بقلم/ يوسف العاصي الطويل
ربما تكون تصريحات السيد فاروق القدومى الاخيره والمفاجئه حول ضلوع الرئيس عباس ومحمد دحلان باغتيال عرفات، بدايه لانقسام وتشرذم فلسطين قاتل ومدمر قد يؤدى الى تصفية القضية الفلسطينية، حيث تطرح هذه التصريحات تساؤلات كثيره حول توقيتها ومكان صدورها والاخطر من ذلك هو تزامنها مع بعض التحركات المريبه المتعلقة بالقضية الفلسطينية.
فالرغم من ان اغلب المحللين ركزوا في تحليلاتهم على تصريحات القدومى على مدى صحتها من عدمه، مع ربطها بالصراع على السلطه داخل حركة فتح، الا ان كثير منهم لم يحاولوا ربط هذا التصريحات بالمشهد الفلسطينى بالكامل وبالانقسام الحاصل بين طرفي الوطن وما آل اليه موضوع الحوار وموقف بعض الاطراف الاقليمية والدولية من كل ذلك.
وبالرغم من اننى اتفق مع غالبية التحليلات التى علقت على تصريحات القدومى والمشككه في صدقيتها وتوقيتها، ليس دفاعاً عن عباس ودحلان اللذان اعتقد انهم متورطان باكثر من ذلك، ولكن ما يلفت النظر ان هذه التصريحات صدرت في وقت حساس للغاية قبل بدء الجوله الاخيره من الحوار بين حماس وفتح، وقبل انعقاد المؤتمر السادس لحركة فتح وتزامنت مع تصريحات اسرائيلية بشأن اعتبار الاردن وطن بديل للفلسطينيين واخرى تشير الى قرب تنفيذ مخطط ترحيل فلسطينى الداخل الى الضفه والاردن.
واعتقد ان اى معالجه لتصريحات القدومي خارج السياق العام للتطورات على الساحه الفلسطينية والساحات المرتبطه بها ستكون معالجه قاصره ومغلوطه وتحقق اهداف المستفيدين من وراء تسريبها.
اذاً بداية المعالجه الصحيحة يجب ان تبدأ بصوره عكسية حيث سنصل في النهاية الى الهدف من وراء هذه التصريحات وتوقيتها.واعتقد ان اهم نقطه يمكن البدء منها هي ذلك المشروع الذى طرح للمناقشه امام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست باعتبار الأردن دولة للفلسطينيين، هذا بالاضافه الى اقرار الكنيست قانوناً يعاقب من يعارض الدولة اليهودية الديمقراطية، ثم جاء السفير المصري في اسرائيل ليؤكد هذا التوجه عندما قال لاحد القيادات العربية داخل الخط الاخضر: لدينا معلومات مؤكدة من مصادر لا اريد ان افصح عنها، انّ اسرائيل في ظرف من الظروف، قد تُقدم في العام القادم، اي عام 2010، على ترحيل الفلسطينيين الذين يعيشون في اسرائيل بالقوة الى الضفة الغربية المحتلة او الى المملكة الاردنية الهاشمية، وذلك في اطار تهويد الدولة العبرية
وفي هذا الاطار يجب التذكير بما كانت قد صرحت به وزيرة الخارجية الاسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، من انّ الدولة الفلسطينية العتيدة، في اجزاء من الضفة الغربية المحتلة وفي قطاع غزة، هي ليست للفلسطينيين الذين يسكنون في هاتين المنطقتين فقط، بل ستكون هذه الدولة، لجميع الفلسطينيين، بمن في ذلك فلسطينيو الـ48 واللاجئون الذين شُردوا وهُجروا من وطنهم وارضهم في نكبة العام 1948.
ويعلم الجميع ان الحل الاردنى المصري للقضية الفلسطينية مطروح منذ فتره طويله ولكن الظروف العربية والدولية والفلسطينة لم تكن تسمح بتمريره. اما الآن ففي ظل التفرد الامريكي بالنظام الدولى وفي ظل غياب الدور العربي والانقسام الفلسطينى فان هذا التوقيت هو الافضل لتنفيد هذ المخطط واخراجه من الادراج للوصول الى مرحلة التنفيذ الفعلى باستخدام سيناريو الفوضى الخلاقة، من خلال الاجهاز على البقية الباقية من مظاهر السلطه الفلسطينية المعترف بها دوليا وعربيا واقصد سلطة رام الله وعلى رأسها الرئيس محمود عباس، لان سلطه غزه ممثله بحماس لا حول لها ولا قوة بعد ان سيقت الى فخ السلطه فاصبحت حركه بلا طعم او لون مثل الذي يرقص على السلم على رأى اخواننا المصريين فلا الى فوق سمعوها ولا الى تحت عرفوها، بمعنى آخر اصبحت سلطه حماس ساقطه من كافة النواحي وتستجى الرضا من اسرائيل والدول العربية المحيطه بها وتخلت عن برنامج المقاومه، وبقائها بالسلطه هو قرار اسرائيلي مائه بالمائه، وستنقذ عليها فى الوقت المناسب.
على العموم ليس تحاملا على حماس فقد سبق لى ان اوضحت وجهة نظري من الهدف من توريط حماس بالسلطه وهو تحقيق احد هدفين اما ادخالها بالعملية السلمية مما يعنى تحقيق اهم الاهداف الاستراتيجية الاسرائيلية من خلال اضفاء شرعية اسلامية على وجوها بالمنطقة مما يعنى ان كافة الدول العربية والاسلامية ستهرول الى التطبيع مع اسرائيل، ولكن اذا اصرت حماس على عدم الاعتراف باسرائيل فان السيناريو الاخر هو العمل على تعزيز الانقسام الفلسطينى وتطويل عمر حماس بالسلطة والبدء بتنفيذ خيار الوطن البديل بضم الضفه الى الاردن وغزه الى مصر.
ومن المفارقات العجيبه التى سمعنا عنها الايام الماضية هو تصريحات لزعماء من حماس بشأن اقتراب الموقف المصري من موقف حماس بالنسبه لقضايا الحوار، وايضا الحديث عن خلافات بين عباس والاردن حيث قيل ان الاردن رفض مرتين طلب عباس لقاء الملك الاردنى، وايضا قبلها سمعنا نتنياهو يتحدث عن ضرورة تسهيل حياة الفلسطينين في غزة من خلال فتح المعابر الرئيسية لادخال البضائع الى غزه.
ان تغيير المواقف المريب من قبل اللاعبون الرئيسيون بالقضية الفلسطينية يوضح ان هناك مخطط مريب يحاك وان هناك عملية لتبادل الادوار لتنفيذ مخططات معينه، وطبعا هنا لا استبعد عباس كلاعب اساسي في هذا الفريق الذي تقوده امريكا.
وحتى لا نبتعد عن موضوع تصريحات القدومي فاننى اعتقد انها تصب في خدمة تنفيذ خطة الوطن البديل الذى لا يمكن تنفيذه في ظل وحده فلسطينية، لان طرحها في هذا الوقت يهدف الى زعزعه مكانة عباس او بالاحرى حركة فتح في الضفة الغربية او على اقل تقدير احداث انقسام داخل الحركه تيار ابو مازن من جهه وتيار القدومى من جهه اخرى، وهذا الانقسام سيسهل تنفيذ مثل هذه المخططات، وسيزيد من حالة التشردم والانقسام ليس على الساحه الفلسطينية المنقسمه اصلا بل في داخل حركة فتح اكبر الفصائل الفلسطينية.
وهنا فاننى اعتقد ان القدومى لن سيستطيع تشكيل تيار قوى داخل حركه فتح لان اغلبية الكوادر التنظيمية الحالية داخل الحركة والتى ستذهب الى المؤتمر السادس تم تصنيعها خلال فترة دحلان من الفاسدين والانتهازيين والوصوليين الذين لا تهمهم الا مصالحهم الذاتية وهذا كان سبب رئيس لهزيمة فتح فى الانتخابات السابقة. كما ان ابو مازن عمل منذ توليه السلطه على تهميش دور الحركة في النضال الفلسطينى وفي السلطة الفلسطينة ووضع كافة الامور بايدي فياض الذى وصلت عمليات التذمر منه الى العلن، ولكن ابو مازن اصر على تسليمه الوزاره بحجه رغبه المانحين بذلك.
وهكذا اصبحت حركة فتح صوره بدون معنى، وتاريخ نضالى بدون مناضلين، وكل ذلك جاء نتيجه عمليه منهجية نفذت ضد الحركة منذ انشاء السلطه (وهنا انا لا اعفي ابو عمار من المسئولية)، حيث في البداية تم استبعاد المناضلين الشرفاء من الساحه وسلمت مقاليد الامور كلها لجهاز الامن الوقائى المدعوم ماليا ومعنويا من امريكا واسرائيل، فعاثت فسادا في الارض، ولعبت دورا رئيسيا في الانقسام الفلسطينى، وفي افراز كوادر لا علاقه لها بالنضال والقضية فكانت الهزيمه المدويه لفتح فى الانتخابات.
ثم جاء اصرار ابو مازن وزمرته على خوض الانتخابات التشريعية بالرغم من النصائح التى وجهت اليه بضرورة تأجيلها حتى يتم ترتيب صفوف الحركه مثال واضح على سعيه لاضعاف حركة فتح وتقزيمها، فكانت الهزيمه متوقعه ومقصوده منذ البداية فدخلت الحركة بقائمتين في الانتخابات مما يشير الى حجم الانقسام داخلها، وكحل لذلك اجبر كثير من المرشحين على التخلى عن نيتهم خوض الانتخابات وعوضوا عن ذلك بمناصب صورية في السلطه، والذين رفضوا ذلك تمت محاربتهم ومحاكمتهم تنظيما وطردوا من السلطه وحملوا مسئولية فشل الحركة.
وحتى بعد الهزيمه النكراء لم يكلف ابو مازن نفسه او قيادات فتح مشقة اعادة تنظيم الحركة بل ازداد الفاسدين فسادا والعابثين استهتارا وفسوقا، ولهذا فمن غير المتوقع ان يشهد المؤتمر السادس اى انجاز حقيقى غير انقسام الحركة على نفسها وتلميع لبعض الشخصيات المرتمية في احضان ابو مازن وبرنامجه، وبالتأكيد سيتم تجميد او فصل القدومي واتباعه من الحركه واعفائهم من مناصبهم حيث سيدفعهم ذلك الى محاوله تشكيل فصيل جديد سينضم الى قائمة الفصائل الاخرى التى تحولت لدكاكين لجمع النقطه على حساب الشعب المغلوب على امره، وبذلك يضرب ابومازن عصفورين بحجر واحد يتخلص من المعارضين له داخل الحركه، وفي نفس الوقت يخلق حاله من الفوضى والارتباك في الساحه الفلسطينية وكعادته سيهدد بالاستقاله او يستقيل او يغتال، فيكون هناك فراغ في السلطه بحاجه لمن يملئه او يتطوع لتسييره لفتره معينه، وهنا سيظهر الكرم العربي باجلى صوره.
وهنا يجب التذكير بتصريحات كثيره لمسئوليين اسرائيليين وعرب ودوليين بعدم امكانية التوصل الى حل ينهى الصراع بحجه عدم وجود شريك فلسطينى حقيقي بسبب الانقسام الحاصل على الساحه الفلسطينية، وهذا يعنى وجود فراغ في السلطه على الساحه الفلسطينية، مما يتطلب تدخل ما من قبل الدول الاقليمية او الدولية لمساعدة الشعب الفلسطينى، سواء من خلال قوات عربية او دولية ستكون بداية لتنفيذ مخطط الوطن البديل، ولا استبعد ان يتم تنفيذ ذلك بالتزامن مع ضرب ايران الذى اصبح هدف اسرائيل الاول في هذه اللحظة.
مما تقدم من حقنا ان نتسائل كما تسائل كثيرون لماذا صمت السيد القدومى طوال هذه الفتره عن الافصاح عن هذه المعلومات الخطيره المتوفره لدية؟ فاذا كانت متوفره لديه منذ اغتيال عرفات فلماذا سكت عن البحوح بها كل هذه المدة؟ او على اقل تقدير المطالبه باجراء تحقيق بشأها بدون تحديد اسماء. واعتقد انه لا توجد جريمه فى القانون اكبر من جريمة المؤامره واغتيال رئيس الدوله وخيانة الامانه. واذا كان الامر كذلك فهذا لا يعفى القدومى من المسائله والمشاركة في هذه الجريمه بالسكوت عليها طوال هذه الفترة، هذا بالرغم من ان القدومي برر صمته هذا بأنه يعود الى خوفه من اقدام الرئيس السابق جورج بوش على الايعاز لأجهزته باغتياله، وهو تبرير اقبح من ذنب .
اما اذا كانت المعلومات وصلته حديثا، فاعتقد ان ابو اللطف الذى يتولى مناصب كثيره ولديه الخبره الكافية كان يجب ان يسأل نفسه عن الجهه التى سربت هذه المعلومات ولماذا في هذا التوقيت؟، والاخطر لماذا اعلنها من عمان التى لم تكن علاقته بها على ما يرام في اى وقت من الاوقات، ولماذا لم يعلنها من تونس منتجعه الدائم الذى لم يقم خلال تواجده فية باى عمل نضالى وطنى يحسب له ويجعل الناس تصدق كلامه، وتأخذه على محمل الجد.
كنت اتمنى ان يسأل السيد القدومي نفسه عن كيفية تسريب محضر اجتماع بهذه الخطوره من اسرائيل، وبهذه السهوله، ام ان اسرائيل او حتى ابو مازن او دحلان سربوها لهدف في نفس يعقوب لتفجير البيت الفلسطينى من الداخل بالكامل، فبعد ان كنا نواجه انقسام بين فتح وحماس بين الضفه وغزه اصبحنا نواجه انقسام داخل فتح نفسها سيتجلى خلال مؤتمرها السادس الذى سيعقد في الضفه مركز القوة لفتح، فتصبح الضفه ضفتين قدومية وعباسية، مما يعنى خلق مجال من الفوضى في الضفه الغربية سيدفع الناس للقبول باى حل يطرح عليهم، آخذين في الاعتبار ان اهالى الضفه الغربية بطبيعتهم ميالون للاردن الذى لا يزال اغلبيتهم يحملون جنسيته ويتمتعون بامتيازات كبيره فيه.
اما في غزة التى نجحت فيها تجربة الفوضى الخلاقه الاولى، وبعيدا عن التضخيم الاعلامي بشأن حماس والمقاومه وانتصاراتها وصمودها، فان حماس حركه ماتت ولا يوجد بيدها اى ورقه للضغط بعد ان تحولت من فاعل رئيس في الصراع الى مفعول بها على طول الخط، واذا كان من ورقه تمسك بها فهى سيطرتها واسرها لسكان غزه بالقوه وبمباركه من اللاعبين الرئيسيون في الساحه، ولهذا فان اهالى غزه يعيشون مآساه حقيقية لا يعلم حجمها الا الله، ولم يعد يربط الناس بحماس او بفتح سوى الراتب والكابونه لا غير ولو فتح المجال امام الناس فان ما لا يقل عن 70% من الاهالى سيفضلون الهجره او العيش بسلام بعيدا عن اى خيار آخر بعد ما شاهدوه من ظلم ذوى القربى سواء في عهد فتح او عهد مشايخ حماس.
لقد جاءت تصريحات القدومى الاخيره لتصب الزيت على النار وتزيد الساحه الفلسطينية المتهاكه والمنقسمه انقساما وتشرذما، و كان المأمول من شخصية بثقل القدومى ان يلعب دور العراب الذى يلم شمل البيت الفلسطينى ويوحد صفوفه، لا ان يلقى بتصريحات في توقيت حساس يعرف هو قبل غيره بانها لا تخدم القضية الفلسطينية باى شكل من الاشكال، وستزيد من حالة الانقسام والتشردم، وستعطى الفرصه لعباس واتباعه الذين يعارضون الكفاح المسلح، و'ينبذون العنف'، ويعتبرون المقاومة 'ارهابا'، ويتبنون المفاوضات كطريق وحيد للوصول الى الحقوق الوطنية المشروعة، لفرض اجندتهم على المؤتمر السادس لحركة فتح.
ومن الناحية الاخرى ستساهم هذه التصريحات التى ادلى بها القدومي في زيادة التباعد بين فتح وحماس لان القدومي اشار ايضا الى ان عباس تآمر ايضا على اغتيال قيادات في حماس، وهذا سيزيد من اصرار حماس فى عدم قبول المصالحه مع عباس او تقديم اى تنازل قد يأتى بالحل، وستعتقد بان بامكانها التعويل على جبهة القدومى لدعمها، او ان هذه التصريحات عززت من مصداقيتها في الشارع الفلسطينى، وهذا يعنى توجيه ضربه قاضية للحوار والمصالحه مما يتيح لحماس تعزيز سلطتها على عزبتها في غزه الى حين، ويتيح لعباس التصرف في اقطاعيته فى الضفه، ليواجه حماس من جهه واتباع القدومي الجدد من جهة اخرى، ويبقى القدومى الى حين في عمان صامدا في انتظار نتائج قنبلته المدويه، التى سينتشر صداها وسط العربان المعروفون بنخوتهم العربية، والذين لن يتوانوا وسيهبوا لانقاذ الاشقاء في غزه والضفه.
المحصلة التى استطيع اجمالها مما سبق ان قضيتنا الفلسطينية تعيش مرحله خطيره ومأساوية بفضل قيادات فلسطينية اما عميله او غبية او عبثية تتاجر بالقضية لتحقيق مصالح ذاتية بدون وعى او رؤيه واضحه لطبيعة الصراع والظروف التى تمر بها قضيتنا، واتمنى من هذه القيادات ان تترك القضية وتتفرغ لتجاراتها الرابحه التى بنتها من دم الشهداء، ليحمل الشعله جيل جديد، عسى الله ان يلهمه الطريق القويم، ولكن اخشى ما اخشاه ان تكون التجاره بالقضيه هى اربح انواع البزنس، مما يعنى ان على القضية السلام وستباع فى اسواق النخاسه بارخص الاثمان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق