حوار .. وصاحبه غايب
بقلم / يوسف العاصي الطويل
عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
يحظى الحوار الفلسطينى الفلسطينى الذى ترعاه مصر بين الفصائل الفلسطينة وبالذات بين حركتى فتح وحماس باهتمام بالغ على كافة المستويات الدولية والعربية والفلسطينة ويعقد عليه الكثيرون الآمال في اعادة القضية الفلسطينية الى مسارها الصحيح بعد الانقسام الذي حدث نتيجة استيلاء حماس على السلطة ونتائجه الكارثية على الشعب الفلسطيني.
وقد دعت مصر كونها راعية الحوار كافة الفصائل الفلسطينة للحوار معها في القاهرة لوضع صيغه مقبولة من الجميع للحل الذي يكفل اعادة اللحمة لجناحي الوطن ويعيد الامور الى وضعها الطبيعى. وبالرغم من ايماني بان الحوار الفلسطينى مطلب مهم وضرورى في كل زمان ومكان لمواجهة التحديات التى تواجه القضية الفلسطينة، الا اننى اعتقد ان الحوار الدائر الان في القاهرة لا يمكن ان تنطبق عليه كلمة حوار او كونه فلسطينى، بالرغم ان مصر دعت اليه كافة الفصائل الفلسطينية. لان الغائب الاكبر عنه هو الشعب الفلسطينى وقضاياه العادله .
اما لماذا لا يمكن تسمية ما يجرى في القاهرة بالحوار فهو لان ما يتم هناك هو فرض ارادات وكسر عظم، لتمرير مخطط ثم رسمه بدقه لتوريط حماس للوصول الى احدى نتيجتين اما الانخراط في العملية السلمية واما الفشل التام، وتحميل حماس مسئولية فشل الحوار.
وقد سبق وان عبرت عن وجهة نظرى فيما حدث على الساحة الفلسطينية منذ دخول حماس الانتخابات واستيلائها على السلطه وهو انها وقعت نتيجه عدم وعيها بفخ نصب لها بدقه وادخلت نفسها في ورطه لا فكاك منها الا بالرضوخ لمطالب الطرف القوى وهو سلطة عباس التى تقف ورائها دول عربية معينه وامريكا واسرائيل، او مقابلة مصيرها المحتوم وهو الفشل التام نتيجه عدم امتلاكها مقومات البقاء.
فحماس تشارك في الحوار بعد اكثر من سنه من انقلابها واستيلائها على السلطله وهى تمر بأسوأ مرحلة في تاريخها في ظل الحصار المفروض عليها وعلى القطاع، حيث كانت هذه الفترة سيئة بكل معنى الكلمه على حماس نتيجة الضغوطات الداخلية والخارجية التى مورست عليها والتى دفعتها الى القيام باعمال كانت تعيبها على حركة فتح واصبح الشارع الفلسطينى يتنذر على ما كانت تحرمه حماس على فتح واحلته لنفسها (اعتقال وفساد ومحسوبية وتنكيل وقتل ..)
وربما تفاخر حماس ببعض الانجازات على الارض وهى انها استطاعت ضبط الامن في القطاع ولكن هذا الادعاء فيه مغالطة كبيره حيث ان ذلك ثم من خلال القيام باعمال لم تجرؤ سلطة فتح التفكير بها، كما ان حماس تتفاخر بانها ورغم الحصار استطاعت ان توفر للشعب في القطاع مستلزماته الحياتية وتمكنت من ادارة المؤسسات بالرغم من استنكاف موظفي السلطة عن العمل.
وربما يكون هذا صيح واعتقد ان الايجابية الوحيدة لهذه الامور هى ان حماس استطاعت توفير فرص عمل لعاطين عن العمل في ظل سلطة فتح، فاصبح اهالى غزه غالبيتهم موظفين اما في سلطة حماس او في سلطة عباس. واذا كان توظيف العاطلين وتعطليل العاملين جلب الاموال لاهالى غزه الا انه في نفس الوقت جلب الدمار حيث آلاف العاملين السابقين اصبحوا يفترشون الشوارع وتحول آلاف العاطلين والمهمشين سابقا الى سادة الميدان، وهذا بدوره ادى الى تكريس حاله من الانقسام الرهيب وحول الشعب الفلسطينى الى جماعات مصالح مرتبطه اما بحماس او بسلطة عباس .
وربما هذا يقودنا الى حقيقة تمثيل الفصائل الفلسطينة للشعب الفلسطينى حيث ان هذا الادعات في الوقت الحالى لا اساس لها من الصحة حيث ان الناس فرض عليها اما ان تكون حماس او فتح من خلال مساومتهم على لقمة العيش والذي لا يجد يستطيع ان يبحث في فصيل آخر يلمه، او ان يعمل في التهريب (ومن شابهه رئيسه فما ظلم) عبر الانفاق التى تغض عنها الطرف مصر واسرائيل لزياده ورطة حماس وزيادة نقمة الشعب عليها نتيجة للغلاء الفاحش الذى يشهده القطاع .
لقد ذهبت كلا من حماس وفتح وباقى الفصائل الفلسطينية الى القاهرة مدعيه انها تمثل الشعب الفلسطينى وقضيته العادلة، ويؤسفنى القول ان هذا ادعاء باطل ولا اساس له من الصحة بالرغم من قدرة هذه الفصائل على حشد الجموع عند الحاجه لاثباث قوتها على الارض والادعاء بان ذلك المهرجان او الاحتفال حضره مئات الالوف من مؤيديها، بل ان المتابع للشأن الفلسطين يحار في بعض الاوقات حول تحديد تعداد سكان غزه وانتمائاتهم نتيجه لادعائات بحشود مليونية من بعض الفصائل، ولكن ربما يكون هذا الواقع صحيحا في ظل الحصار والتجويع والتهميش والفساد الذى جعل الناس على استعداد لتغيير الوانها لمن يدفع او يوظف، اى ان الفصائل ارغمت الشعب ان يعطى انتمائه ليس لمن يرفع شعار حماية القضية بل لمن يدفع الراتب ويمنح الكابونه.
من هنا لا نستغرب ان القضايا الاساسية التى يدور حولها حوار القاهره هى قضايا تتعلق بتقاسم السلطة والمناصب وليس قضية القدس او اللاجئين او غيرها من القضايا الجوهرية . ان المتحاورون في القاهره وبعد ان استطاعوا تقسيم الشعب الفلسطينى الى جماعات مصالح او لوبيات مرتبطه بمن يدفع الراتب تشعر بالافلاس الوطنى ولا تجد سبيل لحماية نفسها الا من خلال الحصول على اكبر نصيب من الكعكه لارضاء جماعات المصالح تلك واللوبيات التى تنتظر حصتها من الميراث .
للاسف ان الانتماءات الحزبية الآن وبعد اوسلوا اصبحت انتماءات مصلحية لا علاقة لها بالوطن او القضية، وكل تفكير الناس الآن مرتبط بهذا الامر السؤال عن الراتب وموعد نزوله والعلاوات وغيرها من الامور، بل ان الشعب الفلسطينى فقد الاحساس بابسط معانى النضال والوطنية عندما ارتضى لنفسه او فرض عليه ان يعيش عاله على صدقات ومعونات الغير الذين يدفعون لملوك الطوائف لتكريس الانقسام والاجهاز على البقية الباقية من القضية، لان من لا يملك لقمة عيشه لا يستطيع ان يكون حرا في قراراته وسيظل يخضع لاجندات غيره.
ان الواقع الكارثي الذى تمر به القضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى لا سابق له وكل ذلك بسبب امراء الحرب والفتنة في حماس وفتح الذين اوصلوا القضية الى نهايه مأساوية بسبب مصالحهم الشخصية والحزبية الضيقة، وبالرغم من ذلك يصرون على انهم يمثلون الشعب الفلسطينى.
ان قضية ادعاء فتح وحماس بثميل الشعب الفلسطينى قضية تحتاج الى اعادة نظر وتدقيق، نعم ان الفصائل الفلسطينة كانت لديها الشرعية النضالية للادعاء بثميل الشعب الفلسطينى عندما كانت حركات مقاومه تضع القضية الفلسطينية وهموم الشعب الفلسطينى ضمن اولى اوليلتها وكان عطاء ابنائها للوطن مغموس بلون الدم واسواط السجانين، ولم يكن للراتب والمناصب والرتب اى اعتبار لدى مناضلي وشهداء هذه الفصائل ، اما الآن في زمن التجار وعبيد السلطة فلا احد له حق الادعاء بتمثيل الشعب الفلسطينى الا من خلال مؤسسات ديمقراطية تعطى الشرعية لمن له الحق بتمثيل الشعب الفلسطينى.
ولو تأملنا واقعنا الحالى فانه لا يوجد فصيل او حركة يمكنها الادعاء بانها تمتلك هذه الشرعية لعدة اسباب :
ان الشعب الفلسطينى ليس فقط في غزه والضفة بل ان غالبيته في الشتات، ولم يتم اجراء انتخابات حقيقية لاختيار ممثلى الشعب الفلسطينى منذ فتره طويله ناهيك عن ان المجلس الوطنى الفلسطينى يتم اختيار اعضاءه بالتعيين وليس بالانتخابات، كما ان بعض الفصائل غير ممثله به، ويعقد فقط عند الطلب ولتمرير قرارات كارثية.
اما المجلس التشريعي الاخير والذى اعطى حماس الاغلبية فانه لا يمنح حماس او فتح حق الادعاء بتمثيل الشعب الفلسطينى حتى في غزة والضفة .
فحركة فتح بالرغم من تاريخها النضالى وامكانياتها اللامحدوده فشلت في هذه الانتخابات بسبب فساد قادتها ونهبهم لاموال الشعب وتخليهم عن المشروع الوطنى، وفي ذلك اكبر اشاره لرفض الشعب لهم ولفسادهم وافسادهم الذى يصرون عليه ولا يخجلون منه ولحتى اللحظة لم تتمكن الحركة من تطهير نفسها من الفاسدين واللصوص الذين اختطفوها من ساحات النضال الى ساحات البزنس والخذلان، وها هي الحركة تعقد اجتماعها في فنادق عمان للتحضير للمؤتمر السادس الذى ربما يتم الدعوه لعقده في باريس للتفريح عن مناضلي فتح الاشاوس.
اما حركة حماس فليس من حقها بالرغم من حصولها على الاغلبية في الانتخابات الاخيرة الادعاء باحقيتها بتمثيل الشعب الفلسطينى، لان الشعب اختارها بطريقه ديمقراطية وبناء على برنامج التغيير والاصلاح، ولكن عندما لجأت الحركة الى استخدام القوة والسلاح (بغض النظر عن الاسباب) فهذا الامر لا يمت للديمقراطية بصلة والتى لازالت حماس تحتمى بها. ان الديمقراطية تعنى حكم الشعب والالتجاء له، واى خلاف او قضية وطنية يجب الاحتكام بها الى الشعب وليس الى القوة العسكرية. ان حماس بانقلاباها الدموى انقلبت على الديمقراطية ومارست عمل لا تقبله ادنى مراتب الديمقراطية وبالتالى ليس من حقها الادعاء بتمثيل الشعب الفلسطينى.
كما اننا اذا كنا نريد ان نحتكم الى النظام الديمقراطى او حتى الاسلامى فان ولى الامر او الحاكم منوط به تحقيق مصالح الشعب واذا عجز عن ذلك لاى سبب من الاسبات وجب عزله، واعتقد ان حماس فشلت في كل شئ ولم تطبق حرف واحد من برنامجها الذى حازت على ثقة الشعب من خلاله بل تخلت عن المقاومه واوصلت الوضع فى غزه الى شبه كارثه، فيجب عليها ان تتقى الله في الشعب والقضية، وتعود الى المقاومه وتتخلى عن الكرسي.
ان ادعاء فتح وحماس وحتى غالبية الفصائل الفلسطينة تمثيل الشعب الفلسطينى اصبح شئ مشكوك فيه، لان غالبيتها مرتبط باجندات ليست فلسطينية، ولهذا وصل حالنا الى ما هو علية، واذا اردنا ان نخرج من المأزق فاعتقد ان الحل يتمثل في قيام جامعة الدول العربية بالدعوة لاجتماع اسثنائي للرؤساء العرب لفرض شخصية فلسطينة محترمه وقديره وغير حزبية لتسيير امور الشعب الفلسطينى والاعداد لانتخابات فلسطينية رئاسية وبرلمانية تشمل فلسطيني الداخل والخارج، وتكون ضمن الاوليات اعادة هيكلة اجهزة السلطة بالكامل على اسس وطنية ومهنية بحثه ومتابعة النضال من اجل الحصول على حقوق الشعب الفلسطينى، ويجب ان يتم منع الدعم المالى والمعنوى عن امراء الحرب في فتح وحماس وتعريتهم والعمل على محاسبتهم على جرائمهم بحق الشعب والقضية.
وربما يرفض البعض مثل هذا الاقتراح بدعوى انه سيلغى استقلالية القرار الفلسطينى وسيكون بدايه لتدخل الدول العربية في الشأن الفلسطينى، وهنا يجب ان نكون صريحين ونسأل انفسنا متى كان القرار الفلسطينى (اقصد قرار الفصائل) مستقلا؟ هل فصائلنا تمول نفسها بنفسها ام انها تعيش على صدقات وتنفذ اجندات مختلفه. اننى اعتقد ان مقوله استقلالية القرار الفلسطينى فتح الباب على مصراعية للمتسلقين والارزقية للاعتياش على حساب قضيتنا العادلة، وهنا يظل الشعب والقضية هم الغائب الاكبر عن المولد (اقصد الحوار)، وانشاء الله يتمكن هذا الشعب العظيم بقضيته العادلة من قلب الطاولة على تجار القضية وسماسرتها حتى لا يخرج من المولد بلا حمص ..!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق