بقلم/ يوسف العاصي الطويل
عضو الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين
بدأ الحوار الفلسطيني بعد كارثة الحرب على غزه وليس قبلها، وجاء متأخرا كثيرا اذا اخذنا في الاعتبار حجم التحديات الضخمة التى كانت ولازالت تتعرض لها القضية الفلسطينية، وجاء بعد بعد تجربه ديمقراطية لم يكتب لها ان تستمر، وحل محلها انقسام وتجاذب سياسى ومناكفات اعلامية وقتل وسجن وقطع الرواتب على الهوية، تجاوزت كل المحرمات. ولست هنا بصدد جلد الذات لان الحوار تأخر، او لان الدمار وآلاف الشهداء والجرحى كان يمكن تفاديهما، ولكننى اود ان اشير الى ان هذا الحوار اذا لم ينجح فيستمر نزيف الدم الفلسطينى على كافة المستويات في الجريان وستكون التداعيات اخطر مما نتصور .
الحمد لله ان الحوار بدأ وبرعاية مصرية رفضت قبل الحرب على غزة، ولكنها نجحت اخيرا ليس بسبب تغير اجندات الحوار، ولكن بسبب تداعيات الحرب ودم الشهداء، وخشية من تكرار حروب اخرى في ظل انقسام فلسطينى مخزي. بدأ الحوار والجميع يعلن ضرورة نجاحه امام وسائل الاعلام وربما يكون صادقاً، ولكن المهم هو النتيجه التى يتمنى الجميع ان تكون مرضية وتلبى امال وطموحات شعبنا وحجم التضحيات التى بدلها، وهذا يتطلب من الجميع ان يكونوا على قدر المسئولية الملقاه على عاتقهم ويحاولوا جسر الهوه والالتقاء عند الثوابت والخروج من هذا المأزق الذى وضعنا فيه بصوره مشرفه.
لقد ابدى العديد تفائله حينا وتشائمه حينا آخر من نتيجة الحوار، والجميع لديه مبرراته الموضوعية لذلك، ولكننى اعتقد ان الامر لا يتعلق بتشائم وتفائل بل يتعلق بمدى واقعية الاطراف المتحاوره وادراكها لحجم الاخطار التى تواجه القضية الفلسطينية، يضاف الى ذلك امر مهم هو عقلانية هذه الاطراف وتقديرها الصحيح للموقف والاوراق التى تمتلكها، وحساب النتائج المترتبه على مواقفها في حالة نجاح الحوار او فشله. وهنا فاننى اعتقد ان هناك كثير من المغالطات والمبالغات في مواقف المتحاورين ربما ستكون السبب الرئيس في فشل الحوار او في خروجه بنتائج لا تلبى طموحات الشعب الفلسطينى، ويمكن اجمالها بالاتى :
1- الموقف من حرب غزة ونتائجها: ربما تكون الحرب على غزة ونتائجها من اشد النقاط التباسا حيث يحاول كل طرف ان يتخذ هذه الحرب كمؤشر للانطلاق منه ويحدد سقف مطالبه وبالتالي نتائج الحوار، فحركة حماس تقول انها انتصرت انتصارا مبينا في هذه الحرب وان اسرائيل لم تستطع تحقيق اهدافها هذا بالرغم من الدمار الشامل الذى احدتثه هذه الحرب في غزة. ونتيجه لنشوة الانتصار الذى تزعمه حماس وجدنا سقف مطالبها يتزايد حتى وصل الامر بها الى المطالبة بمرجعية جديدة ستعمل على تشكيلها باعتبارها المنتصر الوحيد في هذه الحرب وبالتالى هى التى يجب ان يفرض الشروط ويصيغ المستقبل الفلسطينى المستند على المقاومه ولا شئ غيرها، بل وصل الامر ببعض قادة حماس الى الدعوة لاسقاط الانظمة العربية العميلة والتى لم تجيش جيوشها لمساندة المقاومة في غزة. وعلى الطرف الآخر نجد السلطة تضع اللوم على حماس بسبب الكوارث التى جلبتها للشعب الفلسطينى من انقسام وحصار وحرب دمرت انجازات 15 سنه وشهداء وجرحى بالآلاف، وعزله عربية ودولية، وهذا يتطلب من حماس مراجعة اهدافها والانخراط في العملية السلمية، تمهيدا لاعادة البناء والاعمار ونزع اسلحة المقاومة، التى يصفونها بالعبثية.
