بقلم / يوسف العاصي الطويل
عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
منذ اسبوعين وفي السادسه صباحا طرق باب بيتى شاب في مقتبل العمر يسألنى عن ابن اخي الصغير، وعن سبب تغيبه عن دروس حفظ القرآن منذ ثلاثة ايام، ولم يدر بخلدى حينها ان هذا الشاب سيكون احد ضحايا المجزره البشعه التى شهدتها مدينة رفح خلال الصراع على مسجد ابن تيمية الذي كان يخطب فية المرحوم الشيخ / عبد اللطيف موسى، والذى كانت تربطنى به صداقه ومعرفه منذ ايام دراستى في المراحل الاعدادية والثانوية، حيث كان معروفا عنه تفوقه الدراسي وخلقه وتدينه وورعه، ثم زاده اله علما فاصبح طبيبا وداعية وخطيب مسجد يشهد له الجميع بالعلم وتقوى الله.
وقبل ان استرسل في الحديث فاننى اود ان اوضح باننى لا انتمى لاى فيصيل او تنظيم فلسطينى سواء كان ذا توجهات اسلامية او غير اسلامية، بل اننى كنت ومازلت من الرافضين لنهج التفريط والفساد، وايضا لنهج التوريط وتسيس الدين والزج به في صراعات ومواقف غير محسوبه لما لذلك من تداعيات خطيره ليس على اتباع الحركات الاسلامية، بل على الدين الاسلامى ورسالته السمحه، ومن هنا كان انتقادى لحماس ودخولها للسلطه وتجاوزاتها، وايضا فاننى لا اوافق اطلاقا على تصرفات جماعة جند الله الاخيره، وحملها السلاح ضد سلطة حماس .
ولكن كمواطن فلسطينى عادي والحمد لله ملتزم دينيا واسكن في مدينة رفح، فقد صدمت كما صدم غيرى لما آلت اليه الاحدات من مقتل هذا العدد الكبير من الابرياء وبهذه السرعه المستغربه وبدون اعطاء الحوار والجدل بالحسنى ايه فرصه، واستطيع ان ازعم بان هذه المجزره البشعه سجلت رقما قياسيا من حيث عدد الضحايا والمصابيين الذين سقطوا في فتره زمنية قصيره لا تتجاوز 12 ساعه، سمعنا خلالها قصف وتفجير واطلاق نار كثيف على مجموعه صغيره متحصنه في مسجد للعباده، حيث تحولت مدينة رفح الى ساحة حرب خلال لحظات وبدون سابق انذار.
اذكر باننى كنت ذاهب الى المستشفى لعلاج بنت اختى من جرح بسيط واذا باطلاق نار كثيف وانفجارات تترامى الى مسامعى من كل مكان وبدأ انتشار المسلحين في كل مكان مما اثارت الرعب والخوف والهلع لدى السكان الآمنين وبدأ المسلحون يتقاطرون الى مكان الاشتباكات بسياراتهم وكأنها حرب بين عصابتين على غنيمه يحاول كل طرف الظفر بها غير عابئ باصحاب المكان وسكانه، فقررت العودة الى البيت بسرعه للاطمئنان على اسرتى واخذا الاستعدادات اللازمه في البيت لمثل هذه الحالات التى وبصراحه اتوقع ان يحدث خلالها اى شيئ بسبب همجية المقاتلين الذين لا يفرقون بين مدنيين وغيرهم وتجاربى في ذلك كثيره حيث قتل العديد من المواطنين الابرياء خلال الصراعات بين التنظيمات واذكر انه في احدى المرات اصيب منزلى بثلاث رصاصات طائشه استقرت احداها على باب غرفة مكتبي، واخرى اخترقت باب الشقه واستقرت في المطبخ والثالثة استقرت في غرفة الجلوس، ولكن الله قدر ولطف.
وفي الاحداث الاخيره قتل ثلاث اطفال ونساء واناس ليس لهم دخل في طوشه حماس وجند الله، وحتى الجانب المصري لم يسلم من هذا العبث حيث اصيب شخص على الطرف الاخر من الحدود، وهنا ليس المهم البحث عما اطلق هذه الرصاصة او تلك بل المهم هو السؤال على اخلاقيات ومسئولية حمل السلاح واستخدامه في الوقت المناسب والمكان والاتجاه المناسب، ومن الشخص المناسب.
لقد صادف يوم تشييع الجنازات، اضرارى للذهاب انا واسرتى الى غزه، حيث حاولت جاهدا ان يكون موعد مغادرتى رفح في وقت قبل او بعد انتهاء الجنازات خوفا من حدوث امر ما ولكن برغم كل الترتبات وصلت الى دوار مسجد العوده حيث موقف السيارات وايضا مكان انطلاق الجنازات، وكأننى على موعد مع الموكب فسلمت للامر ولكن بحذر وطلبت من ابنائي ان يحاولوا الابتعاد عن الموكب الملئ بالمسلحين المتأهبين لاطلاق النار على اي شئ، وبالذات وان هناك موكب لوزير الداخلية وقادة من الاجهزة الامنية سار مع الجنازه، ولكن والحمد لله مرت الجنازه على خير ولكننى كنت اتأمل في وجوه الجالسين على الطرقات وحيرتهم ودموعهم المحبوسه، وحزنهم المكبوث امام هذا المشهد المفجع في ظل صراخ مذيع الجنازه بالوعد بالثأر لهؤلاء الشهداء، وبنظره متفحصه ادركت ان هناك فرقاً كبيراً من حيث العدد ومن حيث الانفعال تجاه هذه الجنازات مقارنه باعراس شهداء المقاومه ضد الاحتلال، وكان لسان حال الجميع يقول لا حول ولا قوة الا بالله، ليس شماته او حزناً على من رحلوا بل خوفاً على من يعيشون موتهم البطئ بسبب ظلم وجهل ذوى القربى.
واذا كنت قد حاولت الابتعاد عن الجنازات الا ان واجب العزاء امر لا يمكن التقصير فيه، فوجدنا بيوت عزاء مفتوحه لبعض ضحايا المجزره بعد ان شيعوا بجنازات رسمية وسموا شهداء، وبيوت عزاء ممنوعه لضحايا شيعوا في جنح الظلام وسموا تكفيريين، ولكن كمواطن من نفس المدينه ولي اصدقاء من هنا وهناك واقارب او نسب كيف لى ان اقبل هذا التقسيم المشين، واسكت عن مواساه اب او اخ او قريب او صديق بفقدان حبيب وعزيز لديه، كيف لى او لغيرى ان ينسى داعية وعالم وطبيب انسان مثل الدكتور عبد اللطيف، وكيف لى او لغيرى ان ينكر ويجحد تضحيات ابطال القسام والمقاومه الذين زج بهم الى معارك ليست معاركهم .. كيف لى او لغيرى ان ينسى حفظة قرآن ومجاهدين ورواد مساجد ورفقاء سلاح واقبل بتقسيمهم الى شهداء وتكفيريين، تنتظر بعضهم جنان النعيم والحور العين، ويصلى بعضهم الجحيم، وتفتح لبعضهم سرادق العزاء وآخرون لا عزاء لهم.
كيف لى ان اقبل ان يتنكر دعاه وحفظة قرآن ورواد مساجد ومجاهدين ومقاومين وخلال لحظات الفتنه لبعضهم البعض ويصبح بأسهم بينهم شديدا وينسوا الفضل بينهم، بالرغم من يقينى الكامل بانهم جميعاً يعرفون بعضهم البعض الى ابعد الحدود، سواء كدعاه او مجاهدين او رواد مساجد، ولكن وخلال لحظه تغير كل شئ واصبح علماء ومجاهدوا الامس كفره مرتدين، وبدأ الاصطفاف الحزبى والتنظيمى هو الحكم الفصل، اما معنا او ضدنا، وطغى الفجور والكذب على الله والناس لتبرير المواقف وتحميل المسئولية، لهذا الطرف او ذاك، بدل مراجعة الذات واخذ العبر فكانت شماعة رام الله ودحلان واسرائيل حاضره، وتهم العماله والحرص على الكرسى جاهزه كالعاده. اما من اوصلوا الامور الى هذه النهاية المأساوية فهم ابطال ومجرمون حسب الانتماء التنظيمى، وشاعت بين الناس اقوال واشاعات لا اول لها ولا آخر، وكأن المطلوب من الجميع تحديد قبلة دمعته واين تذهب الى الشهداء ام الى التكفيريين، والذي لا يستطيع ذلك، فليهب دمعه الخذ الايسر لاهل الكفر والمارقين ودمعه الخذ الايمن للشهداء الميامين، اما الحزن وتطبيقا لسماحة ديننا الحنيف فمسموح اغتصابه وكبثه الى حين، عملا بحديث رسولنا الكريم "اشققت قلبه".
لقد وجدت نفسي كغيرى من سكان رفح بالذات اعيش مأساه حقيقية لهذا الحال الذى وصلنا اليه، واحترت اين اضع دمعتى التى عادة لا مكان لها في اعراس الشهداء، ولكن في هذا المشهد بالذات انهمرت الدموع ليس بالدرجه الاولى حزناً على قريب او صديق، بل حزنا والماً على وضع عام مزرى ومخزى بكل معنى الكلمه، جعل الاخ لا يتورع عن قتل اخيه والصديق يجحد فضل صديقه وينكره، واصبح بأسنا بيننا شديدا في حين يقبع العدو المغتصب على مرمى حجر.
اذكر عندما حدث الحسم/ الانقلاب اننى كنت عائدا من سفره خارجية استمرت لشهور عديده، وكالعاده يحضر الاهل والاقارب للسلام وصادف اننى قمت بدعوة اخوتى واخواتى وعائلاتهم لطعام الغذاء في منزلى، وقبل ان نقوم بتقديم الغذاء سمعنا ذوى انفجارات واطلاق رصاص كثيف بالقرب منا، وعندما نظرت من الشرفه وجدت ما يقرب من عشرين مسلحاً يهاجمون نقطه على الحدود المصرية للسلطه السابقة، والنقطع عباره عن قطع من الصفيح والتنك التى اجتهد حراسها في بنائها لتقيهم من برد الشتاء وحرارة الشمس، وعلمت ان عدد افرادها جنديين من جيراننا، وقد اثار استغرابي اكثر حجم القوة التى هاجمتها وحجم القنابل والرصاص الذى اطلق عليها. وفي نفس اللحظه التى كنت اتأمل هذا المشهد المؤلم سمعت صراخ وعويل نساء في الجهه المقابله، والتى جن جنونها عندما سمعت صوت الانفجارات واطلاق الرصاص، خوفا على ابنائها الذين كان احدهم يحرس النقطه والآخر ضمن القوة المهاجمه، ولكن والحمد لله كان افراد النقطه قد انسحبوا منها منذ فتره، وفؤجئت بان القوة المهاجمه تعلم ذلك فنزلت من منزلى وتوجهت الى مسئول القوه (وهو جار لنا) وخاطبته بحده وبغضب لماذا كل هذا الرصاص والتفجيرات على نقطه من تنك، ولماذا هذا الترويع للاطفال والآمنين، فلم يستطع تبرير ما حدث فانسحب خجلاً من المكان، ولكن في اماكن اخرى كانت الامور اسوأ حظاً فقتل من قتل واعدم من اعدم، بيد صديق او اخ او قريب ولا احد يدري، وشاهدنا من يصلى حمدلا لله على الانتصار ومن يبكى ويتحصر على فراق الاحبه والرفاق.
وها هو المشهد يتكرر، ويسقط الضحايا ليس في ساحات العزة والشرف بل في صراع على سلطه واماره، تشتيها نفوس امارة بالسوء، فتقتل وتذبح في سبيل الوصول اليها، وتخشاها نفوس، واخرى تكتفى ازاء فتنتها بترديد القول المأثور "اللهم اضرب الظالمين بالظالمين واخرجنا من بينهم سالمين" وكأن الامر لا يهمهم وكفى الله المؤمنين شر القتال. ونسوا اقوال آخرى مثل من لم يهتم بامر المسلمين فليس منهم وايضا "انصر أخاك ظالماً او مظلموما" واعتقد ان الجميع يعلم مغزى الحديث ومعناه، وفي هذا الاطار اود ان اشير الى بعض الامور من باب الاهتمام بامر المسلمين ونصرة الاخ ظالماً او مظلوماً، وان كان لومى لحماس اكثر فلانها هى السلطه المسئولة الآن عن مصالح العباد والبلاد في غزه.
وهنا اضع السؤال الكبير لماذا كان هذا الاستعجال باستخدام القوة المفرطه للسيطره على هذه المجموعه بالرغم من انه كان بالامكان محاصرتها داخل المسجد المتحصنه فيه او محاصرة حي البرازيل الذى وقعت فيه الاحداث لمدة اسبوع او اسبوعين لفتح المجال اما لغة الحوار والعقل والاصلاح تطبيقا لشرع الله. ثم لماذا لم تؤخذ بالحسبان حياة المدنيين الذين يقطنون في تلك المنطقة لاخلائهم منها اذا كانت النية مبيته لاستخدام القوة، ام ان الحركات الاسلامية ايضا لا تضع اعتبار لهذا الامر، وهذا يمنح اسرائيل حجه قوية لتبرير جرائمها ضد المدنيين من ابناء شعبنا.
وهنا اتسائل كيف يمكننا ان ندافع امام العالم عن مزاعمنا بان اسرائيل تستهدف وتقصف بيوت الله، وانها بيوت خالصه للعبادة، في حين اننا اثبتنا في الاحداث الاخيره عكس ذلك، فقصفنا بيوت الله وحولناها الى تكنات عسكرية وهدمنا بيوت الآمنين .
لقد بررت حماس ومن ورائها هيئة علماء المسلمين في غزة، فعلتها تلك بان جماعة جند الله خرجت على ولى الامر، وهنا نسأل حماس اليس ما قامت به من انقلاب حسب معجم رام الله او من حسم حسب معجم حماس، يعتبر انقلاب بنفس المعنى. ربما يقول البعض ان ما قامت به حماس لا يعتبر خروج على ولى الامر لان سلطة عباس لا تحكم بشرع الله. ونرد على ذلك بان اولى مطالب جند الله كانت الحكم بالشريعه، واعلن اميرهم بانهم سيكونون عبيدا لحماس اذا حكمت بالشريعه، وهنا تستوى حماس مع فتح، كما ان اولى مطالب جند الله كانت اتباع نهج المقاومه ضد الاحتلال والتى تحاربها حماس الان، بعد ان كانت تعيب ذلك على سلطة عباس.
اما موضوع ترويع الامنين واستهداف الافراح وغيرها من العمليات المرفوضه دينيا ووطنيا والتى اتهمت بالقيام بها جماعة جند الاسلام فان حركة حماس يجب ان لا تنسى بانها كانت اول من ادخل مثل هذه العمليات الى القاموس الفلسسطينى في بداية تأسيسها عندما استهدفت المقاهى والاعراس حتى وصل الامر الى احراق مكتبة جمعية الهلال الاحمر بغزه والجميع يذكر ذلك، ويذكر حرب الجنازير التى كان شعارها "اننى اشتم رائحة الجنه".
لقد قام بعض المحللين بالبحث عن اسباب تسرع حماس بالرد على جند الله بهذه الطريقه العنيفه، معتبرين ان ذلك كان بهدف ارسال رسائل متعدده للداخل والخارج تهدف الى اظهار حماس بمظهر الممثل للاسلام المعتدل او الوسطي الذى يرفض فكر الجماعات الجهادية او التكفيرية كما يسمونها، وربما يكون هذا التحليل يمثل جزء من الحقيقة، ولكن اعتقد ان الجزء الاهم من الحقيقة هو سيطرت فئه دموية على هذه الحركة وحرصها الشديد على الكرسي، حيث انها لا تختلف عن ايه حركه تكفيرية اخرى، واعتقد ان نظره سريعه لتاريخ حماس يظهر دمويتها وعدم تورعها عن قتل اكبر عدد من الناس في سبيل الحفاظ على مكانتها، وهنا لا يجب ان تسألوا عن تقوى الله ودم المسلم الحرام، لان الجميع في نظر حماس كفره ومرتدين ومنافقين، اذا لم يعلنوا السمع والطاعه، وعند مشايخ حماس الجواب اليقين.
لقد كان سبب المشكلة الرئيس وبالتحديد مع الشيخ عبد اللطيف موسى هو موضوع السيطره على مسجد ابن تيمية التى تريد حماس اخضاعه لوزارة الاوقاف، حيث رفض ذلك، وايضا لو رجعنا الى الوراء قليلا فسنجد ان حماس كانت ولازالت ترفض اخضاع المساجد لسلطة عباس او لسلطة اى تنظيم آخر واحداث السيطره على المساجد في غزة معروفه للجميع، واذكر كيف كانت حماس منذ بداية تأسيسها تحارب السلطة الرسمية لمنعها من وضع يدها على المساجد وايضا منع التنظيمات الاخرى وبالذات حركة الجهاد الاسلامى حيث وصل الامر باتباع حماس الى اتهام اتباع حركة الجهاد بانهم شيعه لتنفير الناس منهم، ولكن سبحان الله انقلب السحر على الساحر واصبح حتى الاطفال الصغار يهتفون ضد حماس بشعارات شيعه .. شيعه، وعذرا فاننى لا اعتبر كلمة شيعه شتيمه او انتقاصا من قيمة اى فرد او جماعه، ولكن حماس وغيرها من الحركات المتعصبه وغير الواعية هى التى استحضرت مثل هذه الشعارات التى تسئ لجماعه اسلامية كبيره لا يجب ان يكون اختلافنا معها في بعض الامور مدعاه للتشهير بهم او تكفيرهم.
اما عن افكار من سموا انفسهم بجند الله واعلنوا الامارة الاسلامية فانها مرفوضه بالكلية بالنسبة لى، ولكنى اذا كنت الوم حماس فلانها هى صاحبة السطه والقوه التى تمنكنها من ادارة الصراع مع مثل هذه الجماعات بطريقة افضل وباقل الاضرار والضحايا ومن خلال اشراك اكبر عدد من الفعاليات الاهلية والعلمية في الحوار معهم، وبعدها يتم اتخاذ قرار جماعى ضدهم اذا فشلت كافة الوسائل .. ولكن لعن الله السلطه التى فرقتنا شيعا وقبائل .. لعن الله الكرسي الذى جعل حفظة القرآن يقتلون بعضهم بعضاً .. لعن الله الكرسى الذى جعل من يرفع راية لا الله الا الله يهاجم ويدمر بيوت الله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق