السبت، 31 مايو 2008

النظام السياسي الفرنسي

النظام السياسي الفرنسي
من الثورة الى الجمهورية الخامسة
(1789- 2007)

يوسف العاصي الطويل

مقدمه

يعتبر النظام السياسي الفرنسي من النظم العريقة في العالم بسبب التجارب الغنية التي مر بها هذا النظام عبر تاريخه الطويل، والاثر الذي تركه على كثير من النظم السياسية لدول اخرى حيث استفادت دول كثيره من هذه التجربة الغنية في رسم معالم نظامها السياسي وبالذات في عالمنا العربي، وحتى التجربة الفلسطينية الوليدة استفادت من هذه التجربة.
وفي دراستنا للنظام السياسي الفرنسي الحديث والمعاصر سنتناول نشأته وتطوره اعتباراً من الثورة الفرنسية عام 1789 وحتى الآن، اى من الجمهورية الاولى حتى الجمهورية الخامسة، محاولين ابراز تطور هذا النظام دستورياً وسياسياً، وكيف تقلب هذا النظام بين انظمة حكم ودساتير متعددة، فانتقل من الحكم الملكي الاستبدادي المطلق الى الجمهورية ثم الحكم الامبراطوري الديكتاتوري، وعاد مره اخرى الى الحكم الملكي المستنير فالى الجمهورية والامبراطورية مره اخرى، واستقر في النهاية على الحكم الجمهوري.
وشهد خلال فترة تطوره عدة ثورات رئيسية 1789- 1814- 1830-1848، وصراع مرير بين انصار الملكية والجمهورية والامبراطورية، نتج عنها صراع داخلي بين طبقات المجتمع وتدخل خارجي واحتلال لفرنسا من الدول المجاورة التي سعت لنصرة طرف على اخر حماية لمصالحها او خوف من امتداد الثورة اليها.
وخلال تطور هذا النظام حقق الشعب الفرنسي كثير من المنجزات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ورسخ مبادئ الحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق الانسان والتي دونتها في دساتيره المختلفة، حتى اصبح اعلان حقوق الانسان والمواطن يحتل بداية دستور الجمهورية الخامسة.
وفي تناولنا لتطور النظام السياسي الفرنسي لم ننسى الاشارة الى دور الافكار والفلسفات في تطور هذا النظام والتي كان لرواد فلسفة التنوير (فولتير، منتسكو، روسو) الدور الاكبر في وضع الاسس وتحريض المواطنين للحصول على حقوقهم وحرياتهم، حيث امتد تإثير هذه الافكار الى خارج فرنسا والهمت شعوب كثيره للتحرر من الطغيان .
والمنهج الذ سنتبعه في هذه الدراسة هو المنهج التاريخي، والذي يعني استخدام المنهج الوصفي التحليلي على اعتبار اننا ازاء ظاهره تاريخية ممتدة لفترة ثلاث قرون تحتاج الى رصد الحدث ووصفه ثم تحليل الحدث ونتائجه على تطور النظام السياسي الفرنسي.
والدراسة مقسمه الى مبحثين رئيسيين :
المبحث الاول : من الثورة وحتى الجمهورية الخامسة (1789-1946) حيث عرضنا الى الثورة الفرنسية (اسبابها- نتائجها) ثم تتبعنا تطور النظام السياسي الفرنسي خلال الجمهوريات الاربعة التي تبعت الثورة، محاولين توضيح الانجازات التي تحققت
المبحث الثاني : الجمهورية الخامسة: ان الهدف من افراد مبحث خاص للجمهورية الخامسة كان بسبب الرغبه في عرض موسع لتفاصيل النظام السياسي الفرنسي الحالي (ظروف النشأة – السلطات العامه"تنفيذية- تشريعية-قضائية"- النظام الحزبي والاحزاب الرئيسية)
وفي النهاية لم ننسى ان نختم بخلاصه لهذه الدراسه موضحين دور الافكار والزعماء في تطور هذا النظام والتحديات الجديدة التي تواجهه وبالذات الدعوات العنصرية وميل جزء من الشعب الفرنسي الى الانغلاق والانكفاء على نفسه بما يخالف المبادئ التي قام عليها النظام. كما ان الازمة الاقصادية والظلم الاجتماعي الذين كانا من العوامل الرئيسية لقيام الثورة الفرنسية والتي عملت الدساتير المختلفه على وضع علاج لهما، نجد انهما لازالا حاضرين في الجمهورية الخامسة وبحاجه الى نظره جديدة من المفكرين والسياسيين لوضع الحلول الناجعه لها تماشياً مع المبادئ الذي ارساها النظام السياسي الفرنسي عبر تاريخه .

المبحث الاول
من الثورة حتى الجمهورية الخامسة (1789-1946)
تمهيد
فرنسا هي بلاد واقعة في أوروبا الغربية، وتتكون من مجموعة جزر وأراضٍ وراء البحار، وتمتد فرنسا من البحر الأبيض المتوسط إلى القناة الإنجليزية وبحر الشمال، ومن نهر الراين إلى المحيط الأطلسي، وبسبب شكلها تعرف فرنسا من قبل الفرنسيين "بالسداسي". وهي مجاورة للمملكة المتحدة، بلجيكا، لوكسمبورغ، ألمانيا، سويسرا، إيطاليا، موناكو، أندورا، وإسبانيا. وتشترك الجمهورية الفرنسية في حدود الأرض أيضاً في الخارج مع البرازيل، سورينام، وجزر الأنتيل الهولندية. وفرنسا هي إحدى الأعضاء المؤسسين للاتحاد الأوربي، وهي الأكبر مساحة من بينهم وعضو مؤسس للأمم المتحدة وإحدى الأعضاء الدائمين الخمسة لمجلس الأمن، وهي أيضاً إحدى البلدان الثمانية المقرة بالقوة النووية.
وقد جاء الاسم فرنسا من إمبراطورية الفرنجة، القبيلة الجرمانية التي احتلت المنطقة بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية، وبالتحديد المنطقة حول باريس التي كانت مركز السيادة الملكية الفرنسية. وغالبية السكان من الفرنسيين ويعتنقون الديانة المسيحية الكاثوليكية. وتحتل فرنسا الحالية أغلب المساحة التي قامت عليها بلاد غالة التي أصبحت مقاطعة رومانية ثم جاءت القبائل الجرمانية إلى المنطقة حوالي القرن الرابع للميلاد واستقرت فيها احدى هذه القبائل والمعروفة باسم الفرنجة، ومع زوال الإمبراطورية الرومانية أعطت هذه القبيلة اسمها للبلاد (فرنسا) فيما بعد.
توحدت المنطقة التي تشملها فرنسا اليوم لأول مرة سنة 486 م عندما قام الملك كلوفيس الأول بلم شمل القبائل الجرمانية تحت لواء قبيلة الفرنجة وضمت المملكة الجديدة قبائل عدة، وبعد الوحدة انشطرت المملكة (والتي كانت تسمى بلاد غالة) إلى ممالك، حكم كل منها أحد أبناء عائلة الميروفنجيين، ثم حلت سلالة الكارولنجيين محل الميروفنجيين منتصف القرن الـ8 للميلاد وقامت بتوسعة أراض المملكة، ثم أصبحت إمبراطورية عندما قام البابا ليو الثالث بتتويج شارلمان امبراطوراً عظيماً على الرومان في عام 800م . وبعد موت الأخير قسمت مملكته من جديد ولكن في عام 842 م قام أحفاد شارلمان بالتوقيع على وثيقة حلف ( شتراسبورغ)، حيث يعتبر بعض المؤرخين في فرنسا هذه الوثيقة عقد الميلاد الرسمي لبلاد فرنسا (و ألمانيا كذلك). وقد حكم أبناء شارلمان أو الكارولنجيون مملكة الفرنجة حتى سنة 987 م. وفي هذه السنة تم تتويج الدوق هوغ كابيت ملك للبلاد وحلت بذلك سلالة جديدة هي سلالة الكبيسيون، حيث قام أحفاد الأخير بتوسيع رقعة الأراضي الملكية وأحكموا دعائم الدولة الجديدة ومنذ القرن الـ12 م. حكمت السلالة الكبيسية فرنسا بطريقة مباشرة أو عن طريق فروع أخرى حتى قيام الثورة الفرنسية سنة 1789 م.
عصر التنوير
لا يمكن الحديث عن الثورة الفرنسية وبداية نشؤء النظام السياسي الفرنسي الحديث بدون الحديث عن عصر النهضة وحركة الاصلاح الديني بشقيه (الكاثوليكي والبروتستانتي) وما احدثته من تغيير جوهري في التكوين الاوروبي على كافة الصعد بعد فترة حروب دينية دامية ادت الى تقلص نفوذ الكنيسة الكاثوليكية والدعوة الى التسامح الديني وظهور النزعات القومية التى سعت للتحررمن قبضة روما، نتيجة لظهور كثير من المفكرين والفلاسفه الذين بدؤوا يخوضون في موضوعات فكرية وعلمية كانت ممنوعه من قبل الكنيسة. والواقع ان حركة التنوير لم تكن مرتبطة ارتباطاً دائماً بأية مدرسة فلسفية معينة، وانما كانت نتيجة الصراعات الدينية الدموية غير الحاسمة التي شهدها القرنان السادس عشر والسابع عشر، مما دفع كثير من الفلاسفة والمفكرين الى الدعوة الىالتسامح الديني، حيث كان هذا المبدأ مستحباً عند لوك وسبينوزا, وفي الوقت ذاته كان لهذا الموقف الجديد في مسائل الايمان نتائج سياسية بعيدة المدى. ذلك لانه كان لابد من ان يقف في وجه السلطة الجامحة في اى ميدان. فحقوق الملوك الالهية لا تتمشى مع التعبير الحر عن الآراء حول الدين .
وفلسفة الأنوار هي حركة فكرية ظهرت في النصف الأول من القرن 18 وأعادت الاعتبار للعقل، وجعلت منه الموجه الأساسي للفكر منتقدة هيمنة الكنيسة والاستبداد ونادت بالحرية والمساواة، واعتمدت فكرة فصل السلطات (تشريعية، تنفيذية، وقضائية). ومن بين أهم ملامح هذا الفكر ما خلفه مونتسكيو في (روح القوانين) سنة 1748، وفولتير في (القاموس الفلسفي) سنة 1771، وجان جاك روسو في (العقد الاجتماعي) سنة 1762، حيث رفع هؤلاء جميعاً شعارات عن المساواة والاخوة والحرية، وكان لهم أثر كبير في توجيه الأنظار بقوة الى ان النظام الملكي وتحكم الارستقراطية في ثروة البلاد أصبح نظاماً قديماً لا يليق بفرنسا .
ففولتير - الذي كان مزاجه فلسفياً- جاءت اغلب كتاباته الادبية فلسفية المنحى والتناول، واوقعته في صدام مع الملكية والاقطاع والكنيسة واعتقل بسببها مرتين وامضى من حياته خمسة عشر عاماً منفياً من باريس، وثلاثين سنه منفياً من فرنسا ، وعمل خلال كتاباته على توجيه انتقادات لاذعه لنظام الحكم في فرنسا ولطبقة الاكليروس (رجال الدين)، وطالب بتوحيد القوانين ومساواة الناس جميعهم ازائها، وبازالة كافة القيود المفروضة على حركة التجارة الداخلية وغيرها من القضايا التي عمل من خلالها على تقويض النظام بحيث اصبح الشعب الفرنسي يتطلع لنظام جديد يختلف كلياً عن النظام القديم الذي وصفه احد الاساقفه الفرنسيين بقوله: ان بيت الرب مخصص لثلاث فرق، الاولى تصلي فيه، الثانية تحارب فيه، الثالثة تعمل فيه" هكذا كان العالم المسيحي في العصور الوسطى الباكرة مقسماً الى ثلاث طبقات اجتماعية هي : رجال الدين، والنبلاء، وعامة الناس .
لقد كان النظام القديم يقوم على اساس الملكية المطلقة التي تحكم باسم (الحق الالهي) وان الملك هو الحاكم الاعلى المفوض من قبل الله، ومن ثم فلا بد للشعب ان يحترم الملك وان يطيعه ولا يتمرد عليه، ولكن ظهرت افكار الفيلسوف الانجليزي لوك حيث دعا الى تقييد سلطات الملك واعطى الشعب الحق في الثورة اذا تجاوز الملك حدوده . وقد انتقلت هذه الافكار الى فرنسا وكان داعيتها – ولكن بشكل معدل- مونتسكو الذي حاول ان يضع امام الناس نظاماً يقوم على اساس احترام حرية الفرد ويقيد سلطات الحاكم، ويربط عمل الحكومة بمصلحة الشعب ككل لا بمصلحة الملك والارستقراطية. وهذا النموذج هو ما كان الشعب يبحث عنه ويريده. حكم يقوم على اساس الحرية واساسه الدستور والبرلمان المنتخب والملك المقيد السلطات .
واذا كان فولتير قد هز كيان النظام القديم، فها هو منتسكيو يضع نظاماً بديلاً لذلك النظام القديم. اما رسو فقد ذهب الى ما هو ابعد من ذلك، فهو يرى ان الافراد الذين يكونون مجتمعاً انسانياً يفعلون ذلك بمقضى عقد اجتماعي فيما بينهم ويجدون انه لكي تستقر الامور في مجتمعهم يجب ان تكون هناك سلطة عامه او ارادة عامة يخضعون جميعاً لها ويساهمون فيها على قدم المساواة، ومن هنا ظهرت الدولة على اساس العقد الاجتماعي الذي ابرمه افراد المجتمع. والحاكم هنا يحكم بصفته وكيل عن الامه وعليه ان يلتزم بما تريده الامة. واذا انحرف عن ذلك عزل من منصبه. ومن ثم فرسو ينكر أن يكون هناك حاكم يستمد سلطاته من مصدر غير الأمة، وبذلك حطم نظرياً النظام القديم ورفع من شأن الفرد، وجعل المساواة اساس المجتمع، ولهذا كان في نظر رجالات الثورة الفرنسية نبيها والداعي لها .
الثورة الفرنسية
كان عصر التنوير في جوهره عودة الى تقدير النشاط العقلي المستقل، يستهدف –بالمعنى الحرفي- نشر النور حيث كان الظلام يسود من قبل ، وبهذا العصر تفتتح الثورة الفرنسية عام 1789 صفحات من التجارب الدستورية لم تتح لاية دولة في العالم في تاريخها الحديث وقد بلغ غنى هذه التجارب ان فرنسا عرفت خلال هذه الحقبة نحواً من عشرين دستوراً وطبقت منها عشرة دساتير ودام واحد منها (دستور 1875) خمسة وستون عاماً وتقلبت خلال ذلك كله بين الملكية والجمهورية والامبراطورية وبين النظام الرئاسي والتأسيسي والنيابي، على انها خلا ذلك كله أيضاً كانت ما تنفك تنشد مثلً أعلى في الديمقراطية على ضوء تجربة جديدة، وكانت كل تجربة ولو فشلت تخلف آثارها .
لقد شكلت الثورة الفرنسية تحولاً أساسياً في التاريخ الفرنسي والأوربي وفي إقرار الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهي حدث تاريخي مهم بدأ على شكل انقلاب سياسي في فرنسا(1789) وأثر في العالم كله. ويختلف المؤرخون كثيراً في أسبابها، فيرى بعضهم أنها حركة عقلية نشأت من حركة الاستنارة الحرة في القرن الثامن عشر، ويرى آخرون أنها ثورة الطبقات المحرومة من الامتيازات ضد الطغيان الاقطاعي، ويرى غيرهم أنها توطيد لسلطة البورجوازية الرأسمالية الحديثة ضد نظام اقتصادي واجتماعي مقيد وعتيق. وقد تعددت أسباب ومراحل الثورة الفرنسية ويمكن اجمال اسبابها في الآتي:
1 ـ الإطار الفكري والأسباب السياسية: عرف القرن 18م بفرنسا قيام حركة فكرية تميزت بنبذ اللامساواة، ونشرت أفكار جديدة تنتقد النظام القديم وامتيازات النبلاء وتعصب رجال الدين، ولذا سميت هذه الفترة بعصر الأنوار. فقد تميز نظام الحكم في فرنسا قبل الثورة باستحواذ الملك والنبلاء والإكليروس (رجال الدين) على الحكم في إطار ملكية مطلقة تستند إلى التفويض الإلهي مع عدم وجود دستور يحدد اختصاصات السلطات.
2 – الأسباب الاقتصادية: اعتمدت فرنسا على النشاط الزراعي، حيث استحوذ رجال الدين والنبلاء على أخصب الأراضي وفرضوا على الفلاحين كل أشكال السخرة والضرائب رغم توالي مواسم زراعية رديئة منذ سنة 1786كما عانت الصناعة الناشئة من منافسة البضائع الإنجليزية، مما ادي الى خواء خزينة الدولة.
3 - الاسباب الاجتماعية: تشكل المجتمع الفرنسي من ثلاث طبقات متفاوتة، أهمها رجال الدين والنبلاء المتميزة بكافة الحقوق، أما الطبقة الثالثة التي تمثل 96 % من السكان فتشكلت من الفلاحين الصغار والفئات الشعبية والبورجوازية التي كانت غنية وطموحة لكنها محرومة من المشاركة السياسية.
محاولات الإصلاح: عين الملك مراقبين إصلاحيين حاولوا سن إصلاحات تهدف القضاء على العجز المالي منها اللامساواة في فرض الضرائب وجعلها على أساس الأرض وليس حسب الأشخاص وتوحيدها في كل فرنسا، ثم رفع الحواجز الجمركية، وتحرير تجارة الحبوب، وجعل تقلد المناصب من طرف كل الرعايا، حيث أثارت هذه الإصلاحات ردود فعل الأرستقراطية التي امتنعت عن تطبيقها ورفضت أداء الضرائب وقامت بمظاهرات طالبت بانعقاد الهيئات العامة باعتبارها المؤسسة العليا للبث فيها.
مراحل الثورة الثورة الفرنسية: دامت الثورة الفرنسية عشر سنوات، ومرت عبر ثلاث مراحل أساسية:
1. مرحلة إقامة ملكية دستورية (1789-1792):أمام الأزمة المالية والإصلاحات المقترحة ومطالبة الهيئات بجمع المجلس اضطر الملك إلى عقد هذا المجلس 5 مايو 1785 وكان كل طرف فيه يسعى إلى تحقيق هدف من جمعه: فالنبلاء والإكليروس كانوا يرغبون بالتصويت بواسطة الهيئة الثالثة (ممثلي عامة الشعب) لإلغاء محاولة الإصلاح، والهيئة الثالثة تطالب بتصويت الأفراد لأنها تتوفر على أكبر عدد منهم. اما الملك فيهدف إيجاد حل للأزمة بزيادة الضرائب. وتشبث كل طرف برأيه، فأعلنت الهيئة الثالثة انسحابها من المجلس وتأسيسها الجمعية الوطنية 17 يونيو1789 واحتلال سجن الباستيل، وإلغاء الامتيازات الاقطاعية، وإصدار بيان حقوق الإنسان ووضع أول دستور للبلاد.
فحكومة فرنسا الملكية بعد ان افلست وخوت خزائنها في سنة 1789 لجأت الى دعوة البرلمان الذي لم يدع الى الانعقاد منذ 1614، سعياً الى كسب موافقته على فرض ضرائب جديدة. ولكنها بعملها هذا حشدت تحت قبة البرلمان كل من آمنوا بآراء (رسو) وتعاليمه فأسفر هذا الحشد عن قيام "الجمعية الوطنية" . ولكن الملك اعلن عدم الاعتراف بالجمعية الوطنية وحاول استعمال القوة مما ادى الى انفجار الثورة في باريس وتكوين حرس وطني ومهاجمة البلدية ومخازن الأسلحة وكذا مهاجمة سجن الباستيل وتحرير معتقليه في 14 يوليو 1789 . وفي الأقاليم امتنع الناس عن دفع الضرائب وقاموا بمهاجمة القصور والأديرة، مما ادى الى انتشار دعر كبير. وتخوف قادة البورجوازية من إفلات الزمام من أيديها فجمعت الجمعية الوطنية لإصدار عدة قرارات في اغسطس 1789 اهمها إلغاء النظام الاقطاعي, إلغاء الضرائب والأعشار, كما تبنت الجمعية الوطنية إعلان حقوق الإنسان والمواطن في 26 اغسطس1789 (الحرية- الأمن- الملكية الفردية محاربة الظلم- مقاومة الظلم- حرية التعبير- حرية التدين- المساواة- المساهمة في إعداد القانون- حق الوصول إلى المناصب العليا- الحد من سلطات الملك- السيادة للأمة- وضع دستور يفصل بين السلطات، حيث كان رد الملك إيجابيا على هذه القرارات بسبب الضغط الشعبي فوافق عليها في نوفمبر 1789.
وفي عام 1791 تم وضع دستورجديد صادقت عليه الجمعية الوطنية ويتضمن مبدأ انتخاب كل الهيئات باستثناء الوزراء، ولكن يقصر الانتخاب على المواطنين الفاعلين، وجعل السلطة التشريعية في يد الجمعية الوطنية، والسلطة القضائية في يد قضاة منتخبون، اما السلطة التنفيذية ففي يد الملك والوزراء. وقد صادق الملك بمقتدى الدستور وأقسم اليمين على احترامه يوم 3 اغسطس 1791 وبذلك قامت ملكية دستورية أصبح فيها القانون فوق الملك. ولكن الملك عجز عن التكيف مع الأوضاع الجديدة ودبر محاولة الهرب بتنسيق مع قوات أجنبية لكن أمره انكشف، فنتج عم ذلك إعلان الحرب ضد الأجنبي،وثم القبض على الملك في اغسطس1792..
المرحلة 2 (بين 10 اغسطس 1792 و يوليو 1794 (قيام نظام جمهوري (الاولى)
بعد القبض على الملك ثم في سبتمبر 1792 أنشاء المؤتمر الوطني لإعداد دستور جديد وضم تيارين، المعتدلون وهم يرغبون في إيقاف مسلسل الثورة، والمتشددون وهم بورجوازيون صغار تبنوا أفكار عامة الشعب أبرزهم روبسبير حيث اتفقوا جميعا على إلغاء الملكية ولكنهم اختلفوا حول مصير الملك لكن فريق روبسبير تغلب وأعدم الملك في 21 يناير1793، واعلنت الجمهورية، حيث أثار ذلك سخطا داخليا وخارجيا ضد الثورة, انضاف إلى المشاكل الاقتصادية ( قلاقل واضطراب المدن والبوادي بسبب الوضعية الاقتصادية). وفي يونيو 1793 اعتقل قادة المعتدلون وأصبح المتشددون مسيطرين على المؤتمر وأعدوا دستورا جديدا أعطى حق التصويت لكل المواطنين وأسسوا حكومة ثورية بزعامة روسبير أصدرت عدة قرارات أهمها وضع حد أعلى للأسعار وحد أعلى للأجور وقانون المشتبه بهم الذي ارتبطت به أفظع أهوال الثورة الفرنسية، مما اثار دعر كبير في فرنسا نتج عنه تحرك بعض البورجوازيين في المؤتمر الوطني ضد روسبير الذي أصبح دكتاتورا مطلقا، وحاولوا اغتياله ولكن المحاوله فشلت، ولم يكد يمضى شهر حتى تآمروا عليه مره اخرى واقتيد الى السجن, وحكم عليه بالاعدام لتقطع رأسه على المقصلة كما قطع هو نفسه آلاف الرؤوس من قبل.
المرحلة 3 (27 يوليو 1794-9 نوفنبر 1799 (عودة المعتدلون إلى الحكم:
بعد التخلص من روسبير وضع حد للرعب او لحكم الارهاب وتمت العودة إلى الحرية الاقتصادية ووضع دستور جديد للجمهورية وأسست (حكومة الادارة) لتفادي العودة إلى الديكتاتورية ووزعت السلطة بين الجمعية الوطنية ومديرين يسيرون الحكومة. ولكن برزت عدة صرا عات أظهرت حكومة الإدارة ضعيفة ولم تستطع مواجهة المشاكل الخارجية والداخلية فلجأت البورجوازية إلى الجيش. وفي 9 نوفنبر 1799 نظم الجنرال نابليون بونابرت انقلاب بمساعدة أحد المديرين وبذلك انتهت تجربة الجمهورية الاولى وانتهت أيضا الثورة الفرنسية .
نتائج الثورة الفرنسية:
1 ـ النتائج الساسية: حل النظام الجمهوري بدل الملكية المطلقة، وأقر فصل السلط وفصل الدين عن الدولة والمساواة وحرية التعبير ووضع حد للاستبداد وثم وضع دستورجديد واعلان حقوق الإنسان وتوحيد فرنسا سياسيا و اقتصاديا وإداريا ولغويا.
2 ـ النتائج الاقتصادية: تم القضاء على النظام الاقطاعي، وفتح المجال لتطور النظام الرأسمالي وتحرير الاقتصاد من رقابة الدولة وحذف الحواجز الجمركية الداخلية، وأصبحت الميزانية تقترح من طرف الحكومة ويصادق عليها البرلمان.
2 ـ النتائج الاجتماعية: تم إلغاء امتيازات النبلاء ورجال الدين ومصادرة أملاك الكنيسة، كما أقرت الثورة مبدأ مجانية وإجبارية التعليم والعدالة الاجتماعية وتوحيد وتعميم اللغة الفرنسية وانفصلت الكنيسة عن الدولة وأصبح الطلاق مباحا والقضاء مجاني وهو من مهام الدولة.
واذا كان لنا ان نقيم الثورة الفرنسية فانه يمكن القول بانها مثلت تحولا كبيرا في تاريخ فرنسا الحديث، وأثرت في باقي المجتمعات الأوربية، هذا بالرغم من انها غرقت في دماء الارهاب وظلماته الا انها اورثت القرن التاسع عشر الحرية والمساواة والاخاء، لتقوم فيما بعد على اسس امتن من تلك التي عجز الثائرون عن اقامتها .
نابليون والإمبراطورية (1799-1814):
قام نابليون بونابرت بالانقلاب على (حكم الادارة) في 9 تشرين الأول عام 1799، ليصبح بعدها الامبراطور نابليون الأول، حيث ثم وضع دستور جديد جعل من نابليون كل شئ وارادته هي العليا، حيث طرح هذا الدستور على الشعب فاقره بالاكثرية نظراً للشعبية التي احاطت بالقائد بونابرت بسبب انتصاراته على الجيوش المعادية في المعارك التي قادها. وحاول نابليون الحصول على مزيد من الصلاحيات بتعديل الدستور حيث استفتى الشعب مره اخرى لاستحداث امبراطورية ارثية فوافق الشعب على ذلك، وفي عام 1908 عدل الدستور تعديلاً جديداً فالغي منه مجلس القضاء، وحاول نابليون ان يجعل الدستور يقوم على اساس الامبراطورية التمثيلية المتحررة وطرح هذا التعديل للاستفتاء ولكن معركة واترلوا افشلت ذلك وانتهى حكم نابليون، ولكن اثره على فرنسا واوربا ظل باقياً، حيث اتبع نابليون سياسة فتوحات عسكرية.وإعادة تنظيم إداري، قانوني وتعليمي مازال معمول به جزئياً حتى اليوم في فرنسا، كما ان انتصاراته نشرت مبادئ الثورة، وفي ذات الوقت بعثت من مرقدها الروح القومية في الشعوب التي قهرها نابليون .
1814 وعودة الملكية (لويس الثامن عشر)
بعد هزيمة نابليون في معركة الأمم عام 1813م ثم احتلال باريس في 21 مارس عام 1814م وأبعد نابليون إلى المنفى وأعيدت العائلة المالكة إلى العرش حيث نصب لويس الثامن عشر ملكاً على فرنسا، ولكن لم تمض فترة طويلة حتى تدهورت شعبيته لأنه ارتد عن منجزات الثورة والتفّ حوله كل المعادين للثورة الفرنسية ومبادئها وهذا مهد الطريق لعودة نابليون بعد تمكنه من الهرب من السجن، حيث هرب لويس الثامن عشر خارج البلاد فهب الحلفاء مرة أخرى لنجدته وهزموا جيش فرنسا في معركة واترلو عام 1815م، وأبعد نابليون عن فرنسا واعادوا لويس الثامن عشر الى الحكم مره اخرى. واصبح الحكم يقوم على عهد ومنحه من الملك للشعب يتم بمقتضاه انشاء سلطة تشريعية، ولهذا فان من اهم انجازات هذه الفترة هو انه لاول مره يسمح بقيام النظام النيابي وسيره في فرنسا اذ قبل ذلك لم تعرف فرنسا غير أنظمة قائمه على فصل السلطات .
وهكذا لم يستطع لويس الثامن عشر أن يعود بفرنسا إلى العهد القديم بشكل كامل لأن الفرنسيين بعد أن تعودوا على بعض المكتسبات وذاقوا طعم الحريات ودفعوا ثمنها من دمائهم أثناء الثورة الفرنسية ما كانوا مستعدين للتراجع عنها، وهذا يعني أن الفرنسيين إذا كانوا قد قبلوا بعودة الملك لويس الثامن عشر إلى الحكم فإن ذلك كان على أساس أنه حكم ملكي دستوري لا ملكي إطلاقي أو استبدادي كما كان عليه الحال في السابق .
عهد 1830(شارل العاشر)
فى عام 1824 توفى لويس الثامن عشر وخلفه اخوه شارل العاشر الذي رفض النظام النيابي بالاضافة الى انه كان محافظا جدا وأراد تسليط سيف الرقابة على كل الجرائد والمطبوعات. فاندلعت ثورة عارمة في 1830 في وجهه اضطرته إلى الهرب من البلاد حيث انتهت الثورة الى ملكية دستورية تقوم على عهد جديد هو عهد 1830 الذي يختلف عن عهد 1814 بانه لم يكن منحه صدرت بارادة الملك الوحيد الطرف وانما هو عقد بين الملك الذي قبل به وبين الامه التي صوتت عليه بلسان ممثليها. وقد توسعت الحقوق المعترف فيها كحرية الصحافة والغاء الدين الكاثوليكي للدولة وكان عهد 1830 سبيلاُ لتقوية النظام النيابي في فرنسا .
الجمهورية الثانية ( 24/2/1848 ـ 2/12/1852).
تبدأ هذه المرحلة بثورة شباط 1848 بسبب النزاع بين الحكومة التي ابت توسيع حق الانتخاب وبين الرأي العام فكان ان قامت المظاهرات والاضرابات ونزل الملك عن العرش واعلنت الجمهورية. ورغم كل الصعوبات التي اعترضنها الا انها حققت بعض الانجازات واعتبر الاقتراع العام شرعيتها وتم في عهدها وضع دستور جديد في 4 نوفمبر 1848، الذي الغى عقوبة الاعدام وانُتخبت جمعية وطنية لمدة 3 سنوات, بالاقتراع العام, للذكور البالغين 21 عاما المتمتعين بحقوقهم المدنية والسياسية, كما انتخب رئيس الجمهورية, لويس نابليون بونابرت, لمدة 4 سنوات, بنفس الطريقة. دون أن يكون لأي منها سلطة على الآخر. وكانت ثورة 1848 جمهورية ديمقراطية واجتماعية ، وكانت نتيجه ضرورية لما تمخضت عنه الثورة الصناعية من اعطاء حق الانتخاب للطبقة الوسطى، وتدعيم الديمقراطية الحديثة التي تمثلت في طبقة جديدة- طبقة العمال- الذين ظلوا يطلبون المزيد من التمتع بالحقوق السياسية .
الإمبراطورية الثانية في 2 ديسمبر 1852 .
يعيد التاريخ نفسه في فرنسا فكما ان اول جمهورية فيها انتهت بالامبراطورية فان الجمهورية الثانية عام 1848 تنتهي بدستور عام 1852 ويقود هذا الدستور الى الامبراطورية ، بزعامة لويس نابليون شقيق نابليون الاول، والذي نفي سنة 1836 بسبب مشاركته النشطة ضد الملكية، ولكنه فر من منفاه وعاد إلى فرنسا في فبراير 1848بعد سقوط النظام الملكي وانتخب رئيسا للجمهورية الفرنسية الثانية لمدة أربع سنوات و لما شعر باستحالة انتخابه مرة ثانية دبر في ديسمبر 1852 انقلابا ضد الجمهورية، وأعلن النظام الإمبراطوري مسميا نفسه الإمبراطور نابليون الثالث .
وقد قاوم هذه المحاولة الانقلابية كثير من المفكرين والادباء كان على رأسهم فيكتور هيجو الذي وقف مدافعاً عن الحرية والديمقراطية، حيث عبر عن ذلك بقوله: " المشرع هو المعبّر الأعلى عن إرادة الأمة، وكل مقاومة من قبل السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية هو تدخل، وكل تعد من السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية هو جناية . ولم يكتف هوجو بالقلم, بل خرج إلى الشارع طالباً من الشعب أن يثور ضد من سمّاه بالطاغية، حيث كان هوجو وقتها قد عمل بالسياسة ووصل إلى رئاسة الحزب اليساري الاشتراكي، وحاول هو وأنصاره مقاومة هذا التغير لكن محاولتهم بائت بالفشل .
فبعد انقلاب رئيس الجمهورية لويس نابليون بونابرت وتنصيب نفسه إمبراطورا ليصبح اسمه نابليون الثالث, وزع السلطة التشريعية بين مجلس الدولة, المؤلف من موظفين, يعدون القوانين، والجسم التشريعي يناقشها ويصوت عليها, ومجلس الشيوخ يراقب دستوريتها. وقد سجل دستور 1852 العودة للمؤسسات الإمبراطورية مع البقاء على المبادئ الأساسية للثورة الفرنسية . وهذا هو النظام الرئاسي القوي لان صلاحيات الرئيس في دستور 1852 اوسع من صلاحيات رئيس الولايات المتحدة، ففي وسعه حل مجلس النواب وهو الذي يسمي اعضاء مجلس الشيوخ، وبذلك كان الحكم ديكتاتوريه قائمة بتصويت الشعب، وعلى هذا الاساس تحول النظام ثانية الى الامبراطورية .
الجمهورية الثالثة
في عام 1870م خاض نابليون الثالث الحرب ضد بروسيا، حيث فشل في الحرب فشلاً ذريعاً واستسلم ووقع في الاسر، وبذلك انهارت الإمبراطورية الثانية بعد أن تمكن البروسيون من محاصرة مدينة باريس العاصمة وخسرت فرنسا في النهاية مقاطعتي الألزاس واللورين. ومن رحم هذه الهزيمة انطلقت الجمهورية الثالثة التي قادت مسيرة العلمنة . ومع صعوبة ولادتها فقد كانت الأطول عمرا, وحسب البعض الأكثر عطاء وخصوبة من بين الجمهوريات الفرنسية. ولم يُقر دستورها بشكل نهائي إلا بعد 4 سنوات من قيامها، ووزعت القوانين الدستورية لعام 1875 السلطة التشريعية بين مجلس النواب المنتخبين لمدة 4 سنوات بالاقتراع العام, و مجلس الشيوخ المنتخب بالاقتراع غير المباشر لمدة 9 سنوات. وأصبحت صلاحيات المجلسين واسعة في مواد وضع القوانين, ومراقبة الحكومة, ومسؤوليتها أمامه. والواقع أن مجلس النواب هو الذي كان يمارس هذه السلطة. وأعطيت لرئيس الجمهورية سلطة حل المجلس .
وخلال الحرب الفرنسية الألمانية في الفترة من 1871 إلى 1875، كانت الجمعية الوطنية المنتخَبة آنذاك هي التي صوتت على دستور الجمهورية الثالثة في فرنسا، الذي تم اعتماده بأغلبية صوت واحد فقط. كما أوكلت إليها مهمة التصديق على شروط الهدنة، بعد الهزيمة القاسية أمام الجيش الألماني. ومن المفارقات العجيبة التي اقترنت بوضع هذا الدستور ان واضعيه كانوا يتمنون انهياره في اقرب وقت، لان الكثرة الغالبة بين واضعيه من انصار النظام الملكي لا من انصار النظام الجمهوري، ولكنهم اختلوا حول تسمية الاسره الملكية التي ستتولى الحكم فقرروا القبول بنظام جمهوري مؤقت بأمل تغييره في اول فرصه بنظام ملكي، ولكن املهم تبدد بعد ان اصدر البرلمان الفرنسي في سنة 1884 قانوناً يحرم التقدم باقتراح تعديل دستوري يهدف الى الغاء النظام الجمهوري .
وهكذا عاد الحكم الديمقراطي الى فرنسا اعتباراً من 1875 ولا يكون هذه المره قصير العمر بل يستمر طويلاً امام اجتماع عاملين هما : الديمقراطية في ذاتها والنظام النيابي الى جانبها. اما من قبل فقد كانت توجد الديمقراطية من غير نظام نيابي كما حدث في الجمهوريتين الاولى والثانية او يوجد النظام النيابي من غير ديمقراطية كما هو شأن العهدين، عهد 1814 وعهد 1830. اما الان فسنرى الديمقراطية في ظل النظام النيابي تحقق في عهد الجمهورية الثالثة ما لن تستطع تحقيقه في ظل الجمعية التأسيسية عام 1793 ولا في ظل النظام الرئاسي عام 1848 ، حيث تم في عهدها إنشاء المدرسة العمومية العلمانية الإجبارية, واقرار حرية الصحافة والحرية النقابية وحرية إنشاء الجمعيات المدنية وثم فصل الكنيسة عن الدولة رسمياً، وشهدت الحركة الصناعية والتجارية ازدهاراً كبيراً، وبالرغم من ذلك فقد شهد عهد الجمهورية الثالثة عدم استقرار سياسي فكانت الحكومات لا تدوم طويلا، وتقلص دور البرلمان الذي كان يفوض غالبا اختصاصاته للحكومة.
الجمهورية الرابعة.
كانت الحرب العالمية الثانية سبباً في انتهاء الجمهورية الثالثة بعد هزيمة القوات الفرنسية على يد ألمانيا النازية التي قامت بتشكيل حكومة فرنسية (1940-1944) هي حكومة فيشي التي نصبوها في منطقة فيشي الواقعة في جنوب شرق باريس، حيث صوتت الجمعية الوطنية المؤلفة من اجتماع مجلس الشيوخ والنواب في فيشي على القانون الدستوري المؤرخ في 10 تموز 1940، وهو مادة وحيدة تنص على اعطاء كل سلطة الى حكومة المارشال بيتان تحت امرته وتوقيعه من اجل اصدار المقررات لوضع دستور جديد، حيث ان بيتان لم يعمل على اصدار دستور جديد بل اتخذ عدد من المقررات المؤقته التي انشأت حكماً مطلقاً في يده وعين سلطاته وهي تتناول سائر اعمال الحكومة . وبأمر النازيين حلت حكومة فيشي المجلس الوطني الفرنسي، وعينوا فيليب بيتان رئيساً لفرنسا وجوزيف دارناند رئيساً للمخابرات بعد أن أقسموا يمين الولاء لهتلر، حيث صدرت إليهم أوامر النازيين أن تكون أهم مهماتهم هي القضاء على المقاومة الفرنسية .
وفي هذه الاثناء كان الماريشال بيتان والجنرال ديغول يتنازعان الأقلية والأكثرية في فرنسا ويتبادلان تهم العمالة للأجنبي النازي المحتل بالنسبة للأول، والبريطاني بالنسبة للثاني وكانت الأكثرية الساحقة المنتخبة "ديموقراطيا" تقف إلى جانب بيتان الذي اختار التعامل مع الاحتلال لإنقاذ "فرنسا" وكانت الأقلية الضئيلة مع ديغول الذي اعتبر حكومة فيشي "فاقدة للشرعية" وأطلق من لندن نداء المقاومة الشهير في 18 حزيران 1940 يونيو لإنقاذ "فرنسا . وبدأ عهد المقاومه، حيث أنشأ ديغول تحت سلطته هيئات باسماء مختلفة آخرها الحكومة المؤقته في الجمهورية الفرنسية بارادة صدرت في الجزائر في 3 حزيران 1944 وانتقلت بعدها الحكومة الى الارض الفرنسية مع حملة التحرير وأقامت في باريس اعتباراً من نهاية آب 1944 بالاتفاق مع حركة المقاومة الداخلية .
بدأ عهد الجمهورية الرابعة رسمياً، بعد ان ثم وضع دستور جديد لفرنسا بعد انتخابات عام 1945 حيث اقر في 27 أكتوبر 1946، وقد رافق قيامها خلافات سياسية بين زعماء أحزابها وشخصياتها المعروفة، خاصة وان التحديات في مواجهتها كانت كبيرة, ومنها مسألة الاستعمار والحرب الفيتنامية, ثم الجزائرية، والبناء الأوروبي، والحرب الباردة، وإعادة بناء الاقتصاد، والخلاف على تقييم فشل الجمهورية الثالثة وتجنب الوقوع فيه, حيث أعاده البعض, إلى عدم وجود كاف للديمقراطية، والبعض الآخر ومنهم الجنرال ديغول عزاه إلى عدم تمتع السلطة التنفيذية بصلاحيات كافية، وعليه كان يجب لصياغة الدستور الجديد البحث عن الأسس القوية التي ستقوم عليها الجمهورية الوليدة .
ولعل ابرز النقاط التي جاء بها دستور 1946 هو الترجيح للجمعية الوطنية في حياة فرنسا السياسية، وازدياد سلطة رئيس الوزراء تلقاء رئيس الجمهورية وانشاء المحكمة العليا والمجالس الاستشارية واخيراً الاتحاد الفرنسي . ولهذا تكون البرلمان من مجلسين غير متكافئتين : الجمعية الوطنية ومجلس الجمهورية، حيث حلت الجمعية الوطنية محل مجلس النواب التي عرفتها الجمهورية الثالثة، وتتألف من 619 نائبا, بينهم 75 نائبا لما وراء البحار منتخبون لمدة 5 سنوات بالاقتراع العام المباشر، وتتمتع باختصاص تشريعي كامل وغير منقوص. فهي إلى جانب سلطة اقتراح القوانين, تجعل من مجال تطبيقها بالقوة غير محدود. كما حافظت على المفهوم الذي ساد الجمهورية الثالثة, وهو أن القانون هو التعبير الدائم عن الإرادة العامة وعليه فهو غير قابل للتقييد ولا للرقابة، ولم تكن الجمعية تعير اهتماما يذكر لمجلس الجمهورية .
ولان تلك المرحلة كانت فترة تناحر ايديولوجي مثقل بعبء البحث عن بداية جديدة إثر كارثة الغزو الالماني، فان تلك الجمهورية فشلت بمرور الوقت ان ترتقي لمستوى ما تتطلبه هذه البداية، حيث انعكس الصراع الحزبي على الشارع ثم على صورة البرلمان والحكومة المنبثقة عنه التي طالما كانت حكومة اضعفتها التوافقات كما التناحرات الحزبية في ظل فشل اي حزب بتحقيق اغلبية حقيقية يرتكن عليها لوضع البلاد على مسار واضح . فمنظومة الأحزاب حتى عام 1955م عرفت احزباً متعددة ضعيفة قليلة التنظيم تتجمع ضمن تحالفات هشة ومؤقتة وبصورة عامة موجهة نحو الوسط، حيث شكل الشيوعيون معارضة، كما شكل الجناح اليميني الجديد بزعامة ديجول معارضة أخرى للحكم، فتزعزعت الأحوال واستمرت كذلك خلال السنوات العشر التالية.
ورغم النقد الشديد للجمهورية الرابعة, فإنها استطاعت, الربط بين المشاريع الأساسية وهي تحديث الاقتصاد والسياسة الاجتماعية . فإلى جانب الديمقراطية التي جاءت بها جمهورية 1848, والعلمانية التي جاءت بها جمهورية 1880, أضافت هذه الجمهورية البعد الاجتماعي حيث حرص دستورها على وضع إعلان حقوق الإنسان والمواطن كاملا في مقدمته، وأضاف إليها حقوقا اجتماعية أخرى مثل حق العمل..الخ. وكانت الجمعية الوطنية في مركز اهتمامه محاولا موازنة العلاقات بين السلطات لتجنب عدم الاستقرار الذي عرفته الجمهورية الثالثة .

المبحث الثاني
النظام السياسي الفرنسي المعاصر
الجمهورية الخامسة 1958
النظم السياسية المعاصرة هي التي تقوم على مبدأ الفصل بين السلطات ويعتبر مبدأ الفصل بين السلطات المدخل الرئيسي لتحديد نوع النظام السياسي . وأساس هذا المبدأ هو توزيع السلطات وعدم تركيزها في يد واحدة بل توزيعها على شكل هيئات أو مؤسسات وفق الاختصاصات المنوطة بها فتتخصص السلطة التشريعية بالتشريع والسلطة التنفيذية في مهمة تنفيذ القانون وتقوم السلطة القضائية بتطبيق القانون وتقديم المشورات القضائية. ويرجع تقسيم هذه السلطات نظرياً الى كتابات (أرسطو) الذي استعرض فكرته عن الفصل بين السلطات في كتابه (السياسة) من حيث هي ضمان الحرية السياسية للفرد . وعبر عنها (مونتسكيو) بشكل النظام الذي يؤمن الحرية بصورة أفضل. وحسب اعتقاده فأنه النظام الذي تكون سلطاته منفصلة وتستطيع كل سلطة في حالة استثنائية إيقاف الأخرى.
ويهدف مبدأ الفصل بين السلطات وعدم تركيز وظائف الدولة في يد سلطة واحدة الى حماية المحكومين من استبداد الحكام وخاصة في الأنظمة الملكية المستبدة والسلطة المطلقة وقد أصبح هذا المبدأ اساساً لوضع الدساتير منذ ذلك الحين الى يومنا هذا، حيث يعتمد تصنيف النظم السياسية على وجود فصل نسبي بين السلطات من زاوية العلاقة الموجودة بين هذه السلطات. فإذا كانت العلاقة قائمة على أساس المساواة والتعاون فيسمى بالنظام البرلماني أما إذا كان الفصل بين السلطات قائماً مع رجحان كفة السلطة التنفيذية فيسمى بالنظام الرئاسي أما اذا كان النظام يقوم على أساس جمع السلطات بين الجمعية النيابية مع تفويض عدد من اعضائها بمباشرة مهام السلطة التنفيذية فيسمى بنظام حكومة الجمعية أو نظام الجمعية النيابية .
الدستور الفرنسي
يعتبر الدستور الوثيقة القانونية والسياسية الأسمى في الدولة، أو الإطار العام الذي يحدد نظام الدولة، وينظم عمل السلطات فيها، ويكفل حقوق الأفراد والجماعات، ويجسد تطلعات الشعب. ولهذا فإن أي تغيير أو تبديل يطرأ على البنية السياسية أو الاجتماعية يستتبع، حتماً، تبديل دستورها أو تعديله بما يتلاءم مع الأوضاع والظروف الطارئة أو المستجدة. ومما يسترعي انتباه الباحث في الدراسات الدستورية هي أن الدستور ليس فقط مجموعة من القواعد القانونية المدوّنة في وثيقة مكتوبة تتعلق بنظام الحكم في الدولة، وإنما هو أيضاً علية صياغة قانونية لفكرة سياسية استطاعت، في صراعها مع الأفكار الأخرى، أن تؤكد انتصارها بوصولها إلى السلطة وفرض فلسفتها واتجاهاتها كقواعد قانونية ملزمة .
وربما يكون هذا المفهوم للدستور ينطبق تماماً على الدستور الفرنسي الذي تقلب وتطور لعشرات المرات وجاء معبراً عن الافكار الفلسفية وملبياً حاجات الناس العادين في سعيهم نحو الحرية والكرامة والمساواة في الحقوق والواجبات. فكان في كل مرحلة يضيف مكتسبات جديدة للامه ويرسخ مبادئ سامية لا ينفك حتى يرنو الى افضل منها، وهذا ربما ما جعل البعض يعيبون علي النظام السياسي الفرنسي عدم الاستمرارية مقارنة بالنظم الديمقراطية الغربية الأخرى، غير آخذين في الاعتبار ان تاريخ فرنسا السياسي كان أكثر ثورية واضطرابا من غيرها، فقد اندلعت في فرنسا خلال نصف قرن ثلاث ثورات كبرى في الأعوام 1789، 1830، 1848وتعاقبت عليها منذ بداية القرن التاسع عشر خمس جمهوريات، لم يتعد عمر ثلاث منها بضع سنوات. وعرفت فرنسا طعم الهزيمة والاحتلال العسكري لأراضيها من جانب المانيا في الحرب العالمية الثانية والهزيمة العسكرية في معارك التحرير خارج أراضيها في فيتنام في العام1954والجزائر في العام 1962وكانت قاب قوسين او ادني من حرب أهلية مدمرة بسبب الموقف من قضية استقلال الجزائر، وقد اثرت هذه الأحداث جميعها في مسار النظام السياسي الذي تعاقبت عليه الدساتير في الأعوام 1804، 1814، 1852، 1875 ، 1946. وهكذا لم تعرف فرنسا الاستقرار النسبي منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى قيام الجمهورية الخامسة في العام 1958الا في فترة الجمهورية الثالثة ( 1870- 1940) .
دستور الجمهورية الخامسة 1958
تم إقرار دستور الجمهورية الخامسة عن طريق استفتاء عام يوم 28 سبتمبر 1958 م. ويحد هذا الدستور من صلاحيات الحكومة (السلطة التنفيذية) أمام البرلمان (السلطة التشريعية). ووفقا للدستور يتم انتخاب رئيس الجمهورية لعهدة مدتها خمس سنوات (كانت المدة 7 سنوات)، حيث يقوم الرئيس بفضل صلاحياته بالسهر على سير السلطات العمومية واستمرارية مؤسسات الدولة ويعين هذا الأخير رئيس الوزراء، كما يرأس اجتماعات الحكومة، ويقود القوات المسلحة ويبرم الاتفاقيات.
ودستور 1958 يعتبرالمجلس الوطني (الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ) السلطة التشريعية الأولى في البلاد، ويتم انتخاب نواب الجمعية الوطنية كل خمس سنوات، اما مجلس الشيوخ فيتم انتخاب اعضاءه كل 6 سنوات (كانت 9 سنوات). ولهذا المجلس صلاحيات محدودة، وفي حال اختلافه مع الجمعية الوطنية تعطى الأولية للجمعية. كما يحكم دستور الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 1958 سير العمل في مؤسسات الجمهورية الخامسة، وهو دستور تمت مراجعته عدة مرات، وقد أجريت عليه التعديلات التالية: انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع العام المباشر (1962)، إدراج باب جديد يتعلق بالمسؤولية الجنائية لأعضاء الحكومة (1993)، العمل بنظام الدورة البرلمانية الواحدة، توسيع نطاق الاستفتاء العام (1995)، أحكام وقتية انتقالية تتعلق بوضع كاليدونيا الجديد (1998)، إنشاء الاتحاد الاقتصادي والنقدي، تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تبوء المناصب والمهام الانتخابية، الاعتراف بالمحكمة الجزائية الدولية كهيئة قضائية (1999)، تخفيض مدة الولاية الرئاسية (2000)..

السلطة العامة
في الجمهورية الخامسة

نعرف تاريخياً وتقليدياً ان سلطات الحكم موزعة الى ثلاث: تشريعية (صنع القوانين) تنفيذية وقضائية، وهذه التقسيمات تعكس نواحي او جوانب معينه مما يجري في علم السياسة . ووظائف الدولة بما يترتب على ذلك من وجود ثلاث سلطات عامة في الدولة وهى السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية
السلطة التنفيذية:
يقصد بالسلطة التنفيذية تلك السلطة التي تتكون من الاشخاص الذين يقومون بتنفيذ القوانين وحفظ الامن وادارة المصالح العمومية فيدخل فيهم والحالة هذه رئيس الدولة الذي هو رئيس السلطة التنفيذية والوزراء والموظفون المدنيون والعسكريون . وهي ايضاً الموكل اليها وضع السياسة العامة للدولة، واستصدار التشريع اللازم لاجازة هذه السياسة من البرلمان وتكون بصفة عامة مسئولة امام الشعب .
اولاً : رئيس الجمهورية :
يعد رئيس الدولة الممثل الأسمى للدولة في علاقاتها الخارجية، فهو الذي يجسد سيادتها بغض النظر عن اللقب الذي يحمله (ملكا أو رئيسا أو أميرا...)، ورئيس الدولة هو الذي يعبر عن إرادة الدولة لأنه يعتبر رمزا لها ، لذلك فإن العرف والقانون الدوليين يخصانه بامتيازات وحصانات خاصة ويتمتع بالتقدير والاحترام اللائقين بمكانته أثناء تنقلاته الرسمية خارج دولته. ودستور الدولة هو الذي يحدد وينظم اختصاصات وصلاحيات رئيس الدولة في مجال السياسة الخارجية بغض النظر عما قرره العرف الدولي من صلاحيات هي من حيث المبدأ مرتبطة بوظيفته على رأس الدولة، كقبول أوراق اعتماد سفراء الدول الأجنبية،أو التصديق على الاتفاقيات الدولية، غير أن هناك أنظمة دستورية تعطي لرئيس الدولة سلطات واسعة .
ففي فرنسا إضافة إلى الدور التقليدي لرئيس الدولة في مجال الاتفاقيات (التفاوض/التصديق) فإن الدستور خصص مقتضيات متعددة تبين دوره المهم في إدارة العلاقات الخارجية وقد تقوى هذا الدور أيضا باختصاصاته في مجال الدفاع. وبغض النظر عن روح الدستور فإن الشخصية الاستثنائية للجنرال ديغول وإلحاق الشؤون الخارجية بـ المجال المحفوظ لرئيس الجمهورية، قد طبعت وظيفة رئيس الدولة، وحافظ خلفاؤه على هذا التقليد الذي تجسد في تراجع نسبي لدور وزير الخارجية . وهذه الصلاحيات المحفوظة قد ظهرت منذ وصول ديغول إلى الحكم( 1958-1969 ) للتعبير عن ممارسة اتبعها في ميدان السياسة الخارجية، فقد كان يعتبر أن هذه الممارسة هي التي تعكس الدور الفعلي لرئيس الدولة، وبالتالي، هي التي تكون لها الأولوية في صلاحياته ويكرس لها كل جهوده وطاقاته دون رقابة من أي جهة أخرى. وقد تجلت هذه الممارسة في مجال السياسة الدفاعية خاصة في ما يتعلق بالمجال النووي والعلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية وقضية الجزائر. وقد اتبع الرئيس فرانسوا ميتران(1981-1995) هذا النهج وإن كان لم يصل إلى المستوى الذي بلغه في عهد ديغول .
نظام رئاسي (شبه رئاسي)
منذ 1958 م ومع قيام الجمهورية الخامسة أصبح للبلاد نظام رئاسي ديمقراطي كان الهدف منه هو الصمود في وجه العواصف التى عرفتها البلاد من قبل والتي لم يفلح نظام الجمهورية البرلمانية في صدها . حيث ظهرت زعامة فرنسية كارزمية تمثلت بشخص شارل ديغول تحملت مسؤولية مواجهة التفكك السياسي بدون مصادرة الديمقراطية او الانقضاض عليها، فانبثقت الجمهورية الخامسة كشكل جديد لنظام الحكم في اوروبا نجح بتجاوز هيمنة البرلمان المفكك وما ينتجه من حكومة هشة دون ان يذهب الى حد خلق نظام خاضع تماما لهيمنة الرئيس كما هو حاصل في بعض الانظمة الرئاسية، ولذلك اصطلح على هذا النظام الجديد بالنظام شبه الرئاسي او شبه البرلماني وكلاهما يعبر عن حقيقة انه نظام وسط بين الرئاسي والبرلماني حيث يتم انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب مما يمنحه تخويلا ديمقراطيا يعزز من سلطته كرمز للوحدة ومالئ للفراغ الذي قد ينتج عن وجود برلمان فاقد لأغلبية حاسمة، ومنذ ذلك الوقت كان النظام اكثر استقرارا وفاعلية .
انتخاب رئيس الجمهورية
بعد عودة الجنرال "شارل ديجول" إلى الحكم في فرنسا عام 1957م بعد سقوط حكومة "جي موليه" إثر العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956م، سقطت الجمهورية الفرنسية الرابعة وأُقر دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة بالاستفتاء في 4 أكتوبر 1958م، وبمقتضاه سيتم انتخاب الرئيس بطريقة مباشره خلافاً للنظام السابق الذي لم يكن رئيس الجمهورية منتخبًا من قِبَل الشعب مباشرةً في اقتراع سري مباشر، بل من جانب هيئة ناخبة منتخَبة مباشرةً من جانب المواطنين، وقد عنى ذلك في الممارسة العملية أن الرئيس لم يكن يحظى بالشرعية الديمقراطية، ولم يكن يمثل الإرادة الوطنية العامة التي تعبر عنها جموع المواطنين، في الوقت الذي تحظى فيه الجمعية الوطنية بهذه الشرعية الديمقراطية. وكان الرئيس- وفق هذا النظام- يحظى بشرعية شكلية وإسمية، لأن الحكومة مسئولة أمام البرلمان، وبمقدوره حجب الثقة عنها، بيد أن هذه الأوضاع كانت لها استثناءات واضحة فيما يتعلق بحالة الجنرال "ديجول"، حيث كان يحظى بمصادر شرعية تتجاوز الشرعية الديمقراطية التي تحظى بها الجمعية الوطنية لدوره في الحرب العالمية الثانية وعلاجه للقضية الجزائرية .
وهكذا فإن فرنسا قبل ان تعلن فيها الجمهورية الخامسة على يد "ديجول" كان رئيس الجمهورية لا يملك من السلطة التنفيذية الا الاسم. اما السلطة الفعلية فكانت في يد الوزارة . ولكن في عام 1962م اقترح الجنرال "دي جول" تعديلاً دستوريًا أُقر بالاستفتاء في 28 أكتوبر من ذلك العام، وينص على وجوب انتخاب المرشح لشغل منصب رئيس الجمهورية في اقتراع سرِّي مباشر من قِبَل جميع المواطنين الذين لهم حق التصويت. وعندما اقترح "دي جول"هذا التعديل الدستوري لم يكن يفكر في وضعيته الرئاسية بقدر ما كان يفكر فيمن سيخلفه في هذا المنصب؛ حيث كان يريد تدعيم وضعية رئيس الدولة وتعزيز شرعية الديمقراطية، ولم يكن هذا ممكنًا دون أن يكون متمتعًا بموافقة الإرادة الوطنية العامة التي يعبرعنها المواطنون في انتخاب سرِّي مباشر لمن يشغل منصب رئيس الدولة. وكان من نتائج هذا التعديل وبعد تطبيقه للمرة الأولى في انتخابات العام 1965م الرئاسية- التي فاز فيها "دي جول"- أن الجمعية الوطنية لم تعد تحتكر تمثيل الإرادة الوطنية أو الشرعية، بل أصبح الرئيس أيضًا يحظى بهاتين الدعامتين، بل ولم يعد النظام السياسي برلمانيًّا كما كان قبل هذا التعديل، بل أصبح نظامًا برلمانيًا مطعمًا بعنصر رئاسي، يحظى فيه الرئيس بصلاحيات واسعة جدا. في الدفاع والأمن، والشئون الخارجية. فهو رئيس الدبلوماسية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وهو الذي يعيِّـن ويقيل الحكومة ورئيسها . وله الحق بإجراء الاستفتاء، وإعلان حالة الطوارئ ، وهي صلاحيات تقربه من مركز "الرئيس الأمريكي" في النظام السياسي المعمول به في الولايات المتحدة ،
صلاحيات الرئيس الفرنسي
إن دستور الجمهورية الخامسة يمنح الرئيس العديد من الصلاحيات, فهو الذي يعين رئيس الوزراء, ويعفيه من منصبه بناء على تقديمه استقالة الحكومة. وبناء على اقتراح رئيس الوزراء يعين رئيس الجمهورية باقي أعضاء الحكومة ويعفيهم من مناصبهم ( مادة 8), كما يرأس رئيس الجمهورية مجلس الوزراء, ويصدر رئيس الجمهورية القوانين في خلال خمسة عشرة يوما التالية على إحالة القانون, الذي تم إقراره بصفة نهائية, إلى الحكومة, ولرئيس الجمهورية, قبل انقضاء هذه المدة, أن يطلب من البرلمان إجراء مداولة جديدة في القانون أو في بعض مواده, ولا يجوز رفض هذه المداولة الجديدة( مادة10). كما أن لرئيس الجمهورية أن يطرح للاستفتاء كل مشروع قانون يكون متعلقا بتنظيم السلطات العامة أو بإصلاحات خاصة بالسياسة الاقتصادية أو الاجتماعية للأمة أو بالمرافق العامة التي تسهم في هذه السياسة, أو يهدف إلى الإذن بالتصديق على معاهدة قد يكون لها, دون أن تكون مخالفة للدستور, تأثير على عمل المؤسسات. وعندما يجري تنظيم الاستفتاء بناء على اقتراح الحكومة, فعليها تقديم بيان أمام كل مجلس تعقبه مناقشة. وإذا ما أسفر الاستفتاء عن إقرار مشروع القانون يقوم رئيس الجمهورية بإصداره خلال الخمسة عشرة يوما التالية على إعلان نتيجة الاستفتاء( مادة 11)
ولرئيس الجمهورية, بعد مشاورة رئيس الوزراء ورئيسي المجلسين, ان يعلن حل الجمعية الوطنية وتجري الانتخابات العامة في اليوم العشرين على الأقل, والأربعين الأكثر, من تاريخ الحل ( مادة 12). كما يوقع رئيس الجمهورية على المراسيم والأوامر التي يقرها مجلس الوزراء. ويتولى التعيين في الوظائف المدنية والعسكرية للدولة( مادة 13) كما يعتمد رئيس الجمهورية السفراء و المبعوثين فوق العادة لدى الدول الأجنبية, كما يتولى رئيس الجمهورية اعتماد السفراء والمبعوثين فوق العادة الأجانب لديه ( مادة 14) ورئيس الجمهورية هو قائد القوات المسلحة. وهو يرأس المجالس واللجان العليا للدفاع الوطني.( مادة 15) كما يحق لرئيس الجمهورية, عندما تكون مؤسسات الجمهورية أو استقلال الأمة أو سلامة أراضيها أو تنفيذ التزاماتها الدولية مهددا بطريقة خطيرة, أن يتخذ التدابير التي تفرضها هذه الظروف بعد مشاورة رسمية مع رئيس الوزراء ورؤساء مجلسي البرلمان والمجلس الدستوري، و يقوم رئيس الجمهورية بإبلاغ هذه التدابير للأمة في رسالة (مادة16). كما أن لرئيس الجمهورية الحق في العفو( مادة 17).
ويفسر البعض تلك السلطات الواسعة لرئيس الجمهورية بأنه المنصب الرسمي الوحيد الذي يتم انتخابه من قبل الشعب الفرنسي بأكمله, فهو إذن يستمد شرعية وجوده مباشرة من الناخبين الفرنسيين. بالإضافة إلى عدم وجود منصب نائب للرئيس في النموذج الفرنسي وفي النهاية يمكن إيجاز سلطات الرئيس طبقا لدستور الجمهورية الخامسة في 8 نقاط رئيسية :
1- هو يسمي رئيس الوزراء, و يصادق على اختياره للوزراء
2- يرأس اجتماعات مجلس الوزراء (وليس رئيس الوزراء)
3- هو الذي يقود السياسة الخارجية الفرنسية, من خلال سلطاته في التفاوض وتوقيع المعاهدات, بالإضافة إلى تسمية السفراء الفرنسيين في العالم الخارجي, والموافقة على السفراء الأجانب في فرنسا.
4- هو قائد القوات المسلحة, كما انه المسئول الوحيد عن القوة النووية الفرنسية.
5- له سلطة حل الجمعية الوطنية والدعوة لانتخابات جديدة .
6- كما انه يعين ثلاثة من أعضاء المجلس الدستوري ( البالغ عددهم 9), بما فيهم الرئيس. كما أن له حق اقتراح تعديلات للدستور( مادة 89).
8- المادة الخامسة من الدستور تجعل من رئيس الجمهورية هو الضامن للاستقلال الوطني ولسلامة الأراضي و احترام المعاهدات.
ونظراً للاهمية الكبيرة لمنصب رئيس الجمهورية فقد وضع الدستور الفرنسي مجموعة من الشروط، والتي ينبغي لها أن تتوافر في أشخاص المرشحين لهذا المنصب وذلك استنادًا إلى مكانتة وأهميته والدور والصلاحيات المنوطة به، ومن بين هذه الشروط- على سبيل المثال- أن يحصل المرشَّح لهذا المنصب على توقيع (100) من أعضاء الهيئات المنتخَبة والتمثيلية، مثل الجمعية الوطنية والبلدية والمحلية والعمد المنتخَبين في المدن والأحياء- يقدر عددهم بعشرات الآلاف- وارتفع بعد ذلك رقم المائة توقيع إلى خمسمائة؛ نظرًا لتطور الظروف . بالإضافة إلى ذلك فإن الدولة تتكفل- وفقًا للدستور- بدفع مائة ألف فرنك فرنسي (تعديل آخر عام 1974م) لكل مرشح مستوفٍ شروطَ الترشيح لهذا المنصب لتمويل حملته الانتخابية، فضلاً عن ضمان عدد من الإعلانات والمنشورات والمطبوعات الخاصة بالحملة الانتخابية لكل مرشح، وتخصيص وقت متساو في الإذاعة والتليفزيون لعرض برامج المرشح ومناقشتها .
ثانياً: رئيس الوزراء والحكومة
ان الفكرة الاساسية التي يدور حولها دستور 1958 وتعديل 1962 وسياسة ديجول هي تقوية مركز السلطة التنفيذية لا لحساب رئيس الوزراء وانما لحساب رئيس الجمهورية، ومع ذلك ابقى الدستور على الازدواجية داخل السلطة التنفيذية. فلم يعهد لرئيس الجمهورية بمهام رئيس الوزراء رغبة في تفادي الارهاق الذي نتج عن تبنى النظام البرلماني نظراً لكثرة الجدل بين الوزارة والبرلمان والذي تمخض عنه اطضراب وعدم استقرار، خاصة في الفترة السابقة على سقوط الجمهورية الرابعة. ولهذا فإن الحل الوسط الذي تبناه دستور سنة 1958 لجعل الجمهورية الخامسة شبه برلمانية وشبه رئاسية اضفى على الحكومة طابعاً برلمانياً. فالحكومة تحدد وتدير سياسة الأمة بقيادة رئيس الوزراء. ويعتبر رئيس الوزراء مسؤولاً أمام البرلمان (المادة 20) . ويوجه رئيس الوزراء عمل الحكومة، ويسهر على تطبيق القوانين (المادة( 21 . ويتضح من هذه النصوص ان رئيس الوزراء اذ يحدد سياسة الدولة، ويقوم برسم الاهداف والاساليب الواجبة الاتباع لتحقيق الاهداف، غير ان التطبيق العملي لهذه النصوص، ادى الى توسيع اختصاصات رئيس الجمهورية والحد من سلطات رئيس الوزراء والوزارة، بل ان الرئيس ديستان اتجه بالنظام نحو الرئاسية، وقد اعلن هذا في مناسبات عديدة منذ انتخابه سنه 1974 .
وبغض النظر عن رغبات الرؤساء وممارساتهم فأن البعض يرى ان النظام الذي ارساه الاصلاح الدستوري في فرنسا في عام 1961م باقرار انتخاب رئيس الجمهورية بالاقتراع الشامل دون الغاء الاطار البرلماني يبرز نموذج متميز من العلاقات بين الحكومة والبرلمان يمكن تسميتها بالنصف رئاسي الذي يبدو اقرب الى النظام البرلماني منه الى النظام الرئاسي، وهذا يعني ان النظام الفرنسي يبقى برلمانياً لان رئيس الوزراء والوزراء يشكلون وزارة مسؤولة أمام البرلمان الذي يستطيع ارغامها على الاستقالة بحجب الثقة عنها ولا تستطيع الحكومة أن تحكم اذا لم تحصل على أغلبية أصوات الجمعية الوطنية. وربما مما يجعل البعض ينظر الى النظام الفرنسي كنظام رئاسي بحث هو وجود ما اصطلح عليه بالأغلبية الديجولية منذ عام 1962م التي اخفت هذه المشكلة عدة مرات، ولكن اذا ما غابت من جديد هذه الأغلبية، فسوف يعمل النظام نصف الرئاسي على نحو مختلف جداً، وبالذات اذا غاب التطابق بين التوجه السياسي لهذه الأغلبية البرلمانية والتوجه السياسي لرئيس الدولة .
العلاقة بين الرئيس والحكومة (حالة السيطرة الموحدة وحالة التعايش)
مما تقدم يتضح لنا إن الدستور يخلق من منصب الرئيس, سلطة كبيرة, فهو بحق مفتاح كل المؤسسات السياسية الفرنسية, إلا أن تحديد دقيق لصلاحيات رئيس الجمهورية الفرنسي, يستوجب مراجعة للظروف السياسية التي يعمل فيها هذا الرئيس. فلكي تكون تلك الصلاحيات الدستورية للرئيس فعالة يجب عليه ترجمة تلك النصوص إلى قدرة يومية على التأثير في العمل السياسي الفرنسي. فحقيقة أن الرئيس الفرنسي هو الوحيد المنتخب مباشرة من الشعب الفرنسي, تمنحه سلاح فعال يمكنه استخدامه في مواجهة المعارضة. ولكن ذلك لا يكفي لاحكام سيطرته واستفراده بالسلطة، بل يتوقف ذلك على علاقته بالاغلبية في الجمعية الوطنية.
حالة السيطرة الموحدة
عندما يكون التحالف الذي يشكل الأغلبية في الجمعية الوطنية الفرنسية ينتمي إلى نفس التيار, أو الحزب الذي ينتمي إلية الرئيس، فسيتمكن في هذه الحالة من تسمية رئيس للوزراء يدين له بالولاء, وبالتبعية حكومة تدين له بالولاء هي الأخرى. وفي تلك الحالة لن يشكل البرلمان أي عائق أمام سياسات وتوجهات الرئيس, وهو الأمر الذي يجعل من الممارسات السياسية للرئيس لا تتعرض لأي قيود سياسية تذكر إلا قواعد القانون والدستور المنظمة للحياة السياسية في البلاد . وبمعنى آخر عندما تكون السلطتين التنفيذية والتشريعية في يد حزب واحد, أو تحالف حزبي موحد, وهو ما يطلق عليه البعض السيطرة الموحدة, فان سلطات رئيس الدولة الفرنسي تكون كبيرة, ويجمع من يتولى منصب الرئاسة الفرنسي صلاحيات الرئيس الأمريكي, حيث يكون رئيس السلطة التنفيذية ويتمتع باستقلالية عن أي رقابة من قبل السلطة التشريعية، بالإضافة إلى السلطات التي تخول إلى الحكومة في النظام البرلماني (مثل المملكة المتحدة) ومنها السيطرة على جدول أعمال السلطة التشريعية, والقدرة على حلها والدعوة لانتخابات مبكرة. فالحكومة في ظل توجيهات رئيس الدولة, تسيطر على السلطة التشريعية بشكل اكبر من الحكومات في النظم البرلمانية, والنتيجة هي قدر كبير من هيمنة السلطة التنفيذية. وهذا الوضع مماثل للوضع الذي كان فيه كلا من رئيس الجمهورية (جاك شيراك) ورئيس الوزراء ( دومينيك دوفيلبان) ينتميان إلى نفس الحزب.
السيطرة المجزئة (التعايش)
في حالة سيطرة حزب او تحالف على أحد السلطتين وحزب أخر على السلطة الأخرى, وهو ما يطلق عليه السيطرة المجزئة, فان حجم السلطات تكون موزعة, وفي بعض الأحيان متنازع عليها, بين رئيس الدولة, ورئيس الوزراء . ووفقاً لهذه الازدواجية يتطلب الأمر عملية تنسيق وإيجاد حالة من التعايش بين رأسي السلطة التنفيذية والبرلمانية، خاصة إذا كان رئيس الحكومة ينتمي لأغلبية برلمانية لا ينتمي لها رئيس الدولة . وهنا فان الرئيس يجد نفسه مضطرا إلى التخفيف من قبضته على السلطة التنفيذية, فهو لا يجب أن يتوقع أن يقوم رئيس الوزراء والبرلمان بتمرير كل مبادراته السياسية, خاصة إذا كان قد اتخذها بشكل منفرد. ويتحول قدر كبير من السلطات إلى رئيس الوزراء ليقترب النظام الفرنسي من النظام البرلماني, ويبتعد عن النظام الرئاسي. ويكفي في حالات التعايش, أن يقوم رئيس الجمهورية بانتقاد رئيس وزرائه أمام وسائل الإعلام, لكي يصير واضحا للجميع أن ثمة صراع بين الطرفين, ويكون على الشعب الفرنسي أن يختار في اقرب انتخابات (تشريعية, أو رئاسية آيهما اقرب) أن ينحاز لطرف ضد أخر. ففي عام 1986 فازت أغلبية محافظة بالانتخابات التشريعية في ظل الرئاسة الاشتراكية لفرنسوا ميتران, وكانت الانتخابات الرئاسية هي الأقرب, حيث فاز ميتران عام1988 بمنصب الرئاسة لفترة ثانية, فقام بحل البرلمان ودعا لانتخابات فاز فيها الاشتراكيون .
وعلى مدى حوالي 30 عاما، كان رئيس الجمهورية ورئيس المجلس الوطني ينتميان إلى نفس الحزب، لكن في عام 1986، وفي أعقاب فوز اليمين في الانتخابات البرلمانية، وجد الاشتراكي فرانسوا ميتيران نفسه مضطرا لتسمية الديغولي جاك شيراك وزيرا أول. وهذا "التعايش" بين رئيس وحكومة من معسكرين متعارضين، يُـضعف إلى حدٍّ كبير سلطات الرئيس، الذي يقتصر حينها على لعب دور حارس المؤسسات وممثل فرنسا في الخارج، وقد اضطر ميتيران مجددا للتعايش من عام 1993 إلى 1995 (مع إيدوار بالادور) ثم جاء الدور على الرئيس جاك شيراك، الذي تعايش ما بين 1997 و2002 مع الاشتراكي ليونيل جوسبان في منصب الوزير الأول بعد أن حاز اليسار على الأغلبية في البرلمان . فلم يتسن لشيراك ممارسة مهامه الرئاسية استنادا الى غالبية برلمانية وحكومة موالية له سوى سنتين، اضطر في اعقابهما الى حل البرلمان وعقد انتخابات تشريعية جاءت نتيجتها مغايرة لتوقعاته وأدت الى فوز الاشتراكيين وخلفائهم اليساريين. ولم يكن بإمكان جوسبان الانطلاق بعمله الحكومي من دون ان يضع دائما نصب عينيه كونه لا يسيطر سوى على نصف الحكم، وان عليه مراعاة هذا الواقع في مختلف توجهاته. ونتيجة هذه المعادلة كرس كل من شيراك وجوسبان جهدا بالغا على مدى السنوات الخمس الماضية، للحد من جدوى ما يقوم به الآخر، وان من دون ان يؤدي ذلك الى تعطيل النشاط الرسمي والمؤسساتي.
وفي كتاب له تحت عنوان كتاب "الضفة اليسرى" 1997- 2001انتقد مدير مكتب رئيس الحكومة، اوليفيه شراميك، بحكم تجربته وموقعه، صيغة التعايش حيث استعرض مساوئها على صعيد سير مؤسسات الدولة الفرنسية، وشكل الكتاب تحذيرا وجهه شراميك الى الناخبين الفرنسيين، للحؤول دون تكرارهم صيغة التعايش .
الجدل حول صلاحيات رئيس الجمهورية : جدل مستمرتشهده الساحة السياسية الفرنسية بشكل شبه دوري حول الصلاحيات الكبيرة التي يتمتع بها قاطن قصر الاليزيه الرئاسي, وقد نجحت تلك المطالبات في الحد من فترة الرئاسة, لتصبح خمس سنوات بدلا من 7 سنوات, إلا أن مطالبات أخرى مازالت قيد البحث مثل المسئولية السياسية لرئيس الدولة, وعدم وجود قيد على فترات الرئاسة. واذا كان هذا الجدل هو عملية مستمرة، فان الأضواء قد سلطت على تلك القضية مؤخرا عقب تصريحات نيكولا ساركوزي عندما كان وزيراً للداخلية، حيث دعا في حديث له بمناسبة العام الجديد 2006 إلى إجراء تعديلات دستورية كبيرة في فرنسا تشمل:
1- تخفيض ولاية الرئيس وحصرها بفترتين فقط، فطبقا له عشر سنين هي أفق طموح بما فيه الكفاية.
2- وجعل رئيس مجلس الوزراء منسقا فقط لسياسات الحكومة.
3- كما أكد أنه على الرئيس المثول أمام البرلمان لمناقشة قضايا الساعة, حيث يرى ساركوزي ان من واجب الرئيس ليس فقط مواجهة الخيارات الكبيرة، ولكن أيضاً كل ما يهم الحياة اليومية للفرنسيين، وعليه أيضاً تحمل مسئوليته والقيام بتعهدات، وشرح طريقة تنفيذها. وقد أثارت تصريحات ساركوزي ردود فعل مختلفة, خاصة بالنسبة لأولئك المطالبين بالحد من صلاحيات رئيس الجمهورية, فبينما اعتبر هؤلاء أن وضع قيد على عدد فترات الرئاسة, لتصبح فترتين على الأقصى هو أمر إيجابي حيث انه بسلطات كتلك التي يملكها رئيس الجمهوري في النظام الفرنسي لا يجب أن يستمر في الحكم لفترة طويلة. إلا أن دعوته إلى أن يمثل الرئيس أمام البرلمان لمناقشة الأمور اليومية هي إضافة جديدة لصلاحيات رئيس الجمهورية, خاصة ان ساركوزي قد أكمل ذلك بمطالبته بان يصبح رئيس الوزراء مجرد منسق للسياسات التي يضعها الرئيس .
أسباب قوة منصب رئيس الجمهورية الفرنسي
يمكن إجمالا إرجاع قوة منصب الرئيس الفرنسي إلى ثلاث عوامل رئيسية :
1- الصفات الشخصية لشارل ديجول, مؤسس الجمهورية الفرنسية الخامسة، حيث يعتبر شارل ديجول هو السياسي الفرنسي الأكثر تأثيرا و شهرة في القرن العشرين دون جدال. وقد استمد تلك الشهرة من قيادته للمقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية, ونجح في إعادة صياغة المؤسسات السياسية الفرنسية خلال الجمهورية الخامسة بهدف خلق قيادة قوية تستطيع إعطاء ثقل لفرنسا على الساحة الدولية, في الوقت الذي اشتعلت فيه معارك الحرب الباردة بين القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. ولكونه أول رئيس لفرنسا في الجمهورية الخامسة, فقد اصبغ على منصب الرئيس عدة صفات منها القوة و الديناميكية, وقد زاد من تأثير ديجول على منصب الرئيس, نجاحه في الصعود بحجم التأثير السياسي والاقتصادي على الساحة الدولية بشكل كبير, بعد ان كانت فرنسا منذ عدة سنوات ترزح تحت الاحتلال النازي الذي احتل نصفها, وولي حكومة عميلة في النصف الأخر ( حكومة الجنرال بيتان) .
وقد جاء بعد ديجول, الرئيس جورج بومبيدو, وفاليري جيسكار ديستان, وقد كان هذين الرئيسيين, مجرد نسخ باهته من الرئيس الأول للجمهورية الخامسة. أما الرئيس الثاني الذي استخدم صلاحيات رئيس الدولة بشكل موسع هو فرنسوا ميتران, والذي كان هو الأخر احد القيادات الشابة في حركة المقاومة الفرنسية خلال الحرب العالمية الثانية, وقد كان احد حلفاء ديجول إلا أن الطموحات السياسية للرجلين فرقت بينهما. فقد اتهم متيران ديجول بأنه صنع منصب رئاسي, يسمح له بممارسة السلطة بشكل تعسفي وسلطوي, وسعى ميتران لكي يجعل من الحزب الاشتراكي بديل للتحالف الديجولي . وفي 1981, بعد خسارته في جولتين سابقتين للانتخابات الرئاسية, نجح في الإطاحة بفاليري جيسكار ديستان ليبدأ ميتران فترة رئاسية قدر لها أن تكون الأطول في تاريخ الجمهورية الخامسة والتي دامت لـ 14 عاما .
2- الدستور الفرنسي : إن دستور الجمهورية الخامسة يمنح الرئيس العديد من الصلاحيات (سبق الاشاره لها).
3- الرئيس السياسي ( الممارسات السياسية للرئيس ): إن الدستور يخلق بالطبع من منصب الرئيس , سلطة كبيرة , و بالرغم من ذلك فلكي تكون تلك الصلاحيات الدستورية للرئيس فعالة يجب عليه ترجمة تلك النصوص إلى قدرة يومية على التأثير في العمل السياسي الفرنسي ، وهذا يتطلب ان يمتلك الاغلبية في الجمعية الوطنية.



السلطة التشريعية.
للسلطة التشريعية في فرنسا, منذ القدم, أهمية خاصة, و تقدير كبير في نفوس مواطنيها. ولعل ما عبر عنه فيكتور هيجو, في مساندته لأحد النواب في حملته الانتخابية, يبين ذلك, وان لم يوافقه على بعضه أنصار فصل السلطات: " المشرع هو المعبّر الأعلى عن إرادة الأمة، وكل مقاومة من قبل السلطة التنفيذية للسلطة التشريعية هو تدخل. كل تعد من السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية هو جناية." وتتكون السلطة التشريعية من مجلسين على غرار النظامين الأمريكي والبريطاني، هذان المجلسان هما: الجمعية الوطنية، ومجلس الشيوخ.
أولا: الجمعية الوطنية:تعد هي المجلس الأهم من الناحية التشريعية مقارنة بمجلس الشيوخ، وبالرغم من أن الأخير مجلس منتخب، فإن صلاحيته التشريعية محدودة وهو في ذلك يشبه إلى حد كبير مجلس اللوردات في النظام البريطاني، كما أن الجمعية الوطنية الفرنسية تشبه في صلاحياتها مجلس العموم البريطاني، خاصة فيما يتعلق بعلاقتها مع الحكومة، إذ يحق لها سحب الثقة من الحكومة. ولها حق مناقشة مشاريع القوانين المقدمة من الحكومة ولها الاعتراض عليها أو طلب تعديل بعض الفقرات بها، كما يحق لها اعتماد ميزانية الدولة ومناقشة الحكومة بشأنها. وكما سبق القول يحق لها سحب الثقة من الحكومة، لكنها لا تلجأ إلى ذلك إلا نادرا خشية أن يطلب رئيس الحكومة من رئيس الدولة حل الجمعية الوطنية وإجراء انتخابات جديدة . وتتشكل الجمعية الوطنية من 577 نائبا، 555 منهم من المناطق الداخلية في فرنسا، والمقاعد الباقية للأقاليم الفرنسية فيما وراء البحار (مثل غينيا الفرنسية، جزيرة سان ريمون، سان بيتر، جزيرة مايوت الموجودة في جزر القمر وغيرها). ويتم انتخاب النواب لمدة خمس سنوات عن طريق الاقتراع الفردي.
ثانيا: مجلس الشيوخ :ويتكون من 321 عضوا، 296 عضوا للفرنسيين الموجودين داخل البلاد، والباقي للأقاليم الواقعة فيما وراء البحار (13 مقعدا)، وللفرنسيين الموجودين بالخارج (12 مقعدا). ويتم انتخاب أعضاء هذا المجلس عن طريق الانتخاب غير المباشر من خلال المجمع الانتخابي لكل محافظة (يتشكل هذا المجمع من عدد من النواب والمستشارين العموميين، ومندوبين عن المجالس المحلية) ومدة العضوية به 9 سنوات، وتجرى انتخابات التجديد كل ثلاث سنوات لثلث أعضاء المجلس. وبالرغم من أنه مجلس منتخب تماما مثل مجلس الشيوخ الأمريكي، فإن صلاحياته التشريعية ضئيلة للغاية خاصة فيما يتعلق بحقه في مناقشة سحب الثقة من الحكومة، لذا فهو أقرب إلى مجلس اللوردات في بريطانيا منه إلى مجلس الشيوخ الأمريكي. والوظيفة الأساسية للمجلس هي الوظيفة الاستشارية، حيث يعد بمثابة بيت الخبرة السياسي للجمعية الوطنية .
وتعرض مشاريع القوانين، سواء كانت مقدمة من الحكومة او من البرلمانيين، بالتناوب على الجمعية ومجلس الشيوخ وفي حال استمرار الخلاف بين الغرفتين يكون للنواب الكلمة الفصل اذا قررت الحكومة ذلك.. وقبل بحثها في جلسة موسعة تخضع النصوص لدراسة لجان دائمة مكونة من نواب لا يحق لهم المشاركة سوى في لجنة واحدة منها، وينتهى تداول النصوص بين الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ عندما يتبنى كل من الاثنين دون تعديل الوثيقة التي احالها اليه الاخر.
وبشكل عام، اذا لم يتفق المجلسان بعد قراءتين للنص من قبل كل منهما يمكن تشكيل لجنة مشتركة (سبعة نواب وسبعة شيوخ) لمحاولة التوصل الى صيغة ترضي الطرفين، واذا لم توافق الحكومة على نص اللجنة المشتركة او اذا عجزت هذه عن صياغة نص يكون للحكومة امكانية اعطاء الكلمة الاخيرة للجمعية الوطنية في معظم الحالات. وبعد تبني النص يمكن عرضه على المجلس الدستوري وخصوصا اذا ما قرر ستون نائبا او ستون سناتورا ذلك.ومن وظائف الجمعية الاخرى، ابلاغ المواطنين من خلال تشكيل لجنة تحقيق بالمواضيع المتعلقة بالمجتمع او بالمؤسسات التي لا تعمل جيدا او ايضا باوضاع الازمات. واخيرا ومنذ 1999 اصبح للجمعية الوطنية فريق تقييم ومراقبة يرأسه نائب من الاغلبية واخر من المعارضة ويقوم بمراقبة النفقات العامة .
عمل البرلمان : كان البرلمان في عهد الثورة الفرنسية يجتمع بصفة دائمة غير ان هذا المنهج تغير منذ 1814 واصبح هناك ثلاث انواع من الاجتماعات للبرلمان الفرنسي وهي : الجلسات العادية التى تعقد فى مواعيد محددة من السنة، والدورات غير العادية التى تعقد بناء على طلب الوزير الاول او بناء على طلب اغلبية الاعضاء، واخيراً الاجتماع بقوة القانون التي يعقد بعد حل الجمعية الوطنية او في حالة استخدام الرئيس السلطات الديكتاتورية.
للبرلمان لجان متعددة منها اللجان الخاصة التي تنشأ لفحص مشروع قانون خاص، واللجان الدائمة ولجان التحقيق ولجان المراقبة.
اختصاصات البرلمان:
يعتبر دستور الجمهورية الخامسة بداية عهد جديد في علاقة السلطات العامة، حيث يوسع اختصاصات الحكومة على حساب البرلمان، وينعكس هذا على علاقة القانون باللائحة، اى على مصادر القانون. فبعد ان كان التشريع من اختصاص البرلمان وحده، قلب دستور سنة 1958 القواعد وجعل البرلمان صاحب اختصاص محدد على سبيل الحصر. وفتح المجال للحكومة لاصدار اللوائح والمراسيم بشرط ان لا تتعارض مع اللوائح القانونية. ويرجع هذا الانقلاب الى تعقد المسائل الفنية واستحالة متابعتها بواسطة اعضاء البرلمان. ويبرر الفقه الففرنسي ذلك بالقول بان القانون كان مجالا محجوزا للبرلمان، ولا داعى لاستمرار ذلك بعد ان اصبح الرئيس ينتخب بواسطة الشعب مباشرة، اي انه موضع ثقة الامه. ورغم ذلك يعيب المنهج الجديد ان البرلمان يوفر مناقشات مثمرة تنعكس على صياغة ومضمون القانون، لا يمكن ان تتوفر للمراسيم والاوامر الجمهورية او الوزارية .
النظام الحزبي :
يعد النظام الحزبي الفرنسي نظاما تعدديا شأنه في ذلك شأن النظامين الأمريكي والبريطاني، لكنه يختلف عنهما في عدم وجود حزبين مسيطرين على الحياة السياسية من الناحية الواقعية (الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة، وحزبا العمال والمحافظين في بريطانيا) وإنما هناك تياران متنافسان في فرنسا هما تيار اليمين واليسار يضم كل منهما مجموعة من الأحزاب، أي أن التنافس بين قوى أيديولوجية تتصارع فيما بينها في بعض الفترات لدرجة حدوث تفتت في الأصوات وبالتالي في مقاعد البرلمان (ولعل هذا يفسر أسباب كون معظم الحكومات الفرنسية حكومات ائتلافية)، وتارة أخرى تحدث حالة من الاستقطاب ولكن بين أنصار التيار الواحد، وغالبا ما يحدث هذا في ظل وجود زعامات كاريزمية لها القدرة على جمع هذه التيارات في تيار واحد مثل "ديجول" الذي استطاع أن ينظم صفوف اليمين الوطني ويحوله إلى قوة سياسية فاعلة ومهيمنة على الحياة السياسية طيلة الستينيات، وفي المقابل قام الرئيس "فرانسوا ميتران" بتوحيد عشرات الأحزاب والقوى اليسارية، بحيث كان لها الهيمنة على الحياة السياسية الفرنسية طيلة الثمانينيات.
وعلى الرغم من أن الأحزاب الفرنسية ظهرت في فرنسا مع اندلاع الثورة عام 1789، فإن أقدم الأحزاب المعاصرة تعود نشأتها لعام 1901، أما الأحزاب التي نشأت قبل هذا التاريخ فقد اختفت تنظيميا وربما فكريا من الحياة السياسية الفرنسية. والآن هناك تقريباً خمس قوى سياسية في فرنسا برزت خلال الانتخابات الرئاسية التي جرت في أبريل الماضي، ثم في الانتخابات البرلمانية في يونيو الماضي أيضا، هذه القوى هي: اليسار المتطرف وتمثله الأحزاب الشيوعية؛ واليسار المعتدل ويمثله الحزب الاشتراكي ومرشحته "سيجولين رويال"؛ والوسط الذي يمثله حزب "الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية" ومرشحه "فرانسوا بايرو"؛ واليمين المعتدل ويمثله حزب "الاتحاد من أجل الأغلبية الشعبية" ومرشحه "نيكولا ساركوزي" الذي فاز في الانتخابات، وأخيرا اليمين المتطرف الذي يمثله حزب "الجبهة الوطنية" ومرشحه "جان ماري لو بان". ويلاحظ أن المنافسة السياسية والانتخابية عادة ما تنحصر بين الحزب اليميني المعتدل "الاتحاد من أجل الأغلبية الشعبية"، وبين الحزب الاشتراكي. إلاّ أن وصول "جان ماري لو بان" إلى الدورة الثانية لانتخابات 2002 الرئاسية كان تحدياً جديداً للديمقراطية في فرنسا .وفيما يلي نبذة عن الأحزاب الرئيسية.
اولا: الحزب الاشتراكي : يعتبر من أقدم الأحزاب السياسية المعاصرة في فرنسا؛ حيث تعود جذور نشأته لعام 1905، وفي عام 1959 تم تغيير اسم الحزب إلى الحزب الاشتراكي الفرنسي، وأصبح يمثل التيار المعتدل لليسار"أي هو حزب يسار الوسط" وذلك تمييزا له عن الأحزاب اليسارية المتطرفة "الحزب الشيوعي". ولقد برز الحزب بصورة قوية في الساحة الفرنسية على يد الرئيس الفرنسي الأسبق "فرانسوا ميتران"، فقد تمكن "ميتران" من توحيد معظم فرق اليسار المعتدل، وقام عام 1972 بإبرام برنامج مشترك للحكم مع كل من الحزب الشيوعي والراديكاليين، ولقد كان ذلك أحد العوامل التي أسهمت في فوز "ميتران" برئاسة البلاد عام 1981، وكذلك فوز الحزب الاشتراكي -لأول مرة في تاريخ فرنسا- بأغلبية مقاعد الجمعية الوطنية في الانتخابات التالية.
ويتلخص برنامج الحزب في محاولة الحفاظ على حد أدنى مرتفع للأجور، ومكافحة البطالة، ومحاولة استيعاب العمالة المهاجرة في النسيج الاجتماعي للبلاد، "ومن ثم فهو من هذه الزاوية قريب من الأقلية العربية في البلاد" فضلا عن مشاركة العمال في الإدارة. أما خارجيا فإن الحزب يدعو للحفاظ على روابط قوية مع الولايات المتحدة وحلف الأطلنطي، كما يطالب بسياسة عالمية أكثر عدلا في التعامل مع دول العالم الثالث. كما يعد الحزب من مؤيدي إسرائيل، لذا فإن هذه النقطة تجعل هناك تباعدا بينه وبين الفرنسيين من أصل عربي. وبصفة عامة فإن الأداء السياسي للحزب في تحسن مستمر، خاصة وأنه حزب معتدل كما سبق القول، حيث ارتفع عدد مقاعده في الجمعية الوطنية من 149 مقعدا عام 2002 "26.7%" إلى 185 مقعدا في الانتخابات الأخيرة "33.3%". ويعد الحزب المنافس الرئيسي لحزب التجمع من أجل الحركة الشعبية الحاكم حاليا.
ثانيا: الحزب الشيوعي :تأسس عام 1920، وكان مرتبطا من الناحية الأيديولوجية والسياسية بالاتحاد السوفيتي. وقد زاد دوره السياسي بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة بسبب دوره المباشر في مقاومة الاحتلال النازي، لذا فقد شارك في حكومة "ديجول" المؤقتة بعد الحرب، لكن يلاحظ أن قوته الانتخابية لم تتجاوز ربع أصوات الناخبين، وأقل من 15% من مقاعد الجمعية الوطنية. ثم بدأت مكانته في التراجع بداية من عام 1972 "تاريخ بروز "ميتران" وتفعيله للحزب الاشتراكي"، وصار من القوى الهامشية في النظام الفرنسي "أقل من 10% من الأصوات، وأقل من 5% من مقاعد الجمعية الوطنية".
ثالثا: التجمع من أجل الحركة الشعبية: وهو الذي أسسه الرئيس الفرنسي السابق "جاك شيراك" عام 1967 ليكون امتدادا لحزب التجمع من أجل الجمهورية الذي أسسه "شارل ديجول" والذي عرف باسم الحزب الديجولي. هذا الحزب يعد من أحزاب اليمين المعتدل، وتقوم سياسته الداخلية على التركيز على قوة الدولة من ناحية، وتبني سياسات معتدلة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وفي الخارج يهدف الحزب إلى بناء سياسة خارجية مستقلة لفرنسا، مع تأكيد دورها العالمي. وبالنسبة للعلاقات مع الدول العربية خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية فقد انتهج الحزب أثناء حكم الرئيس "شيراك" سياسة تقارب مع الدول العربية، وتفهّم قضاياها، لا سيما القضية الفلسطينية. وهو ما دفع العرب الفرنسيين "تقدر عدد أصواتهم بمليوني صوت" إلى التصويت لصالحه في انتخابات عام 2002. لكن من المتوقع أن يتغير موقف الحزب تجاه العرب في الداخل والخارج بعد فوز الحزب في الانتخابات الرئاسية "أبريل 2007"، والبرلمانية "يونيو 2007"، خاصة وأن الرئيس الحالي "نيكولاي ساركوزي" متعاطف مع إسرائيل، كما أنه سبق وأن وصف العرب الموجودين في فرنسا إبان توليه حقيبة الداخلية عام 2005 بأنهم رعاع وحثالة، الأمر الذي أدى إلى حدوث اضطرابات في فرنسا في حينها، كما أنه يتخذ موقفا متشددا من الهجرة غير الشرعية للبلاد، والتي يأتي معظمها من دول شمال إفريقيا العربية. ويعد هذا الحزب هو الحزب الحاكم حاليا، حيث حصل في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بالتحالف مع بعض الأحزاب الصغيرة على 314 مقعدا "54.5%"، الأمر الذي مكنه من تشكيل الحكومة منفردا في مواجهة خصمه التقليدي "الحزب الاشتراكي".
رابعا: الجبهة الوطنية :وهي تعد من قوى اليمين المتطرف، وظهرت عام 1972 على يد زعيمها "جان ماري لوبان"، ودخلت البرلمان لأول مرة عام 1986، ولكن بثقل كبير حيث حصلت على 35 مقعدا في الجمعية الوطنية، فضلا عن أصوات 2.5 مليون ناخب. وهي تعد من أكثر التيارات عنصرية وعداء للمهاجرين خاصة العرب منهم. ولقد كان نجاح "لوبان" في الدخول في جولة إعادة أمام الرئيس "شيراك" في انتخابات عام 2002 دليلا على وجود ميل عنصري لدى قطاع غير قليل من الشعب الفرنسي تجاه العرب والمسلمين .
ان لوبن الذي وصف نفسه بأنه "رجل حر ينتمي إلى اليسار اجتماعياً وإلى اليمين اقتصادياً وأكثر من أي شيء هو قومي فرنسي، قد بدا وحده في موقع المنتصر في الدورة الأولى لانتخابات 2002، فيما بدا جميع من عداه في موقع المهزوم، فهو لم يحقق تقدماً انتخابياً وحسب بل زعزع أسس الحياة السياسية الفرنسية وهشّم مكوناتها. لقد اسقط لوبن صيغة التناوب التقليدية على الحكم، والمطمئنة لليمين واليسار، ونجح باستبعاد اليسار عن استحقاق رئيسي للمرة الأولى منذ 1969. حطم الحزب الاشتراكي، وحمل رئيس الوزراء لونيد جوسبان على إعلان عزوفه عن السياسة، وسحق الحزب الشيوعي الذي باتت شعبيته في حال شبه معدومة.
الأغلبية والمعارضة
منذ عام 1962م تجمعت الاحزاب ضمن تحالفين كبيرين منظمين أحدهما يميني والآخر يساري وهذا يسمى (ثنائية الأقطاب) التي تشكل جوهر الأغلبية البرلمانية، مما جعل. كل الحياة السياسية الفرنسية مطبوعة بالاستقطاب القائم بين اليسار واليمين، حيث يلعب كل منهما بالتناوب دور الأغلبية والمعارضة. فور انتخابه، ويجب على الرئيس أن يُـسمي وزيرا أول، الذي يقوم بدوره باختيار أعضاء الحكومة (يتراوح عددهم ما بين 30 و50). الوزير الأول مسؤول أمام البرلمان، الذي يُـمكن له – نظريا – الإطاحة به، لكن هذا لم يحدُث أبدا، حيث أن جميع حكومات الجمهورية الخامسة، التي اضطرت لاجتياز هذا الاختبار المسمّـى "التصويت بالثقة"، حصُـلت على دعم النواب. في مقابل ذلك، لا يتوانى الرئيس عن استعمال حقه في تغيير الحكومة، فقد أقدم الرجال الخمسة، الذين تداولوا على رأس الدولة الفرنسية منذ عام 1958، على تغيير رئيس الوزراء 18 مرة، فيما اضطر البعض من هؤلاء إلى تغيير تشكيلة حكومتهم مرات عديدة .
السلطة القضائية :
في أدبيات العلاقة بين السلطات، يتم التأكيد دائماً على استقلالية القضاء، حتى في النظم الأكثر استبدادية وشمولية، وتنبع هذه الاستقلالية من أهمية القضاء كسلطة لصون الحقوق والحريات العامة للمواطن، ومراعاة مبدأ سيادة القانون، ولذلك تحرص كافة النظم السياسية على الاختيار الحيادي والنزيه للقضاء والعاملين في سلك القضاء، كونهم يمثلون ضمير الأمة المحصن ضد السياسة وبواعثها ودوافعها، وأيضاً لما يمثله القضاء من تجسيد للعدالة باعتبارها أهم أركان الحكم الصالح والرشيد والمصل الواقي ضد الاستبداد والطغيان. . وقد جاء في المادة 66 من الدستور الفرنسي القول : إن السلطة القضائية، حارسة الحرية الفردية وهي مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية ضمانا لحيادها ونزاهتها. وتنقسم إلى ثلاثة فروع هي القضاء المدني، والجنائي، والإداري (ولكل قضاء محاكمه الخاصة، حيث تعتبر محكمة النقض أعلى محكمة استئناف في القضايا المدنية والجنائية، كما يعتبر مجلس الدولة أعلى جهة اختصاص في المسائل الإدارية. ويعتبر رؤساء الدولة السابقون بحكم مناصبهم أعضاء في هذا المجلس، لكن دورهم يكون محدودا مقارنة بالأعضاء الأصليين، وبالرغم من أن دور مجلس الدولة تجاوز في الممارسة الصلاحيات الممنوحة له في الدستور، فإن هذا الدور لا يزال محدودا.
ولقد استحدث دستور 1958 المحكمة الدستورية العليا المنوطة بالنظر في مدى اتفاق القوانين الصادرة عن الجمعية الوطنية للدستور الفرنسي، ونفس الأمر بالنسبة للقرارات الصادرة عن الحكومة أو رئيس الجمهورية. وتتشكل المحكمة من تسعة أعضاء، يعينهم كل من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الشيوخ ورئيس الجمعية الوطنية (كل واحد يقوم بتعيين ثلاثة)، ويختار رئيس الجمهورية أحد هؤلاء التسعة لرئاسة المحكمة. ومدة العضوية بالمحكمة تسع سنوات غير قابلة للتجديد..

خاتمه

من خلال عرضنا للمراحل التي مر بها النظام السياسي الفرنسي في تطوره ووصوله الى ما هو عليه اليوم، لابد من ان تستوقفنا كثير من الاحداث والمشاهد التي يجب ان تكون اهم -من وجهة نظري- من النظام السياسيى نفسه، لان النظام لم يصل الى ما وصل اليه الا بفضل هذه المشاهد بما فيها من صراع بين من يسعى الى الامام ومن يريد بقاء الحال على ما هو عليه، صراع بين مفكرين وثوار ونخب ومظلومين وقفوا جميعاً للحصول على حقوقهم الطبيعية في العيش بحرية وكرامه وكافحوا وناضلوا من اجل اهداف ومبادئ امنوا بها وضحوا من اجلها بحياتهم ودمائهم، فكان المشهد دامياً في كثير من الاحيان وثورياً اكثر من اللازم .. ولكن هكذا تؤخذ الحقوق في كثير من الاحيان.
ان الدرس الاساسي الذي يجب ان نتعلمه من هذه التجربه هو ان النظم السياسية لايه دوله تصنعها الشعوب وليس كما يحدث في عالمنا العربي باستنساخ فقرات من دساتير هذه الدولة او تلك، فهذا دستور ابتدائي تجريبي، وذاك قانون اساسي .. وغيره تجد فيه كل ما لذ وطاب من حقوق وحريات .. ولكن وبملء الفم لا تجد منها شئ مطبق على الارض وبالتالي لا قيمة لها ولا معنى ولا تساوي في قيمتها الورق أو الحبر الذي كتبت به، لانها ببساطه غير نابعه من تجربه تاريخية وتراكمات فكرية تؤمن قولاً وفعلاً بما تكتب.
واذا كان لنا ان نلخص تجربة النظام السياسي الفرنسي والتحديات التي يواجهها، بطريقه اخرى غير السرد التاريخي ونسخلص منها العبر والدروس فانه يمكن القول :
اولاً : ان التاريخ لازال يعلمنا بأن معظم التغييرات السياسية ترجع في نشأتها الى انتشار الافكار السياسية المنادية بها والمتجاوبة معها، وفي فرنسا على الاخص لم يتخلف التقدم الفكري والتطور الاجتماعي كل منهما عن مسايرة الآخر. وانا لنتبين دائماً من خلال التاريخ ان وراء الاحداث الكبرى والثورات وحركات الاصلاح العامة افكاراً عامة ومذاهب نادت بها. ولم يحدث مطلقاً ان وقع شئ ما في عالم الحقيقة والواقع دون ان يدركه العقل فوراً وان يستخلص منه ثروه جديدة.
ففي فرنسا بالذات كان للآراء السبق وكانت السبب في كل تقدم اجتماعي وكان الفكر سباقاً في السير الى طريق الحضارة . فقد كانت افكار فولتير ومونتسكو ورسو هي التي قامت عليها الثوره الفرنسية، وكانت مدرسة القانون الطبيعي وقانون الشعوب هي الاساس الذي قامت عليه الثورات الثلاث الكبرى، الثورة الانجليزية عام 1698، والثورة الامريكية عام 1774، والثورة الفرنسية عام 1789، كما كانت أساس ما اسماه "أسمان" النظام السياسي الحديث .
2- اذا كانت الافكار مهمه لهذه الدرجه فإن هذا لا يعني اغفال اهمية الجماهير التي آمنت بهذه الافكار وطبقتها على ارض الواقع بالرغم من جسامة التضحيات، حيث يظهر تسلسل مراحل الثورات الفرنسية وتطور النظام السياسي الفرنسي دستورياُ وسياسياً وما حققه من انجازات في صعوده وانحداره أن قوة "الزعماء والأبطال" كانت تتجسد في انسجامهم مع طبيعة الطبقات والشرائح الاجتماعية التي تدعمهم، ومدى اخلاصهم وايمانهم بمبادئهم التي نذروا انفسهم اليها، حيث سمح هذا التوافق وحده لكل منهم أن يطبع بشخصيته مرحلة تاريخية معينة. ففي تسلسل وصول روبسبيير وبونابرت، ثم ديغول وميتران واخيرا شيراك إلى السلطة شرعية موضوعية أقوى من المميزات الشخصية لهؤلاء الأشخاص التاريخيين أنفسهم ، والتي لولا تضحيات ومساندة الجماهير لهم لما استطاعوا تحقيق مرادهم.
3- أننا نعرف أن الرواد الأوائل والمعلمين والزعماء الذين كانوا على رأس الجماهير في المراحل الأولى هم ضحايا أول موجة رد فعل بينما نرى كيف يتقدم إلى الصف الأول رجال من الصف الثاني متحدين مع من كانوا في العشية أعداء الثورة. لقد لقى الثائر الفرنسى روبسبيير حتفه على المقصلة، فكان مصيره مماثلا لمصير الآلاف الذين كان هو نفسه قد حكم عليهم بالموت وأرسلهم الى المقصلة خلال حكم الارهاب الذى تخلل الثورة الفرنسية فكان بذلك أكبر مثال حى لمقولة أن الثورة تأكل أبنائها .
4- ولكن الثورات ليست دائما تأكل ابنائها فهذا هو فكتور هوجو - الذي وقف ضد الظلم والديكتاتورية – يجسد اكبرمثال حي لتكريم الثورة لابنائها. فبعد ان عانى هوجو النفي خمسة عشر عاما خلال حكم نابليون الثالث وفقد معظم اسرته عاد الى فرنسا ليحتفل به الشعب في حياته ومماته وليشيعه مليونا مواطن وليدفن عام 1885 في مدافن العظماء، وتخلده شجرة سنديان كان قد زرعها في حديقة منزله بعد عودته إلى فرنسا من المنفى سماها «سنديانة أوروبا المتحدة»، حيث كان بحق داعية الوحدة الاوربية ونبيها ولهذا كرمته فرنسا عام 2002 اعظم تكريم .
4- اذا كان هوجو وغيره من المفكرين الفرنسيين قد اثروا الفكر الفرنسي والعالمي بابداعاتهم الداعية الى الحرية والعداله والانفتاح الانساني، فإن هناك على الطرف الآخر من الصوره يظهر لوبون بدعوته العنصرية المنغلقه مهدداً الانجازات التي حققها النظام السياسي الفرنسي عبر عشرات السنين حيث تبدو فرنسا اليوم بلداً ضيق الأفق، يرفض الأجانب وأوروبا، ويشكك بالمستقبل ويخاف من كل ما يحيط به. والتحدي الأول الذي يواجهها يتمثل في السعي إلى اعادة الديموقراطية إلى نصابها وتجنيبها الانحرافات التي قد تترتب على تنامي شعبية لوبن التي وضعت اطروحاته العنصرية سمعة فرنسا ومكانتها الدولية على المحك، بما هي نموذجاً للديموقراطية والتعايش.
5- لقد كانت فرنسا على الدوام، بعكس أميركا، أمة أصول وسكان أصليين. ولهذا فقد حدث صدع آخر في صرح الواحدية الثقافية عندما تحولت فرنسا في مطلع القرن العشرين إلى بلد مستقبل لعمالة أجنبية كثيفة. ففي1911 ارتفع عدد الأجانب المقيمين في فرنسا إلى نحو, 12مليون نسمة. وغداة الحرب العالمية الثانية انفتحت أبواب الهجرة من القارة الافريقية، وتساوى في نحو العام 1982عدد المهاجرين الأفارقة مع عدد المهاجرين الأوروبيين. وبالاضافة إلى الفروق الاثنية واللغوية تدخل هذه المرة العامل الديني، ووجدت الدولة الفرنسية نفسها أمام ضرورة تطوير ما سمي في حينه ب"إسلام فرنسي"، ولو على حساب المصادمة لمبدأ العلمانية في الفصل بين الكنيسة والدولة.
6- لا شك ان مشكلة المهاجرين واندامجهم تعد مشكله بحاجه الى حل ليس بابعادها الثقافية بل وايضاً في بعدها الاقتصادي والانساني فقد ارتفع عدد العاطلين عن العمل في فرنسا في آخر عقود القرن العشرين إلى أكثر من ثلاثة ملايين كما ارتفع عدد الذين لا يتمتعون بعمل ثابت إلى نحو من أربعة ملايين، كما ان عدد الذين لا يعيشون تحت سقف منزل ثابت قد زاد في عام1999على 700ألف شخص . ومن هنا جاء التحول في الحركة المطلبية وتبني الحركات الاحتجاجية الجديدة لشعارات إنسانية أكثر منها طبقية: الحق في العمل، الحق في المسكن، الحق في الكرامة الإنسانية، وهي حقوق نص عليها الدستور الفرنسي واعلان حقوق الانسان، ولكن السياسيون في كثير من الاحيان يحجمون عن تطبيق المبادئ والافكار السامية خوفاً على مصالحهم وارضاء لرغبات قطاعات معينه من المجتمع، ولكن التاريخ علمنا ان المبادئ الساميه فيى صراعها مع الافكار القديمه المنغلقه والجامده لابد ان يكتب لها النصر .. فالعدالة عرجاء ولكنها تصل في النهاية كما يقول المفكر الفرنسي ( ميرابو ) .

المراجع ومصادر البحث
الكتب
1. تاريخ اوروبا في العصور الوسطى – د. سعيد عبد الفتاح عاشور - دار النهضة العربية – بيروت لبنان
2. حكمة الغرب (عرض تاريخي للفلسفة الغربية في اطارها الاجتماعي والسياسي – برتراند راسل - فؤاد زكريا- المجلس الوطنى للثقافة والفنون والاداب, كناب رقم 62 - 1983
3. التاريخ الاوربي المعاصر من عصر النهضة الى مؤتمر فينا- د. عبد الحميد البطريق، د. عبد العزيز نوار- دار النهضة العربية - بيروت
4. موسوعة الفلسفة والفلاسفة – د. عبد المنعم الحفني- فولتير ج 2- مكتبة مدبولي – ط2 1999
5. تاريخ اوروبا في العصور الوسطى – موريس بيشوب – ترجمة على السيد هلى- المجلس الاعلى للترجمة – ط 1 2005
6. روسو (حياته- فلسفته- منتخبات) – اندريه كريسون – ترجمة نبيه صقر- منشورات عويدات – ط3 - 1982.
7. القانون الدستوري والنظم السياسية – د. فتحي الوحيدي- ج 2- مطابع المقداد بقطاع غزة – ط 4 - 2004
8. دراسات في النظم الدستورية المعاصرة – د. محمد عبد الله العربي – معهد الدراسات الاسلامية - 1966
9. الجمهورية- جان ميشال ديكومت- منشورات ميلان
10. قراءات في الفلسفة السياسية – د. فيصل بدير عون - مكتبة سعيد رأفت
11. مقدمة في علم السياسة – بيترغيل و جيفري بونتون – ترجمة د. محمد صالحه - منشورات الجامعة الاردنية 1991.
12. العلاقات الدولية - ريمون حداد:- ص: 412 .- دار الحقيقة ،بيروت، الطبعة الأولى 2000.
13. المدخل إلى القانون الدولي العام وقت السلم- محمد عزيز شكري- دار الفكر، القاهرة، 1973.
14. العلاقات الدولية- محمد عمرتي وعبد السلام سفيري- دار النشر الجسور-وجدة- الطبعة الأولى 1999
الابحاث والمقالات
1. قراءة في النظام البرلماني والنظام الرئاسي - م. علوي المشهور- صحيفة 26سبتمبر - رقم العدد: 1356 ]- اكتوبر 2007
2. http://www.madariss.fr/College/index.htm
3. أصوات الحرية: الكتاب الملتزمون في القرن التاسع عشر- ميشيل وينوك. أستاذ التاريخ المعاصر في معهد العلوم السياسية في باريس - عرض هاشم صالح- http://www.alawan.com
4. الجمعية الوطنية الفرنسية (المجلس النيابي)- هايل نصر- الحوار المتمدن-العدد: 1944- 2007 / 6 / 12
5. فيكتور هوجو: أمير الأدب الفرنسي ومنظر الوحدة الأوروبية- فابيولا بدوي- http://www.awrak99.com/
6. الأسباب وراء اختيار سان كلو في فرنسا- فؤاد دعبول- جريدة الانوار الاثنين 16 يوليو 2007.
7. ما أشبه اليوم بالبارحة- أ. د. محمد العبيدي - وكالة الأخبار الإسلامية (نبأ
8. http://www.islamicnews.net/Document/ShowDoc08.asp?DocID=70631&TypeID=8&TabIndex=3
9. فصل في الإنشاء "الديموقراطي" اللبناني.- فيصل جلول- 2007-06-26- اللجنة العربية لحقوق الانسان- http://www.achr.nu/art208.htm
10. إشكالية تنازع السلطة في العراق: رئيس وزراء منتخب بشكل مباشر-- جابر حبيب جابر- موقع مرافئ- http://www.marafea.org/
11. صعود اليمين المتطرف يدق أجراس الخطر في الجمهورية الديمقراطية!- عبدالجليل زيد مرهون - جريدة الرياض- العدد 12403 السنة 38
12. رئيس الدولة والسياسة الخارجية- طبيعة هذه العلاقة في كل من الأنظمة الرئاسية والبرلمانية والمختلطة- محمد بوبوش: باحث في العلاقات الدولية –جامعة محمد الخامس-أكدال- مجلة الفقه والقانون - http://alex4all.com/stor/articl.php?name=sldg55&id=2600
13. من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة-
14. الإصلاح السياسي والدستوري في مصر: حسن نوايا أم دعاية سياسية؟ - أحمد التلاوي- اخوان اونلاين
15. فرنسا وسويسرا: ديمقراطيتان مختلفتان- مارك أندري ميزري- ترجمه كمال الضيف- سويس انفو
16. تقرير صحفي عن الانتخابات التشريعية الفرنسية- بقلم عبداللطيف السليماني- صنعاء ـ وكالة الانباء اليمنية (سبأنت) – 20/1/2007
17. ورقة أولية نحو نظـام رئاسـي ديمقراطي - الجمهورية الرئاسية بين الخبرة المصرية والخبرات العالمية- ورقة مقدمة لندوة مصر والإصلاح السياسي بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية - د, عمرو الشوبكي- مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية والسياسية.
18. إلا القضاء -د. ناجي صادق شراب – موقع امل الامه نت - 9/4/2007
19. لماذا انتصر ستالين -ليون تروتسكي- http://www.marxists.org/arabic/archive/trotsky/index.htm