ولو تأملنا كلا الموقفين سنجد ان هناك مغالطات كبيره بهما، فحركة حماس ادعت الانتصار وحشدت الحشود للخروج في شوارع غزة وفي المنافي للاحتفال بهذا الانتصار المبين، وبدأنا نسمع عن بطولات وكرامات ومنامات لم نشاهدها نحن الصامدين تحت نيران الاحتلال، بل اننى شخصيا ومن خلال معايشتى لهذه الحرب فعليا وليس عبر الفضائيات استطيع ان اقول ان هناك تقصير ما بعده تقصير من قبل حكومة حماس وجناحها العسكرى في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي ليس على المستوى العسكرى فحسب بل على كافة المستويات، حيث ان الحكومة وكافة اجهزتها كانت غائبة عن الساحة ولم يكن لها وجود يذكر وترك للناس تدبر امرهم سواء من توفير الغذاء او الايواء وغيرها، واختفى الجميع عن الانتظار بل يجزم البعض ان الاوامر اعطت للمقاومين بالانسحاب حتى لا يقعوا في فخ القوات الاسرائيلية التى اعدت العده جيدا لهذه الحرب ولم تعطى ايه فرصه للمقاومين للقيام بواجب الدفاع، حيث غير الاحتلال من تكتيكه واصبح يطهر ايه منطقه يشك ان بها مقاومين ولهذا وجدنا العدد الهائل من الشهداء والجرحى بين المدنيين، الذين لم يتررد الاحتلال اطلاق ناره بكافة الوسائل على ايه منطقة يشك او يلاحظ ان بها مقاومين.
وهنا يجب ان لا يفهم من كلامى اننى احاول ان اشكك بصدق نوايا المقاومين او ان اتهمهم بالجبن او الفرار من الساحه، ولكن ما اود قوله هو ان المعركة لم تكن متكافئة بكافة المقاييس، وان تصدى المقاومه المباشر لقوات الاحتلال كان يعنى ابادتها بالكامل، وبالتالى فان قرار التراجع التكتيكي للمقاومه فوت الفرصة على قوات الاحتلال لتحقيق اهدافها، وهنا اعتقد ان ذلك كان قرارا سليما، ولكن الذى لم يكن سليما هو الادعاءات بالانتصار مره وبخطف جنود وقتل العشرات منهم اخرى مما اجبر الاحتلال على الانسحاب، حيث ان ذلك لم يكن يمت للحقيقة بصله، وكان ممكن ان يفهم منه انه محاولة لبث الروح المعنوية لدى الشعب والمقاومين ومنع الانهيار، وهذا امر جيد، ولكن الغير جيد والغير لائق هو محاولة استثمار هذا النصر المزعوم لتحقيق اهداف سياسية حزبية، لتكريس وضع جلب الكوارث على الشعب الفلسطينى.
كما ان موقف سلطه رام الله من الحرب لم يكن على قدر المسئولية، حيث بدت عبارات الشماته والتشفى لدى بعض قادتها، ومنع الشعب الفلسطينى من التضامن بطريقه لائقه مع اهالى غزه، ليس فقط برد عسكرى ولو رمزى، ولكن ايضا من خلال قمع المظاهرات، والاكتفاء باضاءة الشموع وكأن ما يحدث في بيت الجيران.
وبعيدا عن التهويل وبيع الوهم للشعب المنكوب، وايضا بعيدا عن لغه التشفى وتحميل المسئولية لحماس او للمقاومه فيما حدث، فاننى اعتقد ان النتيجه المنطقية والمقبوله لهذه الحرب هو القول بان الشعب الفلسطينى انتصر فيها وليس تنظيم بعينه، وذلك من خلال صموده في وجهه الاله العسكرية الهمجية الصهيونية، وتمكنه من الحفاظ على وحدته وتماسكه في هذه الظروف الصعبه في ظل غياب واضح للحكومتين المقاله والمطاله، وبالتالى فانه ليس من حق اى فصيل او جهة المتجاره بدماء الشهداء والجرحى لتحقيق اهداف حزبية ضيقه، وفرضها على طاولة الحوار، بل يجب على الجميع التواضع ووضع مصلحة القضية والشعب الذى ضحى فى مقدمة الاولويات، باعتبار ان هذا الحوار هو فرصتهم الاخيره للتكفير عن خطاياهم وليس لجنى ارباح او فرض مواقف واجندات لتحقيق اهداف حزبية ضيقة.
2- قضية الاعتقال السياسي : سبق وان كانت هذه القضية سبب لافشال الحوار الذى دعت له مصر في السابق حيث رفضت حركة حماس المشاركة الا بعد ان تطلق سلطة عباس كافة المعتقلين، وبالرغم من ان هذا الشرط لم يكن مقنعا للكثيرين، الا ان الحوار الغى لهذا السبب. والان نجد التصريحات تتكرر من كلا الطرفين بشأن هذه القضية، حيث تستمر السلطتين في رام الله وغزة في تجاوز كل المحرمات في هذه القضية. فسلطة رام الله تعتقل افراد حماس وافراد المقاومه من كل الفصائل، بل ان هذا الاعتقال وصل في بعض المراحل الى استشهاد بعض المقاومين تحت التعذيب بالرغم من النفي الرسمي، وايضا تجاوزت حركة حماس كل الاعراف باعتقال المعارضين لها وفرض الاقامات الجبرية عليهم وتصفية بعضهم بتهمة العماله او خلق عاهات دائمه من خلال اطلاق النار على ارجلهم. وكما يعلم الجميع فقد سارع كلا الطرفين نفي هذه الاقول، ولكننى استطيع ان اؤكد حدوث هذه الحواث وبالذات من طرف حماس لاننى مقيم بغزه واعرف حوادث كثيره تعرضت لما اقول. اما بالنسبة لسلطة عباس فهو امر غير مستبعد عليها اعتقال المقاومين وتعذيبهم، وهنا اشير الى ما كانت تقوم به السلطه اثناء سيطرتها على غزة، وايضا فاننى اعرف عشرات الحالات التى اهينت واعتقلت وعذبت وقتلت بيد سلطة فتح في غزة. ما اريد ان اخلص اليه هو ان ادعاء طرف من اطراف الحوار بالطهاره او بافضليته على طرف آخر او جعل هذه القضية سببا لفشل الحوار يعتبر تهرب من الحوار واستحقاقاته، ومحاوله مقصوده لافشاله لاهداف ليس لها علاقة بفلسطين وشعبها الذى عانى الامرين من السلطتين المتسلطتين في غزه ورام الله، فكلهم فى التعذيب وقتل الشعب شرق.
3- حقيقة تمثيل المتحاورين للشعب الفلسطينى : لقد ذهبت كلا من حماس وفتح وباقى الفصائل الفلسطينية الى القاهرة مدعيا انها تمثل الشعب الفلسطينى وقضيته العادلة، ويؤسفنى القول ان هذا ادعاء باطل ولا اساس له من الصحة بالرغم من قدرة هذه الفصائل على حشد الجموع عند الحاجه لاثباث قوتها على الارض والادعاء بان ذلك المهرجان او الاحتفال حضره مئات الالوف من مؤيديها، بل ان المتابع للشأن الفلسطين يحار في بعض الاوقات حول تحديد تعداد سكان غزه وانتمائاتهم نتيجه لادعائات بحشود مليونية من بعض الفصائل، ولكن ربما يكون هذا الواقع صحيحا في ظل الحصار والتجويع والتهميش والفساد الذى جعل الناس على استعداد لتغيير الوانها لمن يدفع او يوظف، اى ان الفصائل ارغمت الشعب ان يعطى انتمائه ليس لمن يرفع شعار حماية القضية بل لمن يدفع الراتب ويمنح الكابونه.
من هنا لا نستغرب ان القضايا الاساسية التى يدور حولها حوار القاهره هى قضايا تتعلق بتقاسم السلطة والمناصب وليس قضية القدس او اللاجئين او غيرها من القضايا الجوهرية. ان المتحاورون في القاهره وبعد ان استطاعوا تقسيم الشعب الفلسطينى الى جماعات مصالح او لوبيات مرتبطه بمن يدفع الراتب تشعر بالافلاس الوطنى ولا تجد سبيل لحماية نفسها الا من خلال الحصول على اكبر نصيب من الكعكه لارضاء جماعات المصالح تلك واللوبيات التى تنتظر حصتها من الميراث .
للاسف ان الانتماءات الحزبية الآن وبعد اوسلوا اصبحت انتماءات مصلحية لا علاقة لها بالوطن او القضية، وكل تفكير الناس الآن مرتبط بهذا الامر السؤال عن الراتب وموعد نزوله والعلاوات وغيرها من الامور، بل ان الشعب الفلسطينى فقد الاحساس بابسط معانى النضال والوطنية عندما ارتضى لنفسه او فرض عليه ان يعيش عاله على صدقات ومعونات الغير الذين يدفعون لملوك الطوائف لتكريس الانقسام والاجهاز على البقية الباقية من القضية، لان من لا يملك لقمة عيشه لا يستطيع ان يكون حرا في قراراته وسيظل يخضع لاجندات غيره.
ان الواقع الكارثي الذى تمر به القضية الفلسطينية والشعب الفلسطينى لا سابق له وكل ذلك بسبب امراء الحرب والفتنة في حماس وفتح الذين اوصلوا القضية الى نهايه مأساوية بسبب مصالحهم الشخصية والحزبية الضيقة، وبالرغم من ذلك يصرون على انهم يمثلون الشعب الفلسطينى، متناسين ان الناس فرض عليها اما ان تكون حماس او فتح من خلال مساومتهم على لقمة العيش.
ان قضية ادعاء فتح وحماس بثميل الشعب الفلسطينى قضية تحتاج الى اعادة نظر وتدقيق، نعم ان الفصائل الفلسطينة كانت لديها الشرعية النضالية للادعاء بثميل الشعب الفلسطينى عندما كانت حركات مقاومه تضع القضية الفلسطينية وهموم الشعب الفلسطينى ضمن اولى اوليلتها وكان عطاء ابنائها للوطن مغموس بلون الدم واسواط السجانين، ولم يكن للراتب والمناصب والرتب اى اعتبار لدى مناضلي وشهداء هذه الفصائل، اما الآن في زمن التجار وعبيد السلطة فلا احد له حق الادعاء بتمثيل الشعب الفلسطينى الا من خلال مؤسسات ديمقراطية تعطى الشرعية لمن له الحق بتمثيل الشعب الفلسطينى. ولو تأملنا واقعنا الحالى فانه لا يوجد فصيل او حركة يمكنها الادعاء بانها تمتلك هذه الشرعية لعدة اسباب :
ان الشعب الفلسطينى ليس فقط في غزه والضفة بل ان غالبيته في الشتات، ولم يتم اجراء انتخابات حقيقية لاختيار ممثلى الشعب الفلسطينى في الشتات، ناهيك عن ان المجلس الوطنى الفلسطينى يتم اختيار اعضاءه بالتعيين وليس بالانتخابات، كما ان بعض الفصائل غير ممثله به، ويعقد فقط عند الطلب ولتمرير قرارات كارثية.
اما المجلس التشريعي الاخير والذى اعطى حماس الاغلبية فانه لا يمنح حماس او فتح حق الادعاء بتمثيل الشعب الفلسطينى حتى في غزة والضفة. فحركة فتح بالرغم من تاريخها النضالى وامكانياتها اللامحدوده فشلت في هذه الانتخابات بسبب فساد قادتها ونهبهم لاموال الشعب وتخليهم عن المشروع الوطنى، وفي ذلك اكبر اشاره لرفض الشعب لهم ولفسادهم وافسادهم الذى يصرون عليه ولا يخجلون منه ولحتى اللحظة لم تتمكن الحركة من تطهير نفسها من الفاسدين واللصوص الذين اختطفوها من ساحات النضال الى ساحات البزنس والخذلان، وها هي الحركة ومنذ اكثر من عقدين لم تستطع عقد مؤتمرها السادس.
اما حركة حماس فليس من حقها بالرغم من حصولها على الاغلبية في الانتخابات الاخيرة الادعاء باحقيتها بتمثيل الشعب الفلسطينى، لان الشعب اختارها بطريقه ديمقراطية وبناء على برنامج التغيير والاصلاح، ولكن عندما لجأت الحركة الى استخدام القوة والسلاح (بغض النظر عن الاسباب) فهذا الامر لا يمت للديمقراطية بصلة والتى لازالت حماس تحتمى بها. ان الديمقراطية تعنى حكم الشعب والالتجاء له، واى خلاف او قضية وطنية يجب الاحتكام بها الى الشعب وليس الى القوة العسكرية. ان حماس بانقلاباها الدموى انقلبت على الديمقراطية ومارست عمل لا تقبله ادنى مراتب الديمقراطية وبالتالى ليس من حقها الادعاء بتمثيل الشعب الفلسطينى.
كما اننا اذا كنا نريد ان نحتكم الى النظام الديمقراطى او حتى الاسلامى فان ولى الامر او الحاكم منوط به تحقيق مصالح الشعب واذا عجز عن ذلك لاى سبب من الاسبات وجب عزله، واعتقد ان حماس فشلت في كل شئ ولم تطبق حرف واحد من برنامجها الذى حازت على ثقة الشعب من خلاله بل تخلت عن المقاومه واوصلت الوضع فى غزه الى شبه كارثه، فيجب عليها ان تتقى الله في الشعب والقضية، وتعود الى المقاومه وتتخلى عن الكرسي.
مما تقدم يتضح ان ادعاء فتح وحماس وحتى غالبية الفصائل الفلسطينة تمثيل الشعب الفلسطينى اصبح شئ مشكوك فيه، لان غالبيتها مرتبط باجندات ليست فلسطينية، ولهذا وصل حالنا الى ما هو علية، ويجب ان يدرك المتحاورون في القاهرة ان هناك اغلبية صامته ومغيبه من الشعب يجب ان لا يغيب رأيها.
4- موضوع المقاومه والعملية السلمية: يذهب المتحاورون الى طاولة الحوار ولدى كل واحد مشروع مناقض للمشروع الآخر، حماس ترفع شعار المقاومه، وفتح شعار الحل السلمي. واعتقد ان كل طرف يستطيع تبرير موقفه ونقض الموقف الآخر ولديه من الحجج ما يكفي، وهنا فاننى احترم كلا الموقفين ولا ارى ان يكون البديل هو القطيعه بين الموقفين او الصدام.
فالمقاومه حق مشروع لاى شعب محتل كفلته المواثيق والاعراف الدوليه، وفلسطين لازالت تخضع للاحتلال ومازال العدو الصهيونى مستمر في سياسته الاستيطانية والعدوانية تجاه شعبنا، ولهذا فالمقاومه يجب ان تستمر، وهنا فإن النقاش يجب الا يدور حول مشروعية المقاومه بل حول متى وكيف واين، والهدف بحيث تكون مقاومه منتجه وليست عبئا على الشعب والقضية.
ولو حاولنا تقييم دور المقاومه الفلسطينة في وضعها الحالى فاننا لا نستطيع ان نصفها الا بالقول بانها حق اريد به باطل، فكيف يمكن فهم رفض حركة حماس طلبات سلطة فتح السابقة بوقف العمليات العسكرية، في حين ان حركة حماس تقوم بفعل نفس الشئ مع الفصائل الاخرى واجبرتها على القبول بهدنه مع اسرائيل. كما ان المقاومه بدل ان تركز مقاوتها من الضفة الغربية المحتلة والمليئة بالمستوطنات والقريبه من التجمعات السكانية الاسرائيلة، نجدها تصر على اطلاق الصواريخ من غزة المحررة التى لا يوجد بها مستوطنات او جنود اسرائيليون، هذا بالرغم من ان طبيعة الارض الجبلية والجغرافيا في الضفة تتيح للمقاوين فرصه افضل للمناوره والتخزين والتخفي والحاق الضرر بالعدو الصهيوني منها في غزة. والاهم من ذلك كله هو انه في حين ان صواريخ غزه لا توجد امامها اهداف مهمه بل صحراء شبه خاليه، نجد انه لو اطلقت الصواريخ من الضفه فانه بامكانها ان تصيب مبنى الكنيست ووزارة الدفاع ومفاعل ديمونا ومعظم المدن الاسرائيلة الكبرى، وحتى لو اطلقت صواريخ بدائية وغير دقيقه فانها ستصيب هدف لازدحام المنطقة بالاهداف.
وربما يقول البعض ان الضفه لاتزال محتله وان قوات عباس تمنع المقاومين وتعتقلهم، واعتقد ان هذا القول مردود، لان نفس الشئ كان موجود في غزه وكانت المقاومه تعمل بل انها تمكنت اخيرا من القيام بانقلابها وطرد السلطة من غزة، وكنت اتمنى انه بدلا من القيام بالانقلاب في غزة ان يتم تعزيز قوة المقاومة في الضفه.
ثم ما فائدة ان يطلق صاروخ ولايصيب احدا وترد اسرائيل بالقتل والتدمير والحصار وغيره، اليس من الضرورى وضع عواقب اى عمل في الحسبان بحيث لا يكون ضرره اكثرمن نفعه، ام ان الامر اصبح مجرد اطلاق صواريخ وبعده نبدأ باحصاء الشهداء والجرحى والدمار وغيره، وهنا فاننى لا ادعو الى الغاء المقاومه بل الى خلق طرق ابداعية للتعبير عن رفضنا للاحتلال وسعينا للحصول على حقنا الشرعى ولكن باقل الاضرار، حتى لا تصبح مقاوتنا عبثية، وينفر الناس منها.
اما المسيرة السلمية فهى ايضا اداة مهمه لحصول شعبنا على حقوقه بعد ان خاض مع اشقاءه العرب عشرات المعارك التى لم تأتى بالنتائج المرجوة، لاسباب كثيره لا مجال لذكرها هنا، وبعد ان حققنا مكاسب كثيرة من خلال العمل الدبلماسي من اعتراف بعدالة قضيتنا والتفاف غالبية المجتع الدولى حول قضيتنا العادلة باستثناء امريكا وبريطانيا اللتدين لم يتغير نهجهما منذ بداية الصراع وحتى الان وليس من المؤمول ان يتغير في القريب العاجل، وهنا ربما رأى كثيرون ان الافضل هو الدخول في عملية سلمية كخطوه مرحلية لوقف نزيف هذا الصراع وتثبيت ولو جزء من الحق الفلسطينى على الارض واقامة الدولة الفلسطينة. واعتقد ان هذا النهج له الحق في السير في هذا الطريق، عسى ان يحقق جزء من حقوقنا الشرعية، ولكن المرفوض وفي ظل المماطلة الاسرائيلية ان نضع خيار المقاومه جنبا او نسقطه من بين ايدينا، لان ذلك يعنى الاستسلام للاملاءات الاسرائيلية لعدم وجود قوة رادعه له، وهنا يكون دور المقاومه في العمل والتنسيق مع المفاوض الفلسطينى لدعمه في اللحظات الحرجه، واذا كان من ضروره لهدنه فيجب ان تكون بين المقاومه والطرف الفلسطينى المفاوض لفتره زمنية معينه لتحقيق اهداف معينه، واذا فشل فعلى الجميع الانخراط في المقاومه لتحقيق ما عجزت عنه المفاوضات السلمية، ولهذا يجب ان تحل بين المقاومه والمفاوض الفلسطينى لعبة تبادل الادوار وليس الاقصاء والقمع والتهميش، واذا استطعنا تحقيق ذلك فمن المؤكد سنصل لما نريد، ما دام هدفنا واضح، وادواتنا لتحقيقه تبنى ولا تهدم، ترسخ حقوق ولا تتنازل، تعرف متى تفاوض ومتى تقاوم.
5- قضية المعابر: تعتبر قضية المعابر من القضايا التى اثير حولها –ولا زال - كثير من اللغط، نتيجه للحصار المفروض على قطاع غزة والذى جاء بعد الانقلاب العسكرى لحماس على السلطة. والقضية ببساطه انه وفي ظل السلطه السابقة كان هناك اتفاق بين السلطه واسرائيل بهذا الشأن، ولكن بعد تسلم حماس السلطه وتبنيها لخيار المقاومه كان امرا متوقعا ان تقوم اسرائيل بكل ما تملك من ادوات للتضييق على حركة حماس واغلاق المعابر وقطع الكهرباء والامتناع عن ارسال السيوله النقدية للبنوك وغيرها من الاجراءات التى تعتبرها اسرائيل وسيله للرد على اطلاق الصواريخ وعدم وجود طرف في قطاع غزه تجلس معه لترتيب هذا الامر، حيث كانت السلطة في السابق هى التى تنسق مع الجانب الاسرائيلى حسب الاتفاقيات الموقعه، وقد حاولت مصر مع الاطراف الفلسطينية حل هذه القضية بوضع قوات حرس الرئاسه على المعبر بالاضافة الى شرطه من جانب حماس ولكن هذا الاتفاق فشل بسبب صراع الاخوة الاعداء، ورغبة حماس بتغيير الاتفاق لانه غير ملائم حسب وجهة نظرها.
لقد كان من الغريب ان تأخذ هذه القضية منحى اخر وتشهد تصعيداً خبيثاً باتجاه مصر، وكأنها تغلق المعبر في وجهه الفلسطينيين، حيث طالبت حماس مصر بفتح المعبر وتناسى الاتفاق الموقع مع السلطه، وهنا اعتقد ان هذا الطلب فيه تجنى على مصر، لان مصر اولا رفضت انقلاب حماس على السلطة، ومعنى فتح المعبر من طرفها هو تأييد لحماس ضد السلطة السابقة، والاخطر من ذلك ان هذا الامر يخدم مخطط اسرائيلى قديم بضم قطاع غزة او كما يسميه الاسرائيلون اعادته الى مصر التى كانت تحمه قبل 67، ومن تم اعادة الضفة الى الاردن، وبذلك تكون قد لبت مطالب الشرعية الدولية بالانسحاب من الاراضي التى احتلتها عا 1967، وكفى الله المؤمنين شر القتال.
يضاف الى ذلك ان مصر ليس من حقها القيام بفتح المعبر لان الانسحاب الاسرائيلى من غزة والذى تم من جانب واحد ابقى السيطرة على الحدود والمعابر من خلال ترتيبات خاصه مع السلطه والاتحاد الاوروبي ومصر. وفتح المعبر من جانب مصر يعنى نقض لهذه الاتفاقيات، مما يعنى نقض اتفاقيات كامب ديفيد التى استطاعت مصر من خلالها تحرير كافة اراضيها. وهنا يجب السؤال ما هى المصلحه القومية للعرب او لمصر في نقض هذه الاتفاقيات، وهل مصر مستعدة لتداعيات هذا الامر وما هو الثمن والاهداف التى ستحققها؟ ولماذا يراد ان يفرض على مصر الدخول في صراع لم تستشر به ويحاول البعض فرضه عليها، في حين ان الدول التى تدعم حماس لديها اراضي محتله وتمنع حتى عمل المقاومه من خلالها بالقول بان توازن القوى ليس في صالحها (وانا احترم هذا الرأى)، ام ان المطلوب من مصر ان تضحى باراضيها المحرره وجيشها لترضي حماس، وتنساق لمعركه تفرض عليها من الخارج لتحقيق هدف حزبي ضيق.
انه ظلم لمصر التى خاضت اكثر الحروب ضد اسرائيل ولم تتخاذل عن نصرة الشعب الفلسطينى لحظة واحد ان يتم اختصارها وزج اسمها في مشكله فلسطينية داخلية حزبية ضيقه، لا تمت لفلسطين بصله ويتم تصويرها وكأنها تحاصر اهل غزة وتجوعهم وتمنع المساعدات عنهم، فيما الذين يتباكون على شعب غزه لا يحركون ساكنا بالرغم من كل شعاراتهم البراقه والعنترية والتى انكشفت خلال حرب غزة، ولم يحركوا جيوشهم واساطيلهم لنصرة اهل غزة بل يريدون من الآخرين ان يقوموا بذلك.
ان قضية المعابر قضية سياسية بالدرجه الاولى تستخدمها اسرائيل للضغط على حماس لارغامها على الانخراط في العملية السلمية، وهنا يجب ان يكون واضحا لدينا ان الجمع بين المقاومة والسلطة في ظل وضعنا وامكانياتنا الحالية امرا مستحيلا، ولذا لا يجب ان نحاول تحقيق المستحيل بالالتفاف على طرف ليس له علاقه بالامر ونحمله المسئولية، فاما السلطه والدخول في العملية السلمية، واما المقاومه والاصطفاف بصف المعارضة، وعندما نحصل على استقلالنا الكامل من حقنا تغيير الاتفاقية ونجعلها بين دولة فلسطين ومصر. اتمنى ان نفهم ذلك وليس كما ينادى بعضهم باحضار شركة لادارة المعبر .
في النهاية اقول للمتحاوين في القاهرة، اتمنى ان تدركوا كل هذه الحقائق وان تضعوا مصالح القضية والشعب فوق مصالحكم الحزبية الضيقة، وان تكون اولى الاوليات لديكم تشكيل حكومة وفاق وطنى تكون مهمتها الاولى رفع الحصار واجراء الانتخابات التشريعية ليقول الشعب كلمته، وبناء عليها يتم انتخاب اعضاء المجلس الوطنى على اسس سليمه، للبدء باصلاح منظمة التحرير. اما اذا كان حواركم يدور حول حصص هذا الفصيل او ذاك في المجلس او الوزارة او في مبالغ اعادة الاعمار، فعلى القضية السلام، واعلموا جميعا انكم جميعا مقصرون بحق شعبكم وقضيتكم وانه لا يوجد بينكم من يستطيع الزعم بانه بلا خطيئه، ليتخلف عن الرجم .. ارجموا والا رجمكم الشعب بما رجم به بوش في حفلة وداعه في العراق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق