجماهير، من قبل ذوى الاهواء في الداخل والخارج لتتحول الى باطل يعود بامتنا عشرات السنين الى الوراء، وبالذات اذا وجدنا ان من يدعم هذا الحق ويناصره في هذه اللحظة، هو نفسه الذى يدعم الباطل الاسرائيلي ويقف سدا منيعا امام مطالب عادله لشعب اعزل شرد من ارضه وتستباح يوميا حقوقه المشروعه في الحياه الكريمه. فامريكا التى تدعم مطالب التغيير في الوطن العربي وتتخلى عن اخلص اصدقائها بكل سهوله، بدعو مناصرة الشعوب وحقها بالحرية والديمقراطية، هى نفسها التى تقدم كافة اشكال الدعم المادي والمعنوى للكيان الصهيوني الغاصب وجرائمه اليومية ضد شعبنا الفلسطينى، وتقف سدا منيعا امام مطالبه العادلة بالحرية والاستقلال، بل انها الدوله الوحيدة في العالم التى لازالت تدعم اسرائيل في سرقتها للارض الفلسطينية وتهويدها للقدس الشريف، وما الفيثو الامريكى اليوم على مشروع القرار الذى يدين الاستيطان الا خير دليل على ذلك، هذا ناهيك عن استمرارها في دعم انظمه ديكتاتورية في المنطقة، وممارساتها اللانسانية في العراق وافغانستان. بل ان الملفت للنظروالامر المحيرفيما يحدث من ثورات واسقاط لانظمه فاسده، عميله لامريكا، هو ان امريكا والغرب واسرائيل يرحبون بما يجرى، بل ان اسرائيل والمفترض ان تكون اكثر المتخوفين من تحول السلطه بيد الشعوب، وقفت متفرجه وفرحه بما يجري، ولم تبدى ايه خوف او هلع، بل قام نتنياهو بالطلب من كافة المسئولين الاسرائيليين بعدم التعليق على ما يدور، وكما يقولون فأن السكوت علامة الرضا. ولكن الرئيس الاسرائيلى شمعون بيرس لم يتمالك نفسه من الفرح فعبر عن شماتته بالقذافي، وتوعد حسن نصر الله ونجاد بنفس مصير مبارك، حيث قال بأن الرئيس الليبي معمر القذافي كان قد قال قبل اسبوعين ان الشرق الاوسط قد يكون بدون اسرائيل قريبا ولكن صورة الاوضاع حاليا تشير الى ان ليبيا قد تكون بدون القذافي. واضاف بيرس ان الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ربما يمتلك قنابل ولكنه لا يحمل اي رسالة لشعبه وللعالم وسيتم اسقاطه واسقاط امين عام حزب الله حسن نصر الله بيد شعبيهما.
دور الجزيره
منذ انطلاق الجزيره وهي تقوم بدور ملتبس في تغطيتها الاعلامية للاحداث سواء الحرب على العراق واحداث سبتمبر والحرب على افغانستان وحرب غزه، ونشر وثائق ويكليكس، واخيرا احداث الثورات العربية الحالية. فالمتابع للأحداث لاحظ في أحداث تونس الأخيرة انه ورغم أن الجزيرة لا تتمتع بوجود على أرض تونس إلا أنها في لحظة معينه أصبحت لا تغطي سوى أحداث تونس وتوجه مسار الأحداث عبر ضيوفها وتغطياتها الإنتقائية ورسائل الإس إم إس التى تتحرك على شاشتها المباشرة وكانت وحدها موجودة في مكان الحدث إلى أن إنتهى الأمر في تونس ونفس الشئ حدث في مصر، حيث جندث الجزيره كل امكانياتها الاعلامية، من اجل نقل احداث الثورة المصرية، وتحاول الجزيره تكرارذلك في ليبيا واليمن والجزائر .. الخ.
وبالرغم من فرحي بسقوط انظمه مستبده وظالمه، الا ان ذلك لن يعمينى عن التحذير من عواقب وخيمه لما تقوم به الجزيره، من تحريض وبلبله، مستغله فساد وظلم انظمه حاكمه تجثم على صدور الشعوب العربية منذ عقود، على حالة الاستقرار في المنطقة، وانفتاح احتمالات متعدده امام المستقبل. فليس هناك محل للسؤال عن اهمية دور الاعلام في تغطية الاحداث ونقلها بموضوعية، ونصرة الشعوب المظلومه، الا ان ذلك لا يجب ان يرتبط باجندات خارجيه، كما انه يجب ان يطبق على الجميع، وليس من خلال عمليات انتقائيه، لحالات هنا وهناك، وترك انظمه فاسده على رأسها قطر تلهو وتتلذذ على مآسي دول اخرى عانت من ظلم وتنكر تلك الانظمة لعروبتها واسلامها، وربما عبر مذيع قناة العربية الميرازى عن هذه الانتقائية، عندما حاول ان ينتقد الدوله المموله للقناه، فاستقال او تم اقالته.
لقد لاحظت من خلال تغطية الجزيره، انها تعتمد الاثارة، وترويج الاشاعات، وتقوم بصناعة الحدث بدل نقله، وتمارس الانتقائية في لقائاتها، وقد نشرت صحيفة فورين بوليسي مقالا للكاتبة شيلا كاربيكيو أستاذة العلوم السياسية في جامعة ريتشموند والجامعة الأمريكية في القاهرة أوضحت خلالها وجهة نظرها في التغطية المتحيزة والغير مهنية والتي وصفتها بالانتقائية لقناة الجزيرة الفضائية أكدت خلاله على أن القناة عرضت حقيقة جزئية فقط وليس كاملة حيث أنها ركزت بشكل متعمد على ميدان التحرير فقط وتجاهلت كل الأحداث التي كانت تدور في أماكن عديدة وهو ما يثبت أن الجزيرة تركز على الإثارة وكانت تركز على كل ما هو مثير حتى لو كان غير حقيقي كما أشارت شيلا إلى أن الجزيرة كانت تعرض أراء مؤيدة لتغطيتها ولم تعرض رأياً واحدا مخالفاً لتلك التغطية حتى في الوقت الذي أصبح الجميع يشعر بأن الأمر في طريقة للحل كان القناة تعمل على تصعيد الأمور .
وقناة الجزيره لمن لا يعرف تتبع وزارة الخارجية القطرية مالياً واداريا، وهذه الوزاره وبامر من رئيسها وامير قطر هى التى اقامت علاقات دبلوماسية مع اسرائيل، وعقدت لقاءات عده مع زعماء اسرائيليين في قطر وخارجها، كما ان نظام الحكم في هذه الدوله وراثي لا وجود لاى دور للشعب فيه، ولا توجد ديمقراطية او حقوق انسان او غيره، والثروه توزع على العائلة الحاكمه والامير له نصيب الاسد فيها، كما توجد بها اكبر قاعده امريكية في المنطقة استخدمت لتدمير العراق، وستستخدم لضرب ايران والسعودية ..الخ. من هنا فهذا الحرص الذى تبدية الجزيره ودولة قطر على انصاف الشعوب العربية المظلومه ونشر الديمقراطية، ومحاربة الفساد لا نجد له صدى في ارض قطر العظمى، التى فتنت الامه بتغطيتها الاعلامية المغرضه للاحداث، مستغله فساد الانظمه، ومعاناة الشعوب،
انها فتنه تفتعلها الجزيره، باسم حرية الاعلام، وباصرار عجيب، ورغبه واضحه باسقاط كافة الانظمة التى لا نختلف حول ضرورة اسقاطها، ولكن ليس على طريقة الجزيرة والفيس بوك والفوضى الخلاقة، والتى قد تستغل لتحقيق اجندات اجنبية تسعى الى تفتيت المنطقه واخضاعها كليا للهيمنه الامريكية والاسرائيلية. ولو ان قطر وزعيمها يريدون الخير للامة العربية وشعوبها، ويناصرون حقوق الشعوب فليتنحى رئيس دوله قطر ويدعو لانتخابات عامه ليختار الشعب حكامه وممثليه، او على الاقل يحول الحكم في امارته الى اماره دستورية، او ان يقوم باستثمار فوائض اموال قطر في البلاد العربية بدل من ابقائها في البنوك الغربية، او يتبرع بالمليارات التى سينشئ بها منشآت بطولة العالم 2022 لكرة القدم لهذه الشعوب، او ان يفتحوا ملفات الفساد وبيع ثرواث الامه للغرب بثمن بخس، التى لو احسن استغلالها، لما وجدنا هذا الضياع والفقر والبطاله في المنطقة العربية. اذا فعلت قطر ذلك فسنقول عندها ان قطر وقناتها فعلا حريصون على الامه ومصالحها، وانهم يقولون ما يفعلون!!
ولكن يبدو ان قطر وحكومتها وبالذات وزير خارجيتها، مستمرون للنهايه في قول كلمة حق يراد بها باطل، فليست القضية نصرة شعوب مظلومه او ايمان بالديمقراطية والحرية وسيادة الشعوب، بل يبدو وكأنها مقاوله اخذت قطر على عاتقها تنفيذها، من خلال الجزيره، وان لم يجدى الامر فلا مانع من تدخل السياسه، وقد لاحظنا ان دولة قطر كانت اول من رحب بتولى المجلس العسكرى للسلطه في مصر، كما انها وفي اول سابقة من نوعها، دعت الى اجتماع طارئ لمجلس الجامعه العربية لبحث استخدام القوة ضد المتظاهرين في ليبيا، في الوقت الذى حولت ارضها لقاعده انطلقت وتنطلق منها حمم اللهب والدمار ضد الشعب العراقي والافغاني، وللشعوب بقية .. افيقوا يا عرب .. فالفتنه بدأت.
الديمقراطية الخلاقه
اذا كنت عرضت لوجه نظر تبدو متشائمه ومتشككه بعض الشئ فيما يدو الان على ساحتنا الهربية، فهذه ليس الا لخوفي وحرصي على هذه الثورة العربية الشاملة من مؤامرات والاعيب تحاك ضدها او تحاول وتعمل على استغلالها لمصالح بعيده عن رغبات الشعوب العربية. فالموقف الراهن الذى نمر به الان مختلط يبعث اقصى درجات الامل والتفائل بغذ مشرق للامه، ولكنه يثير الخوف بل والرعب في بعض مشاهده وسيناريوهاته. فالتفائل والامل مطلوب، ولكنه يجب ان يكون حذرا يضع في اعتباره كافة الاحتمالات الممكنه، كما ان الخوف والحذر المبالغ به يصبح خيال غير منتج وعديم الفائدة والمعنى. ولكن هذا لا يعنى نفي مشروعية الامل والخوف، التفائل والتشائم، وامكانية حدوث الفوضى الخلاقة كما تريد امريكا واسرائيل، وامكانية تحقيق شعوبنا لامالها وتطلعاتها العادلة. وما بين هذا الاحتمالات والامكانيات يبرز دور النخب العربية والمواطن العربي وقدرته على التفريق بين الحق والباطل، بين ما هو في صالح الامه وما هو ضددها، وهذا يحتاج الى تفكير متأنى وعقلاني يكبح جماح العاطفه ويغوص عميقا لتفسير ما يجرى ويوجهه الوجه الصحيحه، حتى لا ينحرف او يحرفه اعداء الامه لتحقيق اهداف واجندات تخدم مصالحهم.
من هنا فاننى اعتقد ان الطريق الافضل للخروج من هذا التيه والفوضى الخلاقه التى ربما تريدها امريكا للمنطقه، هو طرح مبدأ الديمقراطية الخلاقه، كمخرج لأزمة النظم السياسية العربية بعد انكشاف شرعيتها، من اجل تغيير المسار الذي خيم علينا لعقود طويلة وأرسى قيماً سلبية تتناقض مع القيم الإنسانية ما جعل المجتمعات العربية فريسة للاستبداد والقهر والظلم والتمييز الاجتماعي، وذلك من خلال قيام حوار حقيقي وجاد بين الحكام والشعوب العربية وممثليها، من اجل وضع اليات للخروج من المأزق الحالى باقل الاضرار مع الاصرار على تطبيق كافة الاصلاحات المطلوبه الكفيله باعادة الاعتبار للمواطن العربي ولحقوقه المسلوبه بعيدا عن محاولات التغيير بالفيس بوك والبلاك بيري وحتى من خلال قناة الجزيره والسي. ان.ان واخواتها.
فبعد ان استشعرت الجماهير العربية بقدرتها على التغيير وبدى بوضوح هشاشة الانظمه الفاسدة الحالية، يجب التأنى والهدوء في تحقيق المطالب العادلة للجماهير، فانكسار حاجز الخوف امام الجماهير العربية كفيل بان يعيدها للشارع مره اخرى لفرض مطالبها على الانظمه اذا وجدت انها تراوغ او غير جاده في تحقيق هذه المطالب، كما ان رؤساء الانظمة واعوانهم تلقوا درسا لن ينسوه ابدا، بان ارادة الشعوب هى التى تنتصر في النهاية، وان مصيرهم سيكون من الآن فصاعدا كمصير بن على ومبارك واعوانهم، المطارده والمحاسبه والسجن، والضياع والاغماء والجلطه نتيجة الصدمه والفضيحه .
وهنا فيجب ان تكون الجيوش العربية هى صمام الامان للامه في هذه اللحظة العصيبه، كما حدث في تونس ومصر، بحيث يتولى الجيش ادارة البلاد لفتره انتقالية يتم فيها احداث التغيير المطلوب بشكل جذري وتلبية طموحات الجماهير. فالانظمة الفاسده في منطقتنا العربية ليس لديها ما تخسره بعد انفضاح امرها امام شعوبها، ولكن الشعوب يمكن ان تخسر الكثير اذا لم تفكر بعقلانية وحكمه في ادارة الازمه من اجل الانتصار على اعدائها، فنحن ليس في مباراه للمصارعه الحره او الملاكمه على الطريقه الامريكية، يسعى الطرفين الى تحقيق الفوز بالضربه القاضيه، بل يجب ان نكون كمن يمتلك حديقه جميله اهمل في زراعتها، وتركها للاعشاب الطفيلية الضارة تغزوها وتتغدى على ثمارها الغنية، ولهذا فعليه ان يهتم بحديقته من جديد ويعمل على تقليمها وحرتها وازالة الاعشاب الضارة المتطفله منها ليجنى منها اجمل الثمار واعذبها.
واذا كانت المطالب الشعبية تدور حول مطالب معينه محددة، تثمتل في امتلاك الشعب للسلطه لينشئ من خلالها حكومات ديمقراطية منتخبه تكفل الحرية والمساواه للجميع، فانه لا يختلف اثنان على اهمية العملية الديمقراطية في العصر الحاضر ودورها في خلق مجتمع حر تتكافئ فيه فرص الجميع للحصول على حقوقهم الطبيعية والقانونية، مما يتيح للجميع كافة الامكانيات للابداع والارتقاء. وكما نعلم فقد خاضت الشعوب الغربية هذه التجربه منذ عقود عديده، فوصلت الى ما وصلت اليه من تقدم ورقى في ظل حكومات ديمقراطية منتخبه من الشعب، تخضع في كافة مراحل عملها لمسائلة الشعب ومراقبته في ظل اجواء من الحرية والشفافية. الا ان هذه الشعوب لم تصل الى ما وصلت اليه بين عشية وضحاها بل خاضت هذه الشعوب نضالات كبيره حتى استقرت على وضعها المشرق الذى تعيشه هذه الشعوب الآن. وقد سبق هذا التحول الديمقراطي ورافقه وتلاه تحول فكري وقيمي، مهد له ورعاه واستشرف آفاق المستقبل، بنظريات وآراء وفلسفات متعدده ساهمت في جعل هذا التحول قويا وثابتاً، وله القدرة على مواجهة الصعاب. فقد ارست حركة التنوير الاوربية مبادئ اساسية وقيم عملية بنى عليها صرح الحضارة الجديدة، وكان اعظم هذه القيم والمبادئ، قيمة الحرية الانسانية والمساواة والعدالة، وسيادة الشعب، بعيدا عن سيادة الكهنوت او من يحكم بتكليف الهي او غيره، وحل مكان ذلك عقد جديد بين الحاكم والمحكوم، يقوم على جعل السيادة في ايدى الشعب باعتباره المصدر الوحيد للسلطات.
واذا كنا نعيش في عالمنا العربي لحظات شبيهه لما حدث في اوروبا قبل اربعة قرون من تحول نحو اعادة الشرعية للشعوب، فان ذلك يفرض علينا ان نقوم بمناقشة هذا التحول والاسس التى يقوم عليها، وقيمه الاساسية، ومنطلقاته الفكرية. فلا يكفي استنساخ تجارب الشعوب الاخرى بخصوصياتها التاريخية والحضارية، بل يجب ان نستفيد منها لنخرج بنموذجنا الخاص الذى ينطلق من قيمنا الحضارية الراقية، حتى لا يحدث صدام متوقع بين دعاة التغيير ودعاة الجمود، وحتى يكون التغيير والتحول مثمرا وخلاقا.
فالتحول الى حكم الشعب وسيادة الشعب، لا يتحقق فقط بثورات واحتجاجات هنا وهناك، بل يجب ان يسبقه ويسايره تحول فكري وثقافي يتماهى من القيم الجديده التى يأتى بها التحول الجديد، فتغيير الحكم او النظام لن يحل المشكله القائمه في مجتمعاتنا العربية اذا لم يرافقه تحول في الفكر والثقافه السائده في هذا المجتمع . فالذي يرفع في الشارع ويطالب الحاكم بالديمقراطية والعدل والمساواة والحرية يجب ان يكون على استعداد ايضا في بيئتة الخاصه على فعل نفس الشئ في بيته وعمله وفي كل مجالات حياته، والا اصبح التغيير شكلي لا قيمه له ولا اثر. ان تغيير النظام الفاسد والظالم يعنى ان نبتعد كاشخاص وافراد وجماعات عن نفس الشئ، بالامتناع عن مارسة الظلم والفساد بحق غيرنا.. والحرية والديمقراطية والمساواه ينطبق عليها نفس المقياس، فلا يعقل ان اطالب بحريتى وانتهك حرية الاخرين، او اطالب بحكم ديمقراطي واقمع الرأى الاخر المختلف معى، او ان اطالب بالعداله لى وحدي، وامارس الظلم على غيري، واطالب بالمساواه وواكرس فكر عدم المساواه ضد ابناء وطنى المختلفين عنى بالمذهب او الدين او اللون او الجنس.
فالقيم السامية لا يمكن تجزئتها، وهى عامه تشمل الجميع وتطبق على الجميع، ولا مكان للانتقائية والمزاجية فيها. فالحرية تعنى حريتى وحرية غيري .. وحرية المجتمع باكمله بكافة اطيافه وفئاته، وكرامتى كانسان تبنى وتستمد قيمتها من مدى تقديسى واحترامي لكرامه الانسان كانسان في هذا العالم .. فالقيم العظيمه والنبيله هى قيم مطلقه يجب ان نحترمها لذاتها، بعيدا عن التقسيمات والتفريعات الخاصه بفئه او جماعه او طبقه، والا كان هذا بداية انهيار منظومة القيم والمبادئ السامية، وبداية لانتشار الظلم والقهر والاستبداد، الذى تحاول شعوبنا العربية التخلص منه، والذى بدأ اولى خطواته في تونس ومصر، ولن ينتهى الا بنيل كافة الشعوب العربية حريتها من الاستبداد الجاتم على صدرها بكافة مسمياته الدينة والثورية والطائفية، والقبلية.
ان الثوره على اهميتها واهمية المبادئ التى حملتها تعنى شئ واحد فقط، وهو ان يمارس الجميع في ذواتهم وانفسهم وفي افعالهم واقوالهم الفعل الثوري الكفيل بان يطهرهم من الموبقات التى كانت راسخه في انفسهم قبل الثوره. فاذا كانت الثورة قد خلعت رأس النظام ووضعت اتباعه في طوابير من اجل المحاسبة، فانه يجب على كل شخص منا سواء شارك في صنع الثوره او تابعها ان يبدأ بنفسه يحاسبها ويرتضى ان يجعل من نفسه نموذجا ثوريا خاصا، يضئ للاخرين الطريق، وكلما تكاثرت النفوس الثورية المضيئة، كلما اقترب تحقيقها لاهدافها لتنير الطريق للاخرين ليس فيي منطقتنا بل في العالم اجمع.
ان الثوره تعنى ايضا ان يحدث تغييرا ثوريا في الافكار والمعتقدات والمسلمات، لتطابق الواقع او لترسم الطريق للواقع في سيره نحو المستقبل، مستلهما ماضينا العريق الزاهر ومتأملا واقعنا بكل مرارته، ليحدد الخلل ومكامن التغييرالمطلوب، وهنا يجب الا تكون هناك عصمه لاى فكره او معتقد باستثناء الاصول، واعنى بالاصول الكتاب والسنه الصحيه، وليس غير ذلك. انها عملية مراجعه شامله لكل شئ عسانا نخرج من التيه الذى نعيش فيه، لنبني حاضرنا ومستقبلنا بايدينا، بدون الانغلاق على الذات، او انفتاح يفقدنا ويهدد هويتنا وقيمنا النبيله، التى ساهمت في بناء الحضاره الانسانية منذ فجر التاريخ.
عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
الفوضى الخلاقة في السياسة هي مصطلح وممارسة اعتمدتها الإدارة الأمريكية لإعادة ترتيب أوراق العالم بالطريقة التي تريدها من خلال تحريك الأمور في كل الاتجاهات وإثارة المشاكل والفتن داخل المجتمعات وما بين البلدان، ليتم خلق وضع جديد يحقق مصالحها عبر الفوضى والعبث، وقد طبقت الإدارة الأميركية السابقة هذه النظرية في العراق وافغانستان، ولكن الثمن كان غاليّاً دفعته شعوب المنطقة من دمها وقوتها واستقرارها، هذا بالرغم مما بشرت به امريكا من ان العراق سيكون مفتاح التغيير بالمنطقة. وعندما تولت إدارة أوباما الحكم في أميركا، تبنت نفس أهداف الإدارة السابقة وإن بوسائل مختلفة. فالقيادة الامريكية تظن أن إبقاء الأوضاع الراهنة في الشرق الأوسط والعالم العربي كما هي، سيخلق وضع غير مستقر وسيزيد من فرص توالد الإرهاب في المنطقة.
وفي قرائتنا للاحداث الجارية في المنطقة العربية لا يجب ان نستبعد فرضية ان أميركا قررت القيام بعملية تغيير استباقي من خلال احداث تغيير سريع من داخل الأنظمة العربية ، قبل أن تأتي رياح االتغيير الداخلي بخيرها وشرها، من خلال استخدم امريكا وسائلها المعروفه لتنفيذ ذلك، حقوق الانسان، الحرية، الديمقراطية .. الخ القائمه. حيث بدأت امريكا منذ فتره الاتصال بالنخب السياسية العربية المعارضة وقوى المجتمع المدني وخاصةً ممن يمثلون الأجيال الشابة منها، وترافق هذا مع حملة إعلامية عبر وسائل الإعلام الغربية والمحلية، من اجل تسليط الضوء على هذه القضايا وتوحيد جهود هذه النخب باستخدام التقنيات الحديثة للتواصل وتنظيم الاجتماعات من اجل البدء بالتغيير المطلوب.
وفي خطوه متقدمه لم يكن غريبا ان تتبع الدعوات الامريكية للاصلاح في العالم العربي، حدوث اكبر عملية تسريب معلوماتية في التاريخ، من خلال ما تم نشره على موقع ويكليس، والتى لم تترك نظاما عربيا الا وشككت به، وهى وان افترضنا صحتها، فانها كلمة حق اريد بها باطل، لتنفيد اجندات خارجية. فهم يريدوننا ان نصدق ان قاعدة بيانات اكبر دوله في العالم مباحه للقراصنه وللهواه ليطلعوا عليها بسهوله، كما اقنعونا ان هجمات 11 سبتمر قام بتنفيذها افراد من القاعده يقبعون في كهوف افغانستان، فهللنا في البداية لبن لادن وجماعة القاعدة، ولكننا افقنا اخيرا وبعد فوات الاوان على الدمار الكبير الذى لحق بنا جراء تصديق تلك الكذبه والتهليل لها، والمؤمن لا يلذغ من جحر مرتين؟؟!!
اننى لا اريد ان اشكك او اقلل من صدق الدعوات الاصلاحية وشرعيتها او من امكانية صدق هذه الوثائق التى فضحت الانظمه العربيه وعرتها امام شعوبها، فجاءت ردود الفعل الشعبية الغاضبه التى رفدت الثوره باسباب ومبررات لضرورة حدوث التغيير. ولكن هذا لا يمنع من السؤال ان كان هناك اهداف خفية لاطراف خارجية تقف وراء ذلك، تحاول استغلال حالة السخط العام في المنطقة على الانظمة الفاسدة لتحقيق اهداف معينه. وهنا اتمنى الا يفهم كلامي على اننى ضد الاصلاح وكشف الحقائق، او اننى ادافع عن هذه الانظمه الفاسدة التى تجتم على صدر المواطن العربي في كل مكان وضرورة تغييرها واجبارها على الانصياع لارادة الجماهير، ولكننى في نفس الوقت لا اريد ان تستغل كلمة الحق التى تطالب بها الجماهير، من قبل ذوى الاهواء في الداخل والخارج لتتحول الى باطل يعود بامتنا عشرات السنين الى الوراء، وبالذات اذا وجدنا ان من يدعم هذا الحق ويناصره في هذه اللحظة، هو نفسه الذى يدعم الباطل الاسرائيلي ويقف سدا منيعا امام مطالب عادله لشعب اعزل شرد من ارضه وتستباح يوميا حقوقه المشروعه في الحياه الكريمه. فامريكا التى تدعم مطالب التغيير في الوطن العربي وتتخلى عن اخلص اصدقائها بكل سهوله، بدعو مناصرة الشعوب وحقها بالحرية والديمقراطية، هى نفسها التى تقدم كافة اشكال الدعم المادي والمعنوى للكيان الصهيوني الغاصب وجرائمه اليومية ضد شعبنا الفلسطينى، وتقف سدا منيعا امام مطالبه العادلة بالحرية والاستقلال، بل انها الدوله الوحيدة في العالم التى لازالت تدعم اسرائيل في سرقتها للارض الفلسطينية وتهويدها للقدس الشريف، وما الفيثو الامريكى اليوم على مشروع القرار الذى يدين الاستيطان الا خير دليل على ذلك، هذا ناهيك عن استمرارها في دعم انظمه ديكتاتورية في المنطقة، وممارساتها اللانسانية في العراق وافغانستان. بل ان الملفت للنظروالامر المحيرفيما يحدث من ثورات واسقاط لانظمه فاسده، عميله لامريكا، هو ان امريكا والغرب واسرائيل يرحبون بما يجرى، بل ان اسرائيل والمفترض ان تكون اكثر المتخوفين من تحول السلطه بيد الشعوب، وقفت متفرجه وفرحه بما يجري، ولم تبدى ايه خوف او هلع، بل قام نتنياهو بالطلب من كافة المسئولين الاسرائيليين بعدم التعليق على ما يدور، وكما يقولون فأن السكوت علامة الرضا. ولكن الرئيس الاسرائيلى شمعون بيرس لم يتمالك نفسه من الفرح فعبر عن شماتته بالقذافي، وتوعد حسن نصر الله ونجاد بنفس مصير مبارك، حيث قال بأن الرئيس الليبي معمر القذافي كان قد قال قبل اسبوعين ان الشرق الاوسط قد يكون بدون اسرائيل قريبا ولكن صورة الاوضاع حاليا تشير الى ان ليبيا قد تكون بدون القذافي. واضاف بيرس ان الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد ربما يمتلك قنابل ولكنه لا يحمل اي رسالة لشعبه وللعالم وسيتم اسقاطه واسقاط امين عام حزب الله حسن نصر الله بيد شعبيهما.
دور الجزيره
منذ انطلاق الجزيره وهي تقوم بدور ملتبس في تغطيتها الاعلامية للاحداث سواء الحرب على العراق واحداث سبتمبر والحرب على افغانستان وحرب غزه، ونشر وثائق ويكليكس، واخيرا احداث الثورات العربية الحالية. فالمتابع للأحداث لاحظ في أحداث تونس الأخيرة انه ورغم أن الجزيرة لا تتمتع بوجود على أرض تونس إلا أنها في لحظة معينه أصبحت لا تغطي سوى أحداث تونس وتوجه مسار الأحداث عبر ضيوفها وتغطياتها الإنتقائية ورسائل الإس إم إس التى تتحرك على شاشتها المباشرة وكانت وحدها موجودة في مكان الحدث إلى أن إنتهى الأمر في تونس ونفس الشئ حدث في مصر، حيث جندث الجزيره كل امكانياتها الاعلامية، من اجل نقل احداث الثورة المصرية، وتحاول الجزيره تكرارذلك في ليبيا واليمن والجزائر .. الخ.
وبالرغم من فرحي بسقوط انظمه مستبده وظالمه، الا ان ذلك لن يعمينى عن التحذير من عواقب وخيمه لما تقوم به الجزيره، من تحريض وبلبله، مستغله فساد وظلم انظمه حاكمه تجثم على صدور الشعوب العربية منذ عقود، على حالة الاستقرار في المنطقة، وانفتاح احتمالات متعدده امام المستقبل. فليس هناك محل للسؤال عن اهمية دور الاعلام في تغطية الاحداث ونقلها بموضوعية، ونصرة الشعوب المظلومه، الا ان ذلك لا يجب ان يرتبط باجندات خارجيه، كما انه يجب ان يطبق على الجميع، وليس من خلال عمليات انتقائيه، لحالات هنا وهناك، وترك انظمه فاسده على رأسها قطر تلهو وتتلذذ على مآسي دول اخرى عانت من ظلم وتنكر تلك الانظمة لعروبتها واسلامها، وربما عبر مذيع قناة العربية الميرازى عن هذه الانتقائية، عندما حاول ان ينتقد الدوله المموله للقناه، فاستقال او تم اقالته.
لقد لاحظت من خلال تغطية الجزيره، انها تعتمد الاثارة، وترويج الاشاعات، وتقوم بصناعة الحدث بدل نقله، وتمارس الانتقائية في لقائاتها، وقد نشرت صحيفة فورين بوليسي مقالا للكاتبة شيلا كاربيكيو أستاذة العلوم السياسية في جامعة ريتشموند والجامعة الأمريكية في القاهرة أوضحت خلالها وجهة نظرها في التغطية المتحيزة والغير مهنية والتي وصفتها بالانتقائية لقناة الجزيرة الفضائية أكدت خلاله على أن القناة عرضت حقيقة جزئية فقط وليس كاملة حيث أنها ركزت بشكل متعمد على ميدان التحرير فقط وتجاهلت كل الأحداث التي كانت تدور في أماكن عديدة وهو ما يثبت أن الجزيرة تركز على الإثارة وكانت تركز على كل ما هو مثير حتى لو كان غير حقيقي كما أشارت شيلا إلى أن الجزيرة كانت تعرض أراء مؤيدة لتغطيتها ولم تعرض رأياً واحدا مخالفاً لتلك التغطية حتى في الوقت الذي أصبح الجميع يشعر بأن الأمر في طريقة للحل كان القناة تعمل على تصعيد الأمور .
وقناة الجزيره لمن لا يعرف تتبع وزارة الخارجية القطرية مالياً واداريا، وهذه الوزاره وبامر من رئيسها وامير قطر هى التى اقامت علاقات دبلوماسية مع اسرائيل، وعقدت لقاءات عده مع زعماء اسرائيليين في قطر وخارجها، كما ان نظام الحكم في هذه الدوله وراثي لا وجود لاى دور للشعب فيه، ولا توجد ديمقراطية او حقوق انسان او غيره، والثروه توزع على العائلة الحاكمه والامير له نصيب الاسد فيها، كما توجد بها اكبر قاعده امريكية في المنطقة استخدمت لتدمير العراق، وستستخدم لضرب ايران والسعودية ..الخ. من هنا فهذا الحرص الذى تبدية الجزيره ودولة قطر على انصاف الشعوب العربية المظلومه ونشر الديمقراطية، ومحاربة الفساد لا نجد له صدى في ارض قطر العظمى، التى فتنت الامه بتغطيتها الاعلامية المغرضه للاحداث، مستغله فساد الانظمه، ومعاناة الشعوب،
انها فتنه تفتعلها الجزيره، باسم حرية الاعلام، وباصرار عجيب، ورغبه واضحه باسقاط كافة الانظمة التى لا نختلف حول ضرورة اسقاطها، ولكن ليس على طريقة الجزيرة والفيس بوك والفوضى الخلاقة، والتى قد تستغل لتحقيق اجندات اجنبية تسعى الى تفتيت المنطقه واخضاعها كليا للهيمنه الامريكية والاسرائيلية. ولو ان قطر وزعيمها يريدون الخير للامة العربية وشعوبها، ويناصرون حقوق الشعوب فليتنحى رئيس دوله قطر ويدعو لانتخابات عامه ليختار الشعب حكامه وممثليه، او على الاقل يحول الحكم في امارته الى اماره دستورية، او ان يقوم باستثمار فوائض اموال قطر في البلاد العربية بدل من ابقائها في البنوك الغربية، او يتبرع بالمليارات التى سينشئ بها منشآت بطولة العالم 2022 لكرة القدم لهذه الشعوب، او ان يفتحوا ملفات الفساد وبيع ثرواث الامه للغرب بثمن بخس، التى لو احسن استغلالها، لما وجدنا هذا الضياع والفقر والبطاله في المنطقة العربية. اذا فعلت قطر ذلك فسنقول عندها ان قطر وقناتها فعلا حريصون على الامه ومصالحها، وانهم يقولون ما يفعلون!!
ولكن يبدو ان قطر وحكومتها وبالذات وزير خارجيتها، مستمرون للنهايه في قول كلمة حق يراد بها باطل، فليست القضية نصرة شعوب مظلومه او ايمان بالديمقراطية والحرية وسيادة الشعوب، بل يبدو وكأنها مقاوله اخذت قطر على عاتقها تنفيذها، من خلال الجزيره، وان لم يجدى الامر فلا مانع من تدخل السياسه، وقد لاحظنا ان دولة قطر كانت اول من رحب بتولى المجلس العسكرى للسلطه في مصر، كما انها وفي اول سابقة من نوعها، دعت الى اجتماع طارئ لمجلس الجامعه العربية لبحث استخدام القوة ضد المتظاهرين في ليبيا، في الوقت الذى حولت ارضها لقاعده انطلقت وتنطلق منها حمم اللهب والدمار ضد الشعب العراقي والافغاني، وللشعوب بقية .. افيقوا يا عرب .. فالفتنه بدأت.
الديمقراطية الخلاقه
اذا كنت عرضت لوجه نظر تبدو متشائمه ومتشككه بعض الشئ فيما يدو الان على ساحتنا الهربية، فهذه ليس الا لخوفي وحرصي على هذه الثورة العربية الشاملة من مؤامرات والاعيب تحاك ضدها او تحاول وتعمل على استغلالها لمصالح بعيده عن رغبات الشعوب العربية. فالموقف الراهن الذى نمر به الان مختلط يبعث اقصى درجات الامل والتفائل بغذ مشرق للامه، ولكنه يثير الخوف بل والرعب في بعض مشاهده وسيناريوهاته. فالتفائل والامل مطلوب، ولكنه يجب ان يكون حذرا يضع في اعتباره كافة الاحتمالات الممكنه، كما ان الخوف والحذر المبالغ به يصبح خيال غير منتج وعديم الفائدة والمعنى. ولكن هذا لا يعنى نفي مشروعية الامل والخوف، التفائل والتشائم، وامكانية حدوث الفوضى الخلاقة كما تريد امريكا واسرائيل، وامكانية تحقيق شعوبنا لامالها وتطلعاتها العادلة. وما بين هذا الاحتمالات والامكانيات يبرز دور النخب العربية والمواطن العربي وقدرته على التفريق بين الحق والباطل، بين ما هو في صالح الامه وما هو ضددها، وهذا يحتاج الى تفكير متأنى وعقلاني يكبح جماح العاطفه ويغوص عميقا لتفسير ما يجرى ويوجهه الوجه الصحيحه، حتى لا ينحرف او يحرفه اعداء الامه لتحقيق اهداف واجندات تخدم مصالحهم.
من هنا فاننى اعتقد ان الطريق الافضل للخروج من هذا التيه والفوضى الخلاقه التى ربما تريدها امريكا للمنطقه، هو طرح مبدأ الديمقراطية الخلاقه، كمخرج لأزمة النظم السياسية العربية بعد انكشاف شرعيتها، من اجل تغيير المسار الذي خيم علينا لعقود طويلة وأرسى قيماً سلبية تتناقض مع القيم الإنسانية ما جعل المجتمعات العربية فريسة للاستبداد والقهر والظلم والتمييز الاجتماعي، وذلك من خلال قيام حوار حقيقي وجاد بين الحكام والشعوب العربية وممثليها، من اجل وضع اليات للخروج من المأزق الحالى باقل الاضرار مع الاصرار على تطبيق كافة الاصلاحات المطلوبه الكفيله باعادة الاعتبار للمواطن العربي ولحقوقه المسلوبه بعيدا عن محاولات التغيير بالفيس بوك والبلاك بيري وحتى من خلال قناة الجزيره والسي. ان.ان واخواتها.
فبعد ان استشعرت الجماهير العربية بقدرتها على التغيير وبدى بوضوح هشاشة الانظمه الفاسدة الحالية، يجب التأنى والهدوء في تحقيق المطالب العادلة للجماهير، فانكسار حاجز الخوف امام الجماهير العربية كفيل بان يعيدها للشارع مره اخرى لفرض مطالبها على الانظمه اذا وجدت انها تراوغ او غير جاده في تحقيق هذه المطالب، كما ان رؤساء الانظمة واعوانهم تلقوا درسا لن ينسوه ابدا، بان ارادة الشعوب هى التى تنتصر في النهاية، وان مصيرهم سيكون من الآن فصاعدا كمصير بن على ومبارك واعوانهم، المطارده والمحاسبه والسجن، والضياع والاغماء والجلطه نتيجة الصدمه والفضيحه .
وهنا فيجب ان تكون الجيوش العربية هى صمام الامان للامه في هذه اللحظة العصيبه، كما حدث في تونس ومصر، بحيث يتولى الجيش ادارة البلاد لفتره انتقالية يتم فيها احداث التغيير المطلوب بشكل جذري وتلبية طموحات الجماهير. فالانظمة الفاسده في منطقتنا العربية ليس لديها ما تخسره بعد انفضاح امرها امام شعوبها، ولكن الشعوب يمكن ان تخسر الكثير اذا لم تفكر بعقلانية وحكمه في ادارة الازمه من اجل الانتصار على اعدائها، فنحن ليس في مباراه للمصارعه الحره او الملاكمه على الطريقه الامريكية، يسعى الطرفين الى تحقيق الفوز بالضربه القاضيه، بل يجب ان نكون كمن يمتلك حديقه جميله اهمل في زراعتها، وتركها للاعشاب الطفيلية الضارة تغزوها وتتغدى على ثمارها الغنية، ولهذا فعليه ان يهتم بحديقته من جديد ويعمل على تقليمها وحرتها وازالة الاعشاب الضارة المتطفله منها ليجنى منها اجمل الثمار واعذبها.
واذا كانت المطالب الشعبية تدور حول مطالب معينه محددة، تثمتل في امتلاك الشعب للسلطه لينشئ من خلالها حكومات ديمقراطية منتخبه تكفل الحرية والمساواه للجميع، فانه لا يختلف اثنان على اهمية العملية الديمقراطية في العصر الحاضر ودورها في خلق مجتمع حر تتكافئ فيه فرص الجميع للحصول على حقوقهم الطبيعية والقانونية، مما يتيح للجميع كافة الامكانيات للابداع والارتقاء. وكما نعلم فقد خاضت الشعوب الغربية هذه التجربه منذ عقود عديده، فوصلت الى ما وصلت اليه من تقدم ورقى في ظل حكومات ديمقراطية منتخبه من الشعب، تخضع في كافة مراحل عملها لمسائلة الشعب ومراقبته في ظل اجواء من الحرية والشفافية. الا ان هذه الشعوب لم تصل الى ما وصلت اليه بين عشية وضحاها بل خاضت هذه الشعوب نضالات كبيره حتى استقرت على وضعها المشرق الذى تعيشه هذه الشعوب الآن. وقد سبق هذا التحول الديمقراطي ورافقه وتلاه تحول فكري وقيمي، مهد له ورعاه واستشرف آفاق المستقبل، بنظريات وآراء وفلسفات متعدده ساهمت في جعل هذا التحول قويا وثابتاً، وله القدرة على مواجهة الصعاب. فقد ارست حركة التنوير الاوربية مبادئ اساسية وقيم عملية بنى عليها صرح الحضارة الجديدة، وكان اعظم هذه القيم والمبادئ، قيمة الحرية الانسانية والمساواة والعدالة، وسيادة الشعب، بعيدا عن سيادة الكهنوت او من يحكم بتكليف الهي او غيره، وحل مكان ذلك عقد جديد بين الحاكم والمحكوم، يقوم على جعل السيادة في ايدى الشعب باعتباره المصدر الوحيد للسلطات.
واذا كنا نعيش في عالمنا العربي لحظات شبيهه لما حدث في اوروبا قبل اربعة قرون من تحول نحو اعادة الشرعية للشعوب، فان ذلك يفرض علينا ان نقوم بمناقشة هذا التحول والاسس التى يقوم عليها، وقيمه الاساسية، ومنطلقاته الفكرية. فلا يكفي استنساخ تجارب الشعوب الاخرى بخصوصياتها التاريخية والحضارية، بل يجب ان نستفيد منها لنخرج بنموذجنا الخاص الذى ينطلق من قيمنا الحضارية الراقية، حتى لا يحدث صدام متوقع بين دعاة التغيير ودعاة الجمود، وحتى يكون التغيير والتحول مثمرا وخلاقا.
فالتحول الى حكم الشعب وسيادة الشعب، لا يتحقق فقط بثورات واحتجاجات هنا وهناك، بل يجب ان يسبقه ويسايره تحول فكري وثقافي يتماهى من القيم الجديده التى يأتى بها التحول الجديد، فتغيير الحكم او النظام لن يحل المشكله القائمه في مجتمعاتنا العربية اذا لم يرافقه تحول في الفكر والثقافه السائده في هذا المجتمع . فالذي يرفع في الشارع ويطالب الحاكم بالديمقراطية والعدل والمساواة والحرية يجب ان يكون على استعداد ايضا في بيئتة الخاصه على فعل نفس الشئ في بيته وعمله وفي كل مجالات حياته، والا اصبح التغيير شكلي لا قيمه له ولا اثر. ان تغيير النظام الفاسد والظالم يعنى ان نبتعد كاشخاص وافراد وجماعات عن نفس الشئ، بالامتناع عن مارسة الظلم والفساد بحق غيرنا.. والحرية والديمقراطية والمساواه ينطبق عليها نفس المقياس، فلا يعقل ان اطالب بحريتى وانتهك حرية الاخرين، او اطالب بحكم ديمقراطي واقمع الرأى الاخر المختلف معى، او ان اطالب بالعداله لى وحدي، وامارس الظلم على غيري، واطالب بالمساواه وواكرس فكر عدم المساواه ضد ابناء وطنى المختلفين عنى بالمذهب او الدين او اللون او الجنس.
فالقيم السامية لا يمكن تجزئتها، وهى عامه تشمل الجميع وتطبق على الجميع، ولا مكان للانتقائية والمزاجية فيها. فالحرية تعنى حريتى وحرية غيري .. وحرية المجتمع باكمله بكافة اطيافه وفئاته، وكرامتى كانسان تبنى وتستمد قيمتها من مدى تقديسى واحترامي لكرامه الانسان كانسان في هذا العالم .. فالقيم العظيمه والنبيله هى قيم مطلقه يجب ان نحترمها لذاتها، بعيدا عن التقسيمات والتفريعات الخاصه بفئه او جماعه او طبقه، والا كان هذا بداية انهيار منظومة القيم والمبادئ السامية، وبداية لانتشار الظلم والقهر والاستبداد، الذى تحاول شعوبنا العربية التخلص منه، والذى بدأ اولى خطواته في تونس ومصر، ولن ينتهى الا بنيل كافة الشعوب العربية حريتها من الاستبداد الجاتم على صدرها بكافة مسمياته الدينة والثورية والطائفية، والقبلية.
ان الثوره على اهميتها واهمية المبادئ التى حملتها تعنى شئ واحد فقط، وهو ان يمارس الجميع في ذواتهم وانفسهم وفي افعالهم واقوالهم الفعل الثوري الكفيل بان يطهرهم من الموبقات التى كانت راسخه في انفسهم قبل الثوره. فاذا كانت الثورة قد خلعت رأس النظام ووضعت اتباعه في طوابير من اجل المحاسبة، فانه يجب على كل شخص منا سواء شارك في صنع الثوره او تابعها ان يبدأ بنفسه يحاسبها ويرتضى ان يجعل من نفسه نموذجا ثوريا خاصا، يضئ للاخرين الطريق، وكلما تكاثرت النفوس الثورية المضيئة، كلما اقترب تحقيقها لاهدافها لتنير الطريق للاخرين ليس فيي منطقتنا بل في العالم اجمع.
ان الثوره تعنى ايضا ان يحدث تغييرا ثوريا في الافكار والمعتقدات والمسلمات، لتطابق الواقع او لترسم الطريق للواقع في سيره نحو المستقبل، مستلهما ماضينا العريق الزاهر ومتأملا واقعنا بكل مرارته، ليحدد الخلل ومكامن التغييرالمطلوب، وهنا يجب الا تكون هناك عصمه لاى فكره او معتقد باستثناء الاصول، واعنى بالاصول الكتاب والسنه الصحيه، وليس غير ذلك. انها عملية مراجعه شامله لكل شئ عسانا نخرج من التيه الذى نعيش فيه، لنبني حاضرنا ومستقبلنا بايدينا، بدون الانغلاق على الذات، او انفتاح يفقدنا ويهدد هويتنا وقيمنا النبيله، التى ساهمت في بناء الحضاره الانسانية منذ فجر التاريخ.
الاثنين، 21 فبراير 2011
ثورة مصر وتداعياتها على القضية الفلسطينية .. سيناريوهات محتمله
ثورة مصر وتداعياتها على القضية الفلسطينية .. سيناريوهات محتمله
يوسف العاصي الطويل
عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
ظل مسار القضية الفلسطينية وسيبقى مرتبطاً سلباً او ايجاباً بالوضع العام في مصر، ليس فقط لان مصر تمثل مركز الثقل في المنطقة، لاسباب حضارية ودينية وجيوسياسية، بل وايضاً بسبب التقارب بين فلسطين ومصر جغرافياً وثقافياً، بحيث اصبحت مقولة ان فلسطين هي البوابة الشرقية للامن القومي المصري مسلمه لا يستطيع انكارها احد، ونفس المقوله تنطبق على الجانب الفلسطينى، وبالتالى فان ايه تغييرات تحدث على جانبي الحدود لابد وان تؤثر بقوه على الجانب الاخر.
من هذا المنطلق اعتقد ان الثورة المصرية سيكون لها اثار كبيره على القضية الفلسطينة ومستقبلها، ولكن هذه الاثار لم تتضح حتى اللحظه بسبب ان اجندة الثورة غير واضحة فيما يتعلق بالسياسية الخارجية، كما ان الثوره لم يكن لها قيادة موحدة لها مطالب محددة تشمل كافة المجالات الداخلية والخارجية، بل اثفق الجميع على حد ادنى من المطالب الاصلاحية الداخلية. ومما زاد من غموض الوضع المصري القادم هو تعدد الجهات التى تريد اختطاف الثوره، فالشباب من ناحية، والاحزاب المعارضة من ناحية اخرى، ومنظمات المجتمع المدنى.. الخ. حيث لاحظنا محاولات من الجميع للبروز واظهار احقيته بالثورة، وان اتفقوا في النهاية على تسميتها بثورة الشباب، بالرغم من اعتقادى ان هذه تسمية ملتبسه وماكره، لانها لم تحدد لنا من هم هؤلاء الشباب وما هي مطالبهم الحقيقية ومن يقف ورائهم، ومن هم قادتهم.
ولتوضيح هذا الامر لاحظنا كيف تم تسمية بعض الشباب بانهم رموز للثوره ودفعهم بقوه سواء من خلال تسريبات اعلامية او مقابلات تزعم انهم يقفون وراء تنظيم هذه الثوره امثال وائل غنيم، وغيرهم من شباب الفيس بوك. واذا كنا لا ننكر دور هؤلاء الشباب في الثوره الا اننا لا يجب ان ننسى ان غالبية الشعب المصرى الذى خرج بالملايين ليعبر عن رفضه للنظام، لا يعرف كثير منه القراءه والكتابه حيث تشير الاحصاءات الى ان نسبة الامية في مصر تصل الى30% ، كما ان استخدام الانترنت في مصر لا يتعدى اكثر من 15% من اجمالى السكان، وبالتالى فان مستخدمى الفيس بوك الذى هو حكر على ابناء الطبقة الغنية، الذين يمتلكون كمبيوترات محموله وغيره لا يمكن ان تمثل الا نسبه قليله من ابناء الشعب المصري. وهنا يظهر التضليل الاعلامى وكأن هناك محاوله لاستغلال عدم الرضى العام على الاوضاع في الشارع المصري، لتجنى ثمارها طبقه مجهوله ليس لها اهداف او قياده واضحه، وتثار حولها بعض الشكوك، في نفس الوقت الذى يتم فيه تغييب رموز معارضه لم يثنها بطش النظام على مدى عقود من الثباث في موقفها ومعارضتها للنظام والعمل على فضحه بكل الوسائل.
هذا الوضع الغامض لمستقبل الثورة المصرية، وماهية القوه التى ستمتلك السلطه يضع علامات استفهام كبيره، ربما وجدت تعبيرات لها بحالات تفائل ساذجه من البعض، او بحالات حذر متعقله من البعض الاخر. وبعيداً عن التفائل الساذج او الحذر ونظرية المؤامره، لابد وان نحاول استشراف السيناريوهات المستقبلية لموقف الحكومه المصرية القادمه من القضية الفلسطينية بناء على فرضيات مختلفه تتنبأ بمن ستؤول له السلطه في مصر.
وحتى لا نذهب بعيدا فاننى كنت من البداية رافضا لتسمية هذه الثورة بثورة الشباب، فهى ثورة للشعب المصري باكمله وبكافة شرائحه، ولا يمكن حصرها او ادعاء ملكيتها لبعض الشباب الذين دعوا اليها، والا فاننا نتغاضى ونغفل تضحيات قوى المعارضة وكثير من الكتاب والمفكرين والوطنيين المصريين على مدى عقود طويله، حيث اعلنوا وفي مناسبات عديده عن رفضهم لممارسات النظام المختلفة ودفعوا ثمنا غاليا لذلك سواء بالسجن او التضييق في العمل والحركه .. الخ. كما ان نسبتها للشباب فيه ظلم وتهميش للغالبية الساحقة من الشعب المصري، والتى كانت صامته فيما مضى، ولكن الثوره حركتها، فكانوا وقودها وحماتها ولولاهم لما وجدنا هذه المظاهرات المليونية في كل مكان. اذن لا يجب اعطاء الفرصه لاحد بالادعاء بملكية الثوره، وبالذات الشباب منهم الذين بدأ يصدر منهم تصريحات وتوجهات تبدو وكأن اطراف خارجية تقف ورائهم، ففى تصريحاتهم تبدو محاولات تهميش للاطراف الاخرى الفاعله على الساحة المصرية، فظهرت دعوات لتشكيل حزب للشباب فقط، ومطالبه بان لا يزيد عمر رئيس الجمهورية عن 50 عاما، بل ان بعضهم تجاوز في تصريحاته وكشف عن توجهاته المستقبلية، فهذا طارق غنيم الذى اريد له ان يكون مفجر الثوره وقائدها يجرى مقابله مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية 18/2/2011، أجرته معه سمدار بيري، حيث قالت بيري إنها اجرت الحوار مع غنيم عبر الهاتف، وبخصوص موقفه من دولة الاحتلال، قال غنيم للصحافية: «أتريدين أن أقول لك ما رأيي في (إسرائيل) وما رأيي في السلام وفي العلاقات معكم (إسرائيل)، أتفهمك، حقك السؤال، لكن لا أريد التصريح في هذا الموضوع، فقد قلت لك، لست سياسياً وأنا لست الشخص الذي يتخذ القرارات في المواضيع الخارجية لمصر». وأضاف: «أنا غارق بكاملي في الشؤون المصرية الداخلية، وما يهمني هو كيفية توفير الكرامة للمواطن البسيط». وأوضح أن لديه موقفا تجاه الدولة العبرية، لكن دون الكشف عنه، وليس من مهمته كشفه تفادياً للخطأ، حسب تعبيره، ولن يكشف عن موقفه في الوقت الراهن.
وفي الوقت الذي قبل فيه مفجر الثوره اجراء هذه المقابله مع صحيفه اسرائيلية، كان يرفض في البداية اجراء ايه مقابله مع وسائل اعلام عربية، وقد إستغرب الكثيرون بشكل كبير ما كتبه وائل غنيم على حائط صفحة "كلنا خالد سعيد" بعد إطلاق سراحه من قبل أمن الدولة في مصر متنكراً لوسائل الإعلام العربية التي وقفت معه في أزمته وساندت الثورة المصرية منذ أول يوم، حيث كتب بالحرف: يا ريت وسائل الإعلام اللي مش مصرية تريح نفسها خالص .. أنا مش باتكلم إلا مع وسائل الإعلام المصرية بس". ولو راجعنا توجهات قادة ما تسمى ثورة الشباب فاننا سنجد ان اغلبهم ذوى توجهات امريكية، وغالبيتهم انهوا دراستهم في الجامعه الامريكية او في امريكيا، وحتى من قاموا بتشكيل ائتلاف ثورة شباب مصر معضمهم اعضاء في الجمعية الوطنية من أجل التغيير التى يتزعمها البرادعي، الذى يتشكك الكثيرون في نواياه الحقيقية ومن يقف خلفه ومن يمول مؤتمراته ونشاطه في مصر وخارجها.
على العموم ليس هدفي التشيك في صدق نوايا احد وكل املي ان تلبى هذه الثوره آمال الشعب المصري وطموحاته في العزة والكرامه، لا ان يتم اخطتاف هذه الثوره باسم مجموعه هنا او هناك تشكلت في جنح الليل، وسلطت عليها اضواء الاعلام لهدف في نفس يعقوب، لصناعه نجم او بطل مزيف والدفع به الى واجهة الاحداث، والرويات والقصص التى تتناثر على صفحات الجرائد والمواقع الالكترونية تكشف عن حجم البلبله واللغط والغموض الذى يسود الساحه المصرية الآن، في ظل تغييب متعمد للقيادات الحزبية والفكرية المصرية الوطنية، او تخويف منها والقول بانها عجزت عن احداث التغيير المطلوب طوال عقود، ولذلك يجب ترك الساحه للشباب، الذين وجدنا الاداره الامريكية تتعاطف معهم منذ اللحظة الاولى وتضغط على مبارك لتلبية مطالبهم، في حين انها ظلت لعقود تقف موقف المتفرج من بطش النظام وقهره للمطالب الشعبية المصرية والاحزاب المعارضه، ولكنها حولت موقفها بالكامل لصالح البرادعي وحملته، وثواره الذين يتم تصنيعهم بليل ليحكموا مصر، بعقليه جديده ستكون اسوأ في تداعياتها على المنطقة العربية والقضية الفلسطينية من فترة مبارك.
من هنا فاننى اعتقد اننا امام سيناريوهات متعددة لتداعيات الثورة المصرية على المشهد المصري الداخلى وعلى المنطقة العربية وبالذات على القضية الفلسطينية، وبالذات اذا تم ربط هذه الثورة بما يحدث في العالم العربي من مغربه الى مشرقه من توثرات واحداث ومطالب للتغيير ربما تبعث الامل العربي من جديد، ولكنها في نفس الوقت تثير القلق والرعب من مرحلة تسودها الفوضى والقلاقل، ربما تقود او لا تقود للوصول الى الهدف المطلوب، وربما تكون نوع من الفوضى الخلاقه التى تقدمها واشنطن بشكل جديد، ستؤدى الى حدوث تحولات كبيره وتغييرات في المنطقة ستخلق الاوراق في المنطقة، ويمكن استغلالها من قبل اسرائيل وامريكيا لتنفيذ مخططات على الارض سواء ضد فلسطين ولبنان او ضد ايران.
التداعيات على القضية الفلسطينية
في ظل التغيرات المتسارعه على الساحه العربية باتت مهمة وضع رؤيا واضحة وخطوط عريضة لما هو ات في مقبل الايام عملية صعبه ومعقده، وبالذات عند محاولة توقع ما ستؤول اليه هذه الاحداث وبالذات في مصر والاثار المترتبة عليها على المعادلة السياسية في الشرق الأوسط وعلى القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، حيث ستلعب مجموعة محددات دوراً بارزاً في تأثير تغيير النظام المصري الحاكم على القضية الفلسطينية والأوضاع في الأراضي المحتلة، وتتعلق هذه المحددات بتركيبة النظام الجديد وسياسته الخارجية تجاه القضية الفلسطينية، والموقف الإسرائيلي والدولي، ومنها ما يتعلق بالجانب الفلسطينى وكيفية قدرته على فهم التحولات القادمه.
فمنما لا شك فيه ان مصر قبل 25 (يناير) تختلف عن مصر الخارجه من رحم الثوره، وأيا كان الاختلاف فان ذلك سينعكس على القضية الفلسطينية وكل القضايا المتعلقة بها خلال الفترة القادمة، حيث من المتوقع ان تعمل التغيرات المتسارعة في مصر على تغييب الملف الفلسطيني ولو شكلياً، وسيصاب بالجمود، وليس مستبعداً طي ملف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية والمصالحة الفلسطينية، وكثير من القضايا الاخرى، حيث ستتراجع أهميتها في الأجندة المصرية لصالح ترميم ما تهتك من وضعية مجتمعية داخلية وإصلاح بنية النظام وسيكون الهم الداخلي هو الهم الاوحد الجدير بالاهتمام.
فالقيادة المصرية الجديدة ستكون في المرحلة القريبة القادمه ذات توجهات إصلاحية داخلية، لان هناك احتمال كبير لان تتعرض مصر لبعض القلاقل، حيث سيسود التنافس بين القوى السياسية، وسيضغط الشعب لتحقيق مطالب كثيره متراكمه، ربما لا تستطيع ايه قياده مصرية تلبيتها، لارتباطها بالتزامات دولية، او لعدم توفر الامكانيات، وهنا من الممكن ان تحاول ايد خارجية ان تفسد عملية التحول الديمقراطي.وسيحتاج الامر قليل من الوقت لكي يستقر النظام الجديد. وخلال هذه الفترة لن يستطع احد فتح الملفات الكبرى كاتفاقية كامب ديفيد والالتزام بالسلام مع إسرائيل. ومن المرجح ان ايه شخصية مصرية ستتولى الرئاسة او الحكومه ستكون حريصه على الحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد وعلى علاقة مصر مع واشنطن والغرب، لان الجيش المصري لن يقبل بعكس ذلك، نتيجه للاختلال الرهيب في توازن القوى لصالح اسرائيل، حيث تم اضعاف قدرات الجيش المصري خلال اربعة عقود متتالية، ويحتاج لفتره ليست بالقليله لاعادة هذا التوازن.
ونتيجه لعدم وضوح الرؤية المستقبلية في مصر سيدخل الجانب الفلسطيني المتخم بجراح الانقسام، والحصار، وفشل المفاوضات، والضغوط الخارجية والداخلية ليتعامل مع هذا الواقع الجديد، مفسرا ما يحدث وكأنه جاء ليصب في صالح هذا الفصيل او ذاك، حيث سيرى البعض ان ثورة مصر ستعزز دور فصائل المقاومة الفلسطينية وان الوحدة ستتحقق نتيجة لتراجع مكانة السلطة الفلسطينية لدى مصر، بينما سيرى آخرون أن مصر الجديدة ستتخذ نفس البعد عن حماس وفتح مما يفتح الباب لاستعادة الوحدة الوطنية. وسيذهب آخرون لابعد من ذلك، بالقول أن أي تغيير في النظام لجهة دور ما لجماعة الأخوان المسلمين سيصب في صالح حماس وسيخفف الضغوط عليها في ملف المصالحة، وفتح معبر رفح، والضغوط الاسرائيلية.
وعلى الجانب الاسرائيلى فمن الممكن ان تجد اسرائيل نفسها في وضع مثالي لتنفيذ ما تريد، وستعمل على اعادة خلط الأوراق من جديد، في ظل عدم الاستقرار الذى سيصيب المنطقة، بسبب عدم تبلور البديل القوى الذى ستفرزه عمليات التغيير، الأمر الذي سيدفع إسرائيل لاستغلال الفرصة لفرض واقع جديد على الارض (استيطان، تهويد القدس، القاء غزه لمصر، والضفه للاردن، ترحيل عرب 48 الى اراضى السلطه ضرب ايران بالتعاون مع امريكا، شن حرب على لبنان.. الخ)، ويمكن مقارنة هذا السيناريو بما حدث للقضية الفلسطينية بعد الفوضى التى احدثها الصراع على السلطة بين حماس وفتح.
اما على المستوى الدولى فلن يتغير الموقف الامريكي تجاه المنطقة، وستعمل كل ما بوسعها لفرض رؤيتها السلمية المطابقه للرؤية الاسرائيلية، مستغله حالة عدم الاستقرار في مصر والمنطقه وانشغال هذه الدول بترتيب البيت الداخلى المهدد بخليط عجيب من عوامل عدم الاستقرار، من فقر وبطاله وفساد وخلافات دينية وطائفية وقبلية ..الخ. وستكون هذه اللحظة هى افضل الاوقات لفرض اجندات وحلول خلاقه من وجه النظر الامريكية على المنطقة، وليس مستبعدا ان يستغل تيار المحافظون الجدد والجماعات البروتستانتية في الغرب هذا الوضع، ويرون فيه علامه لقرب قيام الحرب بين قوى الخير والشر (هرمجيدون)، تمهيدا لعودة المسيح الى الارض، بل من الممكن ان تدفعهم حاله الفوضى التى يمكن ان تسود المنطقة الى التعجيل بحدوث هذه المواجهه، في ظل فقدان رهيب لتوازن القوى بين طرفي الصراع من كافة النواحي. وهنا لن يكون دور الدول الكبرى الاخرى فاعلا، لسبب بسيط هو رغبة هذه الدول في توريط امريكيا في صراعات متعدده لاضعافها في النهاية.
ومن هنا فاننى اطالب القيادات الفلسطينية، في رام الله وغزة ان تقرأ الحدث على انه مفتوح لكافة السيناريوهات وليس انتصارا لطرف على الآخر فكل الاحتمالات واردة سواء عدم حدوث تغير كبير في السياسة الخارجية المصرية، او حدوث تغيرات كبيرة في المؤسسة الحاكمة في مصر أو حالة فوضى وعدم استقرار، حيث سينعكس كل ذلك على القضية الفلسطينية ومسقبل السلطة والمصالحه والعملية السلمية، مما سيفتح الباب على مصراعية لسيناريوهات عديده قديمه اخطرها حسب رأيي هو تنفيذ مخطط اعادة الاوضاع لما كانت عليه قبل 1976، اى الخيار الاردنى المصري، بضم غزة لمصر والضفه للاردن، وارهاصات هذا الحل بدأت تظهر حتى قبل احداث مصر، حيث طالبت دراسه امريكية باقامة الدولة الفلسطينية في الضفه فقط، في نفس الوقت الذى قرر فيه نتنياهو قطع علاقة إسرائيل مع قطاع غزة فيما يتعلق بالبنية التحتية – ماء وكهرباء. فاذا ربطنا ذلك بالقلاقل التى بدأت في الاردن، وضعف سلطه رام الله، وتهديد امريكا بقطع الدعم المالى عنها، ووجود توجهات قديمه لحل السلطه، فانه من السهوله تنفيذ هذا المخطط بسهوله في الضفة الغربية. اما بالنسبه لمصر فبغض النظر عمن سيحكمها، فانه لن يجد امامه بداً، على الاقل لارضاء الشارع المصري- من فتح معبر رفح لتعويض تخلى اسرائيل عن غزة، وهو ما سيصلب من موقف حماس التى تعتقد ان ما حدث في مصر جاء لصالحها، وبالتالى لن تحصل المصالحه، وسيتعزز الانقسام، وستجد حماس بعد فتره انها عاجزه عن حكم غزة بسبب انقطاع الدعم المادي عنها الذي يصلها من معونات دولية عبر رام الله، فتحدث حاله من الفوضى في القطاع يتم حلها اما بقوات دولية او باخضاع غزة للحكم المصري، او باعادة اسرائيل احتلال محور فيلادلفيا.
اضافه الى هذا السيناريو المتشائم، فان هناك سيناريوهات متفائله ترى بامكانية حدوث تغيير حقيقي في المنطقة، ينعكس بالايجاب على القضية الفلسطينية، يعيد للشعوب حقوقها ويستنهض قوى الامه وتوحدها تجاه الاخطار التى تتهددها وتضع الامه العربية من جديد في مكانها الصحيح بين الامم، ولكن هذه السيناريوهات وامكانية تحققها يعتمد في النهاية على طبيعة الاداء العربي والفلسطينى بمجمله شعوبا ونخبا سياسية، وقدرتها على فهم خطورة المرحلة وحساسيتها وامكانياتها المفتوحه على كل السيناريوها، ودور القوى الخارجية والداخلية واسرائيل بالذات في التأثير على الاحداث وحرفها عن مسارها الصحيح، لتحويل هذه الثورات والمطالب العادلة للشعوب العربية، الى حالات من الفوضى الخلاقة التى تريدها امريكا، بدلا من ديمقراطية خلاقة تكافح شعوبنا لتحقيقها.
يوسف العاصي الطويل
عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
ظل مسار القضية الفلسطينية وسيبقى مرتبطاً سلباً او ايجاباً بالوضع العام في مصر، ليس فقط لان مصر تمثل مركز الثقل في المنطقة، لاسباب حضارية ودينية وجيوسياسية، بل وايضاً بسبب التقارب بين فلسطين ومصر جغرافياً وثقافياً، بحيث اصبحت مقولة ان فلسطين هي البوابة الشرقية للامن القومي المصري مسلمه لا يستطيع انكارها احد، ونفس المقوله تنطبق على الجانب الفلسطينى، وبالتالى فان ايه تغييرات تحدث على جانبي الحدود لابد وان تؤثر بقوه على الجانب الاخر.
من هذا المنطلق اعتقد ان الثورة المصرية سيكون لها اثار كبيره على القضية الفلسطينة ومستقبلها، ولكن هذه الاثار لم تتضح حتى اللحظه بسبب ان اجندة الثورة غير واضحة فيما يتعلق بالسياسية الخارجية، كما ان الثوره لم يكن لها قيادة موحدة لها مطالب محددة تشمل كافة المجالات الداخلية والخارجية، بل اثفق الجميع على حد ادنى من المطالب الاصلاحية الداخلية. ومما زاد من غموض الوضع المصري القادم هو تعدد الجهات التى تريد اختطاف الثوره، فالشباب من ناحية، والاحزاب المعارضة من ناحية اخرى، ومنظمات المجتمع المدنى.. الخ. حيث لاحظنا محاولات من الجميع للبروز واظهار احقيته بالثورة، وان اتفقوا في النهاية على تسميتها بثورة الشباب، بالرغم من اعتقادى ان هذه تسمية ملتبسه وماكره، لانها لم تحدد لنا من هم هؤلاء الشباب وما هي مطالبهم الحقيقية ومن يقف ورائهم، ومن هم قادتهم.
ولتوضيح هذا الامر لاحظنا كيف تم تسمية بعض الشباب بانهم رموز للثوره ودفعهم بقوه سواء من خلال تسريبات اعلامية او مقابلات تزعم انهم يقفون وراء تنظيم هذه الثوره امثال وائل غنيم، وغيرهم من شباب الفيس بوك. واذا كنا لا ننكر دور هؤلاء الشباب في الثوره الا اننا لا يجب ان ننسى ان غالبية الشعب المصرى الذى خرج بالملايين ليعبر عن رفضه للنظام، لا يعرف كثير منه القراءه والكتابه حيث تشير الاحصاءات الى ان نسبة الامية في مصر تصل الى30% ، كما ان استخدام الانترنت في مصر لا يتعدى اكثر من 15% من اجمالى السكان، وبالتالى فان مستخدمى الفيس بوك الذى هو حكر على ابناء الطبقة الغنية، الذين يمتلكون كمبيوترات محموله وغيره لا يمكن ان تمثل الا نسبه قليله من ابناء الشعب المصري. وهنا يظهر التضليل الاعلامى وكأن هناك محاوله لاستغلال عدم الرضى العام على الاوضاع في الشارع المصري، لتجنى ثمارها طبقه مجهوله ليس لها اهداف او قياده واضحه، وتثار حولها بعض الشكوك، في نفس الوقت الذى يتم فيه تغييب رموز معارضه لم يثنها بطش النظام على مدى عقود من الثباث في موقفها ومعارضتها للنظام والعمل على فضحه بكل الوسائل.
هذا الوضع الغامض لمستقبل الثورة المصرية، وماهية القوه التى ستمتلك السلطه يضع علامات استفهام كبيره، ربما وجدت تعبيرات لها بحالات تفائل ساذجه من البعض، او بحالات حذر متعقله من البعض الاخر. وبعيداً عن التفائل الساذج او الحذر ونظرية المؤامره، لابد وان نحاول استشراف السيناريوهات المستقبلية لموقف الحكومه المصرية القادمه من القضية الفلسطينية بناء على فرضيات مختلفه تتنبأ بمن ستؤول له السلطه في مصر.
وحتى لا نذهب بعيدا فاننى كنت من البداية رافضا لتسمية هذه الثورة بثورة الشباب، فهى ثورة للشعب المصري باكمله وبكافة شرائحه، ولا يمكن حصرها او ادعاء ملكيتها لبعض الشباب الذين دعوا اليها، والا فاننا نتغاضى ونغفل تضحيات قوى المعارضة وكثير من الكتاب والمفكرين والوطنيين المصريين على مدى عقود طويله، حيث اعلنوا وفي مناسبات عديده عن رفضهم لممارسات النظام المختلفة ودفعوا ثمنا غاليا لذلك سواء بالسجن او التضييق في العمل والحركه .. الخ. كما ان نسبتها للشباب فيه ظلم وتهميش للغالبية الساحقة من الشعب المصري، والتى كانت صامته فيما مضى، ولكن الثوره حركتها، فكانوا وقودها وحماتها ولولاهم لما وجدنا هذه المظاهرات المليونية في كل مكان. اذن لا يجب اعطاء الفرصه لاحد بالادعاء بملكية الثوره، وبالذات الشباب منهم الذين بدأ يصدر منهم تصريحات وتوجهات تبدو وكأن اطراف خارجية تقف ورائهم، ففى تصريحاتهم تبدو محاولات تهميش للاطراف الاخرى الفاعله على الساحة المصرية، فظهرت دعوات لتشكيل حزب للشباب فقط، ومطالبه بان لا يزيد عمر رئيس الجمهورية عن 50 عاما، بل ان بعضهم تجاوز في تصريحاته وكشف عن توجهاته المستقبلية، فهذا طارق غنيم الذى اريد له ان يكون مفجر الثوره وقائدها يجرى مقابله مع صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية 18/2/2011، أجرته معه سمدار بيري، حيث قالت بيري إنها اجرت الحوار مع غنيم عبر الهاتف، وبخصوص موقفه من دولة الاحتلال، قال غنيم للصحافية: «أتريدين أن أقول لك ما رأيي في (إسرائيل) وما رأيي في السلام وفي العلاقات معكم (إسرائيل)، أتفهمك، حقك السؤال، لكن لا أريد التصريح في هذا الموضوع، فقد قلت لك، لست سياسياً وأنا لست الشخص الذي يتخذ القرارات في المواضيع الخارجية لمصر». وأضاف: «أنا غارق بكاملي في الشؤون المصرية الداخلية، وما يهمني هو كيفية توفير الكرامة للمواطن البسيط». وأوضح أن لديه موقفا تجاه الدولة العبرية، لكن دون الكشف عنه، وليس من مهمته كشفه تفادياً للخطأ، حسب تعبيره، ولن يكشف عن موقفه في الوقت الراهن.
وفي الوقت الذي قبل فيه مفجر الثوره اجراء هذه المقابله مع صحيفه اسرائيلية، كان يرفض في البداية اجراء ايه مقابله مع وسائل اعلام عربية، وقد إستغرب الكثيرون بشكل كبير ما كتبه وائل غنيم على حائط صفحة "كلنا خالد سعيد" بعد إطلاق سراحه من قبل أمن الدولة في مصر متنكراً لوسائل الإعلام العربية التي وقفت معه في أزمته وساندت الثورة المصرية منذ أول يوم، حيث كتب بالحرف: يا ريت وسائل الإعلام اللي مش مصرية تريح نفسها خالص .. أنا مش باتكلم إلا مع وسائل الإعلام المصرية بس". ولو راجعنا توجهات قادة ما تسمى ثورة الشباب فاننا سنجد ان اغلبهم ذوى توجهات امريكية، وغالبيتهم انهوا دراستهم في الجامعه الامريكية او في امريكيا، وحتى من قاموا بتشكيل ائتلاف ثورة شباب مصر معضمهم اعضاء في الجمعية الوطنية من أجل التغيير التى يتزعمها البرادعي، الذى يتشكك الكثيرون في نواياه الحقيقية ومن يقف خلفه ومن يمول مؤتمراته ونشاطه في مصر وخارجها.
على العموم ليس هدفي التشيك في صدق نوايا احد وكل املي ان تلبى هذه الثوره آمال الشعب المصري وطموحاته في العزة والكرامه، لا ان يتم اخطتاف هذه الثوره باسم مجموعه هنا او هناك تشكلت في جنح الليل، وسلطت عليها اضواء الاعلام لهدف في نفس يعقوب، لصناعه نجم او بطل مزيف والدفع به الى واجهة الاحداث، والرويات والقصص التى تتناثر على صفحات الجرائد والمواقع الالكترونية تكشف عن حجم البلبله واللغط والغموض الذى يسود الساحه المصرية الآن، في ظل تغييب متعمد للقيادات الحزبية والفكرية المصرية الوطنية، او تخويف منها والقول بانها عجزت عن احداث التغيير المطلوب طوال عقود، ولذلك يجب ترك الساحه للشباب، الذين وجدنا الاداره الامريكية تتعاطف معهم منذ اللحظة الاولى وتضغط على مبارك لتلبية مطالبهم، في حين انها ظلت لعقود تقف موقف المتفرج من بطش النظام وقهره للمطالب الشعبية المصرية والاحزاب المعارضه، ولكنها حولت موقفها بالكامل لصالح البرادعي وحملته، وثواره الذين يتم تصنيعهم بليل ليحكموا مصر، بعقليه جديده ستكون اسوأ في تداعياتها على المنطقة العربية والقضية الفلسطينية من فترة مبارك.
من هنا فاننى اعتقد اننا امام سيناريوهات متعددة لتداعيات الثورة المصرية على المشهد المصري الداخلى وعلى المنطقة العربية وبالذات على القضية الفلسطينية، وبالذات اذا تم ربط هذه الثورة بما يحدث في العالم العربي من مغربه الى مشرقه من توثرات واحداث ومطالب للتغيير ربما تبعث الامل العربي من جديد، ولكنها في نفس الوقت تثير القلق والرعب من مرحلة تسودها الفوضى والقلاقل، ربما تقود او لا تقود للوصول الى الهدف المطلوب، وربما تكون نوع من الفوضى الخلاقه التى تقدمها واشنطن بشكل جديد، ستؤدى الى حدوث تحولات كبيره وتغييرات في المنطقة ستخلق الاوراق في المنطقة، ويمكن استغلالها من قبل اسرائيل وامريكيا لتنفيذ مخططات على الارض سواء ضد فلسطين ولبنان او ضد ايران.
التداعيات على القضية الفلسطينية
في ظل التغيرات المتسارعه على الساحه العربية باتت مهمة وضع رؤيا واضحة وخطوط عريضة لما هو ات في مقبل الايام عملية صعبه ومعقده، وبالذات عند محاولة توقع ما ستؤول اليه هذه الاحداث وبالذات في مصر والاثار المترتبة عليها على المعادلة السياسية في الشرق الأوسط وعلى القضية الفلسطينية على وجه الخصوص، حيث ستلعب مجموعة محددات دوراً بارزاً في تأثير تغيير النظام المصري الحاكم على القضية الفلسطينية والأوضاع في الأراضي المحتلة، وتتعلق هذه المحددات بتركيبة النظام الجديد وسياسته الخارجية تجاه القضية الفلسطينية، والموقف الإسرائيلي والدولي، ومنها ما يتعلق بالجانب الفلسطينى وكيفية قدرته على فهم التحولات القادمه.
فمنما لا شك فيه ان مصر قبل 25 (يناير) تختلف عن مصر الخارجه من رحم الثوره، وأيا كان الاختلاف فان ذلك سينعكس على القضية الفلسطينية وكل القضايا المتعلقة بها خلال الفترة القادمة، حيث من المتوقع ان تعمل التغيرات المتسارعة في مصر على تغييب الملف الفلسطيني ولو شكلياً، وسيصاب بالجمود، وليس مستبعداً طي ملف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية والمصالحة الفلسطينية، وكثير من القضايا الاخرى، حيث ستتراجع أهميتها في الأجندة المصرية لصالح ترميم ما تهتك من وضعية مجتمعية داخلية وإصلاح بنية النظام وسيكون الهم الداخلي هو الهم الاوحد الجدير بالاهتمام.
فالقيادة المصرية الجديدة ستكون في المرحلة القريبة القادمه ذات توجهات إصلاحية داخلية، لان هناك احتمال كبير لان تتعرض مصر لبعض القلاقل، حيث سيسود التنافس بين القوى السياسية، وسيضغط الشعب لتحقيق مطالب كثيره متراكمه، ربما لا تستطيع ايه قياده مصرية تلبيتها، لارتباطها بالتزامات دولية، او لعدم توفر الامكانيات، وهنا من الممكن ان تحاول ايد خارجية ان تفسد عملية التحول الديمقراطي.وسيحتاج الامر قليل من الوقت لكي يستقر النظام الجديد. وخلال هذه الفترة لن يستطع احد فتح الملفات الكبرى كاتفاقية كامب ديفيد والالتزام بالسلام مع إسرائيل. ومن المرجح ان ايه شخصية مصرية ستتولى الرئاسة او الحكومه ستكون حريصه على الحفاظ على اتفاقية كامب ديفيد وعلى علاقة مصر مع واشنطن والغرب، لان الجيش المصري لن يقبل بعكس ذلك، نتيجه للاختلال الرهيب في توازن القوى لصالح اسرائيل، حيث تم اضعاف قدرات الجيش المصري خلال اربعة عقود متتالية، ويحتاج لفتره ليست بالقليله لاعادة هذا التوازن.
ونتيجه لعدم وضوح الرؤية المستقبلية في مصر سيدخل الجانب الفلسطيني المتخم بجراح الانقسام، والحصار، وفشل المفاوضات، والضغوط الخارجية والداخلية ليتعامل مع هذا الواقع الجديد، مفسرا ما يحدث وكأنه جاء ليصب في صالح هذا الفصيل او ذاك، حيث سيرى البعض ان ثورة مصر ستعزز دور فصائل المقاومة الفلسطينية وان الوحدة ستتحقق نتيجة لتراجع مكانة السلطة الفلسطينية لدى مصر، بينما سيرى آخرون أن مصر الجديدة ستتخذ نفس البعد عن حماس وفتح مما يفتح الباب لاستعادة الوحدة الوطنية. وسيذهب آخرون لابعد من ذلك، بالقول أن أي تغيير في النظام لجهة دور ما لجماعة الأخوان المسلمين سيصب في صالح حماس وسيخفف الضغوط عليها في ملف المصالحة، وفتح معبر رفح، والضغوط الاسرائيلية.
وعلى الجانب الاسرائيلى فمن الممكن ان تجد اسرائيل نفسها في وضع مثالي لتنفيذ ما تريد، وستعمل على اعادة خلط الأوراق من جديد، في ظل عدم الاستقرار الذى سيصيب المنطقة، بسبب عدم تبلور البديل القوى الذى ستفرزه عمليات التغيير، الأمر الذي سيدفع إسرائيل لاستغلال الفرصة لفرض واقع جديد على الارض (استيطان، تهويد القدس، القاء غزه لمصر، والضفه للاردن، ترحيل عرب 48 الى اراضى السلطه ضرب ايران بالتعاون مع امريكا، شن حرب على لبنان.. الخ)، ويمكن مقارنة هذا السيناريو بما حدث للقضية الفلسطينية بعد الفوضى التى احدثها الصراع على السلطة بين حماس وفتح.
اما على المستوى الدولى فلن يتغير الموقف الامريكي تجاه المنطقة، وستعمل كل ما بوسعها لفرض رؤيتها السلمية المطابقه للرؤية الاسرائيلية، مستغله حالة عدم الاستقرار في مصر والمنطقه وانشغال هذه الدول بترتيب البيت الداخلى المهدد بخليط عجيب من عوامل عدم الاستقرار، من فقر وبطاله وفساد وخلافات دينية وطائفية وقبلية ..الخ. وستكون هذه اللحظة هى افضل الاوقات لفرض اجندات وحلول خلاقه من وجه النظر الامريكية على المنطقة، وليس مستبعدا ان يستغل تيار المحافظون الجدد والجماعات البروتستانتية في الغرب هذا الوضع، ويرون فيه علامه لقرب قيام الحرب بين قوى الخير والشر (هرمجيدون)، تمهيدا لعودة المسيح الى الارض، بل من الممكن ان تدفعهم حاله الفوضى التى يمكن ان تسود المنطقة الى التعجيل بحدوث هذه المواجهه، في ظل فقدان رهيب لتوازن القوى بين طرفي الصراع من كافة النواحي. وهنا لن يكون دور الدول الكبرى الاخرى فاعلا، لسبب بسيط هو رغبة هذه الدول في توريط امريكيا في صراعات متعدده لاضعافها في النهاية.
ومن هنا فاننى اطالب القيادات الفلسطينية، في رام الله وغزة ان تقرأ الحدث على انه مفتوح لكافة السيناريوهات وليس انتصارا لطرف على الآخر فكل الاحتمالات واردة سواء عدم حدوث تغير كبير في السياسة الخارجية المصرية، او حدوث تغيرات كبيرة في المؤسسة الحاكمة في مصر أو حالة فوضى وعدم استقرار، حيث سينعكس كل ذلك على القضية الفلسطينية ومسقبل السلطة والمصالحه والعملية السلمية، مما سيفتح الباب على مصراعية لسيناريوهات عديده قديمه اخطرها حسب رأيي هو تنفيذ مخطط اعادة الاوضاع لما كانت عليه قبل 1976، اى الخيار الاردنى المصري، بضم غزة لمصر والضفه للاردن، وارهاصات هذا الحل بدأت تظهر حتى قبل احداث مصر، حيث طالبت دراسه امريكية باقامة الدولة الفلسطينية في الضفه فقط، في نفس الوقت الذى قرر فيه نتنياهو قطع علاقة إسرائيل مع قطاع غزة فيما يتعلق بالبنية التحتية – ماء وكهرباء. فاذا ربطنا ذلك بالقلاقل التى بدأت في الاردن، وضعف سلطه رام الله، وتهديد امريكا بقطع الدعم المالى عنها، ووجود توجهات قديمه لحل السلطه، فانه من السهوله تنفيذ هذا المخطط بسهوله في الضفة الغربية. اما بالنسبه لمصر فبغض النظر عمن سيحكمها، فانه لن يجد امامه بداً، على الاقل لارضاء الشارع المصري- من فتح معبر رفح لتعويض تخلى اسرائيل عن غزة، وهو ما سيصلب من موقف حماس التى تعتقد ان ما حدث في مصر جاء لصالحها، وبالتالى لن تحصل المصالحه، وسيتعزز الانقسام، وستجد حماس بعد فتره انها عاجزه عن حكم غزة بسبب انقطاع الدعم المادي عنها الذي يصلها من معونات دولية عبر رام الله، فتحدث حاله من الفوضى في القطاع يتم حلها اما بقوات دولية او باخضاع غزة للحكم المصري، او باعادة اسرائيل احتلال محور فيلادلفيا.
اضافه الى هذا السيناريو المتشائم، فان هناك سيناريوهات متفائله ترى بامكانية حدوث تغيير حقيقي في المنطقة، ينعكس بالايجاب على القضية الفلسطينية، يعيد للشعوب حقوقها ويستنهض قوى الامه وتوحدها تجاه الاخطار التى تتهددها وتضع الامه العربية من جديد في مكانها الصحيح بين الامم، ولكن هذه السيناريوهات وامكانية تحققها يعتمد في النهاية على طبيعة الاداء العربي والفلسطينى بمجمله شعوبا ونخبا سياسية، وقدرتها على فهم خطورة المرحلة وحساسيتها وامكانياتها المفتوحه على كل السيناريوها، ودور القوى الخارجية والداخلية واسرائيل بالذات في التأثير على الاحداث وحرفها عن مسارها الصحيح، لتحويل هذه الثورات والمطالب العادلة للشعوب العربية، الى حالات من الفوضى الخلاقة التى تريدها امريكا، بدلا من ديمقراطية خلاقة تكافح شعوبنا لتحقيقها.
الأحد، 13 فبراير 2011
ثورة مصر .. التحديات ... والآمال الفلسطينية
ثورة مصر .. التحديات ... والآمال الفلسطينية
يوسف العاصي الطويل
عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
اخيرا نجحت الثورة المصرية الشعبية في تحقيق ابرز اهدافها وهو تنحي الرئيس مبارك عن الحكم وتولي المجلس الاعلى للقوات المسلحة مسئولية ادارة البلاد لفترة انتقالية من المفترض ان تؤدي الى نقل البلاد الى حكم مدنى ديمقراطي كامل في ظل دستور جديد يطلق الحريات ويحفظ كرامة المواطن وحقوقه المختلفة.
واذا كانت الثورة تخطو خطواتها الاولى في سبيل تحقيق اهدافها فان امامها خطوات عديده وكبيره، وصعاب داخلية وخارجية لتصل الى هدفها النهائي. فالآمال المعلقة عليها كبيره داخليا وخارجيا، والتحديات التى يجب ان تواجهها ايضا عظيمه داخليا وخارجيا، وهذا ما يجعل طريقها صعبا ملئ بالاشواك والالغام، سواء من صديق جاهل ام من عدو متربص.
وهنا لا بد من تحديد اوليات هذه الثوره واجندتها، داخليا وخارجيا حتى لا تضيع هذه الثورة العظيمه في متاهات الملفات الداخلية والاقليمية والدولية المكدسه امامها، والتى اهملها النظام السابق متعمداً او جاهلاً باهميتها لامن ومستقبل مصر القومي.
واذا كنا لا نختلف على اهمية مصر وثقلها اقليميا وعربيا ودولياً، ودورها الذى احتلته خلال التاريخ المعاصر سلباً وايجاباً، الا انه يجب ان يكون واضحاً، ان الثورة المصرية قامت على يد جيل جديد من ابناء مصر ومن اجل شعب مصر، الذى تعرض للظلم والقهر والفساد والاستبداد، وهذا لا يمنع ان تنعكس اثار الثورة الايجابيه على محيطها العربي بل والدولى، لتعود مصر لاحتلال دورها الرائد فى العالم.
اقول هذا الكلام بعد ان عبرت اغلب الشعوب العربية من المحيط الى الخليج عن فرحتها بهذه الثوره، واقول بعض، لان هناك بعضا من العرب ممن يعتاشون في ظل انظمه فاسدة ويعيشون في رغد العيش والبحبوحه لم يفرحوا لنجاح هذه الثورة، اما من فرح لانتصار هذه الثوره فانه ايضا فرح لاعتقاده ان هذه الثوره ستساعده في حل مشكلاته مع نظامه او عدوه، وكأن .الشعب المصري ثار وانتفض من اجل هؤلاء او ضد اولئك.
ولو تتبعنا ردود الفعل العربية المختلفة، فانه يمكن ملاحظة ان كثير منها نظر الى الثوره من الزاوية التى تخصصه وحده، غافلا عن الجانب الاهم وهو ما يخص الشعب المصري. فرد الفعل السورى الرسمي والذى هو الآخر يرتجف من احتمالات التغيير، بشر الشعب السوري بانتصار هذه الثورة واعتبر ان ذلك مؤشر على انتهاء كامب ديفيد، وبالرغم من انه كان يرتعب من قناة الجزيره ويخاف تغطيتها، الا انه قام ببث تغطيتها للاحداث على القناة الرسمية.
اما الشعب الفلسطينى فاختلفت نظرته لهذه الثورة باختلاف مواقع المنقسمين، ففي الضفه الغربية ترحيب خجول من السلطه، اما في الشارع فتأييد لهذه الثوره باعتبارها ستساهم في عودة الثقل للدور المصري في ترتيب البيت الفلسطينى والضغط على اسرائيل وانهاء حالة الانقسام، وعلى الطرف الآخر من الوطن في غزة المحاصره قرأت سلطة حماس هذا الانتصار وكأنه انتصار لها ولصمودها متأمله ان تقوم الثورة بفك الحصار عن غزة، وفتح المعابر والبدء بالاستعداد لمعركة التحرير،اما الشارع وان كان تمنى نفس الاشياء، الا ن هناك تمنيات اخرى اختلفت حسب الانتماء الحزبي.
ولو ذهبنا وتأملنا ردود فعل شعوب عربية اخرى فاننا سنجد ان ردود الفعل تختلف من دوله لاخرى ومن فرد لاخر حسب توجهاته السياسية، وان كان الجميع يتمنى الخير للشعب المصري وان تعم الحرية والديمقراطية المنطقة العربية. ففي لبنان وجدنا انصار حزب الله والاحزاب القومية يهللون للثورة وانتصارها باعتبار ان ذلك سيصب في مصلحة تيار الممانعه، مقابل تيار ما يسمى بتيار التفريط، وفي الاردن خرجت الجماهير المقهوره لتعبر عن فرحتها بانتصار الثوره على امل ان يساهم ذلك في نصرة هذه الشعوب في تحقيق مطالبها، وفي ايران خرج احمد نجاد وقاد مظاهره تأييدا للثوره، وفي كافة الدول العربية والاسلامية وحتى الدولية وجدنا نفس مشاعر الفرحه لان الشعب المصري انجز ثوره نظيفه نقيه في طريقه لتحقيق اهدافه المشروعه، ليعيد تصحيح الخلل الذى اعترى دور مصر القيادي ولينصف الشعب المصري المقهور من الظلم الذى تعرض له خلال عقود سابقة.
واذا كنا نفهم ونقدر هذه الفرحة العارمه بانتصار الثورة المصرية وعقد الآمال عليها، فان ذلك لا يعنى ان نسلم بهذه المبالغات في الامال المعقوده عليها، او نقلص نظرتنا اليها من خلال منظور سطحي مصلحي ضيق لهذا الطرف او ذاك، فالثوره لم تقم من اجل الغاء كامب ديفيد، او من اجل توحيد الفلسطينين وفك الحصار عن غزة، او لدعم تيار الممانعه، او حماية ايران من عدوان محتمل عليها، ...الخ، بل قامت بالدرجه الاولى من اجل رفع الظلم والفساد عن شعب مصر واطلاق حريته واعادة دور مصر الطليعى في المنطقة والذى يمكن ان يحقق بعض آمال الفرحين هنا وهناك وفي حدود معينه، ولكن لن تكون له اولويه، لان التحديات التى تواجهها الثورة داخليا وخارجيا تحتاج الى فتره زمنية ليست بالقليله لتصحيح الاوضاع الحالية واعادة مصر لمكانتها الطبيعية.
فداخليا وهو اولى اوليات الثوره يجب ان يتم الاصلاح السياسي اولا، دستور جديد وانتخابات حره برلمانية ورئاسية، وحرية ومساواه وعداله مكفوله للجميع، ليتحاح للعبقرية المصرية بكافاة فئاتها العمل في مناخ انساني يليق بمكانه مصر وحضارتها، لاعادة تصحيح وبناء الوضع الداخلى بكافة مستوياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
اما خارجيا فليس المطلوب من مصر في لحظة اعادة البناء الداخلي الدخول في صراعات اقليمية او دولية تهدد استقرار الدولة المصرية، بل يجب احترام كافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وان كان من الممكن احداث بعض التغييرات عليها بناء على المصلحة القومية المصرية الكلية، وبحيث لا يلحق ذلك اضرار بالدولة المصرية، وهذا لا يعنى ان تقف مصر مكفوفة الايدي ازاء ما يجرى حولها في العالم الخارجي، ولكن يجب التأكيد ان الانتقال من الدور السلبي لمصر في العقود السابقة الى دور ايجابي لا يمكن ان يتم بحركة اصبع من هنا او من هناك، فالخلل السابق كبير واى تحول يجب ان يكون محسوبا بدقة وذكاء.
واذا كان هناك اثر خارجي او دور للثورة المصرية على محيطها العربي والاسلامي والدولى، فيكفيها انها اعطت المثال الحي والرائد للتغيير الحضاري، الذى يجب ان تتبعه الشعوب المغلوبه وتقلده، وليس ان تجيش جيوشها لفرض الثوره على غيرها كما فعل نابليون بعد الثورة الفرنسية. فالنموذج التونسي والمصري للثورة الشعبية اضاء الطريق للجميع، ورسالته وصلت للجميع، وعلى الآخرين ان يقلدوا هذا النموذج الحضاري في طريقهم لتحقيق الحرية والاستقلال، كلا حسب مقدرته وظروفه وسيلقى الدعم والتأييد. اما انتظار المخلص من الخارج والجميع نيام فهذا غير مقبول دينيا واخلاقيا ووظنيا، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم.
فقد تعلم الجميع من الثوره التونسية والمصرية ان الشعوب قادره على فعل المستحيل وفرض ارادتها على اى ديكتاتور ظالم اذا ارادت ذلك، المهم ان تتحرك الشعوب وتستعد لدفع ثمن الحرية، بدلا من القعود وانتظار ان يحدث التغيير بكثرة الدعاء او بانتظار عون من الخارج.
اقول هذا واوجهه للشعوب العربية، وبالذات لشعبي الفلسطينى، ففرحنا بانتصار ثورة مصر لا يعنى انها ستمدنا بحل سحرى لكل مشكلتنا، بل يجب علينا بداية الثورة على قادتنا في الضفه وغزة وخارج الوطن لاجبارهم على احترام ارادة الشعب باكمله من خلال انهاء الانقسام واعادة ترتيب البيت الفلسطينى على كافة المستويات، فاذا كان مبارك ونظامه استعبدوا الشعب المصري لثلاثون عاماُ، فقد استعبدنا هؤلاء الزعماء بفصائلهم وتنظيماتهم وتشكيلاتهم ودكاكينهم اكثر من ذلك، ولا يزالون باسم القضية، التى اضاعوها وتاجروا بها لاهداف ذاتية صرفه، فهم يعيشون في عالم اخر من البحبوحه ورغد العيش والشعب الغلبان يدفع الثمن، وكله باسم القضية والمقدسات.
فقبل ان يمنى الشعب الفلسطينى نفسه بانحياز الثوره المصرية لمطالبه العادلة، وهي بالتأكيد ستفعل- يجب عليه ان يبدأ بنفسه ويغير هذا الوضع المخزى الذى يعيشه، والا فلا لوم اذا قصر الآخرون، فاذا كان صاحب المصلحة الرئيس مقصر ومتخاذل وراضى بالذل والهوان فلا يلومن الا نفسه، ولا لوم على غيره.
من هنا لا يجب ان نعول كثيرا على نجاح ثورة مصر، فاولياتها بالاساس ستكون موجه لاصلاح الوضع الداخلى، والمساعدة قدر امكانياتها لاشقائها الذين يستحقون ذلك، اى الذين يحاولون ان يغيروا اوضاعهم العفنه والمزرية، وليس المتاجرين بالقضية، المنقسمين المهادنين والفاسدين الذين فاحت رائحتم النتنه مثل ما فاحت رائحة مبارك وازلامه.
على الشعب الفلسطينى ان يحسم امره ويهب في وجه الفساد والظلم والتجاره باسم الدين والقضية .. عليه ان يقول كلمته ويفضح المرتزقه اللذين يعتاشون على استمرار الوضع المزري الذى نعيش فيه .. يجب قلب الطاوله على الجميع فكلهم في الفساد والظلم شرق .. ولا عصمه الا للشرفاء
يوسف العاصي الطويل
عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
اخيرا نجحت الثورة المصرية الشعبية في تحقيق ابرز اهدافها وهو تنحي الرئيس مبارك عن الحكم وتولي المجلس الاعلى للقوات المسلحة مسئولية ادارة البلاد لفترة انتقالية من المفترض ان تؤدي الى نقل البلاد الى حكم مدنى ديمقراطي كامل في ظل دستور جديد يطلق الحريات ويحفظ كرامة المواطن وحقوقه المختلفة.
واذا كانت الثورة تخطو خطواتها الاولى في سبيل تحقيق اهدافها فان امامها خطوات عديده وكبيره، وصعاب داخلية وخارجية لتصل الى هدفها النهائي. فالآمال المعلقة عليها كبيره داخليا وخارجيا، والتحديات التى يجب ان تواجهها ايضا عظيمه داخليا وخارجيا، وهذا ما يجعل طريقها صعبا ملئ بالاشواك والالغام، سواء من صديق جاهل ام من عدو متربص.
وهنا لا بد من تحديد اوليات هذه الثوره واجندتها، داخليا وخارجيا حتى لا تضيع هذه الثورة العظيمه في متاهات الملفات الداخلية والاقليمية والدولية المكدسه امامها، والتى اهملها النظام السابق متعمداً او جاهلاً باهميتها لامن ومستقبل مصر القومي.
واذا كنا لا نختلف على اهمية مصر وثقلها اقليميا وعربيا ودولياً، ودورها الذى احتلته خلال التاريخ المعاصر سلباً وايجاباً، الا انه يجب ان يكون واضحاً، ان الثورة المصرية قامت على يد جيل جديد من ابناء مصر ومن اجل شعب مصر، الذى تعرض للظلم والقهر والفساد والاستبداد، وهذا لا يمنع ان تنعكس اثار الثورة الايجابيه على محيطها العربي بل والدولى، لتعود مصر لاحتلال دورها الرائد فى العالم.
اقول هذا الكلام بعد ان عبرت اغلب الشعوب العربية من المحيط الى الخليج عن فرحتها بهذه الثوره، واقول بعض، لان هناك بعضا من العرب ممن يعتاشون في ظل انظمه فاسدة ويعيشون في رغد العيش والبحبوحه لم يفرحوا لنجاح هذه الثورة، اما من فرح لانتصار هذه الثوره فانه ايضا فرح لاعتقاده ان هذه الثوره ستساعده في حل مشكلاته مع نظامه او عدوه، وكأن .الشعب المصري ثار وانتفض من اجل هؤلاء او ضد اولئك.
ولو تتبعنا ردود الفعل العربية المختلفة، فانه يمكن ملاحظة ان كثير منها نظر الى الثوره من الزاوية التى تخصصه وحده، غافلا عن الجانب الاهم وهو ما يخص الشعب المصري. فرد الفعل السورى الرسمي والذى هو الآخر يرتجف من احتمالات التغيير، بشر الشعب السوري بانتصار هذه الثورة واعتبر ان ذلك مؤشر على انتهاء كامب ديفيد، وبالرغم من انه كان يرتعب من قناة الجزيره ويخاف تغطيتها، الا انه قام ببث تغطيتها للاحداث على القناة الرسمية.
اما الشعب الفلسطينى فاختلفت نظرته لهذه الثورة باختلاف مواقع المنقسمين، ففي الضفه الغربية ترحيب خجول من السلطه، اما في الشارع فتأييد لهذه الثوره باعتبارها ستساهم في عودة الثقل للدور المصري في ترتيب البيت الفلسطينى والضغط على اسرائيل وانهاء حالة الانقسام، وعلى الطرف الآخر من الوطن في غزة المحاصره قرأت سلطة حماس هذا الانتصار وكأنه انتصار لها ولصمودها متأمله ان تقوم الثورة بفك الحصار عن غزة، وفتح المعابر والبدء بالاستعداد لمعركة التحرير،اما الشارع وان كان تمنى نفس الاشياء، الا ن هناك تمنيات اخرى اختلفت حسب الانتماء الحزبي.
ولو ذهبنا وتأملنا ردود فعل شعوب عربية اخرى فاننا سنجد ان ردود الفعل تختلف من دوله لاخرى ومن فرد لاخر حسب توجهاته السياسية، وان كان الجميع يتمنى الخير للشعب المصري وان تعم الحرية والديمقراطية المنطقة العربية. ففي لبنان وجدنا انصار حزب الله والاحزاب القومية يهللون للثورة وانتصارها باعتبار ان ذلك سيصب في مصلحة تيار الممانعه، مقابل تيار ما يسمى بتيار التفريط، وفي الاردن خرجت الجماهير المقهوره لتعبر عن فرحتها بانتصار الثوره على امل ان يساهم ذلك في نصرة هذه الشعوب في تحقيق مطالبها، وفي ايران خرج احمد نجاد وقاد مظاهره تأييدا للثوره، وفي كافة الدول العربية والاسلامية وحتى الدولية وجدنا نفس مشاعر الفرحه لان الشعب المصري انجز ثوره نظيفه نقيه في طريقه لتحقيق اهدافه المشروعه، ليعيد تصحيح الخلل الذى اعترى دور مصر القيادي ولينصف الشعب المصري المقهور من الظلم الذى تعرض له خلال عقود سابقة.
واذا كنا نفهم ونقدر هذه الفرحة العارمه بانتصار الثورة المصرية وعقد الآمال عليها، فان ذلك لا يعنى ان نسلم بهذه المبالغات في الامال المعقوده عليها، او نقلص نظرتنا اليها من خلال منظور سطحي مصلحي ضيق لهذا الطرف او ذاك، فالثوره لم تقم من اجل الغاء كامب ديفيد، او من اجل توحيد الفلسطينين وفك الحصار عن غزة، او لدعم تيار الممانعه، او حماية ايران من عدوان محتمل عليها، ...الخ، بل قامت بالدرجه الاولى من اجل رفع الظلم والفساد عن شعب مصر واطلاق حريته واعادة دور مصر الطليعى في المنطقة والذى يمكن ان يحقق بعض آمال الفرحين هنا وهناك وفي حدود معينه، ولكن لن تكون له اولويه، لان التحديات التى تواجهها الثورة داخليا وخارجيا تحتاج الى فتره زمنية ليست بالقليله لتصحيح الاوضاع الحالية واعادة مصر لمكانتها الطبيعية.
فداخليا وهو اولى اوليات الثوره يجب ان يتم الاصلاح السياسي اولا، دستور جديد وانتخابات حره برلمانية ورئاسية، وحرية ومساواه وعداله مكفوله للجميع، ليتحاح للعبقرية المصرية بكافاة فئاتها العمل في مناخ انساني يليق بمكانه مصر وحضارتها، لاعادة تصحيح وبناء الوضع الداخلى بكافة مستوياته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
اما خارجيا فليس المطلوب من مصر في لحظة اعادة البناء الداخلي الدخول في صراعات اقليمية او دولية تهدد استقرار الدولة المصرية، بل يجب احترام كافة الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، وان كان من الممكن احداث بعض التغييرات عليها بناء على المصلحة القومية المصرية الكلية، وبحيث لا يلحق ذلك اضرار بالدولة المصرية، وهذا لا يعنى ان تقف مصر مكفوفة الايدي ازاء ما يجرى حولها في العالم الخارجي، ولكن يجب التأكيد ان الانتقال من الدور السلبي لمصر في العقود السابقة الى دور ايجابي لا يمكن ان يتم بحركة اصبع من هنا او من هناك، فالخلل السابق كبير واى تحول يجب ان يكون محسوبا بدقة وذكاء.
واذا كان هناك اثر خارجي او دور للثورة المصرية على محيطها العربي والاسلامي والدولى، فيكفيها انها اعطت المثال الحي والرائد للتغيير الحضاري، الذى يجب ان تتبعه الشعوب المغلوبه وتقلده، وليس ان تجيش جيوشها لفرض الثوره على غيرها كما فعل نابليون بعد الثورة الفرنسية. فالنموذج التونسي والمصري للثورة الشعبية اضاء الطريق للجميع، ورسالته وصلت للجميع، وعلى الآخرين ان يقلدوا هذا النموذج الحضاري في طريقهم لتحقيق الحرية والاستقلال، كلا حسب مقدرته وظروفه وسيلقى الدعم والتأييد. اما انتظار المخلص من الخارج والجميع نيام فهذا غير مقبول دينيا واخلاقيا ووظنيا، فالله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم.
فقد تعلم الجميع من الثوره التونسية والمصرية ان الشعوب قادره على فعل المستحيل وفرض ارادتها على اى ديكتاتور ظالم اذا ارادت ذلك، المهم ان تتحرك الشعوب وتستعد لدفع ثمن الحرية، بدلا من القعود وانتظار ان يحدث التغيير بكثرة الدعاء او بانتظار عون من الخارج.
اقول هذا واوجهه للشعوب العربية، وبالذات لشعبي الفلسطينى، ففرحنا بانتصار ثورة مصر لا يعنى انها ستمدنا بحل سحرى لكل مشكلتنا، بل يجب علينا بداية الثورة على قادتنا في الضفه وغزة وخارج الوطن لاجبارهم على احترام ارادة الشعب باكمله من خلال انهاء الانقسام واعادة ترتيب البيت الفلسطينى على كافة المستويات، فاذا كان مبارك ونظامه استعبدوا الشعب المصري لثلاثون عاماُ، فقد استعبدنا هؤلاء الزعماء بفصائلهم وتنظيماتهم وتشكيلاتهم ودكاكينهم اكثر من ذلك، ولا يزالون باسم القضية، التى اضاعوها وتاجروا بها لاهداف ذاتية صرفه، فهم يعيشون في عالم اخر من البحبوحه ورغد العيش والشعب الغلبان يدفع الثمن، وكله باسم القضية والمقدسات.
فقبل ان يمنى الشعب الفلسطينى نفسه بانحياز الثوره المصرية لمطالبه العادلة، وهي بالتأكيد ستفعل- يجب عليه ان يبدأ بنفسه ويغير هذا الوضع المخزى الذى يعيشه، والا فلا لوم اذا قصر الآخرون، فاذا كان صاحب المصلحة الرئيس مقصر ومتخاذل وراضى بالذل والهوان فلا يلومن الا نفسه، ولا لوم على غيره.
من هنا لا يجب ان نعول كثيرا على نجاح ثورة مصر، فاولياتها بالاساس ستكون موجه لاصلاح الوضع الداخلى، والمساعدة قدر امكانياتها لاشقائها الذين يستحقون ذلك، اى الذين يحاولون ان يغيروا اوضاعهم العفنه والمزرية، وليس المتاجرين بالقضية، المنقسمين المهادنين والفاسدين الذين فاحت رائحتم النتنه مثل ما فاحت رائحة مبارك وازلامه.
على الشعب الفلسطينى ان يحسم امره ويهب في وجه الفساد والظلم والتجاره باسم الدين والقضية .. عليه ان يقول كلمته ويفضح المرتزقه اللذين يعتاشون على استمرار الوضع المزري الذى نعيش فيه .. يجب قلب الطاوله على الجميع فكلهم في الفساد والظلم شرق .. ولا عصمه الا للشرفاء
السبت، 5 فبراير 2011
ثورة مصر .. وسيناريو فتح مكه
ثورة مصر .. وسيناريو فتح مكه
يوسف العاصي الطويل
عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
تعتبر الهبه الشعبية المصرية في 25/يناير 2011 علامه فارقة فى التاريخ العربي بل والعالمي المعاصر، حيث ستكون تداعياتها عظيمه على كافة المستويات المحلية والعربية والعالمية. فبعد ان يأس الجميع من امكانية تغيير الاوضاع في مصر بالرغم من كافة القرارات والتصرفات التى اتخذها النظام المصرى خلال العقود الماضية، والتى جاءت مضادة للارادة الشعبية المصرية التى عبرت عن ذلك خلال احتجاجات ومظاهرات متفاوته، سواء ما قام به الامن المركزى او الاحتجاج على وقوف نظام مبارك مع امريكا فى تدميره للعراق والحرب عليه، او في موقفه من العدوان الاسرائيلي على فلسطين ولبنان، وغيرها الكثير، حيث كان النظام يتصرف وكأن الشعب المصري العظيم غير موجود، وكان ازلام النظام في كل مره يحاولون تبرير سياساته وكأنها منزله من السماء، ويتم قهر وقمع المعارضين لسياساته الظالمه.
بالرغم من هذا الظلم والديكتاتورية والفساد الذى استمر لمدة ثلاثة عقود تفاجئ العالم اجمع بهذه الهبة الشعبية او الثورة بمعنى اصح، لتشمل كافة طبقات الشعب وطوائفه، فهى ليست ثوره طائفية او طبقية او نخبوية. انها ثورة المسلم والمسيحي والغنى والفقير، والمثقف والامي، انها ثورة الشعب بكل اطيافه المختلفه ضد ظلم وفساد وانتهاك لحرية الانسان وكرامته مارسها النظام وازلامه، وتمادى بها الى درجه فاقت التصور، وطالت مساوئها الجميع .
لقد حول النظام مصر المحروسه الى عزبه كبيره، والشعب الى عبيد، يستغلها هو وزبانيته كيفما يشاؤون، يبيعون ويشترون ويزورون وينهبون، ويعتقلون، وكأن شعب اقدم حضارات العالم غير موجود، ونسوا ان الشعوب تصبر وتعاني ولكن لابد من وصول الامور الى لحظه الانفجار. وهذا ما حدث، كان لابد من شراره قادها الشباب الواعي المهمش في بلده، فانضمت اليه كافة الجموع لتأييد مطالبه ولتعبر عن مطالبها بالحرية والكرامه والعداله المفقوده منذ زمن.. وقداكتسبت هذه الحركة الثورية للشعب المصري تعاطفاً عظيماً على كافة المستويات لعدالة مطالبها وطابعها السلمي، وجاءت همجية النظام وازلامه في التعامل مع هذه الهبة لتجلي الصورة بكل بوضوح، حتى وجدنا اقرب حلفاء النظام في الداخل والخارج يتخلون عنه .
المهم هنا ليس نقل تفاصيل الصورة الحالية، فقد تكفلت بذلك كافة وسائل الاعلام بانواعها، ولكن المهم هو البحث عن طريقة حضارية لانهاء هذه الازمه بطريقة تحقق مطالب الشعب المصري وثورثة العادلة، بعيدا عن تداعيات غير مرغوبه قد تدفع بها التطورات، نتيجه عدم توحيد مطالب المعارضه، او نتيجة رعب النظام وتوجه بعض ازلامه لسيناريو "على وعلى اعدائي" اى محاولة احراق البلد وخلق فوضى عارمه في ارجاءه، مما سيترك اثرا سيئا على مستقبل مصر المحروسه، ومستقبل المنطقة العربية باكملها.
من هذا المنطلق اطرح سيناريو لانهاء الازمة الحالية بناء على بعض الوقائع التى افرزتها ثورة الشعب المصري العظيمه:
1- من الواضح ان الثوره المصرية الحالية وان بدأها الشباب، الا انه من الخطأ نسبتها الى ما يسموا بشباب الانترنت، وان كان لا يمكن نكران دورهم الكبير. فهذه الثوره هى ملك للشعب المصري باكمله وجاءت نتيجه لتراكمات على مدار سنين ضد الشعب وقواه السياسية المختلفه، وبدأها الشباب، وناصرها الشعب بكل اطيافه، ولا يمكنها ان تستمر اذا ادعى البعض انها من صنعه وحده او حاول ان يجيير منجزاتها لصالحه.
2- من الواضح ان الجميع متفق على الاهداف العظيمة للثورة ولكن الخلاف الآن، يدور حول الكيفية التى يجب ان يتم بها تحقيق هذا الاهداف. وللاسف لاحظت ان الاجراءات الشكلية للتغيير تستحوذ الان على المناقشات، حيث يشتم من خلالها رغبه البعض في الانتقام من النظام وبالذات حسنى مبارك باخراجه بطريقه مذله ووضعه امام خيار وحيد، بعد ان تخلى عنه اصدقاءه في الداخل والخارج.
3- من الملاحظ ان هناك بعض الدول وبعض القوى تحاول استغلال الثورة لمصالح حزبية ضيقه، استعدادا لمرحلة جنى الثمار، ولهذا نجد تضارب في التصريحات وعدم اتفاق في بعض الامور الشكلية، ووجود مرجعيات مختلفه تطرح الحلول والمخارج، حتى وصل الامر الى تناقضات بين القوى الفاعله في الساحه.
4- يحاول الجميع التمسح بالشباب باعتبارهم مفجري هذه الثوره، ولكن هؤلاء الشباب لم تظهر لهم قياده حقيقيه واضحه تطرح مطالبها العادله على العلن، وبقوا غير معروفي الهوية والاتجاه، مما سهل على كثير من المتطفلين والقوى التحدث باسمهم، والادعاء بانهم اجتمعوا معهم ليدلي بتصريحات باسمهم، وقد صدمت عندما استمعت لمتحدثه ادعت انها تتحدث باسم الشباب، وهى تدلى باقوال ساذجه، وغير منطقيه وسطحية، وهذا يضفي ضبابية على ما يدور وما يمكن ان تؤول اليه الاحداث.
5- يلاحظ غياب قيادة موحدة لهذه الهبة الشعبية، تتحدث باسمها بل وجدنا انقساما وتضاربا في المطالب، وانشغل الجميع عن الهدف الحقيقي للثورة، وهو التغيير والاصلاح بمسائل فرعية.
6- القوة المعارضة للنظام لا تأخذ باعتبارها القوة التى يملكها النظام، واعتقدت بسذاجه ان القوات المسلحه يمكن ان تتخلى بسهوله عن النظام، وهذه سذاجه كبيره، بل انهم وجهوا جام غضبهم لوزارة الداخلية وعناصرها، وكأن الجيش مصري، وهؤلاء غير مصريين، متناسين ان النظام بكامله بقواته المسلحه والامن والمؤسسات والوزارات كلها لابد ان يطالها الاصلاح والتغيير بسبب تراكم الفساد فيها طوال الفترة السابقة.
7- القوى المعارضة لم تضع في حسبانها مؤيدى النظام والجماعات المرتبطه به سواء اشخاص او موظفيى حكومه او رجال اعمال، عاشوا في رفاهية في ظل الفساد، وهم مستعدون للدفاع عنه بكل قواهم وقد شاهدنا كيف استطاع هؤلاء ان يوحدوا انفسهم والدفع بمجموعات انقضت على المتظاهرين وعاتت فسادا في كل مكان، وهم على استعداد للاستمرار بذلك حتى النهاية.
8- من الواضح ان رسالة المتظاهرين وصلت الى النظام المصرى وللعالم، واتخذ النظام بعض الخطوات الجزئية والتى بالتأكيد لم ترقى لمطالب المتظاهرين، ولكن ذلك يعتبر مؤشر ايجابي ومكسب يجب البناء عليه وتطويره الى الامام للوصول الى الهدف النهائي.
9- لوحظ ان امريكيا والغرب بشكل خاص تخلوا بصوره كامله عن اعظم حلفائهم بالمنطقة، وطالبوه بالرحيل، بل وظهروا ملكيين اكثر من الملك، وهذا يضع تساؤلات عديده حول الهدف من ذلك ومغزاه، بعد تجاربنا المره مع وعودهم بالديمقراطية والحريه.
10- من خلال متابعتى للاحداث لاحظت ان التغطية الاعلامية للاحداث لعبت دورا محوريا في تصعيدها، وان الحيادية والحرفية غابت عن عملها، سواء المعارضين او المؤيدين للثوره الشعبية المصرية.
11- من الملاحظ ان هناك روح جديده دبت في الشعب المصري، واعتقد انه حتى في اسوأ الاحتمالا ت التى تتمثل في امكانية سيطرت النظام على الاحداث، فان الواقع في مصر المستقبل لن يكون باى حال من الاحوال شبيها او قريبا من الواقع قبل 25 يناير، بعد ان نزع الناس من قلوبهم الخوف من النظام، وتبلور ثقافه ثورية في الوعي الجمعى احست بقيمة الاتحاد والمشاركه لاحداث التغيير.
امام هذا الوقائع المختلفه، واصرار كلا من النظام والثوار على مواقفهم، فان الوضع المستقبلي يندر بتداعيات خطيره من الصعب تدارك عقباه، ربما تصل الى فوضى شامله وحمامات دم، ولهذا نجد انه من الضروري اتخاذ بعض الخطوات الاولية للوصول الى بر الامان، وتحقيق الثورة لاهدافها :
1- تشكيل قياده موحده للثوره تثفق على مطالب التغيير والاصلاح ويتمترس الجميع حولها ويمكن اجمالها بوضع دستور جديد والدعوه لانتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهه خلال فتره محدده، تفرز ممثلي الشعب وترسى مبادئ العداله والحرية في المجتمع وللجميع، ويتم تعيين متحدث رسمي باسمها، يكون مصدر المعلومات الوحيد لهذه القيادة.
2- يجب ان تحدد هذه القيادة آلية التغيير، اما بالثوره الشامله وخوض حرب شامله مع النظام بكل مؤسساته، او الوصول للتغيير من خلال الحوار، واستبعاد امكانية قيام الجيش بحسم الامور لصالح الثوره، على الاقل في هذه المرحلة، لان القيادات العليا في الجيش في غالبيتها موالية بشكل كامل للنظام الذى اجزل لها العطاء وكان يقوم بعملية غربله لها قبل اسناد اى منصب قيادي لها.
3- من قراءة ما يجري يتضح ان الجميع يرغب في التغيير عن بطريقه سلمية، وهنا لابد من الحوار مع النظام الحالي بكل سيئاته من اجل ضمان انتقال سلس للسلطه، وضمان تحقيق المطالب الشعبيه، وتشكيل حكومه من التكنوقراط، لتجنيب البلاد سيناريوها غير مرغوبه.
واذا كان الهدف الاساسي للثورة يتمثل في تحقيق اهداف محدده، تحقق العداله والحريه، والديمقراطية للجميع، فان الوصول الى ذلك هو الهدف الاسمى للثوره. فالشعب يجب ان يجنى ثمار هذه الثوره، ويجب ان يكون التركيز كله موجها لتحقيق ذلك، فنحن نريد العنب وليس مقاتلة الناطور" اي نريد ان تجنى الثوره ثمارها الحقيقية، اما الناطو او النظام فليس هو الهدف الاساسي اذا تنازل وحقق اهداف الثورة بطريقه او باخرى.
ومن هنا فان تحقيق الاهداف الرئيسية للثوره واخراجها الى ارض الواقع لا يجب ان تقف امامه شروط معينه من هذا الطرف او ذاك، ويجب ان يدرك الثوار ان النظام وازلامه اذا وجدوا انفسهم محصورين بزاوية ضيقه يمكنهم ان يهدموا المعبد على رؤوس الجميع، ويحرقوا البلاد والعباد، وبالتالى فان الحكمه ومصلح الوطن تتطلب بعض المرونه للخروج من هذا المأزق، ومنح النظام وازلامه بارقه امل، بامكانية الخروج او البقاء الآمن. فالخروج الامن للرئيس يجب ان يكون مرحب به وبقائه ايضا وبشروط، اما الفاسدين الذين استغلوا البلاد وعاتوا بها الفساد فيجب ان يمنحوا حق الخروج بعد محاكمات تعيد ما سلبوه للشعب، او يتم منحهم حق البقاء بعد تنازلهم طواعية وافصاحهم بمحض ارادتهم للاموال التى سلبوها من الشعب.
ان منح الأمان للنظام وازلامه هو الكفيل باحداث التغيير المطلوب والوصول بالبلاد الى بر الامان، وهذا لا يعنى التخلى عن اعادة الحقوق الى اصحابها او محاكمة الذين اجرموا بحق الشعب ومقدراته، وعلينا ان نتذكر معاملة الرسول الكريم مع كفار مكه يوم فتح مكة، فالرغم مما عانه الرسول الكريم منهم من ظلم وتآمر ومحاولات مستميته للقضاء عليه وعلى دعوته، الا انه في يوم الفتح العظيم دخل مكه منتصرا بدون قتال، واعلن العفو عن الجميع وامنهم في بيوتهم واموالهم، فكان يوما مشهودا خلق مجتمع جديد فتى استطاع ان نشر نوره الى كافة جهات الارض.
وهنا اتمنى ان يستذكر حكماء مصر وشبابها وشيوخها هذا المشهد العظيم، ليكون لهم نبراسا في طريقهم الى الحرية وبناء مجتمع جديد يقوم على التعددية والحرية وصيانه الحقوق. فهذه اللحظه العظيمة التى يعيشها شعب مصر العظيم، لا يجب ان تكون لحظه انتقام او لحظه تصفية حسابات، او تكريس احقاد، بل يجب ان تكون لحظه انتصار مشرف وعظيم، تعاد فيه الحقوق الى اصحابها، ويتم محاسبة المخطئ والعفو عن المسئ، وحمد الله تعالى على هذا النصر العظيم، لتبدأ مرحله جديده في حياة الامه خالية من كافة السلبيات والاخطاء التى لم تظهر فجأه في زمن مبارك، بل تراكمت على مدار عقود بل وقرون، ولكن الشعب استطاع ان يحقق بعض الانجازات والنقلات النوعية خلال هذه المده، لا يمكن انكارها لقادة مصر، وهنا يجب البناء عليها وتطويرها، من خلال هذه الثوره الفارقه في التاريخ المصري، والتى تفرض عليها عظمتها واهدافها السامية والنبيله التحرك على ارض الواقع بالتمسك بمبادئها الحقيقية، واهمال او وضع حلول خلاقه للمطالب الفرعية للعبور بسلام الى بر الامان.
فليس من مصلحه مصر والمصريين اذلال رئيسهم، بطريقه لا تليق بعظمة مصر وحضارتها، ووضعه في موقف يستجدي شعبه للخروج من منصبه بكرامه بعد ان تخلى عنه اعز اصدقائه من الدول الغربية، ويكفيه ما حدث درسا وعبره له ولغيره.
وليس من مصلحة مصر وشعبها ان يهرب رجال الاعمال من مصر باموالهم التى جنوها في ظل النظام البائد، بل يجب ان يمنحوا فرصه للتوبه والبقاء في مصر بعد ان يردوا ما نهبوه من اموال الى الشعب، ليتم تشكيل صندوق قومي يوزع هذه الاموال على الشعب او يحل بها مشاكل الطبقات الفقيره والمعدومه.
وليس من مصلحة مصر ان يعيش على ارضها الطاهره اناس اساءوا لبلدهم ولاخوانهم في فترة النظام السابق، منبودين ومحملين بعقدة الذنب والكراهية من الجميع، بل يجب منحهم فرصه للتوبه والانخراط من جديد في المجمع الجديد الذي سيتشكل على قاعدة من التسامح والحب والكرامه للجميع. ويجب ان يدرك الجميع ان الفساد والمحسوبية وكل الامراض القاتله كانت منتشره في بنية المجتمع المصري باكمله، الا من رحم ربي، ولهذا لا يمكننا ان نلوم فقط هذا المخبر او ذاك الشرطى او رجل الامن او الموظف الكبير، فالكل كان في ظل هذا النظام الفاسد فاسد ومقصر في حمل الامانه حتى اللذين يتظاهرون اليوم. واذا كان قد صحى ضميرهم في هذه اللحظة التاريخية، فيجب عليهم ان يمنحوا غيرهم فرصه للرجوع الى الحق والتوبه، فالعودة الى الحق خير من الاستمرار بالباطل فالكل اجرم بطريقه او باخرى بحق اخيه، والكل مسئول عما آلت اليه الامور.
ان البناء الجديد والشرعية الجديده مهمتها الاولى هي تصحيح كل ذلك، وعدم التفرع لمعارك جانبية وانتقام وتصفية حساب، يجب ان يعلن الشعب المصري بكامل فئاته وفي ميدان التحرير وقبل ان ينفض الثوار قانونا للتسامح والمحبه والعفو الجميل، ويشمروا عن ساعد الجد لبناء مجمعهم الجديد، على اسس وقيم جديده لتبدأ صفحه بيضاء، يسطر فيها الجميع اسهاماته وابداعاته على اسس من الحرية والكرامه والعدالة وكفى الله المؤمنين شر القتال"
فينا 5/فبراير/2011
يوسف العاصي الطويل
عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
تعتبر الهبه الشعبية المصرية في 25/يناير 2011 علامه فارقة فى التاريخ العربي بل والعالمي المعاصر، حيث ستكون تداعياتها عظيمه على كافة المستويات المحلية والعربية والعالمية. فبعد ان يأس الجميع من امكانية تغيير الاوضاع في مصر بالرغم من كافة القرارات والتصرفات التى اتخذها النظام المصرى خلال العقود الماضية، والتى جاءت مضادة للارادة الشعبية المصرية التى عبرت عن ذلك خلال احتجاجات ومظاهرات متفاوته، سواء ما قام به الامن المركزى او الاحتجاج على وقوف نظام مبارك مع امريكا فى تدميره للعراق والحرب عليه، او في موقفه من العدوان الاسرائيلي على فلسطين ولبنان، وغيرها الكثير، حيث كان النظام يتصرف وكأن الشعب المصري العظيم غير موجود، وكان ازلام النظام في كل مره يحاولون تبرير سياساته وكأنها منزله من السماء، ويتم قهر وقمع المعارضين لسياساته الظالمه.
بالرغم من هذا الظلم والديكتاتورية والفساد الذى استمر لمدة ثلاثة عقود تفاجئ العالم اجمع بهذه الهبة الشعبية او الثورة بمعنى اصح، لتشمل كافة طبقات الشعب وطوائفه، فهى ليست ثوره طائفية او طبقية او نخبوية. انها ثورة المسلم والمسيحي والغنى والفقير، والمثقف والامي، انها ثورة الشعب بكل اطيافه المختلفه ضد ظلم وفساد وانتهاك لحرية الانسان وكرامته مارسها النظام وازلامه، وتمادى بها الى درجه فاقت التصور، وطالت مساوئها الجميع .
لقد حول النظام مصر المحروسه الى عزبه كبيره، والشعب الى عبيد، يستغلها هو وزبانيته كيفما يشاؤون، يبيعون ويشترون ويزورون وينهبون، ويعتقلون، وكأن شعب اقدم حضارات العالم غير موجود، ونسوا ان الشعوب تصبر وتعاني ولكن لابد من وصول الامور الى لحظه الانفجار. وهذا ما حدث، كان لابد من شراره قادها الشباب الواعي المهمش في بلده، فانضمت اليه كافة الجموع لتأييد مطالبه ولتعبر عن مطالبها بالحرية والكرامه والعداله المفقوده منذ زمن.. وقداكتسبت هذه الحركة الثورية للشعب المصري تعاطفاً عظيماً على كافة المستويات لعدالة مطالبها وطابعها السلمي، وجاءت همجية النظام وازلامه في التعامل مع هذه الهبة لتجلي الصورة بكل بوضوح، حتى وجدنا اقرب حلفاء النظام في الداخل والخارج يتخلون عنه .
المهم هنا ليس نقل تفاصيل الصورة الحالية، فقد تكفلت بذلك كافة وسائل الاعلام بانواعها، ولكن المهم هو البحث عن طريقة حضارية لانهاء هذه الازمه بطريقة تحقق مطالب الشعب المصري وثورثة العادلة، بعيدا عن تداعيات غير مرغوبه قد تدفع بها التطورات، نتيجه عدم توحيد مطالب المعارضه، او نتيجة رعب النظام وتوجه بعض ازلامه لسيناريو "على وعلى اعدائي" اى محاولة احراق البلد وخلق فوضى عارمه في ارجاءه، مما سيترك اثرا سيئا على مستقبل مصر المحروسه، ومستقبل المنطقة العربية باكملها.
من هذا المنطلق اطرح سيناريو لانهاء الازمة الحالية بناء على بعض الوقائع التى افرزتها ثورة الشعب المصري العظيمه:
1- من الواضح ان الثوره المصرية الحالية وان بدأها الشباب، الا انه من الخطأ نسبتها الى ما يسموا بشباب الانترنت، وان كان لا يمكن نكران دورهم الكبير. فهذه الثوره هى ملك للشعب المصري باكمله وجاءت نتيجه لتراكمات على مدار سنين ضد الشعب وقواه السياسية المختلفه، وبدأها الشباب، وناصرها الشعب بكل اطيافه، ولا يمكنها ان تستمر اذا ادعى البعض انها من صنعه وحده او حاول ان يجيير منجزاتها لصالحه.
2- من الواضح ان الجميع متفق على الاهداف العظيمة للثورة ولكن الخلاف الآن، يدور حول الكيفية التى يجب ان يتم بها تحقيق هذا الاهداف. وللاسف لاحظت ان الاجراءات الشكلية للتغيير تستحوذ الان على المناقشات، حيث يشتم من خلالها رغبه البعض في الانتقام من النظام وبالذات حسنى مبارك باخراجه بطريقه مذله ووضعه امام خيار وحيد، بعد ان تخلى عنه اصدقاءه في الداخل والخارج.
3- من الملاحظ ان هناك بعض الدول وبعض القوى تحاول استغلال الثورة لمصالح حزبية ضيقه، استعدادا لمرحلة جنى الثمار، ولهذا نجد تضارب في التصريحات وعدم اتفاق في بعض الامور الشكلية، ووجود مرجعيات مختلفه تطرح الحلول والمخارج، حتى وصل الامر الى تناقضات بين القوى الفاعله في الساحه.
4- يحاول الجميع التمسح بالشباب باعتبارهم مفجري هذه الثوره، ولكن هؤلاء الشباب لم تظهر لهم قياده حقيقيه واضحه تطرح مطالبها العادله على العلن، وبقوا غير معروفي الهوية والاتجاه، مما سهل على كثير من المتطفلين والقوى التحدث باسمهم، والادعاء بانهم اجتمعوا معهم ليدلي بتصريحات باسمهم، وقد صدمت عندما استمعت لمتحدثه ادعت انها تتحدث باسم الشباب، وهى تدلى باقوال ساذجه، وغير منطقيه وسطحية، وهذا يضفي ضبابية على ما يدور وما يمكن ان تؤول اليه الاحداث.
5- يلاحظ غياب قيادة موحدة لهذه الهبة الشعبية، تتحدث باسمها بل وجدنا انقساما وتضاربا في المطالب، وانشغل الجميع عن الهدف الحقيقي للثورة، وهو التغيير والاصلاح بمسائل فرعية.
6- القوة المعارضة للنظام لا تأخذ باعتبارها القوة التى يملكها النظام، واعتقدت بسذاجه ان القوات المسلحه يمكن ان تتخلى بسهوله عن النظام، وهذه سذاجه كبيره، بل انهم وجهوا جام غضبهم لوزارة الداخلية وعناصرها، وكأن الجيش مصري، وهؤلاء غير مصريين، متناسين ان النظام بكامله بقواته المسلحه والامن والمؤسسات والوزارات كلها لابد ان يطالها الاصلاح والتغيير بسبب تراكم الفساد فيها طوال الفترة السابقة.
7- القوى المعارضة لم تضع في حسبانها مؤيدى النظام والجماعات المرتبطه به سواء اشخاص او موظفيى حكومه او رجال اعمال، عاشوا في رفاهية في ظل الفساد، وهم مستعدون للدفاع عنه بكل قواهم وقد شاهدنا كيف استطاع هؤلاء ان يوحدوا انفسهم والدفع بمجموعات انقضت على المتظاهرين وعاتت فسادا في كل مكان، وهم على استعداد للاستمرار بذلك حتى النهاية.
8- من الواضح ان رسالة المتظاهرين وصلت الى النظام المصرى وللعالم، واتخذ النظام بعض الخطوات الجزئية والتى بالتأكيد لم ترقى لمطالب المتظاهرين، ولكن ذلك يعتبر مؤشر ايجابي ومكسب يجب البناء عليه وتطويره الى الامام للوصول الى الهدف النهائي.
9- لوحظ ان امريكيا والغرب بشكل خاص تخلوا بصوره كامله عن اعظم حلفائهم بالمنطقة، وطالبوه بالرحيل، بل وظهروا ملكيين اكثر من الملك، وهذا يضع تساؤلات عديده حول الهدف من ذلك ومغزاه، بعد تجاربنا المره مع وعودهم بالديمقراطية والحريه.
10- من خلال متابعتى للاحداث لاحظت ان التغطية الاعلامية للاحداث لعبت دورا محوريا في تصعيدها، وان الحيادية والحرفية غابت عن عملها، سواء المعارضين او المؤيدين للثوره الشعبية المصرية.
11- من الملاحظ ان هناك روح جديده دبت في الشعب المصري، واعتقد انه حتى في اسوأ الاحتمالا ت التى تتمثل في امكانية سيطرت النظام على الاحداث، فان الواقع في مصر المستقبل لن يكون باى حال من الاحوال شبيها او قريبا من الواقع قبل 25 يناير، بعد ان نزع الناس من قلوبهم الخوف من النظام، وتبلور ثقافه ثورية في الوعي الجمعى احست بقيمة الاتحاد والمشاركه لاحداث التغيير.
امام هذا الوقائع المختلفه، واصرار كلا من النظام والثوار على مواقفهم، فان الوضع المستقبلي يندر بتداعيات خطيره من الصعب تدارك عقباه، ربما تصل الى فوضى شامله وحمامات دم، ولهذا نجد انه من الضروري اتخاذ بعض الخطوات الاولية للوصول الى بر الامان، وتحقيق الثورة لاهدافها :
1- تشكيل قياده موحده للثوره تثفق على مطالب التغيير والاصلاح ويتمترس الجميع حولها ويمكن اجمالها بوضع دستور جديد والدعوه لانتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهه خلال فتره محدده، تفرز ممثلي الشعب وترسى مبادئ العداله والحرية في المجتمع وللجميع، ويتم تعيين متحدث رسمي باسمها، يكون مصدر المعلومات الوحيد لهذه القيادة.
2- يجب ان تحدد هذه القيادة آلية التغيير، اما بالثوره الشامله وخوض حرب شامله مع النظام بكل مؤسساته، او الوصول للتغيير من خلال الحوار، واستبعاد امكانية قيام الجيش بحسم الامور لصالح الثوره، على الاقل في هذه المرحلة، لان القيادات العليا في الجيش في غالبيتها موالية بشكل كامل للنظام الذى اجزل لها العطاء وكان يقوم بعملية غربله لها قبل اسناد اى منصب قيادي لها.
3- من قراءة ما يجري يتضح ان الجميع يرغب في التغيير عن بطريقه سلمية، وهنا لابد من الحوار مع النظام الحالي بكل سيئاته من اجل ضمان انتقال سلس للسلطه، وضمان تحقيق المطالب الشعبيه، وتشكيل حكومه من التكنوقراط، لتجنيب البلاد سيناريوها غير مرغوبه.
واذا كان الهدف الاساسي للثورة يتمثل في تحقيق اهداف محدده، تحقق العداله والحريه، والديمقراطية للجميع، فان الوصول الى ذلك هو الهدف الاسمى للثوره. فالشعب يجب ان يجنى ثمار هذه الثوره، ويجب ان يكون التركيز كله موجها لتحقيق ذلك، فنحن نريد العنب وليس مقاتلة الناطور" اي نريد ان تجنى الثوره ثمارها الحقيقية، اما الناطو او النظام فليس هو الهدف الاساسي اذا تنازل وحقق اهداف الثورة بطريقه او باخرى.
ومن هنا فان تحقيق الاهداف الرئيسية للثوره واخراجها الى ارض الواقع لا يجب ان تقف امامه شروط معينه من هذا الطرف او ذاك، ويجب ان يدرك الثوار ان النظام وازلامه اذا وجدوا انفسهم محصورين بزاوية ضيقه يمكنهم ان يهدموا المعبد على رؤوس الجميع، ويحرقوا البلاد والعباد، وبالتالى فان الحكمه ومصلح الوطن تتطلب بعض المرونه للخروج من هذا المأزق، ومنح النظام وازلامه بارقه امل، بامكانية الخروج او البقاء الآمن. فالخروج الامن للرئيس يجب ان يكون مرحب به وبقائه ايضا وبشروط، اما الفاسدين الذين استغلوا البلاد وعاتوا بها الفساد فيجب ان يمنحوا حق الخروج بعد محاكمات تعيد ما سلبوه للشعب، او يتم منحهم حق البقاء بعد تنازلهم طواعية وافصاحهم بمحض ارادتهم للاموال التى سلبوها من الشعب.
ان منح الأمان للنظام وازلامه هو الكفيل باحداث التغيير المطلوب والوصول بالبلاد الى بر الامان، وهذا لا يعنى التخلى عن اعادة الحقوق الى اصحابها او محاكمة الذين اجرموا بحق الشعب ومقدراته، وعلينا ان نتذكر معاملة الرسول الكريم مع كفار مكه يوم فتح مكة، فالرغم مما عانه الرسول الكريم منهم من ظلم وتآمر ومحاولات مستميته للقضاء عليه وعلى دعوته، الا انه في يوم الفتح العظيم دخل مكه منتصرا بدون قتال، واعلن العفو عن الجميع وامنهم في بيوتهم واموالهم، فكان يوما مشهودا خلق مجتمع جديد فتى استطاع ان نشر نوره الى كافة جهات الارض.
وهنا اتمنى ان يستذكر حكماء مصر وشبابها وشيوخها هذا المشهد العظيم، ليكون لهم نبراسا في طريقهم الى الحرية وبناء مجتمع جديد يقوم على التعددية والحرية وصيانه الحقوق. فهذه اللحظه العظيمة التى يعيشها شعب مصر العظيم، لا يجب ان تكون لحظه انتقام او لحظه تصفية حسابات، او تكريس احقاد، بل يجب ان تكون لحظه انتصار مشرف وعظيم، تعاد فيه الحقوق الى اصحابها، ويتم محاسبة المخطئ والعفو عن المسئ، وحمد الله تعالى على هذا النصر العظيم، لتبدأ مرحله جديده في حياة الامه خالية من كافة السلبيات والاخطاء التى لم تظهر فجأه في زمن مبارك، بل تراكمت على مدار عقود بل وقرون، ولكن الشعب استطاع ان يحقق بعض الانجازات والنقلات النوعية خلال هذه المده، لا يمكن انكارها لقادة مصر، وهنا يجب البناء عليها وتطويرها، من خلال هذه الثوره الفارقه في التاريخ المصري، والتى تفرض عليها عظمتها واهدافها السامية والنبيله التحرك على ارض الواقع بالتمسك بمبادئها الحقيقية، واهمال او وضع حلول خلاقه للمطالب الفرعية للعبور بسلام الى بر الامان.
فليس من مصلحه مصر والمصريين اذلال رئيسهم، بطريقه لا تليق بعظمة مصر وحضارتها، ووضعه في موقف يستجدي شعبه للخروج من منصبه بكرامه بعد ان تخلى عنه اعز اصدقائه من الدول الغربية، ويكفيه ما حدث درسا وعبره له ولغيره.
وليس من مصلحة مصر وشعبها ان يهرب رجال الاعمال من مصر باموالهم التى جنوها في ظل النظام البائد، بل يجب ان يمنحوا فرصه للتوبه والبقاء في مصر بعد ان يردوا ما نهبوه من اموال الى الشعب، ليتم تشكيل صندوق قومي يوزع هذه الاموال على الشعب او يحل بها مشاكل الطبقات الفقيره والمعدومه.
وليس من مصلحة مصر ان يعيش على ارضها الطاهره اناس اساءوا لبلدهم ولاخوانهم في فترة النظام السابق، منبودين ومحملين بعقدة الذنب والكراهية من الجميع، بل يجب منحهم فرصه للتوبه والانخراط من جديد في المجمع الجديد الذي سيتشكل على قاعدة من التسامح والحب والكرامه للجميع. ويجب ان يدرك الجميع ان الفساد والمحسوبية وكل الامراض القاتله كانت منتشره في بنية المجتمع المصري باكمله، الا من رحم ربي، ولهذا لا يمكننا ان نلوم فقط هذا المخبر او ذاك الشرطى او رجل الامن او الموظف الكبير، فالكل كان في ظل هذا النظام الفاسد فاسد ومقصر في حمل الامانه حتى اللذين يتظاهرون اليوم. واذا كان قد صحى ضميرهم في هذه اللحظة التاريخية، فيجب عليهم ان يمنحوا غيرهم فرصه للرجوع الى الحق والتوبه، فالعودة الى الحق خير من الاستمرار بالباطل فالكل اجرم بطريقه او باخرى بحق اخيه، والكل مسئول عما آلت اليه الامور.
ان البناء الجديد والشرعية الجديده مهمتها الاولى هي تصحيح كل ذلك، وعدم التفرع لمعارك جانبية وانتقام وتصفية حساب، يجب ان يعلن الشعب المصري بكامل فئاته وفي ميدان التحرير وقبل ان ينفض الثوار قانونا للتسامح والمحبه والعفو الجميل، ويشمروا عن ساعد الجد لبناء مجمعهم الجديد، على اسس وقيم جديده لتبدأ صفحه بيضاء، يسطر فيها الجميع اسهاماته وابداعاته على اسس من الحرية والكرامه والعدالة وكفى الله المؤمنين شر القتال"
فينا 5/فبراير/2011
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